عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد
 

 

تصحيح اعتقاد الإمامية - محمد بن محمد بن النعمان - ص 60

[ معنى فطرة الله ]


قال أبو جعفر - رحمه الله - ( 1 ) في معنى الفطرة : إن الله تعالى فطر [ جميع الخلق ] ( 2 ) على التوحيد ( 3 ) .


قال الشيخ المفيد - رحمه الله - : ذكر أبو جعفر - رحمه الله - الفطرة ولم يبين معناها ! وأورد الحديث على وجهه ولم يذكر فائدته ، والمعنى في قوله - عليه السلام - فطر الله الخلق ، أي : ابتدأهم بالحدوث ، والفطرة هي الخلق .


قال الله تعالى : ( الحمد لله فاطر السموات والأرض ) ( 4 ) يريد به خالق السموات والأرض على الابتداء والاستقبال ،

وقال : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) ( 5 ) يعني خلقته التي خلق الناس عليها [ وهو معنى ] ( 6 )

قول الصادق - عليه السلام : فطر الله الخلق على التوحيد ، أي : خلقهم للتوحيد وعلى أن يوحدوه ، وليس
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) عنه في البحار 5 : 196 / 1 - 8 .
( 2 ) ( ق ) : الخلائق .
( 3 ) الاعتقادات ص 36 .

( 4 ) الملائكة : 1 .
( 5 ) الروم : 30 .
( 6 ) ( ق ) : والمعنى في . ( * )

 

 

ص 61

المراد به أنه [ أراد منهم ] ( 1 ) التوحيد ، ولو كان الأمر كذلك ما كان مخلوق إلا موحدا ، وفي وجودنا من المخلوقين من لا يوحد الله تعالى دليل على أنه لم يخلق التوحيد في الخلق ، بل خلقهم ليكتسبوا التوحيد ! وقد قال تعالى في شاهد ما ذكرناه : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ( 2 ) فبين أنه إنما خلقهم لعبادته .


وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رواية تلقاها العامة والخاصة بالقبول ، قال : كل مولود يولد فهو على الفطرة ، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه ( 3 ) .


وهذا أيضا مبين عن صحة ما قدمناه من أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه ، وفطرهم ليوحدوه ، وإنما أتي الضالون من قبل [ أنفسهم و ] من أضلهم من الجن والإنس دون الله
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) ( ق ) : خلق فيهم .
( 2 ) الذاريات : 56 .
( 3 ) قال العلامة الشهرستاني في مجلة ( المرشد - ص 26 - 27 ج 1 ) : الفطرة هي ما يقتضيه الشئ لو خلي ونفسه وبدون مانع ، فإذا قيل : ( الصدق فطري في البشر ) معناه أن الإنسان لو خلي ونفسه فإن حالته الفطرية تقتضي

أن يصدق كلامه ، وهذه الفطرة قد تدوم فيه كما هو الغالب ، وقد تزول عنه بمانع أقوى فيلتجئ إلى الكذب ، كما أن القائل : سقوط الحجر إلى الأرض طبيعي ، معناه : أن الحجر المتحرك حول الأرض لو خلي ونفسه فحكمه السقوط إلى الأرض ، وهذا لا يمنع أن يتخلف عن طبيعته لعارض وبسبب قاسر .


وعليه فكون دين الاسلام فطريا في البشر لا ينافي وجود سبب عارض يقسره يوما على مخالفته الفطرة ، وبعبارة فنية ( إن الفطرة اقتضاء لا ضرورة ) كما يصرح بذلك حديث ( كل مولود يولد على الفطرة ، وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ).

وأما معنى فطرية دين الاسلام ، فالراجح أنه بعنوانه المجموعي ، أي إن الاسلام إذا قيس إلى أي دين آخر كان هو دين الفطرة دون غيره - كما أشار إليه الحديث النبوي المتقدم .

ومما يريك دين الاسلام بلباسه الفطري ، أن حقيقة الاسلام هو أن يسلم المرء أمره إلى =>

 

 

ص 62

تعالى ، والذي أورده أبو جعفر في بيان . . . ( 1 ) الله الخلق وهدايتهم إلى الرشد على ما ذكر وقد أصاب في ذلك وسلك الطريقة المثلى فيه وقال ما يقتضيه العدل ويدل عليه العقل ، وهو خلاف مذهب المجبرة الرادين على الله فيما قال والمخالفين في أقوالهم دلائل العقول .
 

 

* هامش *

 
 

=> خالقه وأن يسالم المخلوقين ، وهل هذا إلا قضية الفطرة . قال سبحانه : ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن ) ( النساء : 125 ) أي : المسلم لله والمسالم لعباده .


وقال نبي الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم : ( المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه ) . ثم إن الاسلام بني على توحيد الله في ذاته وصفاته وتوحيده في عنايته وعبادته ، وهل هذا إلا الفطرة ، وأسس شرعه على العدل والاحسان والفضيلة والمحبة ، وكلها أحكام الفطرة .


فالاسلام بهذا المعنى دين الفطرة وشرع الحقيقة ، وهذا المعنى هو دين الله الحقيقي ، وهو أقدم شرائع البشر من عهد إبراهيم - عليه السلام - والذين من قبله ، والقرآن يقول في إبراهيم - عليه السلام - إنه : ( كان حنيفا مسلما ) ( آل عمران : 68 ) أي : متدينا بالدين الأصلي ، أعني به إسلام الفرد نفسه لربه ومسالمته مع عباده . چ .

( 1 ) هنا في النسخ بياض بمقدار كلمة . ( * )

 

 

ص 63

فصل : في [ معنى ] الاستطاعة


قال أبو جعفر - رحمه الله - ( ) في الاستطاعة : اعتقادنا في ذلك ما روي عن موسى بن جعفر - عليه السلام - : من أن العبد لا يكون مستطيعا إلا بأربع خصال ( 2 ) . . . إلخ ( 3 ) .


قال أبو عبد الله : الذي رواه أبو جعفر عن أبي الحسن موسى - عليه السلام - في الاستطاعة حديث شاذ ، والاستطاعة في الحقيقة هي الصحة والسلامة ، فكل صحيح فهو مستطيع ، وإنما يعجز الإنسان ويخرج عن الاستطاعة بخروجه عن الصحة،

وقد يكون مستطيعا للفعل من لا يجد آلة له ويكون مستطيعا ممنوعا من الفعل ، والمنع لا يضاد الاستطاعة وإنما يضاد الفعل ، ولذلك يكون الإنسان مستطيعا للنكاح وهو لا يجد امرأة ينكحها .


وقد قال الله تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات ) ( 4 ) فبين أن الإنسان يكون مستطيعا للنكاح وهو غير ناكح ، ويكون مستطيعا للحج قبل أن يحج ، ومستطيعا للخروج قبل أن يخرج .
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) عنه في بحار الأنوار 5 : 8 و 9 / 10 - 12 .
( 2 ) ( ق ) زيادة : أن يكون مخلى السرب ، صحيح الجسم ، سليم الجوارح ، له سبب وارد من الله .
( 3 ) الاعتقادات ص 38 ، الكافي 1 : 160 - 161 ، التوحيد : 348 / 7 وفيهما عن الرضا - عليه السلام - .
( 4 ) النساء : 25 . ( * )

 

 

ص 64

قال الله تعالى : ( وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم ) ( 1 ) فخبر أنهم كانوا مستطيعين للخروج فلم يخرجوا .


وقال سبحانه : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ( 2 ) فأوجب الحج على [ الناس و ] ( 3 ) الاستطاعة قبل الحج ، فكيف ظن أبو جعفر أن من شرط الاستطاعة للزنا وجود المزني بها ، وقد بينا أن الإنسان يستطيع ذلك مع فقد المرأة وتعذر وجودها ؟


وإن ثبت الخبر الذي رواه أبو جعفر - رحمه الله - فالمراد بالاستطاعة فيه التيسير للفعل وتسهيل سبيله ، وليس عدم السبيل موجبا لعدم الاستطاعة ، لما قدمناه من وجود الاستطاعة مع المنع ، وهذا باب إن بسطناه طال القول فيه ، وفيما أثبتناه من معناه كفاية لمن اعتبره ( 4 ) .
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) التوبة : 42 .
( 2 ) آل عمران : 98 .
( 3 ) ( ق ) : من لم يحج ، وأثبت .
( 4 ) ( ق ) : تأمله . ( * )