تصحيح اعتقاد الإمامية - محمد بن محمد بن النعمان - ص 48 |
فصل : في الإرادة والمشيئة
قال الشيخ أبو جعفر - رحمه الله - ( 1 و 2 )
نقول : شاء الله وأراد ( 3 ) ولم يحب ولم
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) الاعتقادات ص 30 .
( 2 ) عنه في البحار 5 : 90 - 91 / 1 .
( 3 ) هذا الفصل من فروع بحث الإرادة ، وقد استحق من المتكلمين عناية
وعنوانا مفردا على أثر الاختلاف العظيم بين العلماء وزعماء المذاهب في المشيئة
الإلهية المذكورة في آيات الذكر الحكيم متعلقة بأمور غير مرضية لديه سبحانه ،
ثم في تأويلها بوجوه لا تخلو عن التكلف في الأكثر ، وأهمها آية الأنعام
: 148 ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا
آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم
من علم فتخرجوه لنا إن
تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون )
ثم آية الزخرف : 20
( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك
من علم إن هم إلا يخرصون ) وآيات كثيرة توهم تعلق إرادة الخالق بما
يستقبحه المخلوق ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
أما السلف الصالح من آل محمد ، فلا يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق في
الاصرار على تنزيه الرب سبحانه وتقدسه عن كل ما هو قبيح أو شبه قبيح
وشدة استنكارهم تعلق مشيئة الله أو إرادته بشرك أو ظلم أو فاحشة قط ،
فضلا عن فعله
أو خلق فعله أو الأمر به ، إذ كل ذلك عندهم خلاف حكمته وعدله وفضله ،
كذلك الحسيات العامة في البشر تجل ذوي العدل والفضل عن التمدح بإرادة القبائح ،
فكيف ترمي بها الحرم الإلهي .
أما الجواب عن الآيتين فبأن المقالة فيهما عن لسان المشركين ، ومقالة
المشركين من شأنها أن تورد للرد عليها لا للأخذ بها ، فالآيتان إذن
حجتان لأهل العدل لا عليهم ، ولا سيما بعد اشتمالهما على ذم القائلين
بهذه المقالة ونسبتهم إلى التخرص والجهالة . ش . ( * )
|
|
|
يرض ، وشاء - عز اسمه - ألا يكون شئ إلا بعلمه وأراد مثل ذلك
( 1 ) .
قال الشيخ المفيد - رحمه الله - : الذي ذكره
الشيخ أبو جعفر - رحمه الله - في هذا الباب لا يتحصل ، ومعانيه تختلف وتتناقض ،
والسبب في ذلك أنه عمل على ظواهر الأحاديث المختلفة ولم يكن ممن يرى النظر
فيميز بين الحق منها والباطل ويعمل على ما يوجب الحجة ، ومن عول في مذهبه على
الأقاويل المختلفة وتقليد الرواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه ( 2 ) .
والحق في ذلك : أن الله تعالى لا يريد
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) الكافي 1 : 151 / 5 ،
التوحيد : 339 / 9 .
( 2 ) ذهبت أنظار العلماء مذاهب شتى في الإرادة والمشيئة المذكورتين في
بعض الآيات ، فمن قائل إن الإرادة أزلية وعين ذاته سبحانه ومتعلقاتها حوادث
تتجدد بتجدد العلاقات الوقتية ، فالمشرك بالله اليوم لم تتعلق بهدايته إرادة
الله في
الأزل بخلاف المؤمن الذي قد تعلقت بهدايته الإرادة الأزلية . وقائل آخر
إن الارادات الربانية تتجدد بتجدد الكائنات والحادثات ، أو أن إرادته ( بالأحرى
) هي الخلق ما ظهر منه وما بطن ، وما قبح منه أو حسن ، وثالث في القوم يرى
الإرادة والمشيئة عبارتين عن الداعي إلى الفعل أو الداعي إلى تركه ،
ولا يكون الداعي الإلهي إلا حسنا وصالحا فيريد اليسر ولا يريد العسر ويشاء
الإيمان ولا يشاء الكفر ، ورابع فيهم لا يرى الإرادة والمشيئة شيئا سوى العلم
بالمصلحة أو العلم بالمفسدة ، غاية الأمر .
مصلحة خاصة ومفسدة مخصوصة ، وقد فصلت أقوالهم وأدلتهم في الكتب
الكلامية ، وما خلافهم هذا إلا فرعا من اختلافهم في أصل الإرادة
الإلهية .
وجدير بالمرء أن يقنع في هذه الورطة باعتقاد : أن الله سبحانه مريد فقط
ولا يريد شيئا من السيئات والقبائح قط ، دون أن يتعمق في كنه الإرادة
والمشيئة ، هذا ما يقتضيه العقل والعدل وتقضي به ظواهر الكتاب والسنة ،
فكلما صادفته آية أو
رواية مخالفة لهذا الاعتقاد لجأ إلى تأويلها تأويلا مناسبا لأصول
البلاغة واللغة ومتفقا مع المذهب ، وخير كتاب يسكن النفس ويروي الغليل في هذا
المقام كتاب ( متشابه القرآن ومختلفه ) للعالم الثقة محمد بن شهرآشوب السروي -
روح الله روحه . =>
|
|
|
إلا ما حسن من الأفعال ، ولا يشاء إلا الجميل من الأعمال ولا
يريد القبائح ولا يشاء الفواحش ، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا .
قال الله تعالى : ( وما الله
يريد ظلما للعباد ) ( 1 )
وقال تعالى : ( يريد الله بكم اليسر
ولا يريد بكم العسر ) ( 2 )
وقال تعالى :
( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم )
( 3 ) الآية .
وقال :
( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات
أن تميلوا
|
* هامش * |
|
|
=> وقال
العلامة الإمام حجة العلم والدين السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي - مد ظله
- في رسالته النفيسة ( إلى المجمع العلمي العربي بدمشق
- ص 50 - 52 ط صيدا ) ما نصه : وكفى في فضل ابن شهر آشوب إذعان الفحول من
أعلام أهل السنة له بجلالة القدر وعلو المنزلة ، وقد ترجمه الشيخ صلاح
الدين الصفدي خليل بن أيبك الشافعي ، فذكر أنه حفظ أكثر القرآن وله ثمان سنين ،
وبلغ النهاية في أصول الشيعة ، ( قال ) : وكان يرحل إليه من البلاد ، ثم تقدم
في
علم القرآن والغريب والنحو ووعظ على المنبر أيام المقتفي ببغداد فأعجبه
وخلع عليه ، وقال : وكان بهي المنظر حسن الوجه والشيبة ، صدوق اللهجة ، مليح
المحاورة ، واسع العلم ، كثير الخشوع والعبادة والتهجد ، لا يكون إلا على
وضوء ( قال ) : وأثنى عليه ابن أبي طي في تاريخه ثناءا كثيرا ، توفي
سنة 588 . وذكره الفيروز آبادي في محكي بلغته ، وأثنى عليه بما يقرب من ثناء
الصفدي ، وذكر أنه عاش مائة سنة إلا عشرة أشهر .
وعن بعض أهل المعاجم في التراجم من أهل السنة أنه قال في ترجمته : وكان
إمام عصره، ووحيد دهره ، أحسن الجمع والتأليف ، وغلب عليه علم القرآن والحديث ،
وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة في تصانيفه وتعليقات
الحديث ورجاله ومراسيله ، ومتفقه ومتفرقه إلى غير ذلك من أنواعه ، واسع
العلم ، كثير الفنون ، مات في شعبان سنة 588 ه . چ .
( 1 ) غافر : 31 . ( 2 )
البقرة : 185 . ( 3 )
النساء : 26 . ( * )
|
|
|
ميلا عظيما ) ( 1 ) . وقال :
( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) (
2 ) فخبر سبحانه أنه لا يريد بعباده العسر ، بل يريد بهم اليسر ، وأنه يريد لهم
البيان ولا يريد لهم الضلال ، ويريد التخفيف عنهم ولا يريد التثقيل عليهم ، فلو
كان
سبحانه مريدا لمعاصيهم لنافى ذلك إرادة البيان لهم والتخفيف
عنهم واليسر لهم ، وكتاب الله تعالى شاهد بضد ما ذهب إليه الضالون المفترون على
الله الكذب ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
فأما ما تعلقوا به من قوله تعالى : ( فمن يرد الله أن
يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ) ( 3 )
فليس للمجبرة به تعلق ولا فيه حجة من قبل أن المعنى فيه أن من أراد الله تعالى
أن ينعمه ويثيبه جزاء على طاعته شرح صدره للاسلام بالألطاف التي يحبوه بها ،
فييسر له بها استدامة أعمال الطاعات ، والهداية في هذا الموضع هي النعيم ( 4 )
.
قال الله تعالى فيما خبر به عن أهل الجنة : ( الحمد لله
الذي هدانا لهذا ) ( 5 ) الآية ، أي : نعمنا به وأثابنا إياه ، والضلال
في هذه الآية هو العذاب قال الله تعالى : ( إن المجرمين
في ضلال وسعر ) ( 6 ) فسمى الله تعالى العذاب ضلالا والنعيم هداية ،
والأصل في ذلك أن الضلال هو الهلاك والهداية هي النجاة .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) النساء : 27 .
( 2 ) النساء : 28 .
( 3 ) الأنعام : 125 .
( 4 ) في بعض النسخ : التنعيم .
( 5 ) الأعراف : 43 .
( 6 ) القمر : 47 . ( * )
|
|
|
قال الله تعالى حكاية عن العرب : (
أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد ) ( 1 ) يعنون إذا هلكنا فيها
وكان المعنى في قوله : ( فمن يرد الله أن يهديه )
ما قدمناه وبيناه ، ( ومن يرد أن يضله ) ما وصفناه ،
والمعنى في قوله تعالى : ( يجعل صدره ضيقا حرجا )
يريد سلبه التوفيق عقوبة له على عصيانه ومنعه الألطاف جزاء له على إساءته ،
فشرح الصدر ثواب الطاعة بالتوفيق ، وتضييقه عقاب المعصية بمنع التوفيق ، وليس
في هذه الآية على ما بيناه شبهة لأهل الخلاف فيما ادعوه من أن الله تعالى يضل
عن الإيمان ، ويصد عن الاسلام ، ويريد الكفر ، ويشاء الضلال .
وأما قوله تعالى : ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم
جميعا ) ( 2 ) فالمراد به الإخبار عن قدرته ، وأنه لو شاء أن يلجئهم إلى
الإيمان ويحملهم عليه بالاكراه والاضطرار لكان على ذلك قادرا ، لكنه شاء تعالى
منهم الإيمان على الطوع
والاختيار ، وآخر الآية يدل على ما ذكرناه وهو قوله تعالى :
( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ( 3 )
يريد أنه قادر على إكراههم على الإيمان ، لكنه لا يفعل ذلك ، ولو شاء لتيسر
عليه ، وكل ما يتعلقون به من أمثال هذه الآية فالقول فيه
ما ذكرناه أو نحوه على ما بيناه ، وفرار المجبرة من إطلاق
القول بأن الله تعالى يريد أن يعصى ويكفر به ، ويقتل أولياؤه ، ويشتم أحباؤه
إلى القول بأنه يريد أن يكون ما علم كما علم ، ويريد أن تكون معاصيه قبائح
منهيا عنها ، وقوع فيما هربوا منه ، وتورط فيما كرهوه ، وذلك أنه إذا كان ما
علم من القبيح كما علم
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) السجدة : 10 . ( 2 )
يونس : 99 . ( 3 ) يونس : 99 . (
* )
|
|
|
وكان تعالى مريدا لأن يكون ما علم من القبيح كما علم فقد أراد
القبيح وأراد أن يكون قبيحا فما معنى فرارهم من شئ إلى نفسه وهربهم من معنى إلى
عينه ، فكيف يتم لهم ذلك مع أهل العقول ، وهل قولهم هذا إلا كقول إنسان : أنا
أسب زيدا لكني
أسب أبا عمرو ، وأبو عمرو هو زيد ، أو كقول اليهود إذ قالوا
سخرية بأنفسهم : نحن لا نكفر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لكنا نكفر بأحمد ،
فهذا رعونة وجهل ممن صار إليه ، وعناء وضعف عمل ( 1 ) ممن اعتمد عليه .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) ( ق ) : عقل . ( * )
|
|
|
|