عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

تصحيح اعتقاد الإمامية - محمد بن محمد بن النعمان - ص 74

فصل : في اللوح والقلم


قال الشيخ أبو جعفر - رحمه الله - ( 1 ) : اعتقادنا في اللوح والقلم أنهما ملكان ( 2 ) .


قال الشيخ المفيد - رحمه الله - : اللوح كتاب الله تعالى كتب فيه ما يكون إلى يوم القيامة ، وهو قوله تعالى يوضحه ( 3 ) : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) ( 4 ) فاللوح هو الذكر والقلم هو الشئ الذي

أحدث الله به الكتابة ( 5 ) في اللوح ، وجعل اللوح أصلا ليعرف الملائكة - عليهم السلام - منه ما يكون [ من غيب أو وحي ] ( 6 ) ، فإذا أراد الله تعالى أن يطلع الملائكة على غيب له أو يرسلهم إلى الأنبياء - عليهم السلام - بذلك أمرهم بالاطلاع

في ( 7 ) اللوح ، فحفظوا منه ما يؤدونه إلى من أرسلوا إليه ، وعرفوا منه ما يعملون ( 8 ) ، وقد جاءت بذلك آثار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة - عليهم السلام - . فأما من ذهب إلى أن اللوح والقلم ملكان ؟ فقد أبعد بذلك ونأى

به عن الحق ، إذ الملائكة لا تسمى ألواحا ، ولا أقلاما ، ولا يعرف في اللغة اسم ملك ولا ( 9 ) بشر لوح ولا ( 10 ) قلم .
 

 

* هامش *

 
 

( * ) أنظر البحار - ص 90 ج 14 ط كمباني والمسألة الثامنة والثلاثين من المسائل العكبرية . چ .
( 1 ) الاعتقادات ص 44 .
( 2 ) عنه في البحار 57 : 370 / 10 .
( 3 ) ليست في ( ق ) ( ز ) ( ح ) ( أ ) .
( 4 ) الأنبياء : 105 .
( 5 ) ( أ ) ( ز ) : الكتاب .
( 6 ) ليست في بقية النسخ .
( 7 ) ( ز ) : على .
( 8 ) ( ق ) ( ز ) : يعلمون .
( 9 و 10 ) ( ق ) : أو . ( * )

 

 

ص 75

فصل : في [ معنى ] العرش ( * )


قال الشيخ أبو جعفر - رحمه الله - ( 1 ) : اعتقادنا في العرش أنه حملة جميع الخلق والعرش في وجه آخر هو العلم . . . ( 2 ) إلخ .


قال الشيخ أبو عبد الله المفيد - رحمه الله - : العرش في اللغة هو الملك ( 3 ) ، قال الشاعر بذلك :

إذا ما بنو مروان ثلت عروشهم * وأودت كما أودت أياد وحمير ( 4 )

يريد إذا ما بنو مروان هلك ملكهم وبادوا ، وقال آخر ( 5 ) :

أظننت عرشك * لا يزول ولا يغير

يعني : أظننت ملكك لا يزول ولا يغير وقال الله تعالى مخبرا عن واصفي ملك ملكة سبأ : ( وأوتيت من كل شئ
 

 

* هامش *

 
 

( * ) أنظر البحار - ص 93 ج 14 ط كمباني . چ .
( 1 ) عنه في البحار 58 : 7 / 5 .
( 2 ) الاعتقادات ص 45 ، وبحار الأنوار 55 : 7 .
( 3 ) بحار الأنوار 55 : 7
( 4 ) بحار الأنوار 55 : 7 .
( 5 ) ( ق ) : الآخر . ( * )

 

 

ص 76

ولها عرش عظيم ) ( 1 ) يريدون : لها ملك عظيم ، فعرش الله تعالى هو ملكه ، واستواؤه على العرش هو استيلاؤه على الملك ، والعرب تصف الاستيلاء بالاستواء ، قال الشاعر :

قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق ( 2 )

يريد به قد استولى على العراق ( 3 ) ، فأما العرش الذي تحمله الملائكة ،
 

  * هامش *  
 

( 1 ) النمل : 23 .
( 2 ) بحار الأنوار 4 : 5 .
( 3 ) قال العلامة الشهرستاني في مجلة ( المرشد ص 29 - 31 ج 3 ) : ليس المذهب الصحيح ما ذهب إليه الحشوية وبعض الظاهرية من أن العرش سرير كبير يجلس الله عليه جلوس الملك اغترارا منهم بما يفهمه العوام من كلمة

( العرش ) أو من لفظة ( استوى ) إذ العلم والدين متفقان على تنزيه الخالق - عز شأنه - من صفات الأجسام ، وتقديس العالم الروحاني من شوائب المواد .


ولو اتخذنا فهم العوام ميزانا لتفسير الكتاب والسنة لشوهنا محاسن تلك الجمل البليغة ، وذهبنا بها إلى معاني مبذولة غير مقبولة ، ولوجب علينا أن نفسر آية : ( يجعلون أصابعهم في آذانهم ) ( البقرة : 20 ) بدخول الأصابع كلها في الآذان ،

وأن نفسر حديث ( الحجر الأسود يمين الله في أرضه ) بأن الحجر هو إحدى أكف الرب - تعالى شأنه - نعم ، لهذا الحديث وأمثاله ولتلك الآية وأمثالها وجه معقول ، ولكن على سبيل التشبيه والمجاز وعليهما مدار الكلام البليغ .


وبالجملة : إننا نفسر القرآن بالقرآن لئلا نحيد عن صراطه المستقيم ، فنقول : إن العرب كانوا ولا يزالون يسمون البيت المصنوع سقفه وقوائمه من أصول الأشجار عريشا ويستعملون الصيغ المشتقة من هذا الاسم لمعاني قريبة منه ، كما في آية ( ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ) ( الأعراف : 137 ) .

وفي آية : ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ) ( النحل : 68 )

وآية : ( وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات ) ( الأنعام : 141 ) يعني بذلك السقوف وقوائمها المصنوعة من أصول الشجر وفروعها للكرم أو لغيره ، وآية : =>

 

 

ص 77

فهو بعض الملك ( 1 ) ، وهو عرش خلقه الله تعالى في السماء السابعة ، وتعبد الملائكة - عليهم السلام - بحمله وتعظيمه ، كما خلق سبحانه بيتا في الأرض وأمر البشر بقصده وزيارته والحج إليه وتعظيمه ، وقد جاء في الحديث أن الله تعالى خلق بيتا تحت
 

 

* هامش *

 
 

 => ( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية عل عروشها ) ( البقرة 260 ) يعني قصورها وبيوتها المسقفة ، وبهذه المناسبة ومن غلبة الاستعمال صار ( العرش ) علما للدائرة الخاصة بملوك البشر على اختلاف أشكالها حسب اختلاف حضارة البشر في أدواره وفخامة الملك وسلطانه .


وقد استعمل الوحي الإلهي لفظة ( العرش ) على سبيل التجوز في دائرة ملك الله سبحانه الخاصة به وبملائكته المقربين ، فعرشه كناية عن عالم الروحانيات ، وما كان الحكماء الأقدمون يسمونه بعالم الملكوت ، وسماه حكماء الاسلام بعالم الأمر .

وأما لفظة ( استوى ) وهي التي جعلت الآية من المتشابهات عند القوم ، فمعناها التمكن التام والاستيلاء الكامل بدليل ما يظهر من آية : ( فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ) ( المؤمنون : 28 ) أي : تمكنت ،

وآية : ( فاستغلظ فاستوى على سوقه ) ( الفتح : 29 ) أي : تمكن واستقام ،

وآية : ( و لما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما ) ( القصص : 14 ) فالاستواء فيهن بمعنى التمكن التام دون الجلوس كما زعمت المشبهة ، وكثير في محاورات العرب استعمال ( استوى ) بمعنى التمكن الأتم والاقتدار الكامل ، كقول بعيث الشاعر :

قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق

يريد تمكنه التام ، غير أننا نتوخى على الدوام تفسير القرآن بالقرآن والاهتداء منه إليه ، وقد دلنا على معنى ( العرش ) كما دلنا على معنى ( الاستواء ) وأن الله سبحانه قد ظهر من خلقه للسموات والأرض تمكنه التام واقتداره الكامل على

عالم الأرواح ، أي : دائرة ملكه الخاصة به والمهيمنة على عالم الأجسام ويؤيد ذلك : قوله تعالى بعد هذه الآية : ( له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) ( طه : 6 ) مشيرا إلى أنه استولى قبل كل شئ على عالم الملكوت والأرواح ، ثم تمكن بذلك من تملك عالم الناسوت والأجرام .


وإن شئتم التفاصيل الكافية بأسرار العرش وآياته وحل سائر مشكلاته ، فقد استوفينا كل ذلك في رسالتنا ( العرشية ). چ.

( 1 ) بحار الأنوار 5 : 8 . ( * )

 

 

ص 78

العرش سماه البيت المعمور تحجه الملائكة في كل عام ، وخلق في السماء الرابعة بيتا سماه الضراح وتعبد الملائكة بحجه والتعظيم له والطواف حوله ، وخلق البيت الحرام في الأرض وجعله ( 1 ) تحت الضراح ( 2 ) .


وروي عن الصادق - عليه السلام - ( 3 ) أنه قال : لو ألقي حجر من العرش لوقع على ظهر البيت المعمور ، ولو القي حجر من البيت المعمور لسقط على ظهر البيت الحرام ، ولم يخلق الله عرشا لنفسه ليستوطنه ، تعالى الله عن ذلك .


لكنه خلق عرشا أضافه إلى نفسه تكرمة له وإعظاما وتعبد الملائكة بحمله كما خلق بيتا في الأرض ولم يخلقه ( 4 ) لنفسه ولا ليسكنه ، تعالى الله عن ذلك كله .


لكنه خلقه لخلقه وأضافه لنفسه ( 5 ) إكراما له وإعظاما ، وتعبد الخلق بزيارته والحج إليه . فأما [ الوصف للعلم ] ( 6 ) بالعرش فهو في مجاز اللغة دون حقيقتها ، ولا وجه لتأويل ( 7 ) ( 8 ) قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) ( 9 ) بمعنى ( 10 ) أنه احتوى على العلم ، وإنما الوجه في ذلك ما قدمناه .


والأحاديث التي رويت في صفة الملائكة الحاملين للعرش أحاديث آحاد وروايات أفراد لا يجوز القطع بها ولا العمل عليها ، والوجه الوقوف عندها والقطع على أن [ العرش في الأصل ] ( 11 ) هو الملك ، والعرش المحمول جزء من الملك تعبد الله تعالى بحمله الملائكة على ما قدمناه ( 12 ) .

 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) ( أ ) ( ز ) ( ح ) : فجعله .
( 2 ) بحار الأنوار : 55 : 8 .
( 3 ) بحار الأنوار 55 : 8 .
( 4 ) ( ز ) : يجعله .
( 5 ) ( ح ) ( ز ) ( ق ) : إلى نفسه .
( 6 ) ( ق ) : وصف العلم .

( 7 ) بحار الأنوار 55 : 8 .
( 8 ) ( ح ) ( ز ) ( ش ) ( ق ) : لتأول .
( 9 ) طه : 5 .
( 10 ) ( ق ) : على .
( 11 ) في المطبوعة : الأصل في العرش .
( 12 ) بحار الأنوار 55 : 8 . ( * )