عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

تصحيح اعتقاد الإمامية - محمد بن محمد بن النعمان - ص 131

فصل : في الغلو والتفويض


قال أبو جعفر : باب الاعتقاد في الغلو والتفويض . . . إلى آخره ( 1 ) .

قال الشيخ المفيد - رحمه الله ( 2 ) : الغلو في اللغة هو [ التجاوز عن الحد ] ( 3 ) والخروج عن القصد . قال الله تعالى : ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ) ( 4 ) الآية ، فنهى عن تجاوز الحد في المسيح ، وحذر من الخروج عن القصد في القول ، وجعل ما ادعته النصارى فيه غلوا لتعديه الحد على ما بيناه .


والغلاة من المتظاهرين بالاسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمة من ذريته - عليهم السلام - إلى الألوهية والنبوة ، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد ، وخرجوا عن القصد ، وهم ضلال كفار حكم فيهم أمير المؤمنين - عليه السلام - بالقتل والتحريق بالنار، وقضت الأئمة - عليهم السلام - عليهم بالإكفار والخروج عن الاسلام ( 5 )


فصل : فأما ما ذكره أبو جعفر - رحمه الله - من مضي نبينا والأئمة - عليهم السلام - بالسم والقتل ، فمنه ما ثبت ، ومنه ما لم يثبت ، والمقطوع به أن أمير المؤمنين والحسن والحسين - عليهم السلام - خرجوا من الدنيا بالقتل ولم يمت أحدهم ( 6 ) حتف أنفه ( 7 ) ،

 

* هامش *

 
 

( 1 ) الاعتقادات ص 97 . ( 2 ) بحار الأنوار 25 : 344 .
( 3 ) ( أ ) ( ح ) ( ز ) ( ش ) ( ق ) : تجاوز الحد .
( 4 ) النساء : 71 .
( 5 ) بحار الأنوار 25 : 345 .
( 6 ) ( ق ) ( ز ) : أحد منهم .
( 7 ) بحار الأنوار 27 : 216 . ( * )

 

 

ص 132

وممن مضى بعدهم مسموما موسى بن جعفر - عليه السلام - ويقوى في النفس أمر الرضا - عليه السلام - ( 1 ) وإن كان فيه شك ، فلا طريق إلى الحكم فيمن عداهم بأنهم سموا أو اغتيلوا أو قتلوا صبرا ، فالخبر بذلك يجري مجرى الإرجاف ( 2 ) ، وليس إلى تيقنه سبيل ( 3 ) ( 4 ) .
 

 

* هامش *

 
  ( 1 ) أنظر ( كشف الغمة ص 264 ط إيران 1294 ه‍ ) لبهاء الدين علي بن عيسى الأربلي المتوفى سنة 692 أو 693 ، وإلى ( البحار ص 91 - 92 ج 12 ط كمباني ) .

قال المحدث الفقيه الرباني الشيخ يوسف البحراني ( 1107 - 1186 ه‍ ) في كتابه ( الحدائق الناضرة ص 449 مجلد كتاب الحج ط تبريز ) : الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا - عليه السلام - . . . وقبض بطوس في آخر صفر سنة ثلاث ومائتين ، وهو ابن خمس وخمسين سنة . . . وبعض الأخبار يدل على أنه قبض مسموما سمه المأمون العباسي .

وإليه ذهب الصدوق - رحمه الله - وأكثر أصحابنا لم يذكروه .

أنظر كتاب ( أعيان الشيعة ص 205 - 211 ج 4 ق 2 ط 1 دمشق ) للعلامة السيد محسن العاملي - رحمه الله .

والعدد السابع من مجلة ( مهر - الفارسية - ص 740 ط طهران 1313 ش ه‍ ) لسنتها الثانية ، وإلى ذيل كتاب ( تاريخ مختصر إيران ص 20 - 24 ط طهران 1314 ش ) .

بقلم العلامة الدكتور صادق رضا زاده شفق أستاذ جامعة طهران * .


* اقرأ مختصرا من ترجمته في كتابي ( سخنوران إيران در عصر حاضر ج 2 ط هند ) و ( نثر فارسي معاصر - 138 ط طهران ) .

( 2 ) أرجف : خاض في الأخبار السيئة والفتن قصد أن يهيج الناس . أنظر ( مجمع البحرين - رجف ) أيضا . چ

( 3 ) بحار الأنوار 27 : 216 .

( 4 ) قال الشيخ المفيد - رحمه الله - في كتاب ( الأنساب والزيارات ) من تأليفه النفيس ( المقنعة ص 72 - 75 ط 1274 ه‍ ) : وقبض ( رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) مسموما لليلتين بقيتا من صفر سنة عشرة من الهجرة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة . وقبض ( أمير المؤمنين - عليه السلام - ) قتيلا بالكوفة ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر =>

 

 

ص 133

والمفوضة صنف من الغلاة ، وقولهم الذي فارقوا ( 1 ) به من سواهم من

 

  * هامش *  
 

=> رمضان سنة أربعين للهجرة وله يومئذ ثلاث وستون سنة .

وقبض ( الحسن بن علي - عليه السلام - ) مسموما بالمدينة في صفر سنة تسع وأربعين من الهجرة ، فكان سنه - عليه السلام - يومئذ سبعا وأربعين سنة .

وقبض ( الحسين بن علي - عليه السلام - ) قتيلا بطف كربلا من أرض العراق يوم الاثنين العاشر من المحرم قبل زوال الشمس سنة إحدى وستين من الهجرة ، وله يومئذ ثماني وخمسون سنة .

وقبض ( علي بن الحسين - عليه السلام - ) بالمدينة سنة خمس وتسعين وله يومئذ سبع وخمسون سنة . وفي ( التهذيب ص 27 ت 2 ط إيران ) :

وقبض ( محمد بن علي - عليه السلام - ) بالمدينة سنة أربع عشرة ومائة ، وكان سنه يومئذ سبعا وخمسين سنة .

وقبض ( جعفر بن محمد الصادق - عليه السلام - ) بالمدينة في شوال سنة ثمانية وأربعين ومائة ، وله يومئذ خمس وستون سنة .

وقبض ( موسى بن جعفر - عليه السلام - ) قتيلا بالسم ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وكان سنه يومئذ خمسا وخمسين سنة .

وقبض ( علي بن موسى الرضا - عليه السلام - ) بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث ومائتين ، وهو يومئذ ابن خمس وخمسين سنة .

وقبض ( محمد بن علي - عليه السلام - ) ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين ، وله يومئذ خمس وعشرون سنة .

وقبض ( علي بن محمد - عليه السلام - ) بسر من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله يومئذ إحدى وأربعون سنة وسبعة أشهر .

وقبض ( الحسن بن علي - عليه السلام - ) بسر من رأى لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين ، وكان سنه يومئذ ثمانيا وعشرين سنة . انتهى ملخصا .

هذا وقد قال المصنف - رحمه الله - في كتابه ( الارشاد ) في هذا الموضوع - أعني كيفية وفاة الأئمة الطاهرين ومدة أعمارهم - بمثل ما قاله في كتابه ( المقنعة ) عينا بدون تفاوت قيد شعرة معنى ، فتدبر جيدا . چ

( 1 ) ( ق ) : خالفوا . ( * )

 

 

ص 134

الغلاة اعترافهم بحدوث الأئمة وخلقهم ونفي القدم عنهم وإضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم ( 1 ) ، ودعواهم أن الله سبحانه وتعالى تفرد بخلقهم خاصة ، وأنه فوض إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال .


والحلاجية ضرب من أصحاب التصوف ، وهم أصحاب الإباحة والقول بالحلول ، ولم يكن ( 2 ) الحلاج ( 3 ) يتخصص بإظهار التشيع وإن كان ظاهر أمره التصوف ، وهم قوم ملحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم ، ويدعون للحلاج الأباطيل ، ويجرون في ذلك مجرى المجوس ( 4 ) في دعواهم لزرادشت
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) بحار الأنوار 25 : 345 .
( 2 ) في المطبوعة : وكان .
( 3 ) أنظر ( الفهرست ص 269 - 272 ط مصر ) لابن النديم . چ
( 4 ) قال العلامة الكبير والأستاذ الشهير صاحب الفخامة مولانا أبو الكلام آزاد وزير معارف الهند المعظم في مجلة ( ثقافة الهند ص 13 ، سبتمبر 1950 م ) الجليلة طي مقالته الممتعة حول ( شخصية ذي القرنين المذكورة في القرآن ) -

التي حررت بغاية التحقيق ، وينبغي بل يلزم لأصحاب النظر والعلم أن يرجعوا إليه - ما نصه : وهنا ينبغي أن ننبه على خطأ شائع : نطقوا كلمة ( موغوش ) في اللغة العربية ( مجوسا ) وأطلقوها على أتباع الدين الزردشتي ، ولم يكن في

الأصل اسما لهم ، فقد ثبت الآن بلا ريب أنه كان اسما يعرف به أتباع الدين الذي كان شائعا في مادا قبل زردشت ، فقد وردت الكلمة في أوستا كذلك ، واستعملت في شأن معارضي زردشت ، ولكن لما كان اشتهر أهل مادا في بلاد العرب والشام باسم موغوش ، أخذوا يسمون به أتباع زردشت كذلك .


وقال أيضا في ص 11 من المجلة : النطق الصحيح لاسم زردشت في اللغة البهلوية ( زاراتهسترا ) . . . إلى آخر مقاله القيم . أنظر ( البحار ص 379 ج 5 ط كمباني ) و ( أعيان الشيعة ص 150 - 151 ج 2 ط 2 دمشق ) . چ ( * )

 

 

ص 135

المعجزات ، ومجرى النصارى في دعواهم لرهبانهم الآيات والبينات ( 1 ) ، والمجوس والنصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم ، وهم أبعد من الشرائع والعمل بها من النصارى والمجوس .


فصل : فأما نص أبي جعفر - رحمه الله - ( 2 ) بالغلو على من نسب مشايخ القميين وعلمائهم إلى التقصير ، فليس نسبة هؤلاء القوم إلى التقصير علامة على غلو الناس ، إذ في جملة المشار إليهم بالشيخوخة والعلم من كان مقصرا ، وإنما يجب الحكم بالغلو على من نسب المحقين إلى التقصير ، سواء كانوا من أهل قم أم ( 3 ) غيرها من البلاد وسائر الناس .


وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد - رحمه الله - لم نجد لها دافعا في التقصير ، وهي ما حكي عنه أنه قال : أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام ( 4 ) - عليه السلام - فإن صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصر مع أنه من علماء القميين ومشيختهم .


وقد وجدنا جماعة وردوا ( 5 ) إلينا من قم يقصرون تقصيرا ظاهرا في الدين ،

 

* هامش *

 
 

( 1 ) بحار الأنوار 25 : 345 .
( 2 ) بحار الأنوار 25 : 345 .
( 3 ) ( ز ) : أو من ، ( ح ) : أو .
( 4 ) أنظر ذيل كتاب ( أوائل المقالات طبع 1371 - ص 36 ) و ( مجمع البيان - ص 317 ج 2 ط صيدا ) للشيخ الطبرسي . وكتاب ( الوافي - ص 143 ج 5 ط 1364 ه‍ ) للمحدث القاشاني . چ .
( 5 ) ( ح ) : وردت . ( * )

 

 

ص 136

وينزلون الأئمة - عليهم السلام - عن مراتبهم ، ويزعمون أنهم كانوا لا يعرفون كثيرا من الأحكام الدينية ( 1 ) حتى ينكت ( 2 ) في قلوبهم ، ورأينا من يقول إنهم كانوا يلتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون ( 3 ) ، ويدعون مع ذلك أنهم من العلماء . وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه .


ويكفي في علامة الغلو نفي القائل به عن الأئمة سمات الحدوث وحكمه لهم بالإلهية والقدم ، [ إذ قالوا بما ] ( 4 ) يقتضي ذلك من خلق أعيان الأجسام واختراع الجواهر وما ليس بمقدور العباد من الأعراض ، ولا يحتاج مع ذلك إلى الحكم عليهم وتحقيق أمرهم بما جعله أبو جعفر سمة للغلو ( 5 ) على كل حال ( 6 ) .

 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) ( ق ) : الشرعية .
( 2 ) وفي حديث وصف أهل البيت ع من جملة علومهم نكت في القلوب و . . . أما النكت في القلوب بإلهام . . . ( مجمع البحرين - نكت ) . چ .
( 3 ) ( ق ) : والفتوى .
( 4 ) ( ق ) ( أ ) : أو ، ( ح ) ( ز ) : إذا ما .
( 5 ) في بقية النسخ : في الغلو .
( 6 ) بحار الأنوار 25 : 346 . ( * )