( 1 ) التوبة : 67 .
( 2 ) آل عمران : 55 .
( 3 ) قوله تعالى : ( الله يستهزئ بهم ويمدهم في
طغيانهم يعمهون ) ( البقرة : 16 ) إن بلاء
الظاهرية وأعني بهم الغلاة المتمسكين بالظواهر المأثورة ليس على الدين
والمسلمين بأقل من بلاء الباطنية وأعني بهم الغلاة في التمسك ببواطن الآثار
واعتبارهم ظواهر النقل العرفية قشورا ، وما هؤلاء وأولئك سوى طرفي
إفراط وتفريط في الحقيقة ، وأحرى بهم أن يعدلوا عن تطرفهم ويسلكوا مذهب التوسط
والاعتدال ، فإن للقرآن والحديث ظواهر مقصودة عند التخاطب مثل :
( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) (
البقرة : 44 ) و (
أحل الله البيع وحرم الربا ) إلى آخره (
البقرة : 276 ) مجمعا عليها بالضرورة .
كما أن في القرآن والحديث ألفاظا لا يراد منها معانيها اللغوية الأصلية
المبذولة ، وإنما قصد منها معان عرفية يتقبلها عرف التخاطب على سبيل التجوز
والتشبيه كآية : ( يجعلون أصابعهم في آذانهم ) (
البقرة : 20 )
أو حديث : ( الحجر الأسود يمين الله في أرضه ) فلا ترى العقلاء إلا
مجتمعين على صرف هذه الألفاظ عن مفاهيمها اللغوية الأصلية إلى معان ثمثيلية
رائجة الاستعمال في محاورات العرف من كل أمة ، فتجد العرف يقولون ( فلان نام
عن ميراث أبيه وتحزم لمنازعة السلطان ) أي عمل شبيه عمل النائم أو شبيه
المتحزم دون أن يقصد النوم الأصلي أو الحزام الحقيقي ، قال الشاعر :
لا تعجبي يا سلم من رجل * ضحك المشيب برأسه فبكى
وليس المشيب في الحقيقة إنسانا يضحك ، لكنه يعمل بالرجل شبه عمل الضاحك
المستهزئ ، وكذلك الله سبحانه يعمل بالظالمين عملا يخيل للناظر البسيط غير
المتعمق أنه عمل المستهزئ بهم ، لأنه سبحانه يوسع عليهم ابتداء ويملي لهم
ويمدهم في طغيانهم حتى إذا استمر طغيانهم وضاق الذرع بهم وبظلمهم أخذهم
أخذ عزيز مقتدر على حين غفلة وبدون مهلة ، فيخال البسطاء أنه سبحانه يستهزئ بهم
أو يمكر في إذلالهم بعد الإعزاز وإسقاطهم بعد الإسعاد والإمداد ، لكن
الخواص من ذوي الألباب يعلمون أن إمهالهم بادئ بدء استدراج وإتمام حجة
، ثم التنكيل بهم تأديب لهم وللبقية ، ويشهد على هذا قوله بعدئذ : ( ويمدهم في
طغيانهم . . . إلخ . ش . ( * )
|