عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- المسائل العكبرية - الشيخ المفيد ص 29 : -

المسألة الثانية


قال السائل : قد أجمعنا ( 3 ) أن محمدا وآله ، صلوات الله عليهم ( 4 ) ، أفضل من ابراهيم وآله عليهم السلام . قال : ونحن نسأل الله في الصلاة - على ما ورد به الأثر - أن يصلى على محمد وآله كما صلى ( 2 و ) على إبراهيم وآل إبراهيم ( 5 )

، فكأنا نسأله الحطيطة عن منزلتهم إذ كنا قد أجمعنا على انهم أفضل من إبراهيم وآله . قال : وإذا صح أن الأنوار قديمة فما بال إبراهيم ( 6 ) قال : " ربنا وابعث فيهم رسولا منهم " ( 7 ) . وشدد ( 8 ) ذلك ما ورد به الخبر انه قيل : يارسول الله ، ما بدء امرك ؟ قال : دعوة إبرا هيم ( 9 ) .


والجواب - وبالله التوفيق - أنه ليس في مسألتنا الله تعالى أن يصلى على محمد وآله كما صلى على إبرهيم وآل إبراهيم ، با يقتضى الرغبة إليه في إلحاقهم بدرجة إبراهيم .( 10 ) وآل إبراهيم ، وإنهم محطوطون عن تلك الدرجة ، وأنا نسأله التفضل

عليهم برفعهم إليها ، كما ظنه السائل وأشباهه ممن لا علم لهم بمعاني الكلام ، وإنما المراد بذلك الرغبة إلى الله ( 11 ) في أن يفعل بهم المستحق لهم من التعظيم والإجلال ، كما فعل بإبراهيم وآله ما استحقوه من ذلك . فالسؤال يقتضى 1 - " العظيم " ليس في سائر النسخ .

  * هامش *  
 

( 3 ) - رض : قد ثبت . مل : قال السائل إن محمدا . مر : فصل مسألة تد أجمعنا .
( 4 ) - حش : + اجمعين .
( 5 ) - " وآل إبراهيم " ، ليس في حش . رض ، مل ، مر : وآله .
( 6 ) - حش ، مل : + عليه السلام .
( 7 ) - سورة البقرة ( 2 ) ، 129 .
( 8 ) - مر ، رص 2 : شيد . رص : شذ .
( 9 ) - حش . مل : + عليه السلام . رض : + الخليل عليه السلام .
( 10 ) - رض : + عليهم السلام .
( 11 ) - مل : + تعالى

 

 

- ص 30 -

تنجيز المستحق لهم منه ( 2 ) تعالى وإن كان أفضل مما استحقه إبراهيم وآله . ولهذا نظير من الكلام في المتعارف ( 3 ) ، وهو أن يقول القائل لمن كسا عبده في ماضى الدهر ( 3 ) وأحسن إليه : " اكس ولدك الآن كما كسوت عبدك ، وأحسن إليه

كما أحسنت إلى عبدك من قبل " ، ولا يريد مسألة إلحاق الولد برتبة العبد في الإكرام ، ولا التسوية بينهما في ماهية ( 5 ) الكسوة والإحسان ومما ثلتهما في القدر ، بل يريد به الجمع بينهما في الفعلية والوجود ( 6 ) . ولو أن رجلا استأجر إنسانا

بدرهم أعطاه إياه عند فراغه من عمله ، ثم عمل له أجير من بعد عملا يساوى أجرته دينارا ، لصح أن يقال عند فراغ الانسان من العمل : " أعط هذا الإنسان أجره كما أعطيت فلانا أجره " ، أو يقول الأجير نفسه " وفنى أجرتي كما وفيت أجيرك

بالأمس أجرته " ( 7 ) ، ولا يقصد ( 8 ) التمثيل بين الأجيرين في قدرهما ، ولا السؤال في إلحاق الثاني برتبة الأول على رجه الحط ( 9 ) عن منزلته ، والنقص له من حقه . فهكذا القول في مسألتنا الله سبحانه الصلاة على محمد وآله عيهم السلام

كما صلى على ابراهيم ، وآل إبراهيم ( 10 ) ( 3 ظ ) حسب ما بيناه وشرحناه . فصل فأما تكرار القول بأنه قد صح أنهم أنوار ، فقد قلنا في ما يكفى ( 11 ) ، وبينا
 

  * هامش *  
 

( 1 ) - في الأصل وحش : بتحيز ، مل ، مر ، رض 2 : تنجز ، ولعل الصواب ما اثبتاه عن رض .
( 2 ) - رض : من الله .
( 3 ) - مل ، مر ، رض 2 : التعارف .
( 4 ) - مر ، رض 2 : لمن كسا عبده أو ولده : " افعل مع هذا كما فعلت مع فلان ، وإن لم يكن الأول أفضل من الآخر ويكون الآخر مستحقا أكثر " . ومن هنا إلى المسألة الرابعة سقط في هاتين النسختين .
( 5 ) - رض ، مل : مائية .
( 6 ) - رض ، مل : والوجوب .
( 7 ) - رض ، حش : اجره
( 8 ) - رض ، مل : + بذ لك .
( 9 ) - رض ، مل : + له .
( 10 ) - " كما صلى على ابراهيم وآل ابراهيم " غير موجودة ، في رض ومل وحش .
( 11 ) - حش ، رض ، مل : كفى .

 

 

- ص 31 -

أنه مذهب مردود ( 1 ) ، ووصفنا الذاهب إليه من الناس بما ذكره ( 2 ) من الغلو والتقليد بغير بيان . وأما الخبر الثابت عن النبي عليه وآله السلام ( 3 ) : " أنا دعوة إبراهيم " ( 4 ) ، فلم يأت بأنه كان جوابا عن المسألة له عن بدء أمره . وله سئل

عن بدء أمره لما كان لقوله أنا دعوة إبراهيم محصول ( 5 ) ، لأنه إن أراد بالبدء الإرسال فلم يكن عن ( 6 ) دعوة ابراهيم . وإن أراد الذكر فقد كان ذلك قبل ابراهيم حين ذكره الله لنبيه آدم عليه السلام . وفى الخبر أنه مذكور ( 7 ) للملائكة ( 8 )

تجل آدم عليه السلام ( 9 ) وبالجملة ( 10 ) افإنا غير مصححين لقدم الأنوار التى ذكرها السائل ، وقد قلنا في ذلك ما فيه مقنع ، إن شاء الله تعالى .


المسألة الثالثة

وسأل السائل أيضا عن قول يعقوب عليه السلام " لما رأى يوسف ( 11 ) المنام فقال : " وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما اتمها على أبويك من قبل " ( 12 ) وقوله بعد ذلك لإخوته : " وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون " ( 13 ) . وقد علم أنه يكو نبيا وأنه
 

  * هامش *  
 

( 1 ) - رض ، مل : مرذول .
( 2 ) - رض ، مل : بما زكرنا ه .
( 3 ) - رض ، مل : + أنه قال .
( 4 ) - عن أبى إمامة قال : يارسول الله ! ما كان بدء أمرك ؟ قال : دعوة أبى إبرهيم . وبشرى عيسى ، ورأت أمي أنة خرج منها شئ أضاءت منه قصور الشام . ( تفسير نور الثقلين 1 / 130 ) .
( 5 ) - رض : معنى محصل .
( 6 ) - رض . مل : عند .
( 7 ) - رض : كان مذكورا .
( 8 ) - عن أبى ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وآله في خبر طويل في وصف المعراج ساقه إلى أن قال : قلت : يا ملائكة ربى هل تعرفونا حق معرفتنا ؟ فقالوا : يا نبى الله وكيف لا نعرفكم وانتم اول ما خلق الله ؟ خلقكم اشباح نور من نوره . . . ثم خلق الملائكة من بدء ما أراد من أنوار شتى ، وكنا نمر بكم وأنتم تسبحون وتحمدون وتهللون وتكبرون وتمجدون وتقدسون ، فنسبح ونقدس ونمجد ونكبر ونهلل بتسبيحكم وتحميدكم وتهليلكم وتكبيركم وتقديسكم وتمجيدكم . الخ . ( بحار الانوا ر 15 / 8 ) .
( 9 ) - " وفى الخبر . عليه السلام " غير موجودة في مل .
( 10 ) - رض ، مل : وفى ا لجملة .
( 11 ) - حش ، رض ، مل : + عليه السلام .
( 12 ) - سورة يوسف ( 12 ) : 6 .
( 13 ) - سورة يوسف ( 12 ) : 13 . " وانتم عنه غافلون " غير موجودة في رض ومل .

 

 

- ص 32 -

لا يجوز أن يأكله الذئب ( 1 ) مع إجماعنا على أن لحوم الأنبياء محرمة على الوحش .


الجواب - وبا لله التوفيق - أن يعقوب عليه السلام تأول رؤيا يوسف عليه السلام على حكم رؤيا البشر التي يصح منها ويبطل ، ويكون التأويل لها مشترطا بالمشيئة ( 2 ) ولم يكن يوسف ( 3 ) في تلك الحال " نبيا يوحى إليه في المنام فيكون تأويلها

على القطع واثبات ، فلذلك لم يجزم على ما اقتضته من التأويل ، وخاف عليه اكمل الذئب عند إخراجه مع إخوته في الوجه الذى التمسوا إخراجه معهم فيه . وليس ذلك بأعجب من رؤيا إبراهيم عليه السلام في المنام - وهو نبى مرسل وخليل للرحمن

( 5 ) مصطفى مفضل - أنه يذبح ابنه ثم صرفه الله تعالى عن ذبحه وفداه منه بنص التنزبل ، مع أن رؤيا المنام أيضا على شرط صحة تأويلها ووقوعه ( 3 و ) لا محالة ليس بخاص لا يحتمل الوجوه ( 6 ) ، بل هو جار مجرى القول الظاهر

المصروف بالدليل عن حقيقه إلى المجاز ، وكالعموم الذى يصرف عن ظاهره إلى ا لخصوص بقرائنه من البرهان . وإذا كان ( 7 ) على ما وصفناه أمكن أن يخاف يعقوب ( 8 ) على يوسف عليه السلام من العطب قبل البوغ وإن كانت رؤياه تقتضي على ظاهر حكمها بلوغه ونيله النبوة وسلامته من الآفات . وهذا بين لمن تأمله . والله الموفق للصواب .


المسألة الرابعة

وسأل . هذا السائل ( 9 ) عن قوله تعالى : " والنجم والشجر يسجدان " ( 10 ) وقوله : " ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في ( 11 ) الأرض

  * هامش *  
 

( 1 ) - " وقد علم أنه . أن يأكله الذئب " غير موجودة في رص ومل .
( 2 ) - رض . مل : بالمشية .
( 3 ) - حش . رض . مل : + عليه السلام .
( 4 ) - " في تلك الحال " غير موجودة في رض .
( 5 ) - حش ، رض . مل : خليل الرحمن .
( 6 ) - حش : الوجوب .

( 7 ) - رض ، مل : + الامر .
( 8 ) - رض ، مل : + عليه السلام .
( 9 ) - مر ، رض 2 : مسألة من الأول وسأل .
( 10 ) سورة ا لرحمن ( 55 ) : 6 .
( 11 ) - " من في " ساقطة من الأصل وحش ومل .

 

 

- ص 33 -

والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر " ( 1 ) . وقال : هذه كلها جمادات لا حياة لها ( 2 ) فكيف تكون ساجدة لله ؟ وما معنى سجودها المذكور ؟


والجواب - وبالله التوفيق - أن السجود في اللغة التذلل ( 3 ) والخضوع ، ومنه سمى المطيع لله ساجدا لتذلله بالطاعة لمن أطاعه . وسمى واضع جهته على الأرض ساجدا لمن وضعها له لأنة تذلل بذلك له وخضع . والجمادات وإن فارقت

الحيوانات بالجمادية فهى متذللة لله عزوجل من حيث لم تمتنع من تدبيره لها وأفعاله فيها . والعرب تصف الجمادات بالسجود وتقصد بذلك ، ما شرحناه في معناه ألا ترى الى قول اشاعر ، وهو زيد الخيل : بجمع تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافر أراد أن الأكم الصلاب في الأرض لا تمتنع من هدم حوافر الخيل لها وانخفاضها بها بعد الارتفاع .


وقال سويد الشاعر : ساجد المنخر لا يرفعه خاشع الطرف اصم المستمع والتذلل بالاضطرار والاختيار لله عز اسمه يعم الجماد والحيوان الناطق والمستبهم معا .

فالمتذلل لله تعالى بالاختيار والفعل من نفسه ( 5 ) هوالحى العاقل المكلف المطيع . والمتذلل له بالاضطرار هو الحى المستبهم والناطق الناقص ( 2 ظ ) عن حد التكليف ، والكامل الكافر أيضا .

والجمادات جميعهم مصرف بتدبير الله تعالى وغير ممتنع من أفعاله به وآثاره فيه ، فالكل إذا سجد لله جل اسمه متذلل له خاضع ، على ما بيناه . وهذا مالا يختل معناه على من له فهم باللسان .
 

  * هامش *  
 

( 1 ) - سورة ا لحج ( 22 ) : 18 .
( 2 ) - مرا ، رض 2 : + ولا نطق .
( 3 ) - رض : هو التذلل را لخشوع . مل ، مر " رض 2 : هو ا لتذلل .
( 4 ) - " بذلك " ساقطة من رض .
( 5 ) - مر ، رض 2 : باختيار وعقل .