عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- رسائل في الغيبة - الشيخ المفيد ج 2 ص 11 : -

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد والله وسلم تسليما .


سأل سائل الشيخ المفيد رضي الله عنه فقال : ما الدليل على وجود الامام صاحب الغيبة عليه السلام ، فقد اختلف الناس في وجوده اختلافا ظاهرا ؟

فقال له الشيخ : الدليل على ذلك إنا وجدنا الشيعة الامامية فرقة قد طبقت الارض شرقا وغربا مختلفي الاراء والهمم، متباعدي الديار لا يتعارفون ، متدينين بتحريم الكذب ، عالمين بقبحه ، ينقلون نقلا متواترا عن ائمتهم عليهم السلام عن امير المؤمنين

صلوات الله عليه : ان الثاني عشر يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون ( 1 ) ويحكون ان الغيبة تقع على ما هي عليه ، فليس تخلوا هذه الاخبار ان تكون صدقا أو كذبا ، فان كانت صدقا فقد صح ما نقول ، وان كانت
 

  * هامش *  
 

 1 - انظر : كمال الدين : 302 / 9 و 303 / 14 ، 15 ، 16 و 304 / 17 ، ارشاد المفيد : 154 ، الغيبة ( للنعماني ) : 156 / 18 .

 

 

- ج 2 ص 12 -

كذبا استحال ذلك ، لانه لو جاز على الامامية وهم على ما هم عليه لجاز على سائر المسلمين في نقلهم معجزات النبي صلى الله وعليه والله مثل ذلك ، و لجاز على سائر الامم والفرق مثله، حتى لا يصح خبر في الدنيا، وكان ذلك ابطال الشرائع كلها
 

قال السائل : فلعل قوما تواطئوا في الاصل فوضعوا هذه الاخبار ونقلتها الشيعة وتدينت بها وهي غير عالمة بالاصل كيف كان

قال له الشيخ رضي الله عنه : اول ما في هذا انه طعن في جميع الاخبار ، لان قائلا لو قال للمسلمين في نقلهم لمعجزات النبي صلى الله عليه واله لعلها في الاصل موضوعة ، ولعل قوما تواطئوا عليها فنقلها من لا يعلم حالها في الاصل ، وهذا

طريق إلى ابطال الشرائع ، وايضا فلو كان الامر على ما ذكره السائل لظهر وانتشر على ألسن المخالفين - مع طلبهم لعيوبهم وطلب الحيلة في كسر مذاهبهم - وكان ذلك اظهر واشهر مما يخفى، وفي عدم العلم بذلك ما يدل على بطلان هذه المعارضة

قال : فأرنا طرق هذه الاخبار ، وما وجهها ووجه دلالتها . قال : الاول ما في هذا الخبر الذى روته العامة والخاصة وهو خبر كميل ابن زياد قال : دخلت على أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو ينكث في الاض فقلت له : يا مولاي مالك تنكث

الارض ارغبة فيها ؟ فقال : والله ما رغبت فيها ساعة قط ، ولكني افكر في التاسع من ولد الحسين هو الذي يملا الارض قسطا وعدلا كما ملات ظلما وجورا ، تكون له غيبة يرتاب فيها المبطلون ، يا كميل بن زياد لابد لله في ارضه من حجة ، اما ظاهر مشهور شخصه ، واما باطن مغمور لكيلا تبطل حجج
 

- ج 2 ص 13 -

الله ( 2 ) . والخبر طويل ، وانما اقتصرنا على موضع الدلالة .

وما روي عن الباقر ( ع ) : ان الشيعة قالت له يوما : انت صاحبنا الذى يقوم بالسيف ؟ قال : لست بصاحبكم ، انظروا من خفيت ولادته فيقول قوم ولد ويقول قوم ما ولد ، فهو صاحبكم ( 3 ) .
 

وما روي عن الصادق ( ع ) انه قال : كيف بكم إذا التفتم يمينا فلم تروا احدا ، والتفتم شمالا فلم تروا احدا ، واستولت اقوام بني عبد المطلب ، ورجع عن هذا الامر كثير ممن يعتقده ، يمسي احدكم مؤمنا ويصبح كافرا ، فالله الله في اديانكم هنالك فا نتظروا الفرج .


وما روي عن موسى بن جعفر عليهما السلام انه قال : إذا توالت ثلاثة اسماء محمد وعلي والحسن فالرابع هو القائم صلوات الله عليه و عليهم ( 4 ) .


ولو ذهبنا إلى ما روي في هذا المعنى لطال به الشرح ، وهذا السيد ابن محمد الحميري يقول في قصيدة له قبل الغيبة وبخمسين ومائة سنة : وكذا ( 5 ) روينا عن وصي محمد . وما كان ( 6 ) فيما قاله بالمتكذب .
 

  * هامش *  
 

 2 - كمال الدين : 289 / 2 ، الكافي 1 : 273 ، الغيبة ( للطوسي ) : 154 و 254 ( وفي الاخيرين : الاصبغ بن نباتة بدلا عن كميل بن زياد ) .
 3 - كمال الدين : 325 / 2 .
 4 - كمال الدين : 334 / 3 ، الغيبة للنعماني : 179 / 26 ( وفيهما عن ابي عبد الله عليه السلام ) .
 5 - في نسحة " م " و " ث " : وكنا ، وفي الاكمال : ولكن . 6 - في نسخة " ق " : ولم يك . ( * )

 

 

- ج 2 ص 14 -

بأن ولي الامر يفقد لا يرى ستيرا ( 7 ) كفعل الخائف المترقب فيقسم اموال الفقيد ( 8 ) كأنما تغيبة ( 9 ) تحت الصفيح المنصب فيمكث حياثم ينبع نبعة كنبعة درى من الارض يوهب له غيبة لابد من ان يغيبها فصلى عليه الله من متغيب ( 10 )

فانظروا رحمكم الله قول السيد هذا القول وهو ( الغيبة ) كيف وقع له ان يقوله لولا ان سمعه من ائمته ، وائمته سمعوه من النبي صلى الله عليه واله ، والا فهل يجوز لقائل ان يقول قولا فيقع كما قال ما يخرم منه حرف ؟ ! عصمنا الئه واياكم من الهوى ، وبه نستعين ، وعليه نتوكل .
 

  * هامش *  
 

 7 - في نسخة " ق " و " م " : سنين . 8 - في نسخة " ق " : العقود . 9 - في نسخة " ق " : تضمنه .

 10 - القصيدة طويلة ومطلعها : ايا راكبا نحو المدينة جسرة عدافرة يطوى بها كل سبسب إذا ما هداك الله عاينت جعفرا فقل لولي الله وابن المهذب الايا امين الله وابن امينه اتوب إلى الرحمن ثم تأوبي اليك في الامر الذي كنت مطنبا معاندة مني لنسل المطيب ولكن روينا عن وصي محمد وما كان فيما قال بالمتكذب واسترسل بالقصيدة كما وردت اعلاه .

ولهذا القصيدة قصة يرويها الصدوق في كمال الدين ( 33 ) حول اعتقاد السيد رحمه الله اول الامر بمذهب الكيسانية التي تدعي الغيبة لمحمد بن الحنفية قدس الله روحه ، حيث قال السيد في ذلك : الا ان الائمة من قريش ولاة الامر اربعة سواء ( * )

 

 

- ج 2 ص 15 -

قال السائل : فقد كان يجب ان ينقل هذه الاخبار مع الشيعة غيرهم .

فقال له : هذا غير لازم ولا واجب ، ولو وجب وجب ان لا يصح خبر لا ينقله المؤالف والخ الف وبفلت الاخبار كلها .

فقال السائل : فأذا كان الامام ( ع ) غائبا طول هذه المدة لا ينتفع به ، فما الفرق بين وجوده وعدمه .

قال له : ان الله سبحانه إذا نصب دليلا وحجة على سائر خلقه فأخافه الظالمون كانت الحجة على من اخافه لاعلى الله سبحانه ، ولو اعدمه الله كانت الحجة على الله لاعلى الظالمين ، وهذا الفرق بين وجوده وعدمه .


قال السائل : الا رفعه الله إلى السماء فإذا ان قيامه انزله ؟

فقال له : ليس هو حجة على اهل السماء ، انما هو حجة على اهل الارض ، والحجة لا تكون الا بين المحجوجين به ، وايضا فقد كان هذا لا يمتنع في العقل لو لا الاخبار الواردة ان الارض لا تخلو من حجة ، فلهذا لم يجز كونه في السماء ،
 

  * هامش *  
 

 إلى اخر ابياته الشعرية . وبقي على ذلك ردحا من الزمن حتى التقى الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وراى منه علامات الامامة وشاهد فيه دلالات الوصية ، فسأله عن الغيبة ، فذكر له انها حق ، ولكنها نقع في الثاني عشر من الائمة عليهم السلام ، واخبره . بموت محمد بن الحنفية وان اباه شاهد دفنه ، فرجع السيد عن مقالته واستغنر من اعتقاد ، ورجع إلى الحق عند اتضاحه له " ودان بالامامة .

وهكذا فالامر يوضح بلا ادنى ريبة اعنقاد المسلمين بالغيبة وتواتر الاخبار عنها تجل وقوعها سواء عن رسول الله صلى الله عليه واله أو عن اهل بيته علبهم السلام ، أو حتى من الخالفين لهم ، ولقد افرد علماء الشيعة الامامية ورجالاتها مؤلنات ضخمة في هذا الامر اتاموا فيه الحجج البينة والشواهد الثابتة التي لا تدع للتسائل منفذا . ( * )

 

 

- ج 2 ص 16 -

واوجبنا كونه في الارض وبالله التوفيق .

فقام انسان من المعتزلة وقال للشيخ المفيد : كيف يجوز ذلك منك وانت نظار منهم قائل بالعدل والتوحيد ، وقائل باحكام العقول ، تعتقد امامة رجل ما صحت ولادته لون امامته ، ولا وجوده لون عدمه ، وقد تطاولت السنون حتى ان المعتقد منكم يقول ان له منذ ولد خمسا واربعين ومائة سنة فهل يجوز هذا في عقل أو سمع ؟

قال له الشيخ : قد قلت فافهم ، اعلم : ان الدلالة عندنا قامت على ان الارض لا تخلو من حجة .