عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- المسائل العكبرية - الشيخ المفيد ص 83 : -

المسألة الثامنة والعشرون

وسأل عن قوله عزوجل : * ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) * 1 . ثم قال : عرفنا هل يجوز أن يغفر قتل العمد ويعفو عن الخوارج على الائمة 2 وإن لم يخالفوا في الاصول .


والجواب 3 عن ذلك ، أن كل معصية لله عزوجل تكون كفرا ، فهى شرك في حكم الشرع والدين ، وكل كافر فهو مشرك من أسماء الدين دون أسماء اللغة . وكل مشرك فهو كافر من أسماء الدين واللغة ، وإذا كان الامر على ما ذكرناه وجب القطع على وعيد 4 الكفار بأى ضرب من الكفر وأنواعه ، لما ذكرناه من استحقاق السمة لهم بالشرك في حكم الدين .


والخوارج على أئمة العدل إذا استحلوا حربهم وعداوتهم وقتل المؤمنين من أنصارهم ، فهم كفار بذلك ، وحكمهم حكم المشركين ، وقد دخلوا بذلك في الوعيد من قوله تعالى : * ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) * 1 .

فصل .
فأما قتل العمد فهو على ضربين : أحدهما أن يكون القاتل مستحلا له ، والضرب الاخر أن يقع على وجه التحريم . فمن قتل مؤمنا مستحلا لدمه فهو كافر بقتله ، مستحق للوعيد لقوله 5 : " إن الله لا يغفر أن يشرك به " وبأمثال هذه الاية من 6 وعيد

الكفار . ومن قتل مؤمنا محرما لقتله خائفا من العقوبة له على ذلك ، معتقدا لوجوب الندم عليه منه ، كان مستثنى بقوله 7 : " ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " غير

  * هامش *  
 

 1 - سورة النساء ( 4 ) : 116 .
 2 - رض : + عليهم السلام .
 3 - حش ، رض : فصل والجواب .
 4 - حش : وعيده .

 5 - مل : بقوله . رض : بقوله تعالى .
 6 - " من " ساقطة من حش .
 7 - رض ، مل : لقوله . ( * )

 

 

- ص 84 -

أنا لانقطع على عقابه ، ولا نجزم بالعفو 1 عنه ، إلا أن يندم ويتوب فيكون مقطوعا له بالعفو والغفران .


المسألة التاسعة والعشرون

وسأل فقال : رأينا صاحب الحبشة لما سار إلى البيت منعه الله منه وأهلكه دونه . والحجاج رماه بالعذرة 2 وهدمه ، والقرمطى قتل الناس حوله وسلبه كسوته وقلع الحجر ، ولم يمنعا من ذلك ولا عجل عليهما العقوبة عليه .


والجواب 3 عن هذا السؤال ، قد سلف 4 في إمهال 5 الله تعالى [ 19 ظ ] قتل 6 الحسين 7 عليه السلام . وذكر ما 8 يتعلق بأفعال 9 الله عزوجل من مصالح 10 الخلق ، وأن المصالح تختلف 11 فلا حاجة 12 إلى تكراه .
 

فصل .
على أن بين الامرين فرقا ، وهو أن صاحب الحبشة قصد البيت للاستخفاف بحرمته ، والانكار لحرمته ، والدفع لفرض الله تعالى في تعظيمه ، والكفر بما أوجبه من ذلك ، ولم يقصد لغيره ولا أراد السوء 13 لسواه ، فعجل الله تعالى له النقمة لذلك ، وأنظر القاصدين له من أهل الملة ، إذ لم يكن قصدهم له
 

  * هامش *  
 

 1 - حش : للعفو . رض . مل : على العفو .
 2 - حش ، مر : بالقذرة .
 3 - رض : فصل والجواب .
 4 - مل : قد سبق .
 5 - رض : إنه قد سلف إمهال .
 6 - رض ، مل ، مر : قتلة .
 7 - رض ، مل ، مر ، رض 2 : + بن على .

 8 - مر ، رض 2 : وذكرنا .
 9 - رض ، مل . مر . رض 2 : تعلق افعال . . . .
 10 - رض ، مر ، رض 2 : بمصالح .
 11 - مر ، رض 2 : مختلف .
 12 - رض ، مل : + هنا ، مر ، رض 2 : + بنا .
 13 - رض ، مل : + به . ( * )

 

 

- ص 85 -

من أجل نفسه ، ولا للكفر بفرضه والعناد لله في تعظيمه ، . إنما قصدوه لغيره ممن لم يكن له عند الله تعالى من الحرمة كحرمة ، بل لم يكن لاكثرهم عند الله سبحانه حرمة في الدين ، لضلالهم عن الهدى ، وسلوكهم في الافعال والاقوال طريق الردى 1 .

وهذا يوضح عن فرق ما بين الجرمين 2 ويفصل بين أحكام 3 المعصيتين ، والله ولى التوفيق .


المسألة الثلاثون

وسأل هل يجوز أن يحسن الله قبيحا في حال ، ويقبحه في أخرى ، مثل شرب الخمر وأكل لحم الخنزير واقتل والربا والزناء ؟ وهل كانت هذه الاشياء محللة ثم حرمت ، أم لم تزل محرمة غير محللة ؟


والجواب ، عن ذلك ، أن الله تبارك . تعالى لا يحسن قبيحا ولا يقبح حسنا ، إذ تقبيح الحسن وتحسين القبيح باطل ، لا يقع إلا من جاهل بحقيقتهما ، أو متعمد للكذب في وصفهما بغير صفتهما . والله ، تعالى 5 عن ذلك علوا كبيرا .
 

فصل .
وقد تدخل على العامة شبهة في هذا الباب يعترضهم شك في النسخ ، وحظر ما كان مباحا وإباحة ماكان محظورا ، فيتوهمون أن الله تعالى حسن قبيحا وقبح حسنا . وليس الامر كما ظنوه . وذلك أن الحسن والقبح 6 إنما هما وصفان للافعال ، فالافعال

التى مضت وتعلق بها الحظر كانت قبيحة . وما مضى مما تعلقت به الاباحة والامر بها كان حسنا . فإذا طرأ الحظر على أفعال في المستقبل كان ما يتعلق به ذلك في المستقبل قبيحا وما مضى منه حسنا . والافعال المستقبلة غير
 

  * هامش *  
 

 1 - " الردى " ساقطة في الاصل . أثبتناها عن باقى النسخ .
 2 - حش : الحرمتين ، مر ، رض 2 : اللامرين .
 3 - حش : + المقصدين .

 4 - رض : فصل والجواب .
 5 - رض : مل : يتعالى .
 6 - رض ، مل : القبيح . ( * )

 

 

- ص 86 -

الماضية ، وكذلك إذا تجددت [ 19 و ] الاباحة لافعال في المستقبل كانت الافعال المستقبلة حسنة ، وما تعلق به النهى من ماضيا قبيحا ، والماضي غير المستقبل ، على ما بيناه .

وإنما تقبح 1 الافعال التى لا دليل في العقل على قبحها ولا 2 حسنها ، للعلم بالفساد بإباحتها ويقبح حظرها للعلم بالاستفساد بتحريمها ، وأحوال المكلف 3 تتغير ، فلتغيرها يحسن إياحتهم حينا ماكان نوعه محظورا عليهم حينا ، ويحسن منعهم حينا ماكان نوعه لهم مطلقا 4 حينا ، وهذا باب لا يخفى معناه على متأمل له ، ومفكر من أهل العقل في .


فصل .
فأما تحريم الزناء والرباء فلسنا نعلم خلافا في أنه كان كذلك في كل شريعة ولم يأت بإباحته نبى والاستفساد به ظاهر لذوى الالباب ، وتحريم الخمر عندنا كان في كل شريعة ، ولم يكن مباحا في حال من الاحوال .


وقد خالف في ذلك الجمهور ، ومعنا به آثار صادقة عمن يجب التسليم 6 له من حجج الله تعالى وأصفيائه في الدين . ولو قلت إن الاعتبار يدل عليه أيضا لما أبعد 7 بذلك عن الحق من قبل أن الفساد بشرب 8 كثير من الخمر معلوم وأن شرب القليل

منه يدعو إلى شرب كثيرة ، وقال الله سبحانه : * ( إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوا لعلكم تفلحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر
 

  * هامش *  
 

 1 - رض ، مل : يقبع .
 2 - رض : + على .
 3 - رض ، مل : المكلفين .
 4 - رض : مطلوبا .

 5 - رض ، مل : الربا والزناء .
 6 - رض ، التصديق .
 7 - حش ، رض ، مل : لم أبعد .
 8 - رض ، مل : لشرب . ( * )

 

 

- ص 87 -

ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلوة فهل أنتم منتهون " 1 ، فدل على أن عاقبة الخمر ترك الصلاة ، والاعراض عن ذكر الله ووقوع البغضاء والعداوة بين الناس ، وما كان هذا عاقبة فهو قبيح . ومعلوم أن شرب قليل الخمر يدعو إلى هذا الكثير الذى

نص الله على الفساد به ، فدل على أن شرب القليل والكثير من المسكر محرم في كل شرع بهذا الضرب من الاعتبار ، ووافق ذلك ما جاءت به عن الائمة الصادقين عليهم السلام الاثار 2 .


وأما إباحة لحم الفيل والقرد والدب وأشباهها مما لم يأت بإباحته شريعة ، فقد عرفنا تحريمه في كل شرع . ولسنا نعلم للعقلاء حالا قبل الشرع [ 20 ظ ] فنتكلم عليها فإن كنا لو قدرناها لوجب الوقف عندنا في الحظر والاباحة ، لما لا تدل 3 العقول على حسنه وقبحه من الاشياء .


وأما لحم الخنزير فالنصارى تزعم أن المسيح عليه السلام أباحهم أكله . ولسنا نثق بدعواهم وإن كنا نجوز ، صحتها في العقول ، فإن بطلت فقد كفينا 5 الكلام على وجه حظره بعد إباحته ، وإن صحت فالوجه في حظر المستقبل منه بعد إباحته في الماضي 6 ما قدمناه 7 ، وفى ذلك كفاية ، والمنة لله .
 

  * هامش *  
 

 1 - سورة المائدة ( 5 ) : 90 ، 91 .
 2 - مل : فهذا الضرب من الاعتبار وافق ما جاءت به من الائمة الصادقين عليهم السلام بالاثار .
 3 - حش ، رض ، مل : لا يدل .
 4 - رض : مل : وإن كان يجوز .
 5 - رض : اكفيا .
 6 - مل : اباحته الماضية .
 7 - في الاصل وحش : بما قدمناه ، صححناها على مل ورض . ( * )