عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

تصحيح اعتقاد الإمامية - محمد بن محمد بن النعمان - ص 42

[ خلق أفعال العباد ]

فصل : في أفعال العباد


قال الشيخ أبو جعفر - رحمه الله - أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين ، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يزل عالما بمقاديرها ( 1 و 2 ) .


قال الشيخ أبو عبد الله - رحمه الله - : ( 3 ) الصحيح عن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم : أن أفعال العباد ( 4 ) غير مخلوقة لله تعالى ، والذي ذكره أبو جعفر - رحمه الله - قد جاء به حديث غير معمول به ولا مرضي الاسناد ، والأخبار الصحيحة بخلافه ، وليس يعرف في لغة العرب أن العلم بالشئ هو خلق له ، ولو كان ذلك كما قال
 

  * هامش *  
 

( 1 ) الاعتقادات ص 29 .
( 2 ) عنه في البحار 5 : 19 / 29 . وراجع معاني الأخبار 396 ، بحار الأنوار 5 : 30 الحديث 37 و 38 .

( 3 ) تبع الشيخان الجليلان جمهور المتكلمين في إفراد بحث الجبر عن بحث خلق الأفعال ، وعن مبحث الهدى والضلال ، مع أن الجميع فروع من نظرية الجبر ومن فاز بحل مشاكل هذه الأخيرة فاز بالنجاة من صعوبات البقية . ش .

( 4 ) إن لهذا البحث وبيان المقصود منه تقريرا من وجهين : كلامي ، ونفسي ،

أما النفسي - وهو المقصود لدى الفلاسفة وعلماء التربية - فهو أن الإنسان في أفعاله -وفي مقدمتها الطلب والإرادة - هل هو حر مختار ومستقل في إيجاد أفعاله ؟ أو هو مجبور باقتضاء العوامل الأخرى المتصرفة فيه من الداخل والخارج ؟

فإن اختلاف التربية والتهذيب يؤثران بالحس والتجربة على الإنسان في اختلاف إرادته ومطالبه وتكييف أحواله وإصدار أعماله ، وهذا البحث يختلف عن =>

 

 

ص 43

المخالفون للحق ( 1 ) لوجب أن يكون من علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد خلقه ، ومن علم السماء والأرض فهو خالق لهما ، ومن عرف بنفسه شيئا من صنع الله تعالى وقرره في نفسه لوجب أن يكون خالقا له ، وهذا محال لا يذهب وجه الخطأ فيه على بعض رعية الأئمة - عليهم السلام - فضلا عنهم .


فأما التقدير فهو الخلق في اللغة ، لأن التقدير لا يكون إلا بالفعل ، فأما بالعلم فلا يكون تقديرا ولا يكون أيضا بالفكر ، والله تعالى متعال عن خلق الفواحش والقبائح على كل حال ( 2 ) .


وقد روي عن أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا - صلوات
 

  * هامش *  
 

=> المبحث الكلامي الآتي ذكره اختلافا واضحا وإن خفي على الجمهور .

وأما البحث الكلامي - وهو المبحوث عنه لدى علماء الكلام وزعماء الطوائف الإسلامية ، ولا يزالون مختلفين فيه - فهو أن الإنسان - وإن بلغ رشده وأشده وخوطب بالتكاليف الإلهية - هل هو مختار في أفعاله ، حر في إرادته ، مستقل في

الطلب ؟ أو أن الله تعالى هو الخالق في الحقيقة لجميع ما يصدر من الإنسان في الظاهر ، وهو كآلة صماء في أداء ما يجري على يديه من أفعال خالقه ، فعلى هذا يكون الإنسان فاعلا بالمجاز في كل ما ينسب إليه من أفعاله مباشرة ، وإنما

يكون المنسوب إليه حقيقة هو الله تعالى وحده ، وهذا الوجه يشترك مع الوجه السابق عليه في سلب اختيار العبد واضطراره في أفعاله طرا ، وهما بناء عليه يستلزمان الجبر معا ، ويسمى البحث الكلامي بحث الجبر الديني ، كما

يسمى البحث النفسي بحث الجبر التكويني ، والفرق بينهما يبدو من وجوه أهما أن المنسوب إليه في الجبر الديني إنما هو الله وحده ، وهو الذي أمر بالحسنات ويثيب بحسبها ، وهو الذي نهى عن السيئات ويعاقب عليها ، وفي صورة كهذه

يصعب جدا تصور الإيمان بعدالة من أجرى على يديك السيئات وهو في نفس الوقت مؤاخذك بها ومعاقبك عليها ، نعم إن الجبر التكويني يقضي أيضا باضطرار العبد فيما يأتيه ، غير أنه يجعل مصادر الحسنات والسيئات غير مصدر الثواب والعقاب . ش .

( 1 ) بحار الأنوار 5 : 20 .
( 2 ) بحار الأنوار 5 : 20 . ( * )

 

 

ص 44

الله عليهم - : أنه سئل عن أفعال العباد ، فقيل له : [ هل هي ] ( 1 ) مخلوقة لله تعالى ؟ فقال - عليه السلام - : لو كان خالقا لها لما تبرأ منها . وقد قال سبحانه : ( أن الله برئ من المشركين ورسوله ) ( 2 ) ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم ، وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم ( 3 ) .


وسأل أبو حنيفة أبا الحسن موسى بن جعفر - عليهما السلام - عن أفعال العباد ممن هي ؟ فقال له أبو الحسن - عليه السلام - : إن [ أفعال العباد ] ( 4 ) لا تخلو من ثلاثة منازل : إما أن تكون من الله تعالى خاصة ، أو من الله ومن العبد على وجه

الاشتراك فيها ، أو من العبد خاصة ، فلو كانت من الله تعالى خاصة لكان أول بالحمد على حسنها والذم على قبحها ، ولم يتعلق بغيره حمد ولا لوم فيها ، ولو كانت من الله ومن العبد لكان الحمد لهما معا فيها والذم عليهما جميعا فيها ، وإذا بطل

هذان الوجهان ثبت أنها من الخلق ، فإن عاقبهم الله تعالى على جنايتهم بها فله ذلك ، وإن عفا عنهم فهو أهل التقوى وأهل المغفرة . وفي أمثال ما ذكرناه من الأخبار ومعانيها ما يطول به الكلام .

 

فصل : وكتاب الله تعالى مقدم على الأحاديث ( 5 ) والروايات ، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها ، فما قضى به فهو الحق دون ما سواه .
 

  * هامش *  
 

( 1 ) ( أ ) ( ح ) ( ق ) ( ش ) : أهي .
( 2 ) التوبة : 3 .
( 3 ) بحار الأنوار 5 : 20 .
( 4 ) ( ق ) : الأفعال .
( 5 ) ( ز ) : الأخبار . ( * )

 

 

ص 45

قال الله تعالى : ( الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ) ( 1 ) فخبر بأن كل شئ خلقه فهو حسن غير قبيح ، فلو كانت القبائح من خلقه لنافى ذلك حكمه بحسنها ، وفي حكم الله تعالى بحسن جميع ما خلق شاهد ببطلان قول من زعم أنه خلق قبيحا ( 2 ) .


وقال تعالى : ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) ( 3 ) فنفى التفاوت عن خلقه ( 4 ) ، وقد ثبت أن الكفر والكذب متفاوت في نفسه ، والمتضاد ( 5 ) من الكلام متفاوت ! فكيف يجوز أن يطلقوا على الله تعالى أنه خالق لأفعال العباد وفي

أفعالهم من التفاوت والتضاد ( 6 ) ما ذكرناه مع قوله تعالى : ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) فنفى ذلك ورد على مضيفه ( 7 ) إليه وأكذبه فيه .
 

  * هامش *  
 

( 1 ) السجدة : 7 .
( 2 ) ليس هذا الكلام وحده ولا هذه الآية وحدها شاهد الفئة العدلية وشيخها الشارح - طاب ثراه - عند إبطاله لنظرية الجبر وتصحيحه لإسناد أفعال العباد إلى أنفسهم ، إذ كل آية نزهت ربنا سبحانه عن الشرور وخلق الآثام تؤيده ، وكذلك

الدلائل التي قضت بأن الشرور أمور سلبية غير ثابتة في متن الأعيان ولا مبدأ لها ولا علة تقوي أيضا كلام الشيخ - طاب ثراه - وكذلك القياسات التي أقامها علماء اللاهوت بغرض إثبات أن المبدأ الأول ( واجب الوجود ) مصدر كل خير وجود ، ولا ولن يرى شر ما من ناحيته القدسية . ش .

( 3 ) الملك : 3 .
( 4 ) يجوز أن يكون الخلق هنا مصدرا مرادفا للإيجاد لا اسم مصدر مرادفا للموجود ، كما ذكر في المتن ، فيكون المراد - والله أعلم - أنه سبحانه لا يتفاوت عليه خلق الأشياء صغيرها من كبيرها ، أو حقيرها من خطيرها ، أو قليلها من كثيرها ، ولا يلزم من العدول عن تفسير الشيخ - قدس سره - وهن ما في أصل رأيه . ش .

( 5 ) ( ق ) ( ش ) : والتضاد .
( 6 ) ليست في بقية النسخ .
( 7 ) ( ق ) : من يضيفه . ( * )