عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- المسائل العكبرية - الشيخ المفيد ص 120 : -

المسألة الخمسون

وسأل فقال : الناس ، مختلفون في رقية وزينب ، هل كانتا ابنتى رسول صلى الله عليه وآله وسلم أم ربيبتيه ؟ فإن كانتا ابنتيه فكيف زوجهما من أبى العاص بن الربيع وعتبة بن أبى لهب ، وقد كن عندنا منذ أكمل الله عقله عليه الإيمان ، وولد مبعوثنا ،

ولم يزل نبيا صلى الله عليه ؟ وما باله رد الناس عن فاطمة عليها السلام ولم يزوجها إلا بأمر الله عزوجل ، وزوج ابنتيه بكافرين على غير الإيمان ؟


والجواب ، أن زينب ورقية كانتا ابنتى رسول الله صلى الله عليه وآله والمخالف لذلك شاذ بخلافه ، فأما تزويجه 2 لهما بكافرين فإن ذلك كان قبل تحريم مناكحة الكفار ، وكان له 3 أن يزوجهما لمن يراه ، وقد كان لأبى العاص 4 وعتبة نسب

برسول الله صلى الله عليه وآله وكان لهما محل عظيم إذ ذالك ولم يمنع شرع من العقد لهما فيمتنع رسول الله صلى الله عليه وآله من أجله .


فصل .
وأما فاطمة 5 فإن السبب الذى من أجله رد رسول الله صلى الله عليه وآله خاطبيها 6 حتى جاء الوحى بتزويجها أمير المؤمنين عليه السلام ، فلأنها كانت سيدة نساء العالمين ، وواحدة الأبرار من النساء أجمعين ، وكانت بفضلها في الدين تفوق

على كافة نساء العالمين 7 ، [ 30 ظ ] فلم يكن لها كفو إلا 8 أمير المؤمنين عليه السلام وكان رسول الله صلى الله عليه وآله ، يرتقب الوحى في أمرها ، ليكون القعد لها بحجة يخصم بها المخالفين ، ويدل بها على مكانها من

  * هامش *  
   1 - رض : فصل والجواب .
 2 - حش ، رض : + عليه السلام .
 3 - حش ، رض : + عليه السلام .
 4 - في الأصل ورض : لأبى بن العاص ، صححناها على حشن .
 5 - حش ، رض : + عليه السلام .
 6 - رض : خاطبها .
 7 - حش ، رض : المسلمين .
 8 - رض : سوى . ( * )
 

 

- ص 121 -

الله تعالى ومنزلتها في الدين . ولو كانت كأختيها في الأعمال لكان لها من الخلق أكفاء كثير ، ولم تكن الحاجة إليها في الاختيار 1 صادقة إلى نزول الوحى في ذلك عن علام الغيوب .


فصل .
وقوله إن النبي 2 ولد مبعوثا ولم يزل نبيا ، فإنه محتمل الحق من المقابل ، وباطل فيه عليه حال . فإن أزاد بذلك أنه لم يزل في الحكم مبعوثا في العلم نبيا فهو كذلك . وإن أراد أنه لم يزل موجودا في الأزال ناطقا رسولا وكان في العلم نبيا فهو

كذلك . وإن أراد أنه لم يزل موجود أفى الأزل ناطقا رسولا ، وكان في حال ولادته نبيا مرسلا كان بعد الأربعين من عمره فذلك باطل ، لا يذهب إليه إلا ناقص غبى ، لا يفهم عن نفسه ما يقول 3 ، والله المستعان وبه التوفيق .


المسألة الحادية و الخمسون

وسأل فقال : لم يرد أمير المؤمنين عليه السلام فدكا أقضى الأمير إليه وتابعه 4 الناس : وكيف وسعة ذلك ؟ ومال عمر بن عبد العزيز تيسر له 5 ردها ، وتعذر على أمير المؤمنين عليه السلام ؟ وكيف ردها المأمون ولم يمنعه من ذلك مانع ، وعلي عليه السلام لاتقى لله منهما ، وأعظم سلطانا وأجل في النفوس ؟


والجواب 6 ، عن ذلك أن أمير المؤمنين عليه السلام كان ممتحنا في زمانه بما لم يمتحن به عمر بن عبد العزيز والمأمون ، بل لم يمتحن به أحد من الخلق أجمعين ، وهى متباينة 7 عائشة بنت أبي بكر به عليه السلام ، وهي عند الجمهور أفضل ،

أزواج النبي صلى الله عليه وآله ، ومباينة طلحة والزبير وهما عند أنفسهما وجمهور من العامة نظراؤه 8 في الجلالة ، واجتماع الثلاثة على حربة والعطن في إمامته ،
 

  * هامش *  
   1 - حش ، رض : ولم تكن الحاجة في الاختيار لها .
 2 - حش : + عليه السلام . رض + صلى الله عليه وآله .
 3 - في الاصل : بالقول ، صححناها على حش ورض .
 4 - رض ، ما : بايعه .
 5 - حش : يسترد اليه .
 6 - رض : فضل والجواب .
 7 - رض ، مل : وهو بمبانية .
 8 - رض ، مل : نظيراه . ( * )
 

 

- ص 122 -

والاجتهاد في التماس الحيل لحل أمره وتفريق جمعه ، وسفك دمه ودماء ذريته وأنصاره ، والتشنيع عليه بالأطيل ، مع كون ناصريه في الحروب ممن 1 يرى صواب أبي بكر في منع فاطمة عليها السلام فدكا [ 30 و ] وضلاته ناقض كلمته في ذلك.


ومنى عليه السلام بمعاوية بن أبي سفيان ومن كان في حيزه 2 من الصحابة والوجوه عند العامه بأعظم مما 3 طلحة والزبير وعائشة . واتفق عليه من أصحابه الذين كانوا بطانته وخاصته من شهرته من 5 المحنة له به يغنى 6 عن ذكره مفصلا ، حتى

أكفره فريق منهم ، وألحد فيه آخرونه فاتحذوه ربا معبودا ، فاضطر [ لذلك ] 7 إلى الاستنصار عليه من جمهرهم القائلين 8 بتصويب المتقدمين عليه في منع فدك 9 ، وإظهار التضليل لمن تقدمه ، وقضائه 10 فيها بنقيض الصواب عند الله تعالى وخلاف المنزل من القرآن .


ورأى عليه السلام أن تركه بعض حقوق واستنزل ولده عن الطلب بميراثه ، للتوصل ذلك إلى إقامة 11 حقوق الله تعالى وهي أعظم ، وحراسة الدين وهو أولى ، فوجه الرأي وصواب التدبير أنه لا يسعه تضييع معظم الدين بالنظر في صغيره ، وإهمال كثيره بحفظ قليله ، لا سيما وقد علم 12 أن ما يرومه من ذلك لا يتم ، وأن
 

  * هامش *  
   1 - باقي النسخ : من
 2 - حش : حيرة .
 3 - رض ، مل : ما .
 4 - حش ، رض ، مل : + من .
 5 - رض ، مل : في .
 6 - رض ، مل : تغني .
 7 - أثبتناها عن باقي النسخ .
 8 - رض ، مل : يدين .
 9 - رض : إلى لااسترجاع . مل : إلى استرجاع .
 10 - رض ، مل : : وقضى .
 11 - رض ، مل : افاضه .
 12 - رض : + عليه السلام . ( * )
 

 

- ص 123 -

السعي فيه يفسد عليه نظام الدين والدنيا معا ، ويحل عليه عقد التدبير ، وقد بين ذلك عليه السلام في قوله لقضاته وقد سألوه : بم نقضي ؟ فقال : اقضوا بما كنتم تقضون حتى يكون الناس جماعة ، أو أموت كمامات أصحابي .


وقوله عليه السلام لو ثنى 2 لي الوسادة لحكمت بين أصل التوراة بترواتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل القران بقرآنهم ، حتى يزهر 3 كل كتاب من هذه الكتب ويقول : يا رب إن عليا قضى بقضائك .

وقوله : إذا حدثتك عن رسول الله صلى عليه وآله الحديث 4

  * هامش *  
 

 1 - حش ، رض ، مل : وقال .
 2 - رض ، مل ثنى .
 3 - بابي النسخ : يزهو .
 4 - رض . مل : بحديث روى الشيخ المفيد في كتابه ( الارشاد : 15 ) عن الأصبح بن نباته ، قال : لما بويع أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة خرج إلى المسجد معتما بعمامة رسول الله صلى الله عليه وآله ، لابسا بردته ، قصد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وأنذر ،

ثم جلس متمكنا وشبك بين أصابعه ، ووضعها أسفل سرته ، ثم قال : يا معشر الناس لحكمت بين أهل التوراة سلونى فإن عندي علم الأولين والآخرين أما والله لو ثنى لى الوسادة لحكمت بين أهل التوارة بتوراتهم وبين أهل الإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبور هم ، وبين أهل الفرقان

بفرقاتهم ، حتى ينهى كل كتا بمن هذه الكتب ويقول : يا رب إن عليا قضى بقضائك

وقال العلامة المجلسي : روى ابن البخترى من ستة طرق ، وابن المفضل من عشر طرق ، وإبراهيم الثقفى من أربعة عشر طريقا ، منهم عدي بن حاتم والأضبع بن نباته وعلقمة بن قيس ويحيى بن أم الطويل ، ورزين حبيش وعباية بن ربعى وعباية بن رفاعة وأبو الطفيل ،

أن أمير الأمؤمنين عليه السلام قال بحضرة المجاجرين والانصار وأشار إى صدره - كيف ملا علما لو وجدت له طالبا ، سلوني قبل أن تفقدوني ، هذا سقط العلم ، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، هذا ما زفتي رسول الله صلى الله عليه وآله رقا ، فاسألوني فإن

عندي علم الأولين والآخرين . أما الانجيل لو ثنيت لى الوسادة ثم أجلست عليها ، لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور وبزبور هم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، حتى كل كتاب بأن =>

 

 

- ص 124 -

فلأن أخر من المساء فيخطفني الطير أحب إلى من أن أقول عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يقل ، وإذا حدثتكم عن نفسي فإنما أنا رجل محارب والحرب خدعة 1 .

فبين عيله السلام أنه كان مضطر إلى التألف 2 والمداراة وغير متمكن [ 31 ظ ] من القضاء لما 3 يراه في الدين ومحتاجا إلى التقية والاستصلاح .

وفي هذا القدر كفاية وغنا سواه في جواب ما سأل عنه السائل من أمر فدك ، وترك أمير المؤمنين عليه السلام نقض أحكام المتقدمين عليه فيها ، مع بيعة الناس له . وبذلك ما توهمه وتظناه .


فصل .
وبعد ، فشتان بين حالتي أمير المؤمنين عليه السلام ومن ذكره السائل في الرأي والقضاء ! فأمير المؤمنين عليه السلام مدبر الدين والدنيا . وأهلهما على علم بلحال والعاقبة ، وصلاح شامل ف - العاجل والآجل ومثال ، قد مثل له في
 

  * هامش *  
  => عليا حكم في بحكم الله في - وفي رواية حتى ينطق الله التوراة والانجيل ، وفى رواية : حتى يزهر كل كتاب من هذه الكتب ويقول يا رب إن عليا قضى بقضائك . ( بحار الانوار 40 / 153 ) .

روى أبو العباس الحميري ( في قرب الاسناد 133 ) عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن علي عليه السلام أنه قال الحرب خدعه ، إذا حدثتكم عن رسول الله صلى عليه وآله وسلم حديثا ، فوالله لأن أخر من السماء أو تخطفني الطير أحب إلى من أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإذا حدثتكم عنى فانما الحرب خدعة .

ونقله عن قرب الاسناد العلامة المجلسي في بحاره 20 / 246 و 100 / 31 .

أقول ويشبهه قول أبي القاسم الحسين بن روح وكيل الناحية المقدسة رضي الله عنه ، قال محمد بن ابراهيم بن استحاق ( ره ) : فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ( ره ) في الغد أنا أقول في نفسي : أتراه ذكر لنا ما ذكر يوم أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني وقال : يا محمد بن إبراهيم ! لئن أخر من السماء فتختطفني الطير ، أو تهوى بي الريح ، في مكان سحيق ، أحب إلى من أن قول في دين الله برأيي ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ، ومسموع من الحجة صلوات الله وعليه وسلام . الاحتجاج 2 / 437 وراجع سفينة البحار 1 / 402 .
 2 - حش : التآلف .
 3 - باقي النسخ : بما . ( * )

 

 

- ص 125 -

ذلك ، ونص لا يتعداه . وغيره من أمراء الدنيا وملوكها يعملون على الهوى ، ويخبطون في الدين والدنيا خبط عشواء ، ولا علم لهم بالعاقبة ، ولا علم لهم بالعاقبة ، ولا بصيرة لهم بشاهد الحال ، ولا فكرة لهم في الصلاح ، ولو فكروا في ذلك لكان غير مأمون عليه الخطأ فيه والضلال .


وهذا أيضا يسقط شبهة السائل وما اعتمدة من ضرب الأمثال . وفي غير هذه المسألة أجوبة شتي قد سارت بها الركبان وثبتت في امالي المنثورة في الأصقاع والأمصار . وفيما أثبته في هذا المقام بلاغ وإقناع لمن تأمله بعين الإنصاف ، والله الموفق والمعين 2 ، وهو حسبنا ونعم الوكيل 3 .

تمت - بحمد الله تعالى والصلاة على نبيه محمد وآله والسلام عليهم - أجوبة الشيخ المفيد رضي الله عنه عن أسئلة الحاجب المعروفة بالمسائل الحاجبية . على يد محمد بن الشيخ طاهر المساوي في النجف في منتصف ربيع الثاني 1335 حامدا مصليا مسلما
 

  * هامش *  
   1 - باقي النسخ : المكان .
 2 - رض ، مل : للصواب .
 3 - رض ، مل + نعم المولى ونعم النصير . ( * )