- المسائل العكبرية - الشيخ المفيد ص 91 : - |
المسألة الثالثة والثلاثون
وسأل عن قوله تعالى :
" لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من
خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس " 3 قال : وليس يخشى الله إلا مكلف
يعقل ، فما معنى هذا الكلام ؟
والجواب عن ذلك ، كالمتقدم في المسألة الاولى وهو
أن الله تعالى يخبر عن عظم قدر القرآن وجلالة محله وموقع وعدة ووعيده ومواعظه
من القلوب ، فقدر 4 تقديرا على المثل .
وكان الكلام في ذلك مجازا ، ومعناه أن القرآن لو أنزل على جبل
في شدته وعظمه ، وكان الجبل حيا مع ذلك [ 21 و ] عاقلا ففهمه وعرف معانيه ،
لانصدع مع شدته ، وانخشع 5 مع صلابته من خشية الله ، ألا ترى إلى قوله في صلة
الكلام : " وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون "
فبين أن ذلك مثل نبه به على
|
* هامش * |
|
|
3 - سورة الحشر ( 59 ) : 21 .
4 - رض ، مل : + له .
5 - رض ، مل ، مر ، رض 2 . خشع . ( * )
|
|
|
عظم محل القرآن وما يجب أن يكون الانسان عليه عند سماعه
وتدبره ، من الحذر من الله تعالى والخشوع له والطاعة والخضوع .
المسألة الرابعة والثلاثون
وسأل فقال : قد ثبت أن الله عدل
لايجور ، وأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وهو العالم بأن العرب لا تأتي بمثل
القرآن ولا تقدر عليه ، فلم كلفهم أن يأتوا بعشر سور مثله أو بسورة من مثله ؟
وكذلك إن كانوا عليه قادرين لكنهم كانوا منه ممنوعين ، فالسؤال واحد .
والجواب 1 ، أن قوله تعالى : *
( فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ) * 2 [ ليس بأمر
لهم والزام وندبة وترغيب ، لكنه تحد وتعجيز ، ألا ترى إلى قوله عزوجل : *
( أم يقولون افتراه قل فأتوأ بعشر سورة مثله مفتريات )
* ] 3 يريد به تعالى أنه
لو كان القرآن من كلام بشر قد افتراه لكان مقدورا لغيره من
البشر ، فامتحنوا أنفسكم فإذا عجزتم عن افتراه مثله ، فقد علمتم بطلان دعواكم
على محمد صلى الله عليه وآله الافتراء للقرآن ، ومن لم يفهم فرق ما ببن التحدي
والتقريع والتعجيز ، والامر
والتكليف والالزام كان في عداد البهائم وذوى الافات الغامرة
للعقول 4 من الناس ، وكذلك قوله : * ( فأتوا بسورة من
مثله ) * ليس بأمر وإلزام لكنه تحد وتعجيز . ألا ترى قوله : *
( إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من
مثله
وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم
صادقين . فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا " 5 فحداهم 6 وبين عجزهم وأنهم
يعجزون عن ذلك ولم يتهيأ لهم أبدا .
|
* هامش * |
|
|
1 - رض : فصل والجواب .
2 - سورة هود ( 11 ) : 13 .
3 - أثبتناها عن رض ومل .
|
4 - رض ، مل : العقول .
5 - سورة البقرة ( 2 ) : 23 ، 24 .
6 - حش ، رض ، مل : فتحداهم . ( * ) |
|
|
ومثل 1 ما ذكرناه في هذا الباب ، أن يقول امرؤ 2 لكاتب محسن :
إننى قادر على كل ما تقدر عليه ، فيقول الكافي : لست قادرا على ذلك ولا تيسر
مما يتأتى منى ، والدليل على ذلك أننى أكتب كتابا حسنا ، فإن كنت تحسين منه ما
أحسن ، فاكتب مثله أو بعضه .
وكقول المفحم 3 للشاعر : ليس يمكنك من النظم إلا ما يمكننى مثله ، فينظم قصيدة
ويتحداه بنظم مثلها . فإذا عجز عن ذلك أعلمه بعجزه بطلان دعواه مماثلته 4 في
الشعر . ولم تزل العرب يتحدى بعضها بعضا [ بالشعر ويعجز بعضها بعضا ] 5 وكذلك
كل ذى صناعة يتحدى بعضهم بعضا على وجه التقريع والتعجيز ، ولا يكون [ 22 ظ ]
تحديهم أمرا ولا إلزاما .
ومن خفى عنه القول في هذا الباب ، - وعرضت له من الشبهة فيه ما عرض لصاحب
السؤال كان بعيدا من العلم ، ناقصا عن رتبة الفهم ، والله المستعان .
المسألة الخامسة والثلاثون
قال السائل قد ورد عن صاحب
الشريعة ، صلى الله عليه وآله 6 أنه قال : " اتقوا .
|
* هامش * |
|
|
1 - رض ، مل : مثال .
2 - حش : أمي .
3 - في الاصل وحش : المنجم . صححناها على رض ومل .
والمفحم : من لا يقدر أن يقول شعرا .
|
4 - رض ، مل : مما يليه .
5 - أثبتناها عن حش ورض ومل .
6 - رض 2 : عليه وآله الصلاة والسلام والتحية . ( * ) |
|
|
فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " 1 وقد رأينا آدم عليه
السلام لم يعرف إبليس لما تصور له 2 وأغواه 3 ، ولا مريم عليها السلام عرفت
جبرائيل 4 ، ولا عرف داود الملكين ، ولا لوط وإبراهيم 5 عرفا الملائكة لما
جاؤوا بصورة ضيوف ، ولا صاحب شريعتنا صلى الله عليه وآله 6 عرف المنافقين حتى
عرفه الله إياهم .
والجواب ، أن هذا حديث لا نعرف له سندا متصلا ولا
وجدناه في الاصول المعتمدة ، وما كان هذا حكمه لم يصح التعلق به والاحتجاج
بمضمونه .
فصل .
مع أن له وجها في النظر - لو ثبت لكان محمولا عليه - وهو الخبر عن صحة ظن
المؤمن في أكثر الاشياء ، وليس يخبز 7 بالغائبات 8 من طريق المشاهدة ، وقد قيل
إن الانسان لا ينتفع بعلمه ما لم ينتفع بظنه ، أراد بذلك أنه متى لم يكن
|
* هامش * |
|
|
1 - روى الشيخ المفيد في كتابه ( الاختصاص
143 ) : في الصادق عليه السلام . انه قال : . . . وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وآله : اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله .
ورواه الشيخ المدوق في معاني الاخبار ( ص
350 ) ،
ونقله العلامة المجلسي في بحار الانوار
38 / 83 و 67 / 61 .
ونقل أيضا عن بصائر الدرجات ( ص 79 ) عن
سليمان الجعفري ، قال : كنت عند أبى الحسن عليه السلام قال : يا سليمان ! اتق
فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله . فسكت حتى أصبت خلوة ، فقلت : جعلت فداك
سمعتك تقول : اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ؟ قال :
نعم يا سليمان ، إن الله خلق المؤمن من نوره ، وصبغهم في رحمته وأخذ
ميثاقهم لنا بالولاية . والمؤمن اخ المؤمن لابيه وأمه ، أبوه النور وأمه الرحمة
، وإنما ينظر بذلك النور الذى خلق منه .
ثم قال العلامة المجلسي : بيان : الفراسة الكاملة لكمل المؤمنين ، وهم
الائمة عليهم السلام ، فإنهم يعرفون كلا من المؤمنين والمنافقين بسيماهم ، كما
مر في كتاب الامامة ، وسائر المؤمنين يتفرسون ذلك بقدر إيمانهم . (
بحار الانوار 67 / 73 ) .
|
|
2 - رض 2 : لما سوله .
3 - رض : أغراه ، مل : غوا ه .
4 - مل ، مر : جبرئيل . رض ، رض 2 : جبرئيل عليه السلام .
5 - رض : عليهما السلام . |
6 - حش ، مر . رض 2 : عليه السلام .
7 - رض ، مل ، مر ، رض 2 : + عن علمه .
8 - رض ، مل : بالغائب .
9 - حش : حتى . ( * )
|
|
ذكيا 1 فطنا متيقظا صافي 2 الطبيعة لم يكد يعلم كثيرا من
الاشياء ، وإنما يكثر علم الانسان . بخلوص طبيعته من الشوائب ، وشدة ذهنه
واجتهاده وطلبه ، ومتى كان كذلك صدقت ظنونه ، فكان المعنى في القول بصحة فراسة
المؤمن هوما ذكرناه من صدق ظنه في الاكثر وليس إصابة الانسان في الاكثر تمنع من
سهوه في الاقل .
وهذا يسقط شبهة السائل لانها مبنية على توهمه أن المؤمن يعلم بالفراسة الغيب ،
ولا يخفى معها عليه علم باطن 3 ، وذلك فاسد لم يتضمنه الخبر بصريحه ، ولا أفاده
بدليل منه [ عليه ] 4 .
فصل .
مع أن آدم عليه السلام قد تفرس في إبليس 5 المكر والخديعة ، فحذره حتى أقسم له
بالله عزوجل فاشتبه عليه أمره بالقسم ، قال الله تعالى : *
( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين . فدلاهما بغرور )
* 6 وليس يمتنع أن يرجع الانسان عما قوى في
ظنه بشبهة تعرض 7 له في ذلك ، وهو على صورته التي خلق عليها
فيصدق ظنه فيه بتفرسه ، وإنما شاهده على غيرها فالتبس الامر عليه لذلك ، مع أنا
لا نعلم أن آدم عليه السلام رأى إبليس بعينه في حال غوايته ، ولا ينكر أن يكون
وصلت إليه
وسوسته 8 مع احتجابه عنه ، كما تصل وسوسته 8 إلى بني آدم من
حيث لا يرونه ، فلا يكون حينئذ لادم 9 فراسة لابليس لم تصدق على ما ظنه السائل
وتخيله في معناه . والخبر الذي جاء أنه 10 تصور لادم 11 في صورة شاهده عليها ،
خبرشاذ يتعلق به أهل الحشو ، وما كان ذلك سبيله فهو مطروح عند العلماء .
|
* هامش * |
|
|
1 - حش ، رض : زكيا .
2 - في الاصل وحش : في ، صححناها على باقي النسخ .
3 - حش : عليه ناظر . مر ، رض 2 : عليه ما ظن .
4 - أثبتناها عن باقى النسخ .
5 - رض : + لعنه الله .
6 - سورة الاعراف ( 7 ) : 21 و 22 . |
7 - رض ، مل : تعترض .
8 - حش : وسوسة .
9 - حش ، رض ، مل : + عليه السلام .
10 - رض : فيه تصور .
11 - رض : + عليه السلام . ( * )
|
|
|
فصل .
وأما الملكان اللذان هبطا على داود عليه السلام فإنه قد ظن بفراسته لهما ما عرف
اليقين 1 منه بعد الحال ، ألا ترى إلى قوله تعالى : "
وهل أتاك نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب . إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا
تخف خصمان بغى بعضنا
على بعض " 2 [ فبين تعالى عن
صدق ظنه فيهما ، وبصحة فراسته لهما ، وانهما غطيا عليه الامر بقوله " خصمان بغى
بعضا على بعض " ] 3 ،
والقول في هذا الباب قد تضمنه ما تقدم من القول بأن الانسان قد ينصرف عن غالب
ظنه بشبهة تعترض 4 له ، وأن الفراسة لا توجب اليقين 5 ، وأن النظر بنور الله 6
يدل على قوة الظن ، إذ لا طريق إلى العلم بالغائبات من جهة المشاهدات .
فصل .
وكذلك القول في لوط وإبراهيم عليهما السلام واشتباه الامر عليهما في حال
الملائكة ، وانهما ظنا بالفراسة لهم ما تحققاه من بعد ، ألا ترى 7 قوله تعالى *
( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة
قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ) * 8 وقالوا للوط 9 :
" إنا رسل ربك لن يصلوا إليك " 10
فصل .
وبعد ، فإن الملكين اللذين تسورا 11 على داود 12 والملائكة الذين نزلوا بهلاك
13 قوم لوط لم يكونوا بصورهم 14 التى هي لهم ، فتكون فراسة الانبياء
|
* هامش * |
|
|
1 - رض ، مل : النفس .
2 - سورة ص ( 38 ) : 21 و 22 .
3 - أثبتناها عن رض ومل ورض 2 .
4 - باقى النسخ : تعرض .
5 - رض : لا يوجب التعيين .
6 - حش : + تعالى . رض ، مل : + تعالى في الخبر .
7 - رض ، مل ، مر ، رض 2 : + إلى . |
8 - سورة هود ( 11 ) : 70 .
9 - رض : + عليه السلام .
10 - سورة هود ( 11 ) : 81 .
11 - حش ، رض ، مل : تسوروا .
12 - رض : + عليه السلام .
13 - رض : على هلاك . مل ، مر ، رض 2 : لهلاك .
14 - رض ، مل ، مر : في صورهم . رض 2 : في صورتهم . ( * )
|
|
|
عليهم السلام لهم توجب لهم اليقين في حالهم ، لكنهم جاؤوا في
غيرها ، فلذلك التبس أمرهم 1 على ما شرحناه .
فصل .
وأما فراسة النبي صلى الله عليه وآله للمنافقين فقد صدقت ولم يخف على 2 النبي
صلى الله عليه وآله أمرهم مع التفرس لهم . وقوله تعالى : *
( ولو نشاء لا ريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في
لحن القول والله يعلم أعمالكم ) * 3 [ يدل على ما
ذكرناه ] 4 وذلك أن الله تبارك وتعالى رده في علم أحوالهم إلى
التفرس لهم ، وأحاله في معرفتهم على مشاهدته 5 مخارج كلامهم وسماع مقالهم ،
وقطع على وصوله إلى معرفة بواطنهم بتأمله لحن قولهم ، وجعل ذلك نائبا مناب
تعيينهم وتسميتهم ، وهذا خلاف ما توهمه 6 السائل وتظناه 7 .
فصل .
فإن سأل سائل عن قوله تعالى : * ( ومن أهل المدينة مردوا
على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) * 8 فقال : كيف يكون صادق التوسم وهو
لا يعلم اهل النفاق مع تفرسه لهم ؟
فالجواب ، عن هذا قد تقدم ، وهو
أن الله تعالى نفى علمه بهم ولم ينف ظنه 9 بنفاقهم ، والخبر إنما يدل على قوة
ظنه بهم عند تفرسه لهم ، ولا يدل على علم 10 ويقين لهم على ما قدمناه . فصل .
مع أن القوم الذين عناهم الله تعالى بهذه الاية من أهل النفاق ، لم يقم
|
* هامش * |
|
|
1 - رض 2 : اللامر .
2 - رض 2 : عن .
3 - سورة محمد ( 47 ) : 30 .
4 - أثبتناها عن مر ورض 2 .
5 - مر ، رض 2 : مشاهدتهم . |
6 - مر : ظنه .
7 - رض : وأبطلناه وتظناه من التظنى ، والتظنى : إعمال الظن . وأصله التظنن ،
أبدل من إحدى النونات ياء . ( لسان العرب ) .
8 - سورة التوبة ( 9 ) : 101 .
9 - رض : تفطنه مل . ولم يتفطنه .
10 - حش : علمه . ( * )
|
|
|
دليل على تفرس النبي صبى الله عليه وآله بهم 1 في حال نفاقهم
، ولا يمتنع أن يكون القوم كانوا غيبا عنه ، أو كانوا 2 يحضرونه فلا يتميز
بينهم 3 لشغله بغيرهم ، فأنبأه الله عزوجل عن حالهم بالتمرد على النفاق ، وهو
العتوفيه والتمرد عليه .
ولا يمتنع أيضا أن يكون قد عرفهم بالنفاق ، غير أنه لم يعرفهم
بالتمرد عليه . وليس في الخبر ما يدل على أن فراسة المؤمن تدل 4 على كل حال
يكون عليها من تفرسه ، وإنما يقتضى 5 أنها 6 تميز بينه وبين غيره في الجملة دون
التفصيل ، وهذا الكلام يأتي 7 على معنى الخبر لو صح وثبت . فكيف والقول في ما
قدمناه .
|
* هامش * |
|
|
1 - رض ، مل : لهم .
2 - رض ، مل : وكانوا .
3 - حش ، مل : فلايتفرسهم . رض : فلا يميز بينهم .
4 - رض ، مل : تدله . |
5 - حش : تقتضي .
6 - رض ، مل : بأنها .
7 - رض ، مل : كاف .( * )
|
|
|
|