عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- المسائل العكبرية - الشيخ المفيد ص 38 : -

المسألة السابعة

وسأل فقال : إذا كان الله تعالى لاتعلم هيئة ولا يحق و لا يدرك كيفيته ولا يثبه خلقه ، ولا تحسه الاوهام والخواطر ، ولايحريه مكان و لاحيث ( 2 ) ولا أوان ، فكيف صدر الامر والنهى عنه إلى الحجج عليهم السلام وكيف هيئة ذلك ؟ هذا سؤال السائل بألفاظه مع اخلاطها وفسادها .

والجواب - وبالله التوفيق - أن الله ، تعالى ( 3 ) عن أن يكون له هيئة أو كيفية أو يشته شيئا من خلقه ، أو يتصور في الاوهام أو يصح خطور ذلك ( 4 ) على الصحة لاحد ببال ، وتعالى ( 5 ) أيضا عن المكان والزمان .


وحصول الامر منه والنهى للحجج عليهم السلام والسفراء ثابت معقول ، لا يشتبه معناه على الاباء ( 6 ) ، وهو أن يحدث سبحانه كلاما في محل يقوم به الكلام كالهواء وغيره من الاجسام ، يخاطب به المؤهل للرسالة ، ويدله على انه كلامه

( سبحانه ) ( 7 ) دون من سواه ، بأنه لا يقدر عليها أحد من الخلق على كل حال ( 8 ) ، فيعلم المخاطب بذلك انه كلام الله ، لما قد ثبت في العقول من حكمته ( تعالى ) ( 9 ) ، وانه لا يلبس على الباد ولا يصدق كاذبا عليه ، و لا يعضد باطلا ببرهان . ونظير ذلك إرساله لموسى عليه السلام وتكيمه ( 10 ) إياه ووحيه إليه في البعثة له
 

  * هامش *  
 

( 1 ) - رض ، مل ، مر ، رض 2 : لا يعلم .
( 2 ) - في الاصل وحش : بحيث . صححناها عن رض ومر ورض 2 .
( 3 ) - رض ، مل : يتعالى .
( 4 ) - رض : حضور ذاته . مل : حضور ذلك .
( 5 ) - رض ، مل : ويتعالى .

( 6 ) - رض ، مل : الاولياء .
( 7 ) - اثبتناها عن حش ورض ومر .
( 8 ) - حش ، رض ، مل ، مر ، رض 2 : على حال .
( 9 ) - أثبتناها عن حش ورض ومل . مر : حكمة الله تعالى .
( 10 ) - رض ، مل ، رض 2 : كلامه . ( * )

 

 

- ص 39 -

والارسال . فأحدث كلاما في الشجر ؟ التى رام موسى ( 5 و ) منها اقتباس النار ، أو فيما يتصل بالشجرة من الهواء ( 1 ) ، ودله على انه كلامه تعالى ( 2 ) دون من سواه بجعل يده بيضاء من غير سوء ، وقلب عصاه ثعبانا حيا يسعى في الحال ،

فعلم موسى عليه السلام بهذين المعجزين أن المكلم ( 3 ) له إذ ذاك هو الله جل اسمه ، الذى لا يقدر على مثل صنيعه ( 4 ) بايد والعصا أحد من الخلق ( 5 ) .


ثم قد يكون الكلام من الله تعالى في معنى الارسال بخطاب ( 6 ) المرسل نفسه ، من غير واسطة بينه وبينه من السفراء ، وقد يكون بخطاب تلك يتوسط في السفارة بينه وبين المبعوث من البشر ، ويعضد كلامه للملك بمثل ما عضد كلامه لموسى عليه السلام من الآيات . وهذا بين لا إشكال فيه ، والمنة لله ( 7 ) .


المسألة الثامنة

وسأل فقال : قد ورد الخبر أن النبي صلى الله عليه وآله قال : " مامنا إلا من هم أو عصى إلا يحيي بن زكريا فإنه ماهم ولاعصى " ( 8 ) . قال وقد سماه الله سيدا ( 9 ) ولم يسم غير وإذا صح ذلك فهو خير الانبياء .
 

  * هامش *  
 

( 1 ) - في الاصل : فيما يتصل من الهواء بالشجرة ، اخترناها وفاقا لسائر النسخ .
( 2 ) - باقى النسخ : سبحانه .
( 3 ) - رض ، مل ، مر ، رض 2 : المتكلم .
( 4 ) - رض 2 : صنعته . مر : صفته .
( 5 ) - مر ، رض 2 : + والعباد .
( 6 ) - رض : يخاطب . ( 7 ) - رض : + تعالى .
( 8 ) - ورد في التفسير المنسوب إلي الامام العسكري عليه السلام ( ص 659 ) : لكنه مامن عبد عبد الله عزوجل إلا وقد أخطأ أو هم بخطا ، ماخلا يحيى بن زكريا ، فانه لم يذنب ، ولم يهم بذنب . ونقلها العلامة المجلسي في البحار 12 / 186 . وفى الدر المنثور ( 4 / 262 ) : أخرج أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الاصولي والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من احد من ولد آدم إلا وقد أخطا أو هم بخطيئة إلا يحيى بن زكريا لم يهم بخطيئه ولم يعملها . راجع أيصا المستدرك على الصحيحين - للحاكم النيشابوري - 2 / 591 .
( 9 ) - اشارة إلي قوله تعالى : فنادته الهلائكة وهو قائم يصلى في المحراب ان الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصوراء ونبيا من الصالحين - سورة آل عمران ( 3 ) : 39 . ( * )

 

 

- ص 40 -

والجواب - وبالله التوفيق - أن هذا الخبر غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله ، ولو ثبت لما وجب أن يكون يحيى أفضل الانبياء ( 1 ) ، إذ كان من هم وعصى قد تزيد ( 2 ) تكاليفه على من لم يهم ولم يعص ، وتكون طاعاته و قربه أكبر ( 3 ) ،

وأعماله أشق ( 4 ) ، واكثر صلاحا للخلق وأنفع ، لاسيما وهم ( 5 ) الانبياء ( 6 ) ومعاصيهم - على مذهب من جوز ذلك عليهم من أهل العدل - صغائر مغفورة . فأنا وصف الله تعالى ليحيى ( 7 ) بأنه سيد ، فذلك أيضا مما لا يوجب تفضيله على

الانبياء عليهم السلام ، لانه لم يوصف بالسيادة والفضل عليهم ، وإنما وصف بسيادة قومه ، والتقدم ( 8 ) على أتباعه وأهل عصره . وذلك غير مقتض لسيادته على النبيين ( 9 ) وتقدمه في الفضل على كافة المرسلين حسب ما ذكرناه .


المسألة التاسعة

وسأل عن قوله تعالى : " إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " ( 10 ) فسمى المعدوم شيئا والمعدوم ليس بشئ ، وخاطب المعدوم والمخاطب لا يكون إلا لموجود ( 11 ) .


والجواب - وبالله التوفيق - أن العرب ( 12 ) تطلق على المعدوم مالا يستحقه من

  * هامش *  
 

( 1 ) - حش ، مل : + عليهم السلام .
( 2 ) - رض ، مل : يزيد .
( 3 ) - رض ، ملا : أكثر .
( 4 ) - رض : واشق اعمالا .
( 5 ) - رض ، مل : وهمة .
( 6 ) - حش ، مل : + عليهم السلام .

( 7 ) - حش ، رض ، مل : + عليه السلام .
( 8 ) - في الامل : والتقديم ، صححناها على باقى النسخ .
( 9 ) - مل : لسيادته النبيين .
( 10 ) - سورة النحل ( 16 ) : 40 .
( 11 ) - مل : بموجود .
( 12 ) - مر ، رض 2 : إن القرآن نزل لسان العرب والعرب . . . ( * )

 

 

- ص 41 -

السمة ( 1 ) على الحقيقة إلا عند الوجود توسعا ومجازا . ألا ترى انهم يقولون : فلان ( 6 ظ ) مستطيع للحج ، فيطلقون على ما ( لم ) ( 2 ) يقع - من الفعل الذى إذا وجد كان حجا - اسم الحج .


ويقولون : تريد ( 3 ) في هذه السنة الجهاد ؟ فيسمون ما لم يقع بالجهاد ، وهو لا يستحق السمة ( 1 ) بذلك إلا بعد الوجود . وزيد في نفسه خصومة عمرو ، وصلح خالد ، وخطاب عبد الله ، ومناظرة بكر ، والخصومة والصلح والخطاب والمناظرة لا تكون في الحقيقة إلا بأفعال موجودة . وقد أطلقوا عليها السمة ( 1 ) قبل الوجود وفى حال عدمها وقبل كونها ، على ما وصفناه .


وقد قال الله تعالى مخبرا عن المسيح عليه السلام إنه قال : " ومبشرا برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد " ( 4 ) فسماه رسولا قبل وجوده . والرسول لا يكون رسولا في حال عدمه ، و لا يسحق هذه السمة إلا بعد وجوده وبعثته .


( فصل ) ( 5 ) فأما قوله إن الخطاب لا يتوجه إلا إلى موجود ولا يصح توجهه إلى المعدوم ، فالامر كذلك . ولم يخبر الله تعالى بأنه خاطب معدوما ولاكلم غير موجود ، وإنما أخبر أن الافعال غير متعذرة عليه ، وأنه مهما أراد ايجاده ( 6 ) منها وجد كما أراد .


والعرب تتوسع بمثل ذلك في الكلام ، فيقول القائل منهم في الخبر عمن يريد ذكره باتساع القدرة ونفوذ الامر وقوة السلطان : فلان إذا أراد شيئا وقال له : كن ، فكان ، وهو لا يقصد بذلك ، الخبر عن كلامه لمعدوم ، وإنما يخبر عن قدرته وتيسر الامر له ( 7 ) ، حسب ما بيناه .
 

  * هامش *  
 

( 1 ) - رض 2 : التسمية .
( 2 ) - ساقطة من الاصل وحش ، أثبتناها عن سائر النسخ لما يقضيه السياق .
( 3 ) - رض ، رض 2 : يريد . مل ، مر : نريد .
( 4 ) - سورة الصف ( 61 ) : 6 .
( 5 ) - أثبتناها عن مر ورض 2 .
( 6 ) - رض : ايجاد شئ .
( 7 ) - رض ، مل ، مر ، رض 2 : عليه . ( * )