عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

تصحيح اعتقاد الإمامية - محمد بن محمد بن النعمان - ص 35

[ المكر والخدعة من الله ، معنى الله يستهزئ بهم ]


فصل : وذكر أبو جعفر - رحمه الله - ( 1 ) في قوله تعالى : ( يخادعون الله وهو خادعهم ) ( 2 )
 

  * هامش *  
 

( 1 ) الاعتقادات ص 25 ، التوحيد : 163 / 1 و 159 - 160 / 1 .

( 2 ) قوله تعالى : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) إلخ ( النساء : 142 ) سيأتي الأصل في آية : ( الله يستهزئ بهم ) ونوضح أن العرف من عرب وغيرهم يتمثلون في أغلب محاوراتهم استعارة بالعمل عن أشباهه وما على

شاكلته فيقولون ( نام فلان عن حقه وتحزم لحق غيره ) فلا يخطر ببالهم الحزم والمنام المحسوسان ، وإنما يريدون أنه يعمل عملا يشبه بالنائم عن حق نفسه أو المتحزم لخدمة غيره ، كما يقال لمن قعد عن طلب نصيبه أو ضيع فرصة

متاحة : لقد كنت نائما أو غائبا ، وإن كان حاضرا واعيا ، لأن عمله يشبه عمل النائم والغائب دون عمل الواعي الحاضر ، كذلك الذين يثشبثون لأهوائهم وشهواتهم بدسائس التمويه والتطلية والحيل الشرعية والتزوير في التسمية كأنهم يمكرون

ويخدعون الله ، ثم إن الله تعالى في إسقاطهم على غرة يشبه من يقابلهم بالمكر والخديعة في حين أنه ليس مكرا في الحقيقة ، وإنما هو تأديب بعد استدراج ، وبعد إنذار واحتجاج ، وبهذه المناسبة وصف الله بأنه خير الماكرين وخادع المنافقين .

إن الماكرين أو الخادعين لا يعملون لغاية مقدسة ولا يسبق منهم إنذار لمن في وجههم أو إعلامه لكنما الله سبحانه يعمل لغاية قدسية كالتأديب ، ويعمل بعد الانذار والمواعيد لعلهم يحذرون ويتقون ، فهي وأشباهها بحسب الاصطلاح استعارة ، لكن الشيخين الجليلين حسباها من المجاز المرسل . ش . ( * )

 

 

ص 36

و : ( نسوا الله فنسيهم ) ( 1 )
و : ( ومكروا ومكر الله ( 2 )
و : ( الله يستهزئ بهم ) ( 3 ) :
 

  * هامش *  
 

( 1 ) التوبة : 67 .
( 2 ) آل عمران : 55 .
( 3 ) قوله تعالى : ( الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) ( البقرة : 16 ) إن بلاء الظاهرية وأعني بهم الغلاة المتمسكين بالظواهر المأثورة ليس على الدين والمسلمين بأقل من بلاء الباطنية وأعني بهم الغلاة في التمسك ببواطن الآثار

واعتبارهم ظواهر النقل العرفية قشورا ، وما هؤلاء وأولئك سوى طرفي إفراط وتفريط في الحقيقة ، وأحرى بهم أن يعدلوا عن تطرفهم ويسلكوا مذهب التوسط والاعتدال ، فإن للقرآن والحديث ظواهر مقصودة عند التخاطب مثل :

( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) ( البقرة : 44 ) و ( أحل الله البيع وحرم الربا ) إلى آخره ( البقرة : 276 ) مجمعا عليها بالضرورة .

كما أن في القرآن والحديث ألفاظا لا يراد منها معانيها اللغوية الأصلية المبذولة ، وإنما قصد منها معان عرفية يتقبلها عرف التخاطب على سبيل التجوز والتشبيه كآية : ( يجعلون أصابعهم في آذانهم ) ( البقرة : 20 )

أو حديث : ( الحجر الأسود يمين الله في أرضه ) فلا ترى العقلاء إلا مجتمعين على صرف هذه الألفاظ عن مفاهيمها اللغوية الأصلية إلى معان ثمثيلية رائجة الاستعمال في محاورات العرف من كل أمة ، فتجد العرف يقولون ( فلان نام

عن ميراث أبيه وتحزم لمنازعة السلطان ) أي عمل شبيه عمل النائم أو شبيه المتحزم دون أن يقصد النوم الأصلي أو الحزام الحقيقي ، قال الشاعر :

لا تعجبي يا سلم من رجل * ضحك المشيب برأسه فبكى

وليس المشيب في الحقيقة إنسانا يضحك ، لكنه يعمل بالرجل شبه عمل الضاحك المستهزئ ، وكذلك الله سبحانه يعمل بالظالمين عملا يخيل للناظر البسيط غير المتعمق أنه عمل المستهزئ بهم ، لأنه سبحانه يوسع عليهم ابتداء ويملي لهم

ويمدهم في طغيانهم حتى إذا استمر طغيانهم وضاق الذرع بهم وبظلمهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر على حين غفلة وبدون مهلة ، فيخال البسطاء أنه سبحانه يستهزئ بهم أو يمكر في إذلالهم بعد الإعزاز وإسقاطهم بعد الإسعاد والإمداد ، لكن

الخواص من ذوي الألباب يعلمون أن إمهالهم بادئ بدء استدراج وإتمام حجة ، ثم التنكيل بهم تأديب لهم وللبقية ، ويشهد على هذا قوله بعدئذ : ( ويمدهم في طغيانهم . . . إلخ . ش . ( * )

 

 

ص 37

أن العبارة بذلك كله [ عن جزاء الأفعال ] ( 1 ) .

[ قال أبو عبد الله ] ( 2 ) : وهو كما قال إلا أنه لم يذكر الوجه في ذلك ، والوجه : أن العرب تسمي الشئ باسم المجازى عليه للتعلق فيما بينهما والمقارنة ، فلما كانت الأفعال المجازى عليها مستحقة لهذه الأسماء كان الجزاء ، مسمى بأسمائها ،

قال الله تعالى : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ) ( 3 ) فسمى ما يأكلونه ( 4 ) من الطيبات تسمية النار وجعله نارا ، لأن الجزاء عليه النار .

 

  * هامش *  
 

( 1 ) في بقية النسخ : الجزاء على الأفعال .
( 2 ) ليست في بقية النسخ .
( 3 ) النساء : 10 .
( 4 ) في المطبوعة : يأكلون . ( * )