عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

تصحيح اعتقاد الإمامية - محمد بن محمد بن النعمان - ص 94

فصل : فيما وصف به الشيخ أبو جعفر الموت قال أبو جعفر ( 1 ) : باب الموت ، قيل لأمير المؤمنين . . . إلى آخره(2).


قال الشيخ أبو عبد الله ( 3 ) : ترجم الباب بالموت وذكر غيره ، وقد كان ينبغي أن يذكر حقيقة الموت أو يترجم الباب بمال الموت وعاقبة الأموات ، فالموت ، هو يضاد الحياة ، يبطل معه النمو ويستحيل معه الاحساس ، وهو محل ( 4 ) الحياة

فينفيها ، وهو من فعل الله تعالى وليس لأحد فيه صنع ولا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى . قال الله سبحانه : ( هو الذي يحيي ويميت ) ( 5 ) ، فأضاف الإحياء [ إلى نفسه ، وأضاف الإماتة إليها ] ( 6 ) .


وقال سبحانه : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) ( 7 ) فالحياة ما كان بها النمو والاحساس وتصح معها القدرة والعلم ، والموت ما
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) معاني الأخبار 288 ، وعنه في البحار 6 : 167 / 40 .
( 2 ) الاعتقادات ص 51 .
( 3 ) بحار الأنوار 6 : 167 .
( 4 ) ( ح ) ( ق ) : يحل محل .
( 5 ) المؤمن : 68 .
( 6 ) في المطبوعة : والإماتة إلى نفسه .
( 7 ) الملك : 2 . ( * )

 

 

ص 95

استحال معه النمو والاحساس ولم تصح معه القدرة والعلم ، وفعل الله تعالى الموت بالإحياء لينقلهم ( 1 ) من دار العمل والامتحان إلى دار الجزاء والمكافأة ، وليس يميت الله عبدا من عبيده ( 2 ) إلا وإماتته أصلح له من بقائه ، ولا يحييه إلا وحياته أصلح له من موته ، وكل ما يفعله الله تعالى بخلقه فهو أصلح لهم وأصوب في التدبير .


وقد يمتحن الله تعالى كثيرا من خلقه بالآلام الشديدة قبل الموت ، ويعفي آخرين من ذلك ( 3 ) ، وقد يكون الألم المتقدم للموت [ ضربا من ] ( 4 ) العقوبة لمن حل به ، ويكون استصلاحا له ولغيره ، ويعقبه نفعا عظيما ، وعوضا كثيرا ( 5 ) ، وليس كل من صعب عليه خروج نفسه كان بذلك معاقبا ، ولا كل من سهل عليه الأمر في ذلك كان به مكرما مثابا .


وقد ورد الخبر بأن الآلام التي تتقدم الموت تكون كفارات لذنوب المؤمنين ، وتكون عقابا للكافرين ، وتكون الراحة قبل الموت استدراجا ( 6 ) للكافرين ، وضربا من ثواب المؤمنين ( 7 ) .


وهذا أمر مغيب عن الخلق ، لم يظهر الله تعالى أحدا من خلقه على إرادته فيه تنبيها له ، حتى يتميز ( 8 ) له حال الامتحان من ( 9 ) حال

 

* هامش *

 
 

( 1 ) في بقية النسخ : لنقلهم .
( 2 ) ( ق ) : عباده .
( 3 ) بحار الأنوار 6 : 168 .
( 4 ) ( ز ) : من باب .
( 5 ) ( ح ) : كبيرا .
( 6 ) استدرجه : خدعه ، واستدراج الله للعبد إنه كلما جدد خطيئته جدد له نعمة وأنساه الاستغفار فيأخذه قليلا قليلا ولا يباغته ، أنظر ( مجمع البحرين - درج ) . چ .
( 7 ) بحار الأنوار 6 : 168 .
( 8 ) ( أ ) ( ز ) ( ش ) : يميز .
( 9 ) ( ق ) : عن . ( * )

 

 

ص 96

العقاب ، وحال الثواب من حال الاستدراج ، وتغليظا للمحنة ليتم التدبير الحكيم ( 1 ) في الخلق .


فأما ما ذكره أبو جعفر من أحوال الموتى بعد وفاتهم ، فقد جاءت الآثار به على التفصيل .

وقد أورد بعض ما جاء في ذلك إلا أنه ليس مما ترجم به الباب في شئ ، والموت على كل حال أحد بشارات المؤمن، إذ كان أول طرقه إلى محل النعيم ، وبه يصل ثواب الأعمال الجميلة في الدنيا ( 2 ) ، وهو أول شدة تلحق الكافر ( 3 ) من شدائد

العذاب ( 4 ) ، وأول طرقه إلى حلول العقاب ( 5 ) ، إذ كان الله تعالى جعل الجزاء على الأعمال بعده وصيره سببا لنقله من دار التكليف إلى دار الجزاء ، وحال المؤمن بعد موته أحسن من حاله قبله ، وحال الكافر بعد مماته ( 6 ) أسوء من حاله قبله ، إذ المؤمن صائر إلى جزائه بعد مماته ، والكافر صائر إلى جزائه بعد مماته ( 7 ) .


وقد جاء في الحديث عن آل محمد - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - أنهم قالوا : الدنيا سجن المؤمن ، والقبر بيته ، والجنة مأواه ، والدنيا جنة الكافر ،

  * هامش *  
  ( 1 ) ( أ ) ( ح ) ( ز ) ( ش ) : الحكمي .
( 2 ) بحار الأنوار 6 : 168 .
( 3 ) ( ش ) ( ز ) ( ق ) : الكافرين .
( 4 ) في بقية النسخ : العقاب .
( 5 ) ( ز ) : العذاب .
( 6 ) في بقية النسخ : موته .
( 7 ) بحار الأنوار 6 : 169 . ( * )
 

 

ص 97

والقبر سجنه ، والنار مأواه ( 1 ) ( 2 ) .

وروي عنهم - عليهم السلام - أنهم قالوا : الخير كله بعد الموت ، والشر كله بعد الموت .

ولا حاجة بنا مع نص القرآن بالعواقب إلى الأخبار ، [ ومع شاهد ] ( 3 ) العقول إلى الأحاديث .

وقد ذكر الله تعالى جزاء الصالحين فبينه ، وذكر عقاب الفاسقين ففضله ، وفي بيان الله سبحانه وتفصيله غنى عما سواه .
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) قال العلامة المحقق ، كعبة الأدباء ، الشيخ بهاء الدين محمد العاملي ( المتوفى سنة 1030 ه‍ ) في ( الكشكول ص 295 ط 2 نجم الدولة ) : رأى يهودي الحسن بن علي - عليه السلام - في أبهى زي وأحسنه ، واليهودي في حال ردئ

وأسمال رثة ، فقال : أليس قال رسولكم : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ؟ قال : نعم ، فقال : هذا حالي وهذا حالك ؟ ! فقال - عليه السلام - : غلطت يا أخا اليهود ، لو رأيت ما وعدني الله من الثواب وما أعد لك من العقاب لعلمت أنك في الجنة وأني في السجن !

وقال العلامة المدقق الحاج الملا محمد مهدي النراقي ( المتوفى سنة 1309 ه‍ ) في كتاب ( مشكلات العلوم ص 318 ط إيران 1305 ه‍ ) عند كلامه على توجيه الحديث : إن المؤمن وإن كان في الدنيا في نعيم وحسن حال ، فإنه بالنسبة إلى

حاله في الجنة في سجن وضيق وسوء حال ، والكافر وإن كان في الدنيا في ضيق وسوء حال ، فإنه بالنسبة إلى حاله في النار في جنة ونعيم ، فيكون الحكمان للدنيا بالنسبة إلى الآخرة .

ومثل هذا التوجيه مروي عن الحسن - عليه السلام - . چ .

( 2 ) بحار الأنوار 6 : 169 / 41 و 42 .
( 3 ) في بعض النسخ : وبشاهد . ( * )