- الفصول العشرة - الشيخ المفيد ص 113 : - |
واما الكلام في الفصل التاسع ( 1 )
وهو قول الخصوم : إن ( 2 ) الامامية تناقض مذهبها في إيجابهم
الامامة ( 3 ) ، وقولهم بشمول ( 4 ) المصلحة للانام بوجود الامام وظهوره وأمره
ونهيه وتدبيره ، واستشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان
العادل وتمكنه من ( 5 ) البلاد والعباد .
وقولهم مع ذلك : إن الله تعالى قد أباح للامام ( 6 ) الغيبة عن الخلق وسوغ له (
7 ) الاستتار عنهم ، وأن ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد . وهذه مناقضة لا
تخفى على العقلاء .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) ع . ل : فصل : وأما الكلام في الفصل التاسع .
( 2 ) ع . ل . ر : وان .
( 3 ) ع . س : للامامة .
( 4 ) ع . ر . س . ط : لشمول .
|
( 5 ) في س . ط : وتمكنه في البلاد والعباد .
( 6 ) ع . ل : الامام .
( 7 ) ع . ل . س : وسوغه .
( 8 ) ع . س : للاستتار . ( * )
|
|
|
فصل : وأقول : إن هذه الشبهة الداخلة على المخالف إنما استولت
عليه لبعده عن سبيل الاعتبار ووجوه ( 1 ) الصلاح وأسباب الفساد ، وذلك أن
المصالح تختلف باختلاف الاحوال ، ولا تتفق مع تضادها ، بل يتغير تدبير الحكماء
في حسن النظر والاستصلاح بتغير ( 2 ) آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في
الاعمال .
ألا ترى أن الحكيم من البشر يدبر ولده وأحبته ( 3 ) وأهله وعبيده وحشمه بما ( 4
) يكسبهم ( 5 ) المعرفة والاداب ، ويبعثهم في الاعمال الحسنات ، ليستثمروا ( 6
) بذلك المدح وحسن الثناء والاعظام من كل أحد والاكرام ، ويمتهنوهم من المتاجر
والمكاسب للاموال ( 7 ) ، لتتصل مسارهم بذلك ، وينالوا بما يحصل لهم من الارباح
الملذات ( 8 ) ، وذلك هو الاصلح لهم ، مع توقرهم ( 9 ) على ما دبرهم به من
أسباب ما ذكرناه . فمتى أقبلوا على العمل بذلك والجد فيه ، أداموا لهم ما
يتمكنون به
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) ل . ط : ووجود .
( 2 ) س . ط : بتغيير .
( 3 ) ل : وأخيه .
( 4 ) ع . س . ط : ما .
( 5 ) ل . ط : ينبؤهم ، ويحتمل في ع . ر : يكسهم .
|
( 6 ) ل . ط : ليستمروا .
( 7 ) ل : الاموال ، ط : في الاعمال .
( 8 ) ع . ل . ر : اللذات .
( 9 ) ع . ط : توفرهم . ( * ) |
|
|
منه ، وسهلوا عليهم سبيله ، وكان ذلك ( 1 ) هو الصلاح العام ،
وما أخذوا بتدبيرهم إليه وأحبوه منهم وأبروه لهم .
وإن عدلوا عن ذلك إلى السفه والظلم ، وسوء الادب والبطالة ،
واللهو واللعب ، ووضع المعونة على الخيرات في الفساد ، كانت المصلحة لهم قطع
مواد السعة ( 2 ) عنهم في الاموال ، والاستخفاف بهم ، والاهانة والعقاب .
وليس في ذلك تناقض بين أغراض العاقل ، ولا تضاد في صواب التدبير والاستصلاح .
وعلى الوجه الذي بيناه كان تدبير الله تعالى لخلقه ، وإرادته عمومهم بالصلاح .
ألا ترى أنه خلقهم فاكمل عقولهم وكلفهم الاعمال الصالحات ، ليكسبهم ( 3 ) بذلك
حالا ( 4 ) في العاجلة ، ومدحا وثناء حسنا وإكراما وإعظاما وثوابا في الاجل ،
ويدوم نعيمهم في دار المقام .
فان تمسكوا باوامر الله ونواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به منه ،
وسهل عليهم سبيله ، ويسره لهم . وإن خالفوا . ذلك وعصوه تعالى وارتكبوا نواهيه
، تغيرت ( 5 ) الحال فيما يكون فيه استصلاحهم ، وصواب التدبير لهم ، يوجب ( 6 )
قطع مواد ( 7 )
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) لفظ : ذلك ، لم يرد في ل . ط .
( 2 ) ع . ل . ر . س : الشيعة ، يحتمل : الشنعة .
( 3 ) ل : ليكسهم .
( 4 ) س . ط : جمالا .
|
( 5 ) ل : لغيرت .
( 6 ) ل : لوجب .
( 7 ) ع . ل . ر : موات . ( * )
|
|
|
التوفيق عنهم ، - وحسن منه ذمهم وحربهم ، ووجب عليهم ( 1 ) به
العقاب ، وكان ذلك هو الاصلح لهم ( 2 ) والاصوب ( 3 ) في تدبيرهم مما كان يجب
في الحكمة لو أحسنوا ولزموا السداد . فليس ذلك بمتناقض في العقل ولا متضاد في
قول أهل العدل ، بل هو ملتئم على المناسب والاتفاق .
فصل : ألا ترى أن الله تعالى دعا الخلق إلى الاقرار به وإظهار التوحيد والايمان
برسله عليهم السلام لمصلحتهم ، وأنه لا شئ أصوب في تدبيرهم من ذلك ، فمتى
اضطروا إلى إظهار كلمة الكفر للخوف على دمائهم كان الاصلح لهم والاصوب في
تدبيرهم ترك الاقرار بالله والعدول عن إظهار التوحيد
والمظاهرة بالكفر بالرسل ، وإنما تغيرت المصلحة بتغير الاحوال ، وكان في تغيير
التدبير الذي دبرهم الله به فيما خلقهم له مصلحة للمتقين ، لان كان ما اقتضاه
من فعل الظالمين قبيحا منهم ومفسدة يستحقون بة العقاب الاليم .
وقد فرض الله تعالى الحج والجهاد وجعلهما صلاحا للعباد ، فإذا تمكنوا منه عمت
به المصلحة ، وإذا منعوا منه بإفساد المجرمين كانت المصلحة لهم تركه والكف عنه
، وكانوا في ذلك معذورين وكان المجرمون به ملومين ( 4 ) .
فهذا نظير لمصلحة الخلق بظهور الائمة عليهم السلام وتدبيرهم
إياهم
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) ل . ط : وحسن منه ذمهم وحر عليهم ، وفي س . ع : جربهم ، بدلا من
: حربهم .
( 2 ) الى هنا انتهت نسخة ع ، فالاعتماد في ضبط النص يكون على نسخة : ل
. ر . س . ط .
( 3 ) ر . س : والاحق .
( 4 ) ل . ر : ملومون . ( * )
|
|
|
متى أطاعوهم وانطووا على النصرة لهم والمعونة ، وإن عصوهم
وسعوا في سفك دمائهم تغيرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم ، وصارت المصلحة
له ولهم غيبته وتغييبه ( 1 ) واستتاره ، ولم يكن عليه في ذلك لوم ، وكان الملوم
( 2 ) هو المسبب له بإفساده وسوء اعتقاده .
ولم يمنع كون الصلاح باستتاره ( 3 ) وجوب وجوده وظهوره ، مع العلم ببقائه
وسلامته وكون ( 4 ) ذلك هو الاصلح والاولى في التدبير ، وأنه الاصل ( 5 ) الذي
أجرى ( 6 ) بخلق العباد إليه وكلفوا من أجله حسبما ذكرناه .
فصل : فإن الشبهة الداخلة على خصومنا في هذا
الباب ، واعتقادها أن مذهب الامامية في غيبة إمامها مع عقدها في وجوب الامامة
متناقض ، حسبما ظنوه في ذلك وتخيلوه ، لا يدخل إلا على عمى منهم مضعوف بعيد عن
معرفة مذهب سلفه وخلفه
في الامامة ، لا يشعر بما يرجع إليه في مقالهم وذلك أنهم بين
رجلين : أحدهما : يوجب الامامة عقلا وسمعا ، وهم البغداديون من
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) ل : وتغيبته .
( 2 ) ل . ر : الملليم .
( 3 ) ل . ر : باستتار .
( 4 ) ل . ر . س : كون ، بدون واو .
( 5 ) ر . س : للاصل .
( 6 ) س . ط : احرى . والمعنى : أن الصلاح الالهي الذي اقتضى غيبة
الامام هو الاصل الذي كان خلق العباد للتوصل إليه ومن أجله .
|
|
|
المعتزلة ( 1 ) وكثير من المرجئة ( 2 ) . والاخر : يعتقد
وجوبها ( 3 ) سمعا وينكر أن تكون العقول توجبها ، وهم البصريون من المعتزلة ( 4
) وجاعة المجبرة ( 5 ) وجمهور الزيدية .
وكلهم وإن خالف الامامية في وجوب النص على الائمة باعيانهم ،
وقال بالاختيار أو الخروج بالسيف والدعوة إلى الجهاد ، فإنهم يقولون : إن وجوب
اختيار الائمة إنما هو لمصالح الخلق ، والبغداديون من المعتزلة خاصة يزعمون أنه
الاصلح في
الدين والدنيا معا ، ويعترفون بان وقوع الاختيار وثبوت
الامامة هو المصلحة العامة ، لكنه متى تعذر ذلك بمنع الظالمين منه كان الذين
إليهم العقد والنهوض ( 1 ) بالدعوة في سعة من ترك ذلك وفي غير حرج من الكف عنه
، وأن تركهم له حينئذ يكون هو الاصلح ، وإباحة الله تعالى لهم التقية في العدول
عنه هو الاولى في الحكمة وصواب التدبير في الدنيا والدين .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) وهم اصحاب أبي الحسين بن أبي عمرو الخياط مع تلميذه أبي القاسم
بن محمد الكعبي ويعبر عن مذهبهما بالخياطية والكعبية .
الملل والنحل 1 : 73 .
( 2 ) ل : وهم البغداديون من المعتزلة وكثير من المعتزلة وكثير من
المرجئة .
( 3 ) ر . ل . س : أن وجوبها .
( 4 ) وهم أصحاب أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي وأبنه أبي هاشم
عبد السلام ، ويعبر عن مذهبهما بالجبائية والبهشمية .
الملل والنحل 1 : 73 .
( 5 ) الجبرية اصناف ، فالجبربة الخالصة : هي التى لا تثبت للعبد فعلا
ولا قدرة على الفعل أصلا ، وأما من اثبت للقدرة الحادثة أثرا ما في الفعل وسمي
ذلك كسبا فليس بجبري . الملل والنحل 1 : 79 .
( 6 ) ع . ط : النهوض ، بدون واو . ( * )
|
|
|
وهذا هو القول الذي أنكره المستضعفون منهم على الامامية : في
ظهور الامام وغيبته ، والقيام بالسيف وكفه عنه وتقيته ، وإباحة شيعته عند ذلك
الخوف على أنفسهم ترك الدعوة إليه على الاعلان ، والاعراض عن ذلك للضرورة إليه
، والامساك عن الذكر له باللسان .
فكيف خفي الامر فيه على الجهال من خصومنا ، حتى ظنوا بنا المناقضة وبمذهبنا في
معناه التضاد ، وهو قولهم بعينه على السواء ، لولا عدم التوفيق لهم وعموم
الضلالة لقلوبهم بالخذلان ، والله المستعان .
|