عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

تصحيح اعتقاد الإمامية - محمد بن محمد بن النعمان - ص 54

[ تفسير آيات القضاء والقدر ]

فصل : فيما ذكر الشيخ أبو جعفر في القضاء والقدر


قال الشيخ أبو جعفر - رحمه الله - في القضاء والقدر : الكلام في القدر منهي عنه، وروى حديثا لم يذكر له إسنادا ( 1 و 2 ) .

قال الشيخ أبو عبد الله المفيد - عليه الرحمة - ( 3 ) : عول ( 4 ) أبو جعفر - رحمه الله - في هذا الباب على أحاديث شواذ لها وجوه يعرفها العلماء متى صحت وثبت إسنادها ولم يقل فيه قولا محصلا ، وقد كان ينبغي له لما لم يكن يعرف للقضاء

معنى أن يهمل الكلام فيه ، والقضاء معروف في اللغة وعليه شواهد من القرآن ، فالقضاء على أربعة أضرب : أحدها : الخلق ، والثاني : الأمر ، والثالث : الإعلام ، والرابع : القضاء [ في الفصل بالحكم ] ( 5 ) .


فأما شاهد القضاء في معنى الخلق فقوله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان - إلى قوله - : فقضاهن سبع سموات في يومين ) ( 6 ) يعني خلقهن سبع سموات في يومين .
 

  * هامش *  
 

( 1 ) الاعتقادات ص 34 .
( 2 ) التوحيد : 365 .
( 3 ) عنه في البحار 5 : 97 / 22 ، 23 ، 24 .

( 4 ) في بقية النسخ : عمل .
( 5 ) في بعض النسخ : بالفصل في الحكم .
( 6 ) فصلت : 11 ، 12 . ( * )

 

 

ص 5

وأما شاهد القضاء في معنى الأمر فقوله تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) ( 1 ) يريد أمر ربك .

وأما شاهد القضاء في الإعلام فقوله تعالى : ( وقضينا إلى بني إسرائيل ) ( 2 ) يعني أعلمناهم ذلك وأخبرناهم به قبل كونه . وأما شاهد القضاء بالفصل ( 3 ) بالحكم بين الخلق فقوله تعالى : ( والله يقضي بالحق ) ( 4 ) [ يعني يفصل بالحكم ] ( 5 )

بالحق بين الخلق وقوله : ( وقضي بينهم بالحق ) ( 6 ) يريد وحكم بينهم بالحق ، وفصل بينهم بالحق . وقد قيل إن للقضاء وجها خامسا وهو الفراغ من الأمر ، واستشهد على ذلك بقول يوسف - عليه السلام - : ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان )

( 7 ) يعني فرغ منه ، وهذا يرجع إلى معنى الخلق ، وإذا ثبت ما ذكرناه في أوجه القضاء بطل قول المجبرة أن الله تعالى قضى بالمعصية على خلقه ، لأنه لا يخلو إما أن يكونوا يريدون به أن الله خلق العصيان في خلقه ، فكان يجب أن يقولوا

قضى في خلقه ( 8 ) بالعصيان ولا يقولوا قضى عليهم ، لأن الخلق فيهم لا عليهم ، مع أن الله تعالى قد أكذب من زعم أنه خلق المعاصي ( 9 ) لقوله ( 10 ) سبحانه : ( الذي أحسن كل شئ خلقه ) ( 11 ) فنفى عن خلقه القبح وأوجب له الحسن ،

والمعاصي قبائح بالاتفاق ، ولا وجه لقولهم قضى بالمعاصي ( 12 ) على معنى أنه أمر بها ، لأنه تعالى قد
 

  * هامش *  
 

( 1 ) بني إسرائيل : 23 .
( 2 ) بني إسرائيل : 4 .
( 3 ) في المطبوعة : في الفصل .
( 4 ) غافر : 20 .
( 5 ) ( ق ) : أي يحكم بينهم .
( 6 ) الزمر : 69 .

( 7 ) يوسف : 41 .
( 8 ) ( ز ) : الخلق .
( 9 ) بحار الأنوار 5 : 98 .
( 10 ) في بقية النسخ : بقوله .
( 11 ) السجدة : 7 .
( 12 ) في بقية النسخ : المعاصي . ( * )

 

 

ص 56

أكذب مدعي ذلك بقوله : ( إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ) ( 1 ) ولا معنى لقول من زعم أنه قضى بالمعامي على معنى أنه أعلم الخلق بها إذا كان الخلق لا يعلمون أنهم في المستقبل يطيعون أو يعصون ولا يحيطون علما بما

يكون منهم في المستقبل على التفصيل ، ولا وجه لقولهم إنه قضى بالذنوب على معنى أنه حكم بها ( 2 ) بين العباد ، لأن أحكامه ( 3 ) تعالى حق والمعاصي منهم ( 4 ) ولا لذلك فائدة وهو لغو بالاتفاق ، فبطل قول من زعم أن الله تعالى يقضي بالمعاصي والقبائح .


والوجه عندنا في القضاء والقدر بعد الذي بيناه في معناه أن لله تعالى في خلقه قضاء وقدرا وفي أفعالهم أيضا قضاء وقدرا معلوما ويكون المراد بذلك أنه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها وفي أفعالهم القبيحة بالنهي عنها ، وفي أنفسهم بالخلق

لها ، وفيما فعله فيهم بالايجاد له ، والقدر منه سبحانه فيما فعله ( 5 ) إيقاعه في حقه وموضعه ، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الأمر والنهي والثواب والعقاب ، لأن ذلك كله واقع موقعه ، موضوع في مكانه لم يقع عبثا ولم يصنع باطلا ، فإذا

فسر القضاء في أفعال الله تعالى والقدر بما شرحناه زالت الشنعة منه ، وثبتت الحجة به ، ووضح ( 6 ) الحق فيه لذوي العقول ، ولم يلحقه فساد ولا إخلال .

 

  * هامش *  
 

( 1 ) الأعراف : 28 .
( 2 ) بحار الأنوار 5 : 99 .
( 3 ) ( أ ) ( ح ) ( ز ) ( ق ) ( ش ) : أحكام الله .

( 4 ) ( ش ) ( ق ) : فيهم .
( 5 ) بحار الأنوار 5 : 99 .
( 6 ) ( ش ) ( ق ) : وصح . ( * )