=>
( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية عل عروشها )
( البقرة 260 ) يعني قصورها وبيوتها المسقفة ، وبهذه المناسبة ومن غلبة
الاستعمال صار ( العرش ) علما للدائرة الخاصة بملوك البشر على اختلاف أشكالها
حسب اختلاف حضارة البشر في أدواره وفخامة الملك وسلطانه .
وقد استعمل الوحي الإلهي لفظة ( العرش ) على سبيل التجوز في دائرة ملك
الله سبحانه الخاصة به وبملائكته المقربين ، فعرشه كناية عن عالم
الروحانيات ، وما كان الحكماء الأقدمون يسمونه بعالم الملكوت ، وسماه
حكماء الاسلام بعالم الأمر .
وأما لفظة ( استوى ) وهي التي جعلت الآية من المتشابهات عند القوم ،
فمعناها التمكن التام والاستيلاء الكامل بدليل ما يظهر من آية :
( فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ) (
المؤمنون : 28 ) أي : تمكنت ،
وآية : ( فاستغلظ فاستوى على سوقه ) (
الفتح : 29 ) أي : تمكن واستقام ،
وآية : ( و لما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما )
( القصص : 14 ) فالاستواء فيهن بمعنى التمكن التام دون الجلوس
كما زعمت المشبهة ، وكثير في محاورات العرب استعمال ( استوى ) بمعنى التمكن
الأتم والاقتدار الكامل ، كقول بعيث الشاعر :
قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق
يريد تمكنه التام ، غير أننا نتوخى على الدوام تفسير القرآن بالقرآن
والاهتداء منه إليه ، وقد دلنا على معنى ( العرش ) كما دلنا على معنى (
الاستواء ) وأن الله سبحانه قد ظهر من خلقه للسموات والأرض تمكنه التام
واقتداره الكامل على
عالم الأرواح ، أي : دائرة ملكه الخاصة به والمهيمنة على عالم الأجسام
ويؤيد ذلك : قوله تعالى بعد هذه الآية : ( له ما في
السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) ( طه : 6 ) مشيرا إلى
أنه استولى قبل كل شئ على عالم الملكوت والأرواح ، ثم تمكن بذلك من تملك عالم
الناسوت والأجرام .
وإن شئتم التفاصيل الكافية بأسرار العرش وآياته وحل سائر مشكلاته ، فقد
استوفينا كل ذلك في رسالتنا ( العرشية ). چ.
( 1 ) بحار الأنوار 5 : 8 . ( * )
|