تصحيح اعتقاد الإمامية - محمد بن محمد بن النعمان - ص 57 |
[ تفسير أخبار القضاء والقدر ]
فأما الأخبار التي رواها أبو جعفر - رحمه الله - ( 1 ) في النهي عن الكلام في
القضاء والقدر فهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون النهي خاصا بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم
ويضلهم عن الدين ولا يصلحهم في عبادتهم إلا الامساك عنه وترك الخوض فيه ، ولم
يكن النهي عنه عاما لكافة المكلفين ، وقد يصلح بعض الناس بشئ يفسد به آخرون ،
ويفسد بعضهم بشئ يصلح به آخرون ، فدبر ( 2 ) الأئمة - عليهم السلام - أشياعهم
في الدين بحسب ما علموه ( 3 ) من مصالحهم فيه .
وثانيا ( 4 ) : أن يكون النهي عن الكلام في القضاء والقدر النهي عن الكلام فيما
خلق الله تعالى وعن علله وأسبابه وعما أمر به وتعبد ( 5 ) ، وعن القول في علل
ذلك إذا كان طلب علل الخلق والأمر محظورا ، لأن الله تعالى سترها عن أكثر خلقه
،
ألا ترى أنه لا يجوز لأحد أن يطلب لخلقه جميع ما خلق عللا
مفصلات فيقول لم خلق كذا وكذا ؟ حتى يعد المخلوقات كلها ويحصيها ، ولا يجوز أن
يقول : لم أمر بكذا ؟ أو تعبد بكذا ؟ ونهى عن كذا ؟ إذ تعبده بذلك وأمره لما هو
أعلم به
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) عنه في البحار 5 : 196 / 1 - 8 .
( 2 ) ( ق ) : وقد أمر .
( 3 ) ( ق ) : علموا .
( 4 ) في بقية النسخ : والوجه الآخر .
( 5 ) بحار الأنوار 5 : 99 . ( * )
|
|
|
من مصالح الخلق ولم يطلع أحدا من خلقه على تفصيل علل ما خلق
وأمر به وتعبد ، وإن كان قد أعلم في الجملة ( 1 ) أنه لم يخلق الخلق عبثا وإنما
خلقهم للحكمة والمصلحة ، ودل على ذلك بالعقل والسمع .
فقال سبحانه : ( وما خلقنا السماء
والأرض وما بينهما لاعبين ) ( 2 )
وقال : ( أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا )
( 3 )
وقال : ( إنا كل شئ خلقناه بقدر )
( 4 ) يعني بحق ووضعناه في موضعه
وقال : ( وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون ) ( 5 )
وقال فيما تعبد به : ( لن ينال الله
لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ) ( 6 ) .
وقد يصح أن يكون الله تعالى خلق حيوانا بعينه لعلمه ( 7 ) بأنه يؤمن عند خلقه
كفار ، أو يتوب عند ذلك فساق ، أو ينتفع به مؤمنون ، أو يتعظ به ظالمون ، أو
ينتفع المخلوق نفسه بذلك ، أو يكون عبرة لواحد في الأرض أو في السماء وذلك مغيب
عنا ، وإن قطعنا في الجملة أن جميع ما صنع الله تعالى إنما
صنعه لأغراض حكيمة ( 8 ) ولم يصنعه عبثا ، وكذلك يجوز أن يكون تعبدنا بالصلاة
لأنها تقربنا من طاعته وتبعدنا عن ( 9 ) معصيته ، وتكون العبادة بها لطفا لكافة
المتعبدين بها أو لبعضهم
، فلما خفيت هذه الوجوه ( 1 ) وكانت مستورة عنا ولم يقع دليل
على التفصيل فيها وإن كان العلم بأنها حكمة في الجملة كان النهي عن الكلام في
معنى القضاء والقدر إنما هو نهي عن طلب علل لها مفصلة ، فلم يكن نهيا عن
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) بحار الأنوار 5 : 100 .
( 2 ) الأنبياء : 16 .
( 3 ) المؤمنون : 115 .
( 4 ) القمر : 49 .
( 5 ) الذاريات : 56 .
|
( 6 ) الحج : 37 .
( 7 ) بحار الأنوار 5 : 100 .
( 8 ) ( ا ) ( ق ) : حكمية ، ( ح ) ( ش ) : حكمته .
( 9 ) ( ق ) ( ش ) : من .
( 10 ) بحار الأنوار 5 : 100 . ( * )
|
|
|
الكلام في معنى القضاء والقدر .
هذا إن سلمنا ( 1 ) الأخبار التي رواها ( 2 ) أبو جعفر - رحمه
الله . فأما إن بطلت أو اختل سندها فقد سقط عنا ( 3 ) عهدة الكلام فيها .
والحديث الذي رواه عن زرارة حديث صحيح من بين ما روى ،
والمعنى فيه ظاهر ليس به على العقلاء خفاء ، وهو مؤيد للقول بالعدل ( 4 ) ودال
على فساد القول بالجبر ، ألا ترى إلى ما رواه عن أبي عبد الله - عليه السلام -
( 5 ) من قوله :
( إذا حشر الله تعالى الخلائق سألهم عما عهد إليهم ولم يسألهم
عما قضى عليهم ) وقد نطق القرآن بأن الخلق مسؤولون عن أعمالهم ( 6 ) ، فلو كانت
أعمالهم [ بقضاء الله ] ( 7 ) تعالى لما سألهم عنها ، فدل على أن قضاء الله
تعالى ما خلقه من
ذوات العباد وفيهم وأنه تعالى لا يسألهم إلا عن أعمالهم التي
عهد إليهم فيها، فأمرهم بحسنها ونهاهم عن قبيحها ، وهذا الحديث موضح لمعنى
القضاء والقدر فلا وجه [ للقول حينئذ بأنه ] ( 8 ) لا معنى للقضاء والقدر معقول
، إذ كان بينا حسبما ذكرناه.
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) في بقية النسخ : سلمت .
( 2 ) ( ح ) ( ق ) : بقضائه .
( 3 ) ( ح ) ( ش ) : عنها .
( 4 ) بحار الأنوار : 5 : 100 .
|
( 5 ) التوحيد : 365 .
( 6 ) بحار الأنوار : 5 : 100 .
( 7 ) ( ق ) : بقضائه .
( 8 ) ( ق ) : لقول من زعم أنه . ( * )
|
|
|
|