عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- رسائل في الغيبة - الشيخ المفيد ج 3 ص 11 : -

بسم الله الرحمن الرحيم ( 1 )

قال الشيخ المفيد رضي الله عنه : حضرت مجلس رئيس من الرؤساء ، فجرى كلام في الامامة ، فانتهى إلى القول في الغيبة.

فقال صاحب المجلس : أليست الشيعة تروي عن جعفر بن محمد عليه السلام : انه لو اجتمع للامام عدة اهل بدر ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا لوجب عليه الخروج بالسيف ( 2 ) ؟

فقلت : قد روي هذا الحديث .

قال : أو لسنا نعلم يقينا ان الشيعة في هذا الوقت اضاف عدة اهل بدر ، فكيف يجوز للامام الغيبة مع الرواية التى ذكرناها ؟

فقلت له : ان الشيعة وان كانت في وقتنا كثيرا عددها حتى تزيد على عدة اهل
 

  * هامش *  
 

 1 - في نسخة " م " و " ث " : مسألة اخرى في الغيبة من املائه رضي الله عنه .
 2 - انظر : عيون اخبار الرضا عليه السلام 1 : 63 ، كمال الدين 2 : 654 / 21 و 2 : 672 / 25 ،
تفسير علي بن ابراهيم 1 : 323 ، غيبة النعماني : 315 / 9 .

 

 

- ج 3 ص 12 -

بدر اضعافا مضاعفة ، فان الجماعة التي ( عدتهم عدة اهل بدر إذا اجتمعت ) ( 3 ) ، فلم يسع الامام التقية ووجب عليه الظهور . لم تجتمع في هذا الوقت ، ولا حصلت في هذا الزمان بصفتها وشروطها .

وذلك انه يجب ان يكون هؤلاء القوم معلوم من حالهم الشجاعة ، والصبر على اللقاء ، والاخلاص في الجهاد ، ايثار الاخرة على الدنيا ، ونقاء السرائر من العيوب ، وصحة العقول ( 4 ) ، وانهم لا يهنون ولا ينتظرون عند اللقاءة ويكون العلم من الله تعالى بعموم المصلحة في ظهورهم بالسيف .


وليس كل الشيعة بهذه الصفة ، ولو علم الله تعالى ان في جملتهم العدد المذكور على ما شرطناه لظهر الامام عليه السلام لا محاله ، ولم يغب بعد اجتماعهم طرفة عين ، لكن المعلوم خلاف ما وصفناه ، فلذلك ساغ للامام الغيبة على ما ذكرناه .


قال : ومن اين لنا ان شروط القوم على ما ذكرت ، وان كانت شروطهم هذه فمن اين لنا ان الامر كما وصفت ؟

فقلت : إذا ثبت وجوب الامامة وصحت الغيبة لم يكن لنا طريق إلى تصحيح الخبر الا بما شرحناه ، فمن حيث قامت دلائل الامامة والعصمة وصدق الخبر حكمنا بما ذكرناه .

ثم قلت : ونظير هذا الامر ومثاله ما علمناه من جهاد النبي صلى الله عليه وآله أهل بدر بالعدد اليسير الذين كانوا معه واكثرهم اعزل راجل ، ثم قعد عليه وآله السلام في عام الحديبية ومعه من اصحابه اضعاف اهل بدر في
 

  * هامش *  
 

 3 - في نسخة " م " و " ث " : إذا اجتمعت على عدة اهل بدر و . 4 - في نسخة " م " : العقود . ( * )

 

 

- ج 3 ص 13 -

العدد ، وقد علمنا انه صلى الله عليه والله وسلم مصيبا في الامرين جميعا ، وانه لو كان المعلوم من اصحابه في عام الحديبية ما كان المعلوم منهم في حال بدر لما وسعه القعود والمهادنة ، ولوجب عليه الجهاد كما وجب عليه قبل ذلك ولو وجب عليه ما تركه لما ذكرناه من العلم بصوابه وعصمته على ما بيناه .


فقال : ان رسول الله صلى الله وعليه وآله كان يوحى ( 5 ) إليه فيعلم بالوحي العواقب ، ويعرف الفرق من صواب التدبير وخطأه بمعرفة ما يكون ، فمن قال في علم الامام بما ذكرت ، وما طريق معرفته بذلك ؟


فقلت له : الامام عندنا معهود إليه ، موقف على ما ياتي وما يذكر ، منصوب له امارات تدله على العواقب في التدبيرات والصالح في الافعال ، وانما حصل له العهد بذلك عن النبي صلى الله عليه والله الذي يو حى إليه ويطلع على علم السماء ،

ولو لم نذكر هذا الباب واقتصرنا على انه متعبد في ذلك بغلبة الظن وما يظهر له من الصلاح لكفى واغنى وقام مقام الاظهار على التحقيق كائنا ما كان ( 6 ) بلا ارتياب ، لا سيما على مذهب المخالفين في الاجتهاد . وقولهم في رأي النبي صلى الله عليه واله وان كان المذهب ما قدمناه .


فقال : لم لا يظهر الامام وان ادي ظهوره إلى قتله فيكون البرهان له والحجة في امامته اوضح ، ويزول الشك في وجوده بلا ارتياب ؟

فقلت : انه لا يجب ذلك عليه السلام ، كما لا يجب على الله تعالى معاجلة العصاة بالنقمات واظهار الايات في كل وقت متتابعات ، وان كنا نعلم انه لو

  * هامش *  
 

 5 - في نسخة " ث " : موحى . 6 - لم ترد في نسختي " م " و " ث " . ( * )

 

 

- ج 3 ص 14 -

عاجل العصاة لكان البرهان على قدرته اوضح ، والامر في نهيه اوكد ، والحجة في قبح خلافه ابين ، ولكان بذلك الخلق عن معاصيه ازجر ، وان لم يجب ذلك عليه ولا في حكمته وتدبيره لعلمه بالمصلحة فيه على التفضيل ، فالقول في الباب الاول

مثله على انه لا معنى لظهور الامام في وقت يحيط العلم فيه بأن ظهوره منه فساد ، وانه لا يؤول إلى اصلاح ، وانما يكون ذلك حكمة وصوابا إذا كانت عاقبته الصلاح . ولو علم عليه السلام ان في ظهوره صلاحا في الدين مع مقامه في العالم أو

هلاكه وهلاك جميع شيعته وانصاره لما ابقاه طرفة عين ، ولافتر عن المسارعة ، إلى مرضاة الله جل اسمه ، لكن الدليل على عصمته كاشف عن معرفته لرد هذه الحال عند ظهوره في هذا الزمان بما قدمناه من ذكر العهد إليه ، ونصب الدلائل والحد والرسم المذكورين له في الافعال .


فقال : لعمري ان هذه الاجوبة على الاصول المقررة لاهل الامامة مستمرة ، والمنازع فيها - بعد تسليم الاصول - لا ينال شيئا ولا يظفر بطائل .

فقلت : من العجب انا والمعتزلة نوجب الامامة ، ونحكم بالحاجة إليها في كل زمان ، ونقطع بخطا من اوجب الاستغناء عنها في حال بعد النبي ( ص ) ، وهم دائما يشنعون علينا بالقول في الغيبة ومرور الزمان بغير ظهور امام ، وهم انفسهم يعترفون

بأنهم لا امام لهم بعد أمير المؤمنين ( ع ) إلى هذا الزمان ، ولا يرجون اقامة امام في قرب هذا من الاوان ، فعلى كل حال نحن اعذر في ( القول بالغيبة ) ( 7 ) واولى بالصواب عند الموازنة للاصل الثابت من وجوب الامام ، ولدفع الحاجة إليها في كل أوان .

  * هامش *  
 

 7 - في نسخة " ق " : الغيبة . ( * )

 

 

- ج 3 ص 15 -

فقال : هؤلاء القوم وان قالوا بالحاجة إلى الامام فعذرهم واضح في بطلان الاحكام لعدم غيبة الامام الذي يقوم بالا حكام ، وانتم تقولون ان ائمتكم عليهم السلام قد كانوا ظاهرين إلى وقت زمان الغيبة عندكم ، فما عذركم في ترك اقامة الحدود وتنفيذ الاحكام .

فقلت له : ان هؤلاء القوم وان اعتصموا في تضييع الحدود والاحكام بعد الائمة الذين يقومون بها في الزمان ، فأنهم يعترفون بان في كل زمان طائفة منهم من اهل الحل والعقد قد جعل إليهم اقامة الامام الذي يقوم بالحدود وتنفيذ الاحكام ، فما عذرهم

عن كفهم عن اقامة الامام وهم موجولون معروفو الاعيان ، فان وجب عليهم لوجودهم ظاهرين في كل زمان اقامة الامام المنفذ للاحكام ، وعانوا ترك ذنلك في طول هذه المدة عاصين ضالين عن طريق الرشاد كان لنا بذلك عليهم ( 8 ) ولن يقولوا

بهذا ابدا ، وأن كان لهم عذر في ترك اقامة الامام ، وان كانوا في كل وقت موجودين ، فذلك العذر لا ئمتنا عليهم السلام في ترك اقامة الحدود وان كانوا موجودين في كل زمان ، على ان عذر ائمتنا عليهم السلام في ترك اقامة الاحكام اوضح واظهر

من عذر المعتزلة في ترك نصب الامام ، لانا نعلم يقينا بلا ارتياب ان كثيرا من اهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله قد شردوا عن اوطانهم ، وسفكت دماؤهم ، والزم الباقون منهم الخوف على التوهم عليهم انهم يرون الخروج بالسيف وانهم ممن إليهم الاحكام ، ولم ير أحد من المعتزلة ولا الحشوية سفك ( 9 ) دمه ، ولا شرد عن
 

  * هامش *  
 

 8 - في نسخة " ق " : قال ، وفي نسختي " ث ، و " م " : فقال . ولم نثبت اي منهما لعدم اتفاقهما مع السياق .
 9 - في نسخة " م " و " ث " : سقط . ( * )

 

 

- ج 3 ص 16 -

وطنه ، ولاخيف على التوهم عليه والتحقيق منه انه يرى في قعود الائمة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بل هؤلاء القوم يصرحون في المجالس بأنهم اصحاب الاختيار ، وان إليهم الحل والعقد والانكار على الطاعة ، وان من مذهبهم الامر

بالمعروف والنهي عن المنكر فرضا لازما على اعتقادهم ، وهم مع ذلك امنون من السلطان ، غير خائفين من نكره عليهم من هذا المقال .


فبان بذلك أنه لا عذر لهم في ترك اقامة الامام ، وان العذر الواضح الذي لا شبهة فيه حاصل لائمتنا عليهم السلام من ترك اقامة الحدود وتنفيذ الاحكام لما بيناه من حالهم ووصفناه وهذا واضح . ( فلم يات بشئ ولله الحمد ولرسوله وآله الصلاة والسلام ) ( 10 ) .


والله الموفق للصواب .

 

  * هامش *  
 

 10 - ما بين القوسين لم يرد في نسختي " م " و " ث " ( * )