عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- رسائل في الغيبة - الشيخ المفيد ج 1 ص 11 : -

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلاته على عباده الذين اصطفى . وبعد :

سأل سائل فقال : اخبروني عما روي عن النبي صلى الله عليه واله انه قال : " من مات وهو لايعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، ( 1 ) هل هو ثابت صحيح ام هو معتل سقيم ؟ الجواب - وبالله التوفيق والثقة - :
 

  * هامش *  
 

 1 - الحديث متواتر ومشهور ، وقد روته مصادر الفريقين ، وان وقع بعض التفاوت في الفاظه . انظر من كتبنا : الكافي 1 : 377 / 3 ، المحاسن : 153 / 78 و 154 / 85 و 155 / 82 . عيون اخبار الرضا عليه السلام 2 : 58 / 214 . اكمال الدين : 413 / 15 .
عقاب الاعمال
: 244 / 1 . غيبة النعماني : 130 / 6 . رجال الكشي 2 : 724 / 799 . الاختصاص : 269 .

ومن مصادر العامة : مسند ابي داود الطيالسي : 259 / 1913 . حلية الاولياء 3 : 224 .
هامش مستدرك الحاكم
( للذهبي ) 1 : 77 . شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي 9 : 155 .
ينابيع المودة
: 117 . المعجم الكبير لطبراني 10 : 350 / 10687 . مجمع الزوائد 5 : 224 .

 

 

- ج 1 ص 12 -

قيل له : بل هو خبر صحيح يشهد له اجماع اهل الاثار ويقوي معناه صريح القران ، حيث يقول جل اسمه ( يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن إوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ) ( 2 )

وقوله تعالى ( فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) ( 3 ) واي كثيرة من القران .


فإن قال : فأذا كان الخبر صحيحا كيف يصح قولكم في غيبة امام هذا الزمان وتغيبه واستتاره على الكل الوصول إليه وعدم علمهم بمكانه ؟

قيل له : لامضادة بين المعرفة بالامام وبين جميع ما ذكرت من احواله ، لان العلم بوجوده في العالم لا يفتقر إلى العلم بمشاهدته لمعرفتنا ما لا يصح ادراكه بشئ من الحواس ، فضلا عمن يجوز ادراكه واحاطة العلم بما لا مكان له ، فضلا

عمن يخفى مكانه والظفر بمعرفة المعدوم والماضي والمنتظر ، فضلا عن المستخفي المستتر . وقد بشر الله تعالى الانبياء المتقدمين بنبينا محمد صلى الله عليه وآله قبل وجوده في العالم .

فقال سبحانه ( وإذ اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جائكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ) يعني رسول الله صلى الله عليه والله ( قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ) يعني عهدي ( قالوا اقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) ( 4 )

قال جل اسمه ( النبي الا مي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل ) ( 5 )
 

  * هامش *  
 

 2 - الاسراء 17 : 71 . 3 - النساء 4 : 41 . 4 - ال عمران 3 : 81 . 5 - الاعراف 7 : 157 . ( * )

 

 

- ج 1 ص 13 -

فكان نبينا عليه والله السلام مكتوبا مذكورا في كتب الله الاولى ، وقد اوجب على الامم الماضية معرفته والاقرار به وانتظاره ، وهو عليه السلام وديعة في صلب آبائه لم يخرج إلى الوجود ، ونحن اليوم عارفون بالقيامة والبعث والحساب وهو معدوم

غير موجود ، وقد عرفنا آدم ونوحا وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ولم نشاهدهم ولا شاهدنا من اخبر عن مشاهدتهم ، ونعرف جبرئيل وميكائيل واسرافيل وملك ، الموت عليهم السلام ولست نعرف لهم شخصا ولا نعرف لهم مكانا ، فقد فرض

الله علينا معرفتهم والاقرار بهم وان كنا لانجد إلى الوصول إليهم سبيلا ، ونعلم ان فرض ( المعرفة لشخص في نفسه من المصالح مما لا يتعلق لوجود مشاهدة ) ( 6 ) المعروف ولا يعرف مستقره ولا الوصول إليه في مكانه ، وهذا بين لمن تدبره .


فإن قال : فما ينفعنا من معرفته مع عدم الانتفاع به من الوجه الذي ذكرنا ؟

قيل له : نفس معرفتنا بوجوده وامامته وعصمته وكماله نفع لنا في اكتساب الثواب ، وانتظارنا لظهوره عبادة نستدفع بها عظيم العقاب ، ونؤدي بها فرضا الزمناه ربنا المالك للرقاب ، كما كانت المعرفة بمن عددناه من الانبياء والملائكة من اجل النفع لنا

في مصالحنا ، واكتسابنا المثوبة في اجلناة وان لم يصح المعرفة لهم على كل حال وكما أن معرفة الامم الماضية نبينا قبل وجوده مع انها كانت من اوكد فرائضهم لاجل منافعهم ، ومعرفة الباري جل اسمه أصل الفرائض كلها ، وهو اعظم من ان يدرك بشئ من الحواس .


فإن قال : إذا كان الامام عندكم غائبا ، ومكانه مجهولا ، فكيف يصنع

  * هامش *  
 

 6 - ما بين القوسين لم يرد في نسخة " م " و ( ث ) . ( * )

 

 

- ج 1 ص 14 -

المسترشد ؟ وعلى ماذا يعتمد الممتحن فيما ينزل به من حادث لايعرف له حكما ؟ وإلى من يرجع المتنازعون ، لاسيما والامام انما نصب لما وصفناه ؟
 

قيل له : هذا السؤال مستأنف لا نسبة له بما تقدم ، ولا وصلة بينه وبينه ، وقد مضى السؤال الاول في معنى الخبر وفرض المعرفة وجوابه على انتظام ، ونحن نجيب عن هذا المستأنف بموجز لا يخل بمعنى التمام منقول وبالله التوفيق : انما الامام نصب لاشياء كثيرة :

احدها : الفصل بين المختلفين .
الثاني : بيان الحكم للمسترشدين .

ولم ينصب لهذين دون غيرهما من مصالح الدنيا والدين ، غير انه انما يجب عليه القيام فيما نصب له مع التمكن من ذلك والاختيار ، وليس يجب عليه شيئ لا يستطيعه ، ولا يلزمه فعل الايثار مع الاضطرار ، ولم يؤت الامام في التقية من قبل

الله عزوجل ولا من جهة نفسه واوليائه المؤمنين ، وانما اتي ذاك من قبل الظالمين الذين اباحوا دمه ودفعوا ( 7 ) نسبه ، وأنكروا حقه ، وحملوا الجمهور على عداوته ومناصبة القائلين بأمامته .


وكانت البلية فيما يضيع من الاحكام ، ويتعطل من الحدول ، ويفوت من الصلاح ، متعلقة بالظالمين ، وإمام الانام برئ منها وجميع المؤمنين .

فاما الممتحن بحادث يحتاج إلى علم الحكم فيه فقد وجب عليه إن يرجع في ذلك إلى العلماء من شيعة الامام وليعلم ( 8 ) ذلك من جهتهم بما استودعوه من أئمة الهدى المتقدمين ، وان عدم ذلك والعياذ بالله ولم يكن فيه حكم منصوص على حال فيعلم انه على حكم العقل ،

  * هامش *  
 

 7 - في نسخة " ق " : ونفوا . 8 - في نسخة " ث " و " م " : لعدم علم .

 

 

- ج 1 ص 15 -

لانه ( 9 ) لو اراد الله ان يتعبد فيه بحكم سمعي لفعل ذلك ، ولو فعله لسهل السبيل إليه .

وكذلك القول في المتنازعين ، يجب عليهم رد ما اختلفوا فيه إلى الكتاب والسنة عن رسول الله صلى الله عليه والله من جهة خلفائه الراشدين من عترته الطاهرين ، ويستعينوا ( 10 ) في معرفة ذلك بعلماء الشيعة وفقهائهم ، وان كان - والعياذ بالله -

لم يوجد فيما اختلفوا فيه نص على حكم سمعي فليعلم ان ذلك مما كان في العقول ومفهوم احكام العقول ، مثل : أن من غصب انسانا شيئا فعليه رده بعينه ان كانت عينه قائمة ، فإن لم تكن عينه قائمة كان عليه تعويضه منه بمثله ، فان لم يوجد له مثل

كان ان يرضي خصمه بما تزول معه ظلامته ، فإن لم يستطع ذلك أو لم يفعله مختارا كان في ذمته إلى يوم القيامة . وان كان جان جنى على غيره جناية لا يمكن تلافيها كانت في ذمته ، وكان المجني عليه ممتحنا بالصبر . إلى ان ينصفه الله تعالى يوم

الحساب . فان كان الحادث مما لا يعلم بالسمع اباحته من خطره ، فانه على الاباحة الا ان يقوم دليل سمعي على خطره . وهذا الذي وصفناه انما جاز للمكلف الاعتماد عليه والرجوع إليه عند الضرورة بفقد الامام المرشد ، ولو كان الامام ظاهرا ( 11 ) ما وسعه غير الرد إليه ، والعمل على قوله ، وهذا كقول خصومنا كافة : ان على الناس في نوازلهم بعد
 

  * هامش *  
 

 9 - في نسختي " م " و " ث " : ولو . 10 - في نسخة " ق " : ويستغنوا . 11 - في نسخة " ق " : حاضرا . ( * )

 

 

- ج 1 ص 16 -

النبي صلى الله عليه واله ان يجتهدوا فيها عند فقدهم النص عليها ، ولايجوز لهم الاجتهاد واستعمال الرأي بحضرة النبي صلى الله عليه وآله .


فإن قال : فإذا كانت عبادتكم تتم بما وصفتموه مع غيبة الامام فقد استغنيتم عن الامام .

قيل له : ليس الامر كما ظننت في ذلك ، لان الحاجة إلى الشئ قد تكون قائمة مع فقد ما يسدها ، ولو لا ذلك ما كان الفقير محتاجا إلى المال مع فقده ، ولا المريض محتاجا إلى الدواء وان بعد وجوده ، والجاهل محتاجا إلى العلم وان عدم الطريق

إليه ، والمتحير محتاجا إلى الدليل وان يظفر به . ولو لزمنا ما ادعيتموه وتوهمتموه للزم جميع المسلمين ان يقولوا ان الناس كانوا في حال غيبة النبي صلى الله عليه والله للهجرة وفي الغار اغنياء عنه ، وكذلك كانت حالهم في وقت استتاره بشعب ابي

طالب عليه السلام ، وكان قوم ( موسى عليه السلام اغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه ، وكذلك اصحاب ) ( 12 ) يونس عليه السلام اغنياء عنه لما ذهب مغضبا والتقمه الحوت وهو مليم ، وهذا مما لا يذهب إليه مسلم ولا ملي . فيعلم بذلك بطلان ما ظنه الخصوم وتوهموه على الظنة والرجوم ( 13 ) .


وبالله التوفيق .

 

 

  * هامش *  
   12 - ما بين القوسين لم يرد في نسختي " م " و " ث " . 13 - ( وتوهموه على الظنة والرجوم ) ليس في " م " و " ث " . ( * )