عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- المسائل العكبرية - الشيخ المفيد ص 106 : -

المسأله الاربعون

وسأل فقال : خبرنا عن قوله تعالى : " اهدنا الصراط المستتقيم " 7 وتعبد الله النبي صلى الله عليه وآله بقوله 8 ، ما وجهه ؟ رأى صراط بعد الاسلام والقرآن ؟


والجواب 9 ، أن الله تعبد نبيه صلى الله عليه وآله وكافة المسلمين بالرغبة إليه في إدامة التوفيق والالطاف في الدين والتمسك منه بالصراط 10 المستقيم بالمسألة لله تعالى في ذلك ، فالنبى صلى الله عليه وآله وإن كان مهتديا ومتمسكا بسبيل 11 الحق فلا غناء له 12 عن إمدار الله تعالى بالتوفيق واللطف له في استدامة ما هو عليه
 

  * هامش *  
   7 - سورة الفاتحة ( 1 ) : 6 .
 8 - رض : بقولها .
 9 - رض : فصل والجواب .
 10 - حش . رض : بالطريق .
 11 - رض : لسبيل .
 12 - حش ، رض : به . ( * )
 

 

- ص 107 -

من ذلك ، وليس يمتنع 1 أن يكون من لطفه رغبة 2 إلى الله في ذلك واظهار التضرع فيه ، والمسألة في إدامته له . ولفظ القرآن يدل على ذلك ، لانه تعبد بسؤال ما يستقبل من الافعال . ولا ينكر أيضا أن يكون السؤال لذلك شرطا في كمال العصمة وحراستها ، وإذا لم يكن ذلك منكرأ زالت الشبهة في معناه على ما بيناه .


المسألة الاحدى والاربعون

وسأل عن قوله تعالى : " ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا " 3 ، قال 4 : والله 5 لا يجعل الغل في قلب أحد ، فما وجه الدعاء ؟ -

والجواب 6 ، عن هذه المسألة كالاولى وهو أن الله تعبد 7 بالرغبة إليه في التوفيق لاستدامة مودة المؤمنين ، واللطف في إبقاء 8 ذلك 9 وادامته عليهم 10 ، إذ بدوامه ينتفي الغل عن قلوبهم لاهل الايمان ، ولم يتعبدهم بالرغبة إليه أن لا يخلق غلا للمؤمنين في قلوبهم كما ظنه السائل .


وليس كل من سأل الله تعالى أن يجنبه شيئا يكرهه فقد سأله أن لا يفعل [ 26 ظ ] به ما يكرهه ، إذ كان انتفاء الشئ قد يكون بفعل المسؤول به 11 تركه ، وبفعل 12 ما يستعين به السائل على تركه . له انما أضيف جعل ذلك إلى الله تعالى ، وإن لم يكن فاعلا له في الحقيقة ، لان تركه الترفيق لما ينفيه كالفعل له ، فجاز أن يضاف إليه على طريق الاستعارة واتساع
 

  * هامش *  
 

 1 - رض : بممتنع .
 2 - رض : رغبته .
 3 - سورة الحشر ( 59 ) : 10 .
 4 - رض : فان .
 5 - حش ، رض : + تعالى .
 6 - رض : فصل والجواب .

 7 - رض : تعبدنا .
 8 - رض فيما يبقى .
 9 - حش ، رض : + عليهم .
 10 - حش ، رض : لهم .
 11 - رض : فيه .
 12 - رض : وبفعله . ( * )

 

 

- ص 108 -

الكلام ، وهذا معروف في اللسان .

فصل .
ألا ترى انهم يقولون لمن ترك تأديب ولده والمراعاة له : فلان تد أهلك ولد . وأفسده ، وإن لم يكن فعل به شيئا على حال ، وإنما أضافوا إليه إفساد .

وإهلاكه لانه ترك أن يفعل به ما يحميه عن الفساد والهلاك ، وإذا كان الامر على ما ذكرنا . ، بان به ما شرحنا . في تأويل الآية على ما قدمناه .

 

المسألة الثانية والاربعون

وسأل عن قوله تعالى : " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لاذقناك ضعف الحيوة وضعف الممات " 1 ، ثم قال في الاسرى : " ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا " إلى قوله : " لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم " 2 ، فأين كان التثبيت هنا وقد تهدده . بما تهدده ؟


والجواب 3 ، ان الله تعالى ذكر منته على نبته ، بالتثبيت له والعصمة والتأييد ، وأنه لو لم يفعل ذلك به لركن إلى المشركين ركونا يستحق به منه العقاب ، كما ركن غير . إليهم ركونا أوبقه وأهلكه ، فأخبر تعالى انه عصمه متا تورط فيه غيره ،

وثبته بالتوفيق ليثبت به 5 الحجة على الخلق ، وعدد ذلك من آلائه عليه ونعمائه لديه ، ولم يزل صلى الله عليه وآله موفقا مثبتا محررا بالعصمة والتأييد . ولم يكن منه 6 في الاسرى ذنب رتب عليه ، وإنما كان ذلك من أصحابه الذين أسروا بغير علمه ، وكفرا عن القتل طعما في الفداء ، وأشاروا به على النبي
 

  * هامش *  
 

 1 - سورة ا لاسراء ( 17 ) : 74 ر 75 .
 2 - سورة الانفال ( 8 ) : 67 و 68 .
 3 - حش رض : فمل والجواب .
 4 - حش رض : + صلى الله عليه واله .
 5 - حش " رض : له . ء - حش : + عليه السلام . رض : + صلى الله عليه واله . ( * )

 

 

- ص 109 -

صلى الله عليه وآله فتوجه العتب عليهم 1 في ذلك واللوم والتهديد ، وإن كان أول الخطاب قد وجه إلى النبي صلى الله عليه وآله ، وخاتمته تدل على انه لغيره ، وإنما وجه به صلى الله عليه وآله لانه السفير بين الخلق وبين الله سبحانه ، كما قال في موضع آخر : " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " 2 فواجهه بالخطاب [ 26 و ] وكان المراد به أمته .


ألا ترى إلى قوله بعد إفراد النبي صلى الله عليه وآله بالخطاب : " إذا طلقتم النساء " فجاء بلفظ الجمع بعد الافراد ؟ وكذلك قوله تعالى : " ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا " 3 فجاء بلفظ الجمع دون

التوحيد مع أن قوله : " ما كان لنبى أن يكون له أسرى " غير مفيد للخبر عن تخصيصه بالرأى في الاسرى ، ولا دال على انه عتاب له 4 ، بل هو محتمل لعتاب من أشار بذلك ورآ . فيمن 5 سوا .

وقد أكد ذلك بقوله عزوجل : " تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة " 6 وليس من صفات النبي صلى الله عليه وآله إرادة عرض الدينا ، والخلاف لله تعالى فيما اراد من عمل الآخرة ، ولا من صفاته صلى الله عليه وآله مقارفة 7 ما يحبط الاعمال

، ويستحق عليه العقاب العضيم على التعجيل والتأجيل في ظاهر الكلام ، من توجهه إلى غير النبي صلى الله عليه وآله بقوله : " اتريدون " وهذا اللفظ جمع ، على ما قدمناه فصل . مع انه لا مافاة بين تثيبت الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله على شئ لو زل عنه لمسه عذاب أليم 8 ، وبين وقرع ضرب آخر منه لو لم يعف عنه لاستحق
 

  * هامش *  
 

 1 - رض : إليهم .
 2 - سورة الطلان ( 65 ) : 1 .
 3 - سورة الانفال ( 8 ) : 67 .
 4 - حش رض : + عليه السلام .
 5 - رض : ممن .
 6 - سورة الانفال ( 8 ) : 67 .
 7 - المقارفة : المخالطة . وقارف فلان الخية أي خالطها او قارف الشئ : داناه ، ولا تكون المقارفة إلا في الاشياء الدنية . وفى حديت الافك : إن كنت فارفت دنبا فتوبى إلى الله . وهذا راجع إلى المقاربة والمداناة . ( راجع : لسان العرب ) .
 8 - حش ، رض . عظيم . ( * )

 

 

- ص 110 -

عليه عذاب عظيم 1 ، وقد يعصم الانسان من 2 شئ تكون العصمة له فيه لطفا ، ويخلى بينه وبين شئ يكون التخلي 3 لمن سواه لطفا ، وتكون المصلحة بذلك عمر ما . وهذا بحسب المعلوم ، ، والكلام فيه متعلق بالاصلح ، وليس يكاد يفهم معنا . إلا من عرف قواعد الكلام في الاصلح ، وقليل من يعرف ذلك اليوم من المتكمين .


 

  * هامش *  
 

 1 - " وبين وقوع . عذاب عظيم " ساقطة عن حش .
 2 - رض : عن .

 3 - حش ، رض : التخلية .
 4 - حش : العلوم . ( * )