- المسائل العكبرية - الشيخ المفيد ص 42 : - |
المسألة العاشرة
وسأل عن قوله تعالى
: " لمن الملك اليوم " ( 1 ) فقال : هذا خطاب منه
لمعدوم ، لانه يقوله عند فناه الخلق . ثم يجيب نفسه فيقول :
" الله الواحد القهار " ( 1 ) . وكلام المعدوم سفه لا يقع من حكيم ،
وجوابه نفسه عن سؤاله المعدوم أو تقريره إياه خلاف للحكمة والعقول ( 2 ) .
والجواب
- وبالله التوفيق - ان الآية غير متضمنة ( 3 ) للخبر عن خطاب معدوم و لا تقرير
لغير موجود ، بل فيها ما يوضح الخبر عن تقرير لموجود وهو قوله عزوجل :
" لينذر يوم التلاق * يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ " ( 4 ) .
ويوم التلاق هو يوم الحشر عند التقاء ( 6 و ) الارواح
والاجساد ، وتلاقي الخلق بالاجتماع في الصعيد الواحد .
وقوله : " يوم هم بارزون " ،
يؤكد ذلك ، إذ كان البروز ( 5 ) لا يكون إلا لموجود ، والمعدوم لا يوصف بظهور
ولا بروز . فدل ذلك على أن قوله تعالى : " لمن الملك
اليوم " خطاب للموجود ( 6 ) ، وتقرير لفاعل ثابت العين غير معدوم .
ثم ليس في الآية أن الله تعالى هو القائل ذلك ، بل فيها قول غير مضاف إلى قائل
بعينة ، فيحتمل أن يكون القائل ملكا أمر بالنداء ، فأجابه أهل الموقف .
ويحتمل أن يكون الله تعالى هو القائل مقررا غير مستخبر ،
والمجيبون هم البشر المبعوثون ، أو الملائكة الحاضرون ، أو الجميع مع الجان
وسائر المكلفين .
غير انه ليس في ظاهر الآية ولا باطنها ما يدل على أن الكلام
لمعدوم ، على ما ظنه السائل وأقدم على القول به ، من غير بصيرة ولا يقين ( 7 )
. ووجه آخر وهو أن قوله عزوجل : " ممن الملك اليوم "
يفيد وقوعه في حال إنزال ( 8 )
|
* هامش * |
|
|
1 - سورة غافر ( 40 ) : 16 .
2 - رض ، مل ، مر ، رض 2 : في العقول .
3 - رض ، مل : غير مضمنة .
4 - سورة غافر ( 20 ) : 15 - 16 . |
5 - رض 2 : إذ البروز .
6 - سائر النسخ : لموجود .
7 - حش : ولا تبيين .
8 - باقى النسخ : إنزاله . ( * )
|
|
|
الآية دون المستقبل ، ألا ترى إلى قوله لنبيه صلى الله عليه
وآله : " لينذر يوم التلاق *
يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهنم شئ لمن الملك اليوم " يعنى اليوم
الذى تقدم ذكر ثم قال : " لله الواحد القهار " .
فكان قوله : " لمن الملك اليوم " تنبيها على أن
الملك لله تعالى وحده يومئذ ، ولم يقصد به إلى تقريره ولا استخبار .
وقوله تعالى : " لله الواحد القهار "
تأكيد ( 1 ) للتنبيه والدلالة على تفرده تعالى بالملك دون من سواه ، ويكون
تقدير الآية كقول ( 2 ) القائل : يوم كذا وكذا لمن الامر ؟ في اليوم المذكور
أليس هو لفلان أو فلاق ؟ ولم يقصد بذلك تقريرا ولا استخبارا ولا إخبارا ( 3 )،
وإنما قصد الدلالة على حال المذكور في اليوم الموصوت ، وهذا ما لاسبهة فيه ،
والله المحمود.
المسألة الحادية عشر
وسأل عن كلام الله ، لموسى عليه
السلام : بأى شئ كان ذلك ، وقد علمنا أن النطق لا يخرج إلا عن ( 5 ) مكيف ،
تعالى الله عن ذلك ! فما هذا النطق وما ورد فيه ؟
والجواب - وبالله التوفيق - أن الله تعالى كلم
موسى عليه السلام بأن فعل كلاما له في الشجرة التى سمعه منها ، أو في الهواء
المتصل ( 7 ظ ) بها ( 6 ) .
والكلام غير محتاج إلى كيفية المتكلم ( 7 ) به وإنما يحتاج
إلى محل يقوم به ، سواء كان لفاعله كيفية أم لم يكن ( 8 ) له . وكذلك ( ما عدا
) ( 9 ) الكلام من الاعراض كلها يحتاج إلى كيفية ( 10 )
|
* هامش * |
|
|
1 - رض ، رض 2 : تأكيدا .
2 - مر ، رض 2 : على قول . رض ، مل : قول .
3 - مر ، رض 2 : ولا يقصد بذلك تقرير ولا استخبار ولا اخبار .
4 - باقى النسخ : + تعالى .
5 - سائر النسخ : من . |
6 - رض . مل ، مر ، رض 2 : به .
7 - حش ، رض ، مر : للمتكلم .
8 - رض ، مل : لم تكن .
9 - اثبتناها عن رض ومل . وفى مر ورض 2 : ما سوى .
10 - رض ، مل ، مر ، رض 2 : إلى معل يقوم به . ( * )
|
|
|
ولا يفتقر في صحة العقل ( 1 ) لها إلى كيفية الفاعل ( 2 ) .
ولم يكن الفاعل فاعلا من حيث كانت له كيفية . ولاذلك ين حده وحقيقه ولامن شرط
كونه فاعلا ، بل حقيقة الفاعل خروج مقدوره إلى الوجود وهو معناه .
وكل فاعل خارج مقدور . إلى الوجود فهو فاعل ، فأما كون الشئ
جسما أو جوهر أفليس من حدود الفاعلين و لامن حقائقهم ولامن ( 3 ) شروطهم ، على
ما ذكرناه . والذى يدل على ذلك ، انه قد يعرف الفاعل فاعلا من لا يعتقد . جسما
و لاجوهرا و لا يعرفه بذلك .
ويعرف الجسم جسما والجرهر جوهرا من لا يعتقده فاعلا ولا يعلمه
كذلك ولايجوز الفعلية منه ، فعلم أن المتكلم لا يحتاج في كونه متكلما إلى
كيفيته ( 4 ) إذ كان معنى المتكلم وحقيقته من فعل الكلام ، بدلالة أن كل من عرف
شيئا فاعلا للكلام ، عرفه
متكلما . وكل من عرفه متكلما ، علمه فاعلا للكلام . ، ومن
اشتبه الامر في فعله للكلام اشتبه في كونه متكلما . وهذا واضح لمن تأمله ، إن
شاء الله .
( فصل ) ( 5 ) فأما الوصف لكلام الله تعالى بأنه
نطق ، فمنكر من القول . و لا يجوز وصف الباري تعالى بالنطق وإن وصف بالكلام ،
إذ يمى معنى النطق معنى الكلام بل هما مختلفان في لسان العرب غير متفقين ، إذ
كان المتكلم عندهم من فعل الكلام ، على ما بيناه .
والناطق ما كانت له أصوات تختص بآلته المنبثة ( 1 ) في جملة جسمه ، وإن لم تكن
تلك الاصوات كلاما مفهوما ، على ما ذكرناه . ولو لم يكن به شرع ولا تضمنه
القرآن ولا أطلقه أحد من أئمة أهل الايمان ، لكفى ، فكيف والقول فيه ما ذكرناه
.
|
* هامش * |
|
|
1 - رض ، مر ، رض 2 : الفعل .
2 - حش ، رض ، مل : للفاعل .
3 - " من " ، ليس في باقى النسخ .
4 - رض ، مل ، مر ، رض 2 : كيفية .
5 - اثبتناها عن مرورض 2 .
6 - حش : المثبتة . رض 2 : بآلة منبثة . ( * )
|
|
|
|