تصحيح اعتقاد الإمامية - محمد بن محمد بن النعمان - ص 68 |
فصل : في النهي عن الجدال
قال أبو جعفر [ في
الجدال ] ( 1 ) : الجدال في الله منهي عنه ، لأنه يؤدي إلى ما لا يليق به ( 2 )
.
وروي عن الصادق - عليه السلام - ( 3 ) أنه قال : يهلك أهل
الكلام وينجو المسلمون ( 4 ) .
قال أبو عبد الله الشيخ المفيد - رحمه الله - :
الجدال على ضربين : أحدهما بالحق ، والآخر بالباطل ، فالحق منه مأمور به ومرغب
( 5 ) فيه ، والباطل منه منهي عنه ومزجور عن استعماله .
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : (
وجادلهم بالتي هي أحسن ) ( 6 ) فأمر بجدال المخالفين وهو الحجاج لهم، إذ
كان جدال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقا ، وقال تعالى لكافة المسلمين :
( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) (
7 ) فأطلق لهم
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) ليست في ( ح ) ( أ ) ( ق ) .
( 2 ) الاعتقادات ص 42 .
( 3 ) بصائر الدرجات : 521 .
( 4 ) بصائر الدرجات : 541 / 4 و 5 ،
التوحيد : 458 / 22 . |
( 5 ) ( ز ) : مرغوب .
( 6 ) النحل : 125 .
( 7 ) العنكبوت : 46 . ( * )
|
|
|
جدال أهل الكتاب بالحسن ( 1 ) ، ونهاهم عن جدالهم بالقبيح .
وحكى سبحانه عن قوم نوح -عليه السلام- ما قالوه في جدالهم ( 2 ) فقال سبحانه :
( قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا ) ( 3 )
فلو كان الجدال كله باطلا لما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم به
، ولا استعمله الأنبياء - عليهم السلام - من قبله ، ولا أذن للمسلمين فيه .
فأما الجدال بالباطل فقد بين الله تبارك وتعالى
عنه في قوله : ( ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله
أنى يصرفون ) ( 4 ) فذم المجادلين في [ آيات الله ] ( 5 ) لدفعها أو
قدحها ( 6 ) وإيقاع الشبهة في حقها .
وتد ذكر الله تعالى عن خليله إبراهيم - عليه السلام - أنه حاج كافرا في الله
تعالى فقال : ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه )
( 7 ) الآية .
وقال مخبرا عن حجاجه قومه : ( وتلك
حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ) ( 8 ) .
وقال سبحانه آمرا لنبيه صلى الله على وآله وسلم بمحاجة
مخالفيه : ( قل هل عندكم من علم
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) في بقية النسخ : بالحق .
( 2 ) ( ح ) : جداله لهم .
( 3 ) هود : 32 .
( 4 ) المؤمن : 69 .
|
( 5 ) ( ح ) ( ق ) : الآيات .
( 6 ) ( ح ) ( ق ) : جحدها .
( 7 ) البقرة : 259 .
( 8 ) الأنعام : 83 . ( * )
|
|
|
فتخرجوه لنا ) ( 1 ) .
وقال - عز اسمه - : ( كل الطعام كان
حلا لبني إسرائيل ) ( 2 ) الآية .
وقال لنبيه صلى الله على وآله وسلم : (
فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم ) ( 3 ) الآية .
وما زالت الأئمة - عليهم السلام - يناظرون في دين الله سبحانه
ويحتجون على أعداء الله تعالى .
وكان شيوخ أصحابهم في كل عصر يستعملون النظر ، ويعتمدون
الحجاج ويجادلون بالحق ، ويدمغون ( 4 ) الباطل بالحجج والبراهين ، وكان الأئمة
- عليهم السلام - يحمدونهم على ذلك ويمدحونهم ويثنون عليهم بفضل .
وقد ذكر الكليني - رحمه الله - في كتاب الكافي -
وهو من أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة - حديث يونس بن يعقوب مع أبي عبد الله -
عليه السلام - حين ورد عليه الشامي لمناظرته ، فقال له أبو عبد الله - عليه
السلام - : ( وددت أنك يا يونس كنت تحسن الكلام ) .
فقال له يونس : جعلت فداك ، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول : ويل
لأهل الكلام ، يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد ، وهذا ينساق وهذا لا ينساق ،
وهذا نعقله وهذا لا نعقله .
فقال له أبو عبد الله - عليه السلام - : ( إنما قلت ويل لهم
إذا تركوا قولي وصاروا إلى خلافه ) ثم دعا حمران بن أعين ومحمد بن الطيار ( 5 )
، وهشام بن سالم وقيس الماصر فتكلموا بحضرته ، وتكلم هشام بعدهم فأثنى عليه
ومدحه وقال له :
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) الأنعام : 148 .
( 2 ) آل عمران : 94 .
( 3 ) آل عمران : 62 .
( 4 ) في بعض النسخ : يدفعون .
( 5 ) انظر ذيل كتاب ( أوائل ا لمقالات -
ص 69 - 70 طبع 1371 ) بقلم العلامة الزنجاني . چ . ( * )
|
|
|
( مثلك من يكلم الناس ) ، وقال - عليه السلام - وقد بلغه موت
الطيار : ( رحم الله الطيار ولقاه نضرة وسرورا ، فلقد كان شديد الخصومة عنا أهل
البيت ) ( 1 ) .
وقال أبو الحسن موسى بن جعفر - عليه السلام -
لمحمد بن حكيم . : ( كلم الناس وبين لهم الحق الذي أنت عليه ، وبين لهم الضلالة
التي هم عليها ) .
وقال أبو عبد الله - عليه السلام - لبعض أصحابنا
( 2 ) : ( حاجوا الناس بكلامي ، فإن حجوكم فأنا المحجوج ) وقال لهشام بن الحكم
وقد سأله عن أسماء الله تعالى واشتقاقها فأجابه عن ذلك ، ثم قال له بعد الجواب
: ( أفهمت يا هشام فهما تدفع به أعداءنا الملحدين في دين الله وتبطل شبهاتهم )
؟ فقال هشام : نعم ، فقال له : ( وفقك الله ) .
وقال - عليه السلام - لطائفة من أصحابه : ( بينوا
للناس الهدى الذي أنتم عليه ، وبينوا لهم [ ضلالهم الذي هم عليه ] ( 3 )
وباهلوهم في علي بن أبي طالب - عليه السلام - ) فأمر بالكلام ودعا إليه وحث
عليه .
وروي عنه - عليه السلام - أنه نهى رجلا عن الكلام
وأمر آخر به ، فقال له بعض أصحابه : جعلت فداك ، نهيت فلانا عن الكلام وأمرت
هذا به ؟ فقال : ( هذا أبصر بالحجج ، وأرفق منه ) فثبت أن نهي الصادقين - عليهم
السلام - عن الكلام إنما
كان لطائفة بعينها لا تحسنه ولا تهتدي إلى طرقه وكان الكلام
يفسدها ، والأمر لطائفة أخرى به ، لأنها تحسنه وتعرف طرقه وسبله .
فأما النهي عن الكلام في الله - عز وجل - فإنما
يختص بالنهي عن الكلام في
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) بحار الأنوار 2 : 136 .
( 2 ) ( ح ) ( ق ) : أصحابه .
( 3 ) ( ق ) : الضلالة التي هم عليها ، ( ز ) : ضلالتهم التي هم عليها
. ( * )
|
|
|
تشبيهه بخلقه وتجويره في حكمه . وأما الكلام في توحيده ونفي
التشبيه عنه والتنزيه له والتقديس ، فمأمور به ومرغب ( 1 ) فيه ، وقد جاءت بذلك
آثار كثيرة وأخبار متظافرة ، وأثبت في كتابي ( الأركان في دعائم الدين ) منها
جملة كافية ،
وفي كتابي ( الكامل في علوم الدين ) منها بابا استوفيت القول
في معانيه وفي ( عقود الدين ) جملة منها ، من اعتمدها أغنت عما سواها ،
والمتعاطي لإبطال النظر شاهد على نفسه بضعف الرأي ، وموضح عن قصوره عن المعرفة
ونزوله عن مراتب
المستبصرين ، والنظر غير المناظرة ، وقد يصح النهي عن
المناظرة للتقية ( 2 ) وغير ذلك ، ولا يصح النهي عن النظر لأن في العدول عنه
المصير إلى التقليد والتقليد مذموم باتفاق العلماء ونص القرآن والسنة .
قال الله تعالى ذاكرا لمقلدة من الكفار وذاما لهم على تقليدهم :
( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون *
قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ) ( 3 ) .
وقال الصادق - عليه السلام - : ( من أخذ دينه من
أفواه الرجال أزالته الرجال ، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم
يزل ) ( 4 ) .
وقال - عليه السلام - : ( إياكم والتقليد ، فإنه
من قلد في دينه هلك ) إن الله تعالى يقول : ( اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ( 5 ) فلا ( 6 ) والله ما صلوا
لهم
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) ( ز ) : ومرغوب .
( 2 ) في بعض النسخ : لتقية .
( 3 ) الزخرف : 23 و 24 .
|
( 4 ) بحار الأنوار 2 : 105 .
( 5 ) التوبة : 31 .
( 6 ) في بقية النسخ : ولا . ( * )
|
|
|
ولا صاموا ، ولكنهم أحلوا لهم حراما ، وحرموا عليهم - حلالا ،
فقلدوهم في ذلك ، فعبدوهم وهم ( 1 ) لا يشعرون ) .
وقال - عليه السلام - : ( من أجاب ناطقا فقد عبده
، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد
عبد الشيطان ) .
فصل : ولو كان التقليد صحيحا والنظر باطلا لم يكن
التقليد لطائفه أولى من التقليد لأخرى ، وكان كل ضال بالتقليد معذورا ( 2 ) ،
وكل مقلد لمبدع غير موزور ( 3 ) ، وهذا ما لا يقوله أحد ، فعلم بما ذكرناه أن
النظر هو الحق والمناظرة بالحق صحيحة ، وأن الأخبار التي رواها أبو جعفر - رحمه
الله - وجوهها ( 4 ) ما ذكرناه ، وليس الأمر في معانيها على ما تخيله فيها ،
والله ولي التوفيق .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) ( ق ) : من حيث . ( 2 ) ( ق ) : غير موزور . ( 3 ) ( ز ) : معذور
. ( 4 ) ( ق ) : جوابها . ( * )
|
|
|
|