عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

تصحيح اعتقاد الإمامية - محمد بن محمد بن النعمان - ص 33

[ حكمة الكناية والاستعارة ]


فصل : والذي قاله أبو جعفر - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) ( ا ) أن المراد : بقدرتي وقوتي ( 2 ) .
 

قال أبو عبد الله : ليس هذا هو الوجه في التفسير ، لأنه يفيد تكرار المعنى ، فكأنه قال : بقدرتي وقدرتي أو بقوتي وقوتي ، إذ القدرة هي القوة والقوة هي القدرة ( 3 ) ، وليس لذلك معنى في وجه الكلام ، والوجه ما قدمناه من ذكر النعمة ،
 

  * هامش *  
 

( 1 ) قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) ( سورة ص : 75 ) لا يفوتك أن القرآن ( حسبما أوضحناه ) يستعمل أفانين البلاغة كأبلغ خطيب ، وقد جرت سنة البلغاء في كافة الأمم على الاهتمام بصب الكلام مصبا محسوسا لتمثل عند

المخاطب معانيهم كأنه يراها محسوسة لديه ومركوزة نصب عينيه ، ولأجل البلغة إلى هذا الغرض المهم سلكوا سبل الكناية والاستعارة ، إذ فيهما إقامة المحسوس مقام المعقول بعد ثبوت الملازمة أو المحاكاة بينهما نظير حكاية الأسد عن

الشجاعة أو العقرب عن إيذاء الصديق ، فعند التعبير بهما عن هذين المعنيين يتمثل المعقول محسوسا ونافذا في الخواطر ، هذه حكمة الكنايات والاستعارات ومن ذلك استعارة اليد عن القوة والاحسان ، إذ ليس في أعضائك عضو يقوم بخدمتك

أو يظهر عملك وقولك مثل يديك ، لذلك استحقت اليد أن يؤتى بها حاكية وممثلة عن القوة والبطش تارة ، وعن الإنعام والإحسان أخرى ، كما ذهب إليه الشيخان الجليلان ، وقد أوضحنا الأمر في تأويل آية : ( بل يداه مبسوطتان ) . ش .

( 2 ) الاعتقادات ص 23 ، مجمع البيان 4 : 485 ، التوحيد : 153 / 1 ، 2 .
( 3 ) فيه نظر . ش ظ .

 

 

ص 34

وأن المراد بقوله : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) إنما أراد به نعمتي اللتين هما في الدنيا والآخرة . والباء في قوله تعالى : ( بيدي ) تقوم مقام اللام ، فكأنه قال : خلقت ليدي ، يريد به لنعمتي ، كما قال ( 1 ) : ( وما خلقت الجن والإنس إلا
 

ليعبدون ) ( 2 ) والعبادة من الله تعالى نعمته عليهم ، لأنها تعقبهم ثوابه تعالى في النعيم الذي لا يزول ، وفي تأويل الآية وجه آخر ، وهو : أن المراد باليدين فيها هما ( 3 ) القوة والنعمة ، فكأنه قال خلقت بقوتي ونعمتي ، وفيه وجه آخر وهو ، أن
 

إضافة اليدين إليه إنما أريد به تحقق الفعل له وتأكيد إضافته إليه وتخصيصه به دون ما سوى ذلك من قدرة أو نعمة أو غيرهما ، وشاهد ذلك قوله تعالى : ( ذلك بما قدمت يداك ) ( 4 ) وإنما أراد : ذلك بما قدمت من فعلك ، وقوله تعالى : ( وما أصابكم
 

من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) ( 5 ) والمراد به : فبما كسبتم . والعرب تقول في أمثالها : ( يداك أوكتا وفوك نفخ ) ( 6 ) يريدون به أنك فعلت ذلك وتوليته وصنعته واخترعته وإن لم يكن الإنسان استعمل به جارحتيه اللتين هما يداه في ذلك الفعل .
 

  * هامش *  
 

( 1 ) فيه نظر ش ظ .
( 2 ) الذاريات : 56 .
( 3 ) ( ش ) ( ح ) ( ق ) : هو .
( 4 ) الحج : 10 .
( 5 ) الشورى : 30 .
( 6 ) قال العلامة أبو الفضل الشيخ أحمد الميداني المتوفى سنة 518 ه‍ في تأليفه النفيس ( مجمع الأمثال - ص 335 ج 2 ط مصر 1342 ه‍

* : قال المفضل أصله أن رجلا كان في جزيرة من جزائر البحر فأراد أن يعبر على زق قد نفخ فيه فلم يحسن أحكامه حتى إذا توسط البحر خرجت منه الريح فغرق فلما غشيه الموت استغاث برجل فقال له : ( يداك أوكتا وفوك نفخ ، يضرب لمن يجني على نفسه الحين ) ) وكى القربة : سدها بالوكاء : رباط القربة .


انظر ( فرائد اللآل في مجمع الأمثال - ص 363 ج 2 ط بيروت 1312 ه‍ ) لوحيد عصره العلامة الشيخ إبراهيم الأحدب ( المتوفى سنة 1308 ه‍ ) . چ .

* قال قاضي القضاة أحمد بن خلكان ( المتوفى بدمشق سنة 681 ه‍ عن 73 سنة ) في كتابه النفيس ( وفيات الأعيان - ص 6 ج 2 ط مصر 1355 ه‍ ) : وأتقن ( يعني الميداني ) فن العربية خصوصا اللغة وأمثال العرب . وله فيها التصانيف المفيدة ، منها كتاب ( الأمثال ) المنسوب إليه ، ولم يعمل مثله في بابه . چ . ( * )