- المسائل العكبرية - الشيخ المفيد ص 1011 : - |
المسألة الثالثة والاربعون
وسأل عن قوله تعالى :
" ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " 5
ومعلوم انهم لقنو . عن النبي صلى الله عليه وآله في حياته . فكيف يرثون ما حصل
لهم في حياة الموروث . ثم قال : " فمنهم ظالم لنفسه "
5 فوصفهم بالظلم مع وصفه لهم
بالاصطفاء . وقال في أصحاب الجنة : "
يرثون الفردوس " 6 والميراث لا يكون إلآ من مورث 7 ، فمن الموروث منه
الفردوس ؟ وهل كان لاحد قبلهم فمضى وورثو . 8 بعد . ؟
والجواب 9 ، أن التوريث للكتاب في هذه . الآية هو
إقامة من وصف بالميراث مقام الحكام به [ 27 ظ ] فيما مضى من الاستحناظ 10 له
والاستيداع عليه والنصب لهم حكاما به ، كما كان يحكم به الماضون من خلفاء الله
تعالى ، ولم يرد به حقيقه الميراث الذى هر تملك الاعيان من جهة ماض كان يملكها
قبل مضيه ، وإنما أراد
|
* هامش * |
|
|
5 - سورة فاطر ( 35 ) : 32 .
6 - سورة المؤمنون ( 23 ) : 11 .
7 - رض : مرروث . |
8 - حش : فورثوة . رض : موروثه .
9 - حش . رض : فصل والجواب
10 - رض : الاستحقاق . ( * ) |
|
|
ما ذكرنا . تشبيها واستعارة ، على ما بيناه .
فصل .
وقوله تعالى : " ففمنهم ظالم لنفسه " 1
بعد وصفه الوارثين للكتاب بالصفوة فإنه غير ما ظنه السائل أنه لم يرد بقوله :"
فمنهم " من أعيانهم ، وإنما أراد من ذوى أنسابهم وذرايهم . فأما المصطفون فيه
حرسوا بالاصطفاء من الظلم ، ووفقوا به للعدل .
وكذلك قوله : " ومنهم مقتصد " 1
يريد به من نسلهم وأهلهم وذوى أنسابهم . وقوله : " ومنهم
سابق بالخيرات بإذن الله " 1 كذلك . ولم يرد بالاصناف الثلاثة أعيان من
خبر اصطفائه وتوريثه الكتاب . وهذا يسقط ما توهمه السائل واعترضته الشبهة في
علته فيه .
فصل .
وقوله تعالى : " الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون "
معناه . مصيرهم إلى الفردوس بأعمالهم الصالحة واستحقاقهم الخلود في النعيم ،
فشبههم في ذلك بمن انتقل إليه مال من ماض لحق 3 ، وإن لم يكن ما ملكوه من ذلك
منتقلا من مالك كان له فيما
سلف ، فجعل استحقاقهم لنعم ، الفردوس بأعمالهم، كاستحقاق ذوى
الانساب أموال الماضين من أقربائهم بأنسابهم ، ولم يرد به الميراث الحقيقي ،
على ما وصفناه . وهذا الضرب من المجاز في الميراث معروف عند أهل اللسان لا
يتناكره منهم اثنان .
ولو لم يكن معروفا لوجد المخالفون لرسول الله صلى الله عليه
وآله من العرب طريقا 5 إلى القدح في نبوته صلى الله عليه وآله 6 ولطعنوا بذلك
في القرآن ، و قالوا : قد جئتنا بعمان فيه لا يعقلها أهل اللسان ، وتجوزت فيه
بمالا يسوغ
|
* هامش * |
|
|
1 - سورة فاطر ( 35 ) : 32 .
2 - سورة المؤمنون ( 23 ) : 11 .
3 - حش : بحق .
4 - رض : لنعيم . |
5 - رض : طبقاته الى القدح في نبوته سبيلا .
6 - حش ، رض : عليه السلام .
7 - حش رض : + له . ( * )
|
|
|
المجاز في معنا . ، وهذا يبطل إضافتك إياه . إلى الله 1 .
ولما لم يتعلق مخالف للنبى صلى الله عليه وآله 2 بطعن في القرآن من جهة تناقض
واختلاف ، أو فساد عبارة أو معنى تضمنه على حال ، مع تقريع النبي صلى الله عليه
وآله لهم بالعجز عنه ،
و وصفه له بالبيان والحكمة وفصل الخطاب ، دل على سلامته مما
ظنه [ 27 و ] الملحدون فيه ، وبان بذلك جهل متعاطى الطعن فيه بإفساد معانيه أو
ألفاظه على حال .
المسألة الرابعة والاربعون
وسأل عن تحريم الله تعالى
الشجرة على آدم 3 ، قال : وقد ثبت انها الحنطة ، والجسد لابد له من الغذاء ،
فكأنه لما حرم عليه ما لابد له منبه ، دل على انه يريد إخراجه من الجنة ، وأنه
قد ألجأه إلى المعصية التى خرج بها من الجنة .
والجواب ، أن الشجرة المحرمة على آدم 5 ليست
الحنطة على الاصطلاح والاتفاق ، حسب ما ادعاه السائل ، وقد ذهب خلق كثير من
المسلمين إلى أنها الكرمة . ولو كانت الحنطة ، كما قال السائل ، لما كان في
تحريمها إلجاء آدم 5 إلى تناولها ،
لان له في غيرها من الغذاء مندرحة عنها . ولو لم تكن 6 مندرحة
عنها لما كان ملجأ إلى تأوله 7 ، لان لله تعالى أن يتعبد . 8 بالصبر على ما
يتلف نفسه ، كما تعبد أكثر خلقه بالصبر على الشهادة ، رفرض عليهم من الصبر في
القتال على مالا
|
* هامش * |
|
|
1 - رض . + تعالى .
2 - حش : عليه لسلام .
3 - رض : + عليه السلام .
4 - رض : فصل والجواب . |
5 - رض : + عليه السلام .
6 - حش ، رض + : له .
7 - رض : ملجا لذلك الى تناولها أيضا .
8 - حش : الله تعالى يتعبده . ( * )
|
|
|
بقاء لهم معه . وهذا أيضا يبطلا شبهة السائل فيما تعلق به من
تحريم الله تعالى على آدم الأكل من الشجرة المذكورة في القرآن .
المسألة الخامسة والاربعون
وسأل عن قوله تعالى
" وإذا أخذ ربك من نبى آدم من ظهور هم ذريتهم وأشهد هم
على أنفسهم ألست بربكم قالو بلى " 1 ، قال : فكيف يصح خطاب أشباح غير
مكلفة ؟ ومع هذا فلسنا نرى أحدا يذكر ذلك في الدنيا ، ولسنا نعلم ذلك عموما أو
خصوصا ، فليعرفنا ما عنده في ذلك إن شاء الله 3 .
والجواب ، ، أن الآية تتضمن أخذ الله من بنى آدم
من ظهور ذريتهم 5 ، وليست متضمنة أخذها 6 من ظهر آدم ، على ما تخيله فريق من
الناس . والذى أخذه الله من ذرية آدم هو العهد . واخذ 7 العهد منهم بإكمال
عقولهم وإلزام أنفسهم ، دلالة .
حدوثهم والحجة عليهم بالربوبية ولك هو الإشهاد لهم على أنفسهم
. وإخباره عنهم بأنهم قالوا : بلى ، مجاز في الكلام يفيد أنهم غير منكرين آثار
الصنعة 8 فيهم ، وقيام الحجة عليهم لبارئهم 9 بالالهية والتوحيد ، والايجاب
والاقرار له ، والاعتراف منهم بنعمته عليهم ، والشكر له عليه ذلك . ومثله قوله
تعالى : " ثم [ 28 ظ ]
استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها
|
* هامش * |
|
|
1 - سورة الاعراف ( 7 ) 172 .
2 - حش : ام .
3 - رض : + تعالى .
4 - رض : فصل والجواب .
5 - حش : فصل والجواب . |
6 - رض : أخذه .
7 - حش ، رض أخذه .
8 - رض : غير ممنوع من آثار الصفة .
9 - رض : ببارئهم . ( * )
|
|
|
وللارض ائتيا طوعا أو كرها قلتا أتينا
طائعين " 1 وهو تعالى لهم يقل للسماء والارض قولا صريحا " ائتيا " لكنه
فعلهما فكان بفعله بهما 2 ، وتيسر ذلك عليه كالقائل لغيره : ائت 3 ، فأتاه من
غير تعذر ولا تثبت . ولم تقل السماء والارض قولا
صريحا : " أتينا طائعين " بل انفعلتا بمشيئة الله تعالى ، ولم
يتعذر صنعهما عليه . فكانتا بذلك كالمجيب لمن دعاه مسرعا وأطاعه باخعا 4 ، وقال
: يسمعا وطاعه ، والعرب تتوسع بمثل هذا الكلام في نحو ما ذكرناه .
قال الشاعر : وقالت لى 5 العينان سمعا وطاعة * وحدرتا 6 كالدر لما يثقب
والعينان لم تقل قولا على الحقيقة ، لكنهما أسرعتا بالدموع على وفاق إرادة
صاحبهما فعبر عنهما بالقول الصريح .
وقال آخر . امتلا الحوض وقال قطني * مهلا رويدا قد ملأت بطني وقال آخر 7 : شكال
إلى جملى طول السرى . وهذا كقوله : شكا إلى بعيرة 8 وتحمحم . والمراد في ذلك
كله الخبر عن الافعال ووقوعها ، دون الكلام الحقيقي . وهذا هو الاستعارة [ في
الكلام ] 9 والتشبيه والمجاز .
فصل .
فأما سؤاله عن العموم في ذلك والخصوص ، فهو عندنا عموم في كل
|
* هامش * |
|
|
1 - سورة فصلت ( 41 : ) 11
2 - رض : لهما .
3 - حش ، رض : ائتنى .
4 - حش : ناجعا .
5 - رض : له . |
6 - رض : وجدتهما .
7 - رض : الاخر .
8 - رض : بعيرى .
9 - أثبتناها عن حش ورض . ( * )
|
|
|
مكلف من بين آدم ، وليس بعموم في الجميع ، دلالة اختصاص الحجة
بذوى التكليف ، دون الأطفال ونواقص العقول .
|