عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

تصحيح اعتقاد الإمامية - محمد بن محمد بن النعمان - ص 79

فصل : في النفوس والأرواح


قال الشيخ أبو جعفر - رحمه الله - ( 1 ) : اعتقادنا في النفوس أنها هي الأرواح ، وأنها الخلق الأول ، وأنها خلقت للبقاء ، وأنها في الأرض غريبة ، وفي الأبدان مسجونة .


قال الشيخ أبو عبد الله : كلام أبي جعفر في النفس والروح على مذهب الحدس دون التحقيق ، ولو اقتصر على الأخبار ولم يتعاط ذكر معانيها كان أسلم له من الدخول في باب يضيق عنه ( 2 ) سلوكه .


[ قال الشيخ أبو عبد الله : النفس عبارة ] ( 3 ) عن معان : أحدها : ذات الشئ ، والثاني ( 4 ) الدم السائل ، والثالث ( 5 ) : النفس الذي هو الهواء ، والرابع : الهوى وميل الطبع ( 6 ) * .

فأما شاهد المعنى الأول ، فهو قولهم : هذا نفس الشئ - أي : ذاته وعينه -

 

* هامش *

 
 

( 1 ) الاعتقادات ص 47 والبحار 6 : 249 / 87 و 61 : 78 - 79 .
( 2 ) ( ق ) : عليه .
( 3 ) في المطبوعة : أما النفس فعبارة .
( 4 ) ( أ ) ( ح ) ( ز ) ( ق ) ( ش ) : والآخر .
( 5 ) ( أ ) ( ح ) ( ز ) ( ش ) ( ق ) : والآخر .
( 6 ) ( ح ) ( ق ) : الطباع . * بحار الأنوار 58 : 79 .

 

 

ص 80

وشاهد الثاني قولهم : كل ما كانت [ له نفس ] ( 1 ) سائلة فحكمه كذا وكذا ،

وشاهد الثالث قولهم : فلان هلكت نفسه ، إذا انقطع نفسه ولم يبق في جسمه هواء يخرج من جوانبه ( 2 ) ،

وشاهد الرابع قول الله تعالى : ( إن النفس لأمارة بالسوء ) ( 3 ) يعني : الهوى داع إلى القبيح ، وقد يعبر بالنفس عن النقم ، قال الله تعالى : ( ويحذركم الله نفسه ) ( 4 ) يريد به : نقمه وعقابه ( 5 ) .


فصل ( 6 ) : [ قال الشيخ المفيد : وأما الروح ] ( 7 )

فعبارة عن معان : أحدها : الحياة ، والثاني القرآن ، والثالث : ملك من ملائكة الله تعالى ، والرابع : جبرئيل - عليه السلام - .

فشاهد الأول قولهم : كل ذي روح فحكمه كذا وكذا ، يريدون : كل ذي حياة ، وقولهم في من مات : قد خرجت منه الروح ، يعنون به الحياة ، وقولهم في الجنين صورة لم تلجه الروح ، يريدون : لم تلجه ( 8 ) الحياة .

وشاهد الثاني قوله تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) ( 9 ) يعني به : القرآن .

وشاهد الثالث قوله تعالى : ( يوم يقوم الروح والملائكة ) ( 10 ) الآية .

وشاهد الرابع قوله تعالى : ( قل نزله روح القدس ) ( 11 ) يعني : جبرئيل - عليه السلام - .


فأما ما ذكره الشيخ أبو جعفر ورواه : أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد بألفي

 

* هامش *

 
 

( 1 ) ( أ ) ( ز ) : النفس .
( 2 ) ( ا ) ( ح ) ( ز ) ( ق ) ( ش ) : حواسه .
( 3 ) يوسف : 53 .
( 4 ) آل عمران : 29 .
( 5 ) ( ز ) : وعذابه .
( 6 ) ليست في المطبوعة .

( 7 ) في المطبوعة : وأما الروح .
( 8 ) ( ق ) : تحله .
( 9 ) الشورى : 52 .
( 10 ) النبأ : 38 .
( 11 ) النحل : 102 . ( * )

 

 

ص 81

عام ؟ فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ، فهو حديث من أحاديث الآحاد وخبر من طرق الأفراد ، وله وجه غير ما ظنه من لا علم له بحقائق الأشياء ، وهو أن الله تعالى خلق الملائكة قبل البشر بألفي عام ، فما تعارف منها قبل خلق البشر

ائتلف عند خلق البشر ، وما لم يتعارف منها إذ ذاك اختلف بعد خلق البشر ( 1 ) ، وليس الأمر كما ظنه أصحاب التناسخ ودخلت الشبهة فيه على حشوية
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) قال المصنف - قدس الله نفسه - في ضمن جواب المسألة الثانية من المسائل السروية * : فأما الخبر بأن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فهو من أخبار الآحاد ، وقد روته العامة كما روته الخاصة وليس ( هو ) مع ذلك

مما يقطع على الله بصحته ، وإنما نقله رواته لحسن الظن به ، وإن ثبت القول فالمعنى فيه أن الله تعالى قدر الأرواح في علمه قبل اختراع الأجساد ، واخترع الأجساد واخترع لها الأرواح ، فالخلق للأرواح قبل الأجساد خلق تقدير في العلم -

كما قدمناه - وليس بخلق لذواتها كما وصفناه - والخلق لها بالأحداث والاختراع بعدخلق الأجسام والصور التي تدبرها الأرواح ، و لولا أن ذلك كذلك لكانت الأرواح تقوم بأنفسها ولا تحتاج إلى آلات تعتملها ولكنا نعرف ما سلف لنا من

الأحوال قبل خلق الأجساد كما نعلم أحوالنا بعد خلق الأجساد . وهذا محال لا خفاء بفساده .


وأما الحديث بأن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ، فالمعنى فيه أن الأرواح التي هي الجواهر البسائط تتناصر بالجنس وتتخاذل بالعوارض ، فما تعارف منها باتفاق الرأي والهوى ائتلف ، وما تناكر منها بمباينة في الرأي والهوى اختلف .


وهذا موجود حسا ومشاهد ، وليس المراد بذلك أن ما تعارف منها في الذر ائتلف - كما يذهب إليه الحشوية ، كما بيناه من أنه لا علم للانسان بحال كان عليها قبل ظهوره في هذا العالم ، ولو ذكر بكل شئ ما ذكر ذلك - فوضح بما ذكرناه أن المراد بالخبر ما شرحناه ، والله الموفق للصواب . انتهى .

أنظر المجلد الرابع عشر من البحار ( السماء والعالم - ص 428 ط أمين الضرب ) . چ .


* أنظر إلى مقدمة العلامة الزنجاني لكتاب ( أوائل المقالات - ص مه طبع 1371 ) . وانظر البحار - ص 74 ج 3 ط كمباني . چ ( * )

 

 

ص 82

الشيعة فتوهموا أن الذوات ( 1 ) الفعالة المأمورة والمنهية كانت مخلوقة في الذر ( 2 )

 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) ( ق ) : الذات .
( 2 ) قال المصنف - قدس سره - في ضمن جواب المسألة الثانية من المسائل السروية ، ما نصه : وأما الحديث في إخراج الذرية من صلب آدم - عليه السلام - على صورة الذر فقد جاء ، الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه ومعانيه * ،

والصحيح أنه أخرج الذرية من ظهره كالذر فملأ بهم الأفق ، وجعل على بعضهم نورا لا يشوبه ظلمة وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، وعلى بعضهم نورا وظلمة ، فلما رآهم آدم عجب من كثرتهم وما عليهم من النور والظلمة فقال :

يا رب ما هؤلاء ؟ فقال الله - عز وجل - : هؤلاء ذريتك ، يريد في تعريفه كثرتهم وامتلاء الآفاق بهم ، وأن نسله يكون في الكثرة كالذر الذي رآه ليعرفه قدرته ويبشر باتصال نسله وكثرتهم . فقال آدم - عليه السلام - : يا رب ما لي أرى

على بعضهم نورا لا يشوبه ظلمة ، وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، وعلى بعضهم ظلمة ونورا ؟ فقال تبارك وتعالى : أما الذين عليهم النور بلا ظلمة فهم أصفيائي من ولدك الذين يطيعوني ولا يعصوني في شئ من أمري ، فأولئك

سكان الجنة . وأما الذين عليهم ظلمة لا يشوبها نور فهم الكفار من ولدك الذين يعصوني ولا يطيعوني في شئ من أمري ، فهؤلاء حطب جهنم . وأما الذين عليهم نور وظلمة فأولئك الذين يطيعوني من ولدك ويعصوني يخلطون أعمالهم السيئة

بأعمال حسنة ، فهؤلاء أمرهم إلي إن شئت عذبتهم فبعدلي ، وإن شئت عفوت عنهم بتفضلي ، فأنبأه الله بما يكون من ولده وشبههم بالذر الذي أخرجه من ظهره وجعله علامة على كثرة ولده ، ويحتمل أن يكون ما أخرجه من ظهره أصول

أجسام ذريته دون أرواحهم ، وإنما فعل الله ذلك ليدل آدم - عليه السلام - على العاقبة منه ، ويظهر له من قدرته وسلطانه ومن عجائب صنعه وعلمه بالكائن قبل كونه ليزداد آدم - عليه السلام - يقينا بربه ويدعوه ذلك إلى التوفير على

طاعته والتمسك بأوامره والاجتناب لزواجره . وأما الأخبار التي جاءت بأن ذرية آدم - عليه السلام - استنطقوا في الذر فنطقوا فأخذ =>

* أنظر المقام الخامس من ( مقامات النجاة ) للسيد نعمة الله الجزائري - ره - . وراجع البحار - ص 73 ج 3 ط كمباني . چ ( * )

 

 

ص 83

تتعارف وتعقل وتفهم وتنطق ، ثم خلق الله لها أجسادا من بعد ذلك

 

 

* هامش *

 
 

=> عليهم العهد فأقروا ، فهي من أخبار التناسخية ، وقد خلطوا فيها ومزجوا الحق بالباطل ، والمعتمد من إخراج الذرية ما ذكرناه بما يستمر القول به على الأدلة العقلية والحجج السمعية دون ما عداه ، وإنما هو تخليط لا يثبت به أثر على ما وصفناه .


فصل : فإن تعلق متعلق بقوله تعالى : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) ( الأعراف : 173 ) وظن بظاهر هذا القول تحقق ما رواه أهل التناسخ والحشوية والعامة في إنطاق الذرية وخطابهم بأنهم كانوا أحياءا ناطقين .


فالجواب عنه * : أن هذه الآية من المجاز في اللغة كنظائرها مما هو مجاز واستعارة، والمعنى فيها أن الله تبارك وتعالى أخذ من كل مكلف يخرج من صلب آدم وظهور ذريته العهد عليه بربوبيته من حيث أكمل عقله ودله بآثار الصنعة فيه

على حدوثه ، وأن له محدثا أحدثه لا يشبهه أحد يستحق العبادة منه بنعمته عليه ، فذلك هو أخذ العهد منهم ، وآثار الصنعة فيهم هو إشهادهم على أنفسهم بأن الله تعالى ربهم ، وقوله تعالى : ( قالوا بلى ) يريد أنهم لم يمتنعوا من لزوم آثار الصنعة فيهم ، ودلائل حدوثهم اللازمة لهم ، وحجة العقل عليهم في إثبات =>


* وأجاب المؤلف - قده - عن الآية في المسألة الخامسة والأربعين من المسائل العكبرية بما أجاب عنها في المسألة الثانية من المسائل السروية لكن مع اختلاف في التعبير .

وقال العلامة الشهرستاني في مجلة ( المرشد - ص 120 ج 3 ط بغداد ) : ( في الناس أناس يعتقدون أن البشر من قبل أن يخلقوا خلقتهم هذه ، كانوا على كثرتهم ذوي حظ من الوجود ولكن على قدر الذر أو أصغر ويسمون الوطن الذي

كانوا فيه على هذه الصفة ( عالم الذر ) و ( عالم الميثاق ) و ( يوم الألست ) بمناسبة خطاب الله لهم ( وهم ذر ) بقوله : ( ألست بربكم قالوا بلى ) غير أن المحقق رشيد الدين محمد بن شهر آشوب المتوفى سنة 588 نسب هذا المذهب إلى

الحشوية في كتابه ( المحكم والمتشابه ) * * وفسر هذه الآية التي هي من أقوى أدلة الذريين بحال أمتنا تجاه الخطابات الشرعية في عالمنا المحسوس . وعلى هذا أكثر المحققين من علمائنا المتقدمين كالشيخ المفيد والطبرسي - رض - وكالنراقيين من المتأخرين . . . ) . چ

* * أنظر متشابهات القرآن ومختلفه ص 8 ج 1 ط طهران لابن شهر آشوب . چ . ( * )

 

 

ص 84

فركبها فيها ، ولو كان ذلك كذلك لكنا نعرف نحن ما كنا عليه ، وإذا
 

  * هامش *  
 

=> صانعهم ، فكأنه سبحانه لما ألزمهم الحجة بعقولهم على حدثهم ووجود محدثهم قال لهم : ( ألست بربكم ) فلما لم يقدروا على الامتناع عن لزوم دلائل الحدث لهم كانوا كقائلين بلى .


وقوله تعالى : ( أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) ( الأعراف : 173 ) ألا ترى أنه احتج عليهم بما لا يقدرون يوم القيامة أن يناولوا [ يتأولوا ] في إنكاره ولا يستطيعون .


وقد قال سبحانه : ( والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ) ( الحج : 18 ) * ولم يرد أن المذكور يسجد ( كذا ) كسجود البشر في الصلاة ، وإنما أراد أنه غير ممتنع من فعل الله ، فهو كالمطيع لله ، وهو يعبر عنه بالساجد . قال الشاعر :

بجمع تظل البلق في حجراته * ترى الأكم فيه سجدا للحوافر * * =>


* أول الآية : ( ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض ) . قال المصنف - قده - في جواب المسألة الرابعة من المسائل العكبرية : السجود في اللغة التذلل والخضوع ومنه سمي المطيع لله ساجدا لتذلله بالطاعة لمن أطاعه،

وسمي واضع جبهته على الأرض ساجدا لمن وضعها له لأنه تذلل بذلك له وخضع والجمادات وإن فارقت الحيوانات بالجمادية فهي متذللة لله عز وجل من حيث لم تمتنع من تدبيره لها وأفعاله فيها ، والعرب تصف الجمادات بالسجود

وتقصد بذلك ما شرحناه في معناه ، ألا ترى إلى قول الشاعر وهو زيد الخيل : بجمع تظل البلق في حجراته


* ترى الأكم فيه سجدا للحوافر أراد أن الأكم الصلاب في الأرض لا تمتنع في هدم حوافر الخيل لها وانخفاضها بعد الارتفاع . . . والتذلل بالاختيار والاضطرار لله عز اسمه يعم الجماد والحيوان الناطق والمستبهم معا . چ


* * وفي الكامل للمبرد - ص 156 ج 2 ط مصر 1339 ه‍ : ويروى عن حماد الراوية قال : قالت ليلى بنت عروة بن زيد الخيل لأبيها : هل رأيت قول أبيك : بني عامر هل تعرفون إذا غدا


* أبو مكنف قد شد عقد الدوابر بجيش تضل البلق في حجراته

* ترى الأكم منه سجدا للحوافر مكنف كمحسن كنية زيد الخيل الصحابي - رض - .

قال العلامة ابن قتيبة الدينوري ( المتوفى سنة 276 ه‍ في كتاب ( المعارف - ص 145 ط مصر 1353 ، : كان مكنف أكبر ولد أبيه وبه كان يكنى وصحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسماه زيد الخير وحماد الراوية مولى مكنف . چ ( * )

 

 

ص 85

ذكرنا به ذكرناه ولا يخفى علينا الحال فيه ، ألا ترى أن من نشأ ببلد من البلاد
 

 

* هامش *

 
 

=> يريد : أن الحوافر تذل الأكم بوطئها عليها ، وقال آخر :

سجودا له عانون يرجون فضله * وترك ورهط الأعجمين وكابل

يريد : أنهم يطيعون له ، وخبر عن طاعتهم بالسجود ، وقوله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) ( فصلت : 11 ) وهو سبحانه لم يخاطب السماء بكلام ، ولا السماء

قالت قولا مسموعا ، وإنها أراد أنه عهد إلى السماء فخلقها فلم يتعذر عليه صنعها ، وكأنه لما خلقها قال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها فلما انفعلت بقدرته كانتا كالقائل : أتينا طائعين ،


ومثله قوله تعالى : ( يوم نقول لجهنم هل امتلئت وتقول هل من مزيد ) ( ق : 30 ) والله تعالى يجل عن مخاطبة النار وهي مما لا تعقل ولا تتكلم ، وإنما [ هو ] الخبر عن سعتها وأنها لا تضيق بمن يحلها من المعاقبين ، وذلك كله على مذهب أهل اللغة وعادتهم في المجاز ألا ترى إلى قول الشاعر :

وقالت له العينان سمعا وطاعة * وحدرتا كالدر لما يثقب والعينان

لم تقولا قولا مسموعا ، ولكنه أراد منهما البكاء فكانتا كما أراد من غير تعذر عليه ، ومثله قول غيره [ عنترة ] : أزور عن وقع القنا بلبانه * وشكى إلي بعبرة وتحمحم والفرس لا يشتكي قولا ولكنه ظهر منه علامة الخوف أو الجزع . ومنه قول الآخر : ( شكى إلي جملي طول السرى ) * * .


والجمل لا يتكلم لكنه لما ظهر منه النصب ، والوصب لطول السري عبر عن هذه العلامة بالشكوى التي تكون كالنطق والكلام ، ومنه قوله : امتلأ الحوض وقال قطني * حسبك مني قد ملأت بطني والحوض لم يقل قطني ولكنه لما امتلأ

بالماء عبر عنه بأنه قال حسبي ، ولذلك أمثال كثيرة في منثور كلام العرب ومنظومه وهو من الشواهد على ما ذكرناه في تأويل الآية ، والله تعالى =>

* اللبان : الصدر أو ما بين الثديين ، وأكثر استعماله لصدر ذات الحوافر كالفرس . چ .

* * آخر الشعر : يا جملي ليس إلي المشتكى

* صبر جميل فكلانا مبتلى . چ . ( * )

 

 

ص 86

فأقام ( 1 ) فيه حولا ثم انتقل ( 2 ) إلى غيره لم يذهب عنه علم ذلك ( 3 ) وإن خفي عليه لسهوه عنه فذكر به ذكره ، ولولا أن الأمر كذلك لجاز أن يولد إنسان منا ببغداد وينشأ بها ويقيم عشرين سنة فيها ثم ينتقل إلى مصر آخر فينسى حاله ببغداد ولا

يذكر منها شيئا ، وإن ذكر به وعدد عليه علامات حاله ومكانه ونشوئه أنكرها ، وهذا ما لا يذهب إليه عاقل ( 4 ) ، وكذا ما كان ينبغي لمن لا معرفة له بحقائق الأمور
 

 

* هامش *

 
  => سأل التوفيق ، ا ه‍ . أنظر ( المسألة 45 من المسائل العكبرية للشيخ المفيد - ره - وأمالي تلميذه الشريف السيد المرتضى - ره - المسمى بغرر الفوائد ودرر القلائد - ص 20 - 34 ج 1 ط مصر ) و ( مجمع البيان - ص 497 ج 2 ط صيدا ) لإمام المفسرين الشيخ الطبرسي - ره - ورسالة ( فلسفة الميثاق والولاية - ص 3 - 10 ط صيدا ) للعلامة الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي مد ظله . چ .


( 1 ) ( ق ) : وأقام .
( 2 ) ( ق ) زيادة : عنه .
( 3 ) بحار الأنوار 58 : 80 - 81 .
( 4 ) قال - قدس سره - في ضمن جواب المسألة الأولى من المسائل العكبرية * : إن قيل إن أشباح آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبق وجودها وجود آدم فالمراد بذلك أن أمثلتهم في الصور كانت في العرش فرآها آدم وسأل عنها

فأخبره الله أنها أمثال صور من ذريته شرفهم بذلك وعظمهم به ، فأما أن تكون ذواتهم - عليهم السلام - كانت قبل آدم موجودة فذلك باطل بعيد عن الحق لا يعتقده محصل ولا يدين به عالم وإنما قال به طوائف من الغلاة الجهال والحشوية من الشيعة الذين لا بصيرة لهم بمعاني الأشياء ولا حقيقة الكلام .


وقد قيل : إن الله تعالى كان قد كتب أسمائهم في العرش ورآها آدم وعرفهم بذلك وعلم أن شأنهم عند الله عظيم . وأما القول بأن ذواتهم كانت موجودة قبل آدم فالقول في بطلانه على ما قدمناه . ا ه‍ . =>

* أنظر مقدمة ( أوائل المقالات ص مه طبع 1371 ) چ . ( * )

 

 

ص 87

أن يتكلم فيها على خبط عشواء ( 1 ) . والذي ( 2 ) صرح به أبو جعفر - رحمه الله - في معنى الروح والنفس هو قول التناسخية بعينه من غير أن يعلم أنه قولهم فالجناية بذلك على نفسه وعلى غيره عظيمة .


فأما ما ذكره من أن الأنفس ( 3 ) باقية فعبارة مذمومة ولفظ يضاد ألفاظ القرآن . قال الله تعالى : ( كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ) ( 4 ) والذي حكاه من ذلك وتوهمه هو مذهب كثير من الفلاسفة الملحدين الذين زعموا أن

الأنفس ( 5 ) لا يلحقها الكون والفساد ، وأنها باقية ، وإنما تفنى وتفسد الأجسام المركبة ، وإلى هذا ذهب بعض أصحاب التناسخ

  * هامش *  
 

=> وقال ( س ) في ضمن جواب المسألة المتممة للخمسين : فصل - وقوله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد مبعوثا ولم يزل نبيا فإنه مجمل من المقال وباطل فيه على حال فإن أراد بذلك أنه لم يزل في الحكم مبعوثا وفي العلم نبيا

فهو كذلك ، وإن أراد ( بذلك ) أنه لم يزل موجودا في الأزل ناطقا رسولا وكان في حال ولادته نبيا مرسلا كما كان بعد الأربعين من عمره فذلك باطل لا يذهب إليه إلا ناقص غبي لا يفهم عن نفسه ما يقول والله المستعان وبه التوفيق . چ .


( 1 ) قال في ( الحور العين - ص 313 ) : والعشواء في قول الخليل : الناقة التي لا تبصر ما أمامها ، فهي تخبط بيديها كل شئ وترفع طرفها لا تنظر موقع يديها ، فضرب بها المثل لمن لا يتبين في أمره ، فقيل : كراكب العشواء ، وركب العشواء وهو يخبط خبط العشواء . ( أنظر مجمع الأمثال ص 336 ج 2 ط مصر ) أيضا . چ .


( 2 ) من هنا ذكره المجلسي في البحار 58 : 81 .
( 3 ) ( ق ) ( ز ) : النفس .
( 4 ) الرحمن : 26 - 27 .
( 5 ) في المطبوعة : النفس . ( * )

 

 

ص 88

وزعموا أن الأنفس ( 1 ) لم تزل تتكرر في الصور ( 2 ) والهياكل لم تحدث ولم تفن ولن ( 3 ) تعدم ، وأنها باقية غير فانية ، وهذا من أخبث قول وأبعده من الصواب ، وبما دونه في الشناعة والفساد شنع به الناصبة على الشيعة ونسبوهم إلى

الزندقة ، ولو عرف مثبته ما ( 4 ) فيه لما تعرض له ، لكن أصحابنا المتعلقين بالأخبار أصحاب سلامة وبعد ذهن وقلة فطنة يمرون على وجوههم فيما سمعوه من الأحاديث ولا ينظرون في سندها ، ولا يفرقون ( 5 ) بين حقها وباطلها ، ولا يفهمون ما يدخل عليهم في إثباتها ، ولا يحصلون معاني ما يطلقونه منها .


والذي ثبت من الحديث في هذا الباب أن الأرواح بعد موت الأجساد على ضربين : منها ما ينقل إلى الثواب والعقاب ، ومنها ما يبطل فلا يشعر بثواب ولا عقاب .


وقد روي عن الصادق - عليه السلام - ما ذكرناه ( 6 ) في هذا المعنى وبيناه ( 7 ) ، فسئل عمن مات في هذه الدار أين تكون روحه ؟ فقال - عليه السلام - : من

  * هامش *  
 

( 1 ) ( ز ) : النفس .
( 2 ) في المطبوعة : الصورة .
( 3 ) ( ح ) ( ز ) ( ق ) : ولم .
( 4 ) في المطبوعة : بما .
( 5 ) ( ح ) ( ق ) : يميزون .
( 6 ) ( ق ) : ذكرنا .
( 7 ) ومما هو جدير بالذكر أنه لا منافاة بين هذا الخبر وبين سائر الأخبار الواردة في الرجعة المشعرة بأنه لا يرجع إلى الدنيا إلا من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا ، فإن هذا الخبر في مقام بيان أنه لا ينعم ولا يعذب من

النفوس بعد مفارقة الأجساد إلا نفوس ماحضي الإيمان أو ماحضي الكفر ، وأن سائر النفوس من أمثال المستضعفين وغيرهم لا يشعر بشئ من الثواب والعقاب حتى يوم النشور وبعث من في القبور .


وأخبار الرجعة في مقام بيان أن الراجعين إلى الدنيا ليسوا إلا من هاتين الطائفتين أعني ممحضي الإيمان وممحضي الكفر وليس في مقام إثبات أن كل ماحض للإيمان أو ماحض للكفر يعود ، فلا منافاة بين مضامين الأخبار ، وللمصنف - قدس - بيان شاف في هذا الباب أيضا في ( أوائل المقالات ) . ز . ( * )

 

 

ص 89

مات وهو ماحض للإيمان محضا أو ماحض للكفر محضا نقلت روحه من هيكله إلى مثله في الصورة ( 1 ) ، وجوزي بأعماله إلى يوم القيامة ، فإذا بعث الله من في القبور أنشأ جسمه ( 2 ) ورد روحه إلى جسده وحشره ليوفيه أعماله ،

فالمؤمن تنتقل ( 3 ) روحه من جسده إلى مثل جسده في الصورة ، فيجعل في جنة من جنان الله يتنعم فيها إلى يوم المآب ، والكافر تنتقل روحه من جسده إلى مثله بعينه فتجعل في نار فيعذب بها إلى يوم القيامة ،

وشاهد ذلك في المؤمن قوله تعالى : ( قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي ) ( 4 )

وشاهد ما ذكرناه في الكافر قوله تعالى : ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) ( 5 ) فأخبر سبحانه أن مؤمنا قال بعد موته وقد ادخل الجنة : يا ليت قومي يعلمون ، وأخبر أن كافرا يعذب بعد موته غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة يخلد في النار .


 والضرب الآخر : من يلهى عنه وتعدم نفسه عند فساد جسمه ، فلا يشعر بشئ حتى يبعث ، وهو من لم يمحض الإيمان محضا ، ولا الكفر محضا .

وقد بين الله تعالى ذلك عند قوله : ( إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ) ( 6 ) فبين أن قوما عند الحشر لا يعلمون مقدار لبثهم في القبور حتى يظن

  * هامش *  
 

( 1 ) أنظر ( بقاء النفس بعد فناء الجسد - ص 48 - 49 ط مصر ) للفيلسوف الأكبر وأستاذ البشر نصير الدين الطوسي - ره - وشرحها للمرحوم العلامة أبي عبد الله الزنجاني طاب ثراه . چ .

( 2 ) بحار الأنوار 58 : 81 .
( 3 ) ( ز ) : تنقل .
( 4 ) يس : 26 - 27 .
( 5 ) المؤمن : 46 .
( 6 ) طه : 104 . ( * )

 

 

ص 90

بعضهم أن ذلك كان عشرا ( 1 ) ، ويظن بعضهم أن ذلك كان يوما ، وليس يجوز أن يكون ذلك عن وصف من عذب إلى بعثه أو نعم إلى بعثه ، لأن من لم يزل منعما أو معذبا لا يجهل عليه حاله فيما عومل به ، ولا يلتبس عليه الأمر في بقائه بعد وفاته .

وقد روي عن أبي عبد الله - عليه السلام - أنه قال : إنما يسأل في قبره من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا ، فأما ما سوى هذين فإنه يلهى عنه .

وقال في الرجعة : إنما يرجع إلى الدنيا عند قيام القائم من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا ( 2 ) ، فأما ما سوى هذين فلا رجوع لهم إلى يوم المآب ( 3 ) .
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) في سورة طه : 103 ( . . . إن لبثتم إلا عشرا ) الآية . چ .
( 2 ) بحار الأنوار 58 : 82 .
( 3 ) قال المصنف - قدس سره - في ضمن جواب المسألة الأولى من المسائل السروية : فصل : والرجعة عندنا تختص بمن يمحض الإيمان ويمحض الكفر دون ما سوى هذين الفريقين ، وإذا أراد الله تعالى على ما ذكرناه أوهم الشيطان

أعداء الله - عز وجل - أنهم إنما ردوا إلى الدنيا لطغيانهم على الله تعالى فيزدادون عتوا ، فينتقم الله تعالى منهم لأوليائه المؤمنين ، ويجعل لهم الكرة عليهم ، فلا يبقى منهم أحد إلا وهو مغموم بالعذاب والنقمة ، وتصفو الأرض عن الطغاة ،

ويكون الدين لله تعالى ، والرجعة إنما هي لممحضي الإيمان من أهل الملة وممحضي النفاق منهم دون من سلف من الأمم الخالية .
 

فصل :وقد قال بعض المخالفين لنا : كيف تعود كفار الملة بعد الموت إلى طغيانهم وقد عاينوا عذاب الله تعالى في البرزخ وتيقنوا بذلك أنهم مبطلون ، فقلت له : ليس ذلك بأعجب من الكفار الذين يشاهدون في البرزخ ما حل بهم من العذاب فيها

ويعلمون ضرورة بعد الموافقة لهم والاحتجاج عليهم بضلالهم في الدنيا ، فيقولون حينئذ : ( يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) ( الأنعام : 27 ) فقال الله - عز وجل - : ( بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا

لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) ( الأنعام : 28 ) فلم يبق للمخالف بعد هذا الاحتجاج شبهة يتعلق بها فيما ذكرناه ، والمنة لله . چ . ( * )

 

 

ص 91

وقد اختلف أصحابنا - رضي الله عنهم - فيمن ينعم ويعذب بعد موته ( 1 ) ، فقال بعضهم : المعذب والمنعم هو الروح التي توجه إليها الأمر والنهي والتكليف ، وسموها ( جوهرا ) .


وقال آخرون : بل الروح الحياة ، جعلت في جسد كجسده في دار الدنيا ، وكلا الأمرين يجوزان في العقل ( 2 ) ، والأظهر عندي قول من قال إنها الجوهر المخاطب ، وهو الذي يسميه ( 3 ) الفلاسفة ( البسيط ) .


وقد جاء في الحديث ( 4 ) أن الأنبياء - صلوات الله عليهم - خاصة والأئمة - عليهم السلام - من بعدهم ينقلون بأجسادهم وأرواحهم من الأرض إلى السماء ، فيتنعمون في أجسادهم التي كانوا فيها عند مقامهم في الدنيا .


وهذا خاص بحجج الله تعالى دون من سواهم من الناس .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( 5 ) أنه قال : من صلى علي عند قبري سمعته ، ومن صلى علي من بعيد بلغته ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : من صلى علي مرة صليت عليه عشرا ، ومن صلى علي عشرا صليت عليه مائة ، فليكثر امرؤ منكم الصلاة علي أو فليقل ( 6 ) .


فبين أنه صلى الله عليه وآله و سلم بعد خروجه من الدنيا يسمع الصلاة عليه ، ولا يكون كذلك إلا وهو حي عند الله تعالى ، وكذلك أئمة الهدى - عليهم السلام - يسمعون سلام المسلم عليهم من قرب ، ويبلغهم سلامه من بعد ، وبذلك جاءت الآثار الصادقة

 

* هامش *

 
 

( 1 ) ( ق ) : الموت .
( 2 ) ( ح ) ( ق ) : العقول .
( 3 ) ( ح ) : تسميه .

( 4 ) بحار الأنوار 58 : 82 و 83 .
( 5 ) بحار الأنوار 58 : 83 .
( 6 ) بحار الأنوار 58 : 83 . ( * )

 

 

ص 92

عنهم - عليهم السلام - ( 1 ) .

وقد قال الله تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء ) ( 2 ) الآية .

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( 3 ) أنه وقف على قليب ( 4 ) بدر ( 5 ) فقال للمشركين الذين قتلوا يومئذ وقد القوا في القليب : لقد كنتم جيران سوء لرسول الله ، أخرجتموه من منزله ( 6 ) وطردتموه ، ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه ،

فقد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ فقال له عمر يا رسول الله ، ما خطابك لهام ( 7 ) قد صديت ( 8 ) ؟ فقال له : مه يا ابن الخطاب ! فوالله ما أنت بأسمع منهم ، وما بينهم وبين أن تأخذهم الملائكة بمقامع ( 9 ) الحديد إلا أن أعرض بوجهي هكذا عنهم ( 10 ) .
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) بحار الأنوار 58 : 83 .
( 2 ) آل عمران : 170 .
( 3 ) بحار الأنوار 6 : 254 .
( 4 ) القليب : البئر .
( 5 ) بدر اسم بئر كانت لرجل يدعى بدرا ، قال حسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( المتوفى سنة 50 ه‍ ) .

يناديهم رسول الله لما * قذفناهم كباكب في القليب
ألم تجدوا حديثي كان حقا ؟ * وأمر الله يأخذ بالقلوب
فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا * صدقت وكنت ذا رأي مصيب

أنظر ( شرح ديوان حسان - ص 17 ط مصر ) للأستاذ عبد الرحمان البرقوقي . وإلى ( أعيان الشيعة - ص 167 ج 2 ط 1 دمشق ) للعلامة الإمام الأمين العاملي . چ .

( 6 ) ( ق ) : بلده ، ( ح ) : مولده .
( 7 ) جمع الهامة : تطلق عل الجثة .
( 8 ) أي ماتت .
( 9 ) جمع المقمعة : خشبة أو حديدة يضرب بها الإنسان ليذل .
( 10 ) بحار الأنوار 6 : 255 . أنظر ( البداية والنهاية - ص 137 - 138 ج 1 ط مصر ) لابن كثير المؤرخ المفسر . چ . ( * )

 

 

ص 93

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - ( 1 ) أنه ركب بعد انفصال الأمر من حرب البصرة فصار ( 2 ) يتخلل بين الصفوف حتى مر على كعب بن سورة - وكان هذا قاضي البصرة ولاه إياها عمر بن الخطاب ، فأقام بها قاضيا

بين أهلها زمن عمر وعثمان ، فلما وقعت الفتنة بالبصرة علق في عنقه مصحفا وخرج بأهله وولده يقاتل أمير المؤمنين ، فقتلوا بأجمعهم - فوقف عليه أمير المؤمنين - عليه السلام - وهو صريع بين القتلى ، فقال : أجلسوا كعب بن سورة ، فأجلس

بين نفسين ، وقال له : يا كعب بن سورة ، قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ ثم قال : أضجعوا كعبا . وسار قليلا فمر بطلحة بن عبد ( 3 ) الله صريعا ، فقال : أجلسوا طلحة ، فأجلسوه ، فقال : يا طلحة ، قد

وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ ثم قال : أضجعوا طلحة ، فقال له رجل من أصحابه : يا أمير المؤمنين ، ما كلامك لقتيلين لا يسمعان منك ؟ فقال : مه يا رجل ، فوالله لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( 4 ) .


وهذا من الأخبار الدالة على أن بعض من يموت ترد إليه روحه لتنعيمه أو لتعذيبه ، وليس ذلك بعام في كل من يموت ، بل هو على ما بيناه ( 5 ) .
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) بحار الأنوار 6 : 255 .
( 2 ) ( ز ) ( ق ) ( ش ) : فسار
( 3 ) ( ح ) ( ش ) : عبيد .
( 4 ) أنظر كتاب ( الجمل - أو - النصرة في حرب البصرة - ص 194 - 5 ط 1 نجف ) للمؤلف قده . چ .
( 5 ) بحار الأنوار 6 : 255 . ( * )