عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- المسائل العكبرية - الشيخ المفيد ص 116 : -

المسألة السادسة والأربعون

وسأل فقال : إذا كان الرسول صلى الله عليه وآله معصوما ، فما وجه التهدد له والوعيد في القرآن ؟

والجواب ، 1 أن العصمة لا تنافي القدرة على العصمة ، والخواص طرفيها ودعاء الشهورة إلى فعلها ، فلذلك احتاج الأنبياء معها إلى الوعيد والتهديد .ولان العصمة إنما هي بالأمر والنهى ، والوعد والوعيد والتهديد، ولولا ذلك لم يتكامل في معناها .

وإذا كانت بمجموع اشياء من جملتها الوعد والوعيد والترهيب والترغيب 2 ، بطل قول القائل : ما وجه ذلك مع العصمة ؟ وسقطت الشبهة فيما تخيله مع 3 الغناء عن ذلك ، على ما شرحناه . [ 28 و ]


المسألة السابعة والأربعون

وسأل عن قوله تعالى : " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلط عليهم " 4 فقال : 5 رأيناه جاهد المنافقين ، فما الوجه في ذلك ؟ .

والجواب 6 أن الجهاد على ضربين : جهاد بالسيف وجهاد باللسان ، وكان الجهاد بالسيف 7 مفروضا على النبي صلى الله عليه وآله للكفارة الذين ظاهروا

  * هامش *  
 

 1 - رض : فصل والجواب .
 2 - حش ، رض : الترغيب والترهيب .
 3 - رض : من .
 4 - سورة التوبة ( 9 ) : 73 ، وسورة التحريم ( 66 ) : 9 .

 5 - حش ، رض : وقال : فما .
 6 - رض : فصل والجواب .
 7 - حش ، رض ، والجهاد بالسيف كان . ( * )

 

 

- ص 65 -

بالكفر والشرك . وكان جهاد اللسان مفروضا عليه للمنافقين ، وقد أدى الفرضين معا ، فجاهد الكفار بالسيف 2 وجاهد المنافقين باللسان كما فرض عليه .

ووجه آخر ، هو أنه قد جاهد الفريقين بالسيف ، فتولى جهاد 3 الكفار ، وأوصى 4 أخاه وابن عمه [ أمير المؤمنين عليه السلام ] 5 بجهاد المنافقين من بعده 6 ، فقام بأمره في ذلك ، ونفذ وصاته فيه ، فجاهد أهل البصرة وأهل الشام وأهل النهروان ، وأقام حد الله 7 فيهم .

وليس لقائل أن يقول : إن الجهاد فرض عليه ليتولاه بنفسه ، إذ جاهد كثير من الكفار في أمراء ، لم يباشر جهادهم بنفسه ، وكان 8 هو المجاهد لهم بحكم الدين إذ كان أمراوه تولوه 9 نيابة عنه ، وامتثالا لامره فيه ، فكذلك يكون الحكم فيما تولاه أمير المؤمنين 10 في جهاد من سميناه ، ويكون النبي صلى الله عليه وآله هو المجاهد لهم بحكم الدين على ما شرحناه .


فصل .
ولعل قائلا يقول : قد وجدناكم حكمتم على طوائف بال   نفاق ، لم تيول علي [ عليه السلام ] 11 جهادهم . فيقال له : قد وجدنا جماعة كفارا من أهل الكتاب وغيرهم لم يتول رسول الله صلى الله عليه وآله جهادهم ، ولم يمنع ذلك إداء الفرض عليه في جهاد الكفار .

  * هامش *  
 

 1 - حش ، رض : وجهاد اللسان كان .
 2 - حش : + كما أمر الله تعالى . رض + كما أمره الله تعالى .
 3 - حش : + الفريق من .
 4 - حش ، ووصى .
 5 - اثبتناه عن حش ورض .
 6 - حش ، رض : + بالسيف .

 7 - حش + تعالى .
 8 - حش ، رض : + عليه السلام .
 9 - حش : وكان أمراؤه يتولونه . رض : + عنه صلى الله عليه وآله.
 10 - حش + عليه السلام رض + صلوات الله عليه وآله .
 11 - أثبتناه عن حش ورض . ( * )

 

 

- ص 117 -

المسألة الثامنة والأربعون

وسأل عن قوله تعالى : " يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا " 1 ، وقال : ما معنى هذا الكلام ، والخزى بعيد عنه 2 لعصمته ؟

والجواب 3 ، أن الله تعالى أخبر بأنه لا يخزى نبيه 4 والمؤمنين يوم القيامة ، ويخزى أعداءه من الكافرين ، ودل بذلك على أنه محروس من العذاب يوم يحل بالظالمين الظالين 5 ، لهداه 6 وطاعته لله واجتناب معاصيه .


فأى شبهة عرضت للسائل في هذه الآية من حيث أنه ثبتت 7 عنده عصمة النبي صلى الله عليه وآله أو ليس 8 ثبوت 9 العصمة يدل 10 على بعد صاحبها من الخزى وحراسته من ذلك ؟ فإذا جاء الخبر بوفاق العصمة كان مؤكدا لما في العقول ، وتأكيد الشيء ينفى 11 الشبهة فيه ، فتخيل صاحب السؤال في الآية خلاف ما يقتضيه ، تخيل فاسد .


وإنما كانت الشبهة [ 29 ظ ] تعرض لو جاء الخبر بخلاف مضمونه ، العياذ بالله ! فأما ما هو مؤكد لدلالة العصمة ، فالشبهة بعيدة عن 12 قلوب العقلاء في معناه ، والهادي هو الله 13 .
 

  * هامش *  
 

 1 - سورة التحريم ( 66 ) : 8
 2 - رض : + صلى الله عليه وآله .
 3 - حش ، رض : فصل . والجواب .
 4 - رض + صلى الله عليه وآله .
 5 - حش ، رض : يحل بالضالين .
 6 - رض + عليه السلام .
 7 - حش ، رض : من حيث ثبتت .

 8 - حش : إذ
 9 - رض : بثبوت .
 10 - رض : تدل .
 11 - رض : بيقى وهو تصحيف .
 12 - حش ، رض من .
 13 - " والهادي هو الله " ساقطة عن ورض . ( * )

 

 

- ص 118 -

المسألة التاسعة والأربعون

وسأل فقال : رأينا الناس بعد الرسول قد اختلفوا خلافا عظيما في فروع الدين وبعض أصوله ، حتى لم يتفقوا على شئ منه . وحرفوا الكتاب وجمع كل واحد منهم مصحفا وزعم أنه الحق ، مثل أبى بن كعب وابن مسعود وعثمان بن عفان ، ورويتم أن

أمير المؤمنين عليه السلام جمع القرآن ولم يطهره ، ولا تداوله الناس كما ظهر غير . ولم يكن أبى وابن مسعود 2 بأجل من أمير المؤمنين عليه السلام في قلوب الناس ، ولم يتمكن عثمان من 3 منعهما مما جمعاه ، ولا حظر 4 عليهما قراءته ، فما الحجة ثابتة بهذا المتداول أم لا ؟


والجواب 5 ، أن سبب الختلاف الناس في الفروع والأصول بعد النبي صلى الله عليه وآله عدول جمهور هم عن أمير المؤمنين 6 ، وتقديم من قدموه عليه ورغبتهم عن الاقتداء بآل محمد عليهم السلام والتجاؤهم إلى من عمل في دينه بالرأى والظنون والأهواء ، ولو اتبعوا سبيل الحق في الاقتداء بالعترة عليهم السلام ، والتمسك بالكتاب ، لما وجد بينهم تنازع واختلاف .

قال الله تعالى اسمه في ذم ما صاروا إليه من الاختلاف ونهيهم عن ذلك 7 : " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما ما جاء هم البينات وأولائك لهم عذاب عظيم " 8 ، ونفى عن دينه وكتابه الاختلاف فقال سبحانه 9 : " ولو كان من عند غير
 

  * هامش *  
   1 - حش ، رض : + صلى الله عليه وآله .
 2 - حش ، رض : + في نفوس الناس .
 3 - ليست في حش ورض .
 4 - رض ولا الحظر .

 5 - حش رض : فصل والجواب .
 6 - حش رض : ونهاهم عن ذلك بقوله .
 7 - سورة آل عمران ( 3 ) : 105
 9 - حش ، رض : بقوله تعالى . ( * )

 

 

- ص 119 -

الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " 1 .

فأما سؤاله 2 عن ظهور مصحفي 3 أبى وابن مسعود ، واستتار مصحف أمير المؤمنين عليه السلام ، فالسبب في ذلك عظم وطأة أمير المؤمنين عليه السلام على ملوك الزمان ، وخفة وطأة أبى وابن مسعود عليهم ، وما اعتقدوه من الفساد 4 بظهور

خلاف أمير المؤمنين عليه السلام وقلة احتفالهم بسواه 5 ، ولأن أمير المؤمنين 6 كان في عداد الأضداد لهم [ 29 و ] والأنداد ، وأبى وابن مسعود في عداد الرعية 7 والأتباع ، ولم يكن على القوم كثرة ضرر بظهور مصحفيهما ، بخلاف مصحف أمير المؤمنين عليه السلام فبذلك تباينت الحالتان في مصاحف 8 القوم


فصل .
مع أنه لا يثبت لأبى وابن مسعود وجود مصحفين منفردين، وإنما يذكر ذلك من طريق الظن وأخبار الآحاد ، وقد جاءت بكثير مما يضاف إلى أمير المؤمنين عليه السلام من القراءة أخبار الآحاد التى جاءت بقراءة أبى وابن مسعود ، على ما ذكرناه .


فصل .
وأما قوله : خبرونا هل الحجة ثابتة جمعه عثمان ؟ فإن أراد بالحجة الإعجاز فهي فيه ، وإن أراد الحجة في جميع المنزل فهى في أكثره دون جميعه . وهذا الباب يطول الشرح بمعناه 9 ، وفيما أثبتناه منه كفاية ، إن شاء الله تعالى .

 

  * هامش *  
 

 1 - سورة النساء ( 4 ) : 82 .
 2 - رض : سوالهم .
 3 - حش ، رض : مصحف .
 4 - حش ، رض : + عليهم .
 5 - رض : بخلاف من سواه . حش : وقلة اخفائهم من سواه .

 6 - حش ، رض : + عليه السلام .
 7 - حش + لهم .
 8 - رض : مصحف .
 9 - حش ، رض : لمعناه . ( * )