تصحيح اعتقاد الإمامية - محمد بن محمد بن النعمان - ص 103 |
فصل : فيما ذكر الشيخ أبو جعفر
في العدل قال أبو جعفر : باب الاعتقاد في العدل . . . إلى آخره ( 1 ) ( 2 ) .
قال الشيخ المفيد أبو عبد الله
- رحمه الله : العدل ، هو الجزاء على العمل بقدر المستحق عليه ، والظلم ، هو
منع الحقوق ، والله تعالى عدل كريم جواد متفضل رحيم ، قد ضمن الجزاء على
الأعمال ، والعوض ( 3 ) على المبتدئ من الآلام ، ووعد التفضل بعد ذلك بزيادة من
عنده .
فقال تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى
وزيادة ) ( 4 ) الآية ، فخبر أن للمحسنين الثواب المستحق وزيادة من عنده
وقال : ( من جاء بالحسنة فله عشر
أمثالها ) يعني له عشر أمثال ما يستحق عليها .
( ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها
وهم لا يظلمون )
( 5 ) يريد أنه لا يجازيه بأكثر مما يستحقه ، ثم ضمن بعد ذلك العفو ووعد
بالغفران .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) الاعتقادات ص 69 .
( 2 ) بحار الأنوار 5 : 335 / 2 .
( 3 ) بحار الأنوار 5 : 335 .
( 4 ) يونس : 26 .
( 5 ) الأنعام : 160 . وقال النراقي
الأول - قدس سره - في كتابه ( مشكلات العلوم ص
162 ) عند كلامه على تفسير قول الله تعالى : ( وإن الله
ليس بظلام للعبيد )
( آل عمران : 182 ) : إن صيغة المبالغة إنما جئ بها لكثرة العبيد لا
لكثرة الظلم في نفسه ، فإن الظالم عل الجمع الكثير يكون
=> |
|
|
فقال سبحانه : ( وإن ربك لذو مغفرة
للناس على ظلمهم ) ( 1 )
وقال سبحانه : ( إن الله لا يغفر أن
يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ( 2 ) .
وقال سبحانه : ( قل بفضل الله وبرحمته
فبذلك فليفرحوا ) ( 3 )
والحق الذي للعبد هو ما جعله الله تعالى حقا له واقتضاه [ جود
الله وكرمه ] ( 4 ) ، وإن كان لو حاسبه بالعدل لم يكن له عليه بعد النعم التي
أسلفها حق ، لأنه تعالى ابتدأ خلقه بالنعم وأوجب عليهم بها الشكر ، وليس أحد من
الخلق يكافئ نعم الله تعالى عليه بعمل ، ولا يشكره أحد إلا وهو مقصر بالشكر عن
حق النعمة .
وقد أجمع أهل القبلة ( 5 ) على أن من قال : إني وفيت ( 6 ) جميع ما لله تعالى
علي وكافأت نعمه بالشكر ، فهو ضال ، وأجمعوا على أنهم مقصرون عن حق الشكر ، وأن
لله عليهم حقوقا لو مد في أعمارهم إلى آخر مدى الزمان لما وفوا لله سبحانه بما
|
* هامش * |
|
|
=> كثير الظلم
نظرا إلى كثرة المظلومين ، فيصح الاتيان بصيغة المبالغة الدالة على كثرة أفراد
الظلم نظرا إلى كثرة أفراد المظلوم ، فمن كانت عبيده كثيرة فإن كان يظلم الكل
فالأنسب به اسم الظلام دون الظالم ، فإذ ألم يكن ظالما لشئ منهم فاللازم نفي
الظلام عنه ، إذ لو فرض صدور الظلم منه لكان ظلاما لا ظالما .
ولذا إذا أفرد المفعول لا يؤتى بصيغة المبالغة ، ومع كونه جمعا يؤتى
بها ، كقوله تعالى : ( عالم الغيب ) و ( علام الغيوب ) وقولهم : زيد
ظالم لعبده ، وزيد ظلام لعبيده .
والحاصل : أن صيغة المبالغة هنا لكثرة المفعول لا لتكرار الفعل . چ .
( 1 ) الرعد : 6 .
( 2 ) النساء : 48 .
( 3 ) يونس : 58 .
( 4 ) ( ز ) : جوده أو كرمه .
( 5 ) ( ح ) : العقل .
( 6 ) بحار الأنوار 5 : 335 . ( * )
|
|
|
له عليهم ، فدل ذلك على أن ما جعله حقا لهم فإنما جعله بفضله
وجوده وكرمه .
ولأن حال العامل الشاكر بخلاف حال من لا عمل له في العقول ،
وذلك أن الشاكر يستحق في العقول الحمد، ومن لا عمل له فليس في العقول له حمد ،
وإذا ثبت الفضل ( 1 ) بين العامل ومن لا عمل له ( 2 ) كان ما يجب في العقول من
حمده ( 3 )
هو الذي يحكم عليه بحقه ويشار إليه بذلك ، وإذا أوجبت العقول
له مزية على من لا عمل له كان العدل من الله تعالى معاملته بما جعله ( 4 ) في
العقول له حقا .
وقد أمر الله تعالى بالعدل ونهى عن الجور ، فقال تعالى :
( إن الله يأمر بالعدل والاحسان ) ( 5 ) ( 6 ) .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) في بعض النسخ : الفصل .
( 2 ) بحار الأنوار 5 : 366 .
( 3 ) ( ق ) : الحمد .
|
( 4 ) ( ز ) : جعل .
( 5 ) النحل : 90 .
( 6 ) بحار الأنوار 5 : 336 . ( * )
|
|
|
|