عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

 

- الفصول العشرة - الشيخ المفيد ص 18 : -

( 3 ) اهتمام الشيخ المفيد بالبحث عن المهدي . ازدهر العلم في زمن الشيخ المفيد وبلغ ذروته ، وكانت الحضارة آنذاك في تقدم سريع ، وكان زمانه مملؤا بالعلماء من كل الفرق الاسلامية خصوصا في بغداد .


كل هذا ونرى شيخنا المفيد قد نبغ من بين جميع هؤلاء ، وطغى علمه وشهرته على الكل . وكانت الشبهات في زمانه ضد مذهب أهل البيت تستفحل يوما بعد آخر . لذا عقد الشيخ المفيد مجلسا للمناظرة ، ناظر فيه العلماء فأفحمهم ، واهتدى على يديه الجم الغفير . فكان رضوان الله عليه قد اولى اهتماما كبيرا بعلم الكلام ، سواء باللسان أم بالقلم .


ومن المواضيع الكلامية التي اعطاها اهتماما كبيرا هو موضوع الامام المهدي واحواله وظهوره وطول عمره و . . . فكان يرد الشبهات ويثبت عقائد الشيعة بإمام زمانهم بمناظراته ودرسه وكتاباته مستقلا وضمنا : فمن الذى كتبه مستقلا :

( 1 ) كتاب الغيبة .

- ص 19 -

ذكره النجاشي : 401 ، وذكر الطهراني في الذريعة 16 : 80 كتاب الغيبة الكبير للمفيد .

( 2 ) المسائل العشرة في الغيبة . ذكره النجاشي : 399 ، وهو هذا الكتاب الذي أقدمه بين يدي القارئ العزيز ، يأتي التفصيل عنه .

( 3 ) مختصر في الغيبة . ذكره النجاشي : 399 .

( 4 ) النقض على الطلحي في الغيبة . ذكره النجاشي : 400 .

( 5 ) جوابات الفارقيين في الغيبة . ذكره النجاشي : 400 .

( 6 ) الجوابات في خروج الامام المهدي عليه السلام . ذكره النجاشي : 401 . وذكر الطهراني في الذريعة 16 : 80 أن للشيخ المفيد كتاب الجوابات في خروج المهدي - وذكر أنه موجود - ثلاث مسائل .

والظاهر ان كليهما كتاب واحد . وذكر ايضا ان الثلاث مسائل هي :

( أ ) من مات ولا يعرف امام زمانه .

( ب ) لو اجتمع لامام عدد اهل بدر . واحتمل ان يكون هذا هو النقض على الطلحي، لانه يعبر في اثنائه عن السائل بالعمري

( ج ) السبب الموجب لاستتار الحجة . والمطبوع من الجوابات - الذي طبع ضمن عدة رسائل للمفيد طبع مكتبة المفيد - أربع رسائل ، هي :

- ص 20 -

( أ ) صفحة 383 - 388 ، شرح فيه حديث من مات وهو لا يعرف امام زمانه . . .

( ب ) صفحة 389 - 394 ، أول الرسالة : حضرت مجلس رئيس من الرؤساء فجرى كلام في الامامة فانتهى في القول في الغيبة . . .

( ج ) صفحة 394 - 398 ، أول الرسالة : سأل بعض المخالفين فقال : ما السبب الموجب لاستتار امام الزمان وغيبته التي طالت مدتها . . . ؟

( د ) صفحة 399 - 402 ، أول الرسالة : سال سائل من الشيخ المفيد فقال : ما الدليل على وجود الامام صاحب الغيبة ، فقد اختلف الناس في وجوده اختلافا ظاهرا . . . ؟

وللتفصيل راجع الذريعة 5 : 195 ، 20 : 388 ، 390 و 395 ، 16 : 80 - 82 . ومن الذي كتبه ضمنا :

( 1 ) الايضاح في الامامة . احال في عدة مواضع عليه في هذا الكتاب : الفصول العشرة ، وعبر عنه بالايضاح في الامامة والغيبة .

( 2 ) الارشاد في معرفة حجج الله على العباد . ذكر فيه فصلا خاصا عن الامام الحجة وغيبته .

( 3 ) العيون والمحاسن . له فيه كلام في الغيبة .

( 4 ) الزاهر في المعجزات . تطرق فيه إلى معجزات الانبياء والائمة ومنهم الامام الحجة المنتظر . وكذا بحث عن الامام المهدي عليه السلام في بقية كتبه المؤلفة في الامامة والتاريخ والعقائد .

- ص 21 -

( 4 ) صلة الشيخ المفيد بالناحية المقدسة عند وقوع الغيبة الكبرى انقطعت النيابة الخاصة وكذب من ادعى البابية ، وصارت النيابة عامة للفقهاء العدول . وهذا لا يدل على عدم إمكان رؤية الامام في الغيبة الكبرى والتشرف بخدمته ، حتى مع معرفة المشاهد له في حال الرؤية ، لان الذي نقطع بكذبه هو ادعاء الباب والنيابة الخاصة .


قال الشيخ المفيد في هذا الكتاب الفصول العشرة : فاما بعد انقراض من سميناه من اصحاب أبيه وأصحابه عليهم السلام ، فقد كانت الاخبار عمن تقدم من أئمة آل محمد عليهم السلام متناصرة : بانه لا بد للقائم المنتظر من غيبتين ، إحداهما أطول من الاخرى ، يعرف خبره الخاص في القصرى ، ولا يعرف العام له مستقرا في الطولى ، إلا من تولى خدمته من ثقاة اوليائه ، ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره ( 1 ) .


فما ذكره الشيخ المفيد من الحديث صريح بان في الغيبة الكبرى المعبر عنها بالطولى يمكن أن يعرف خبره من تولى خدمته من ثقاة أوليائه ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره .

إذا عرفت هذا فقد روى الشيخ الطبرسي توقيعين وردا من الناحية المقدسة إلا الشيخ المفيد ، قال : ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة حرسها الله ورعاها في أيام بقيت من صفر سنة عشرة واربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) الفصول العشرة : 82 من طبعتنا هذه . ( * )

 

 

- ص 22 -

قدس الله روحه ونور ضريحه ، ذكر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز ، نسخته : للاخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه ، من مستودع العهد المأخوذ على العباد . . .
 

وجاء في اخر التوقيع : نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام : هذا كتابنا إليك أيها الاخ الوفي والمخلص في ودنا الصفي ، والناصر لنا الوفي ، حرسك الله بعينه التي لا تنام ، فاحتفظ به ، ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه بماله ضمناه أحدا ، واد ما فيه إلى من تسكن إليه، وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ( 1 )
 

وقال الطبرسي أيضا يروي التوقيع الثاني : وورد عليه كتاب آخر من قبله صلوات الله عليه يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة واربعمائة ، نسخته : من عبد الله المرابط في سبيله الى ملهم الحق ودليله . . . وجاء في آخر

التوقيع : وكتب في غرة شوال من سنة اثنتي عشرة واربعمائة نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله على صاحبها : هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلي ، بإملائنا وخط ثقتنا ، فاخفه عن كل أحد ، واطوه ، واجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله ، الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين ( 2 ) .
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) الاحتجاج 2 : 495 - 498 .
( 2 ) الاحتجاج 2 : 498 - 499 . ( * )

 

 

- ص 23 -

وروى هذين التوقيعين يحيى بن بطريق في رسالة نهج العلوم إلى نفي المعدوم كما حكي عنه ، وزاد عليهما توقيع آخر لم تصل إلينا صورته ( 1 ) .

وعند التأمل في التوقيعين الواصلين إلينا نستطيع أن نجزم بأنهما لا يفيدان النيابة الخاصة أو البابية ، بل شانهما شان من يرى الامام في غيبته الطولى ويعرفه ، ولا يفهم من الاحاديث المكذبة لرؤيته إلا النيابة الخاصة .


والذي يزيدنا اطمئنانا بهذين التوقيعين ما ذكره الطبرسي في مقدمة كتابه الاحتجاج : ولا ناتي في اكثر ما نورده من الاخبار باسناد : إما لوجود الاجماع عليه . أو موافقته لما دلت العقول إليه . أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف .


إلا ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام ، فانه ليس في الاشتهار على حد ما سواه ، وإن كان مشتملا عل مثل الذي قدمناه ، فلاجل ذلك ذكرت اسناده في أول جزء من ذلك دون غيره ، لان جميع ما رويت عنه صلوات الله عليه إنما رويته بإسناد واحد من جملة الاخبار التي ذكرها عليه السلام في تفسيره . . . ( 2 )


فالتوقيعان اللذان رواهما بدون ذكر الاسناد لا يخلوان من ثلاثة وجوه : وجود الاجماع عليهما ، موافقتهما لما دلت العقول إليه ، اشتهارهما في السير والكتب بين المخالف والمؤالف . وهذه الدقة الموجودة عند الطبرسي في روايته ، ووثاقة الطبرسي عند الكافة تعطينا اطمئنانا لقبول التوقيعين .
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) معجم رجال الحديث 17 : 208 - 209 . ( 2 ) الاحتجاج 1 : 14 . ( * )

 

 

- ص 24 -

والذي يزيدنا اطمئنانا ايضا بهذين التوقيعين ، ما ذكره المحدث البحراني في اللؤلؤة بعد ما نقل أبياتا في رثاء الشيخ المفيد منسوبة لصاحب الامر وجدت مكتوبة على قبر الشيخ المفيد : وليس هذا ببعيد بعد خروج ما خرج عنه عليه السلام من

التوقيعات للشيخ المذكور المشتملة على مزيد التعظيم والاجلال . . . ثم قال : هذا وذكر الشيخ يحيى بن بطريق الحلي - وقد تقدم - في رسالة نهج العلوم إلى نفي المعدوم [ المعروفة بسؤال أهل حلب ] طريقين في تزكية الشيخ المفيد :

احدهما : صحة نقله عن الائمة الطاهرين ، بما هو مذكور في تصانيفه من المقنعة وغيرها . . .وأما الطريق الثاني في تزكيته : ما ترويه كافة الشيعة وتتلقاه بالقبول : من ان صاحب الامر - صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه - كتب إليه ثلاثة كتب

، في كل سنة كتابا ، وكان نسخة عنوان الكتاب : للاخ السديد . . . وهذا أوفى مدح وتزكية وأزكى ثناء وتطرية بقول إمام الامة وخلف الائمة ، انتهى ما في اللؤلؤة ( 1 ) .


اقول : وكلامه صريح ان التوقيعين مجمع عليهما ، ونستنتج من كلامه أيضا أن ما ذكره الطبرسي في مقدمة الاحتجاج - من ذكر الاسباب التي دعته إلى عدم ذكر السند للاحاديث التي يرويها - ان التوقيعين من قسم الاحاديث التي انعقد الاجماع عليها ، لهذا لم يذكر سندهما . وإن كان بعض المتأخرين قد شكك في هذين التوقيعين ، لكن الاطمئنان الحاصل عند التأمل فيهما كاف في المقام ، والله العالم .

  * هامش *  
 

( 1 ) لؤلؤة البحرين : 363 - 367 ، وراجع حياة ابن بطريق في هذا الكتاب أيضا : 283 ، ووفاة ابن بطريق سنة 600 . ( * )

 

 

- ص 25 -

وقال ابن شهر آشوب في معالمه : ولقبه الشيخ المفيد صاحب الزمان صلوات الله عليه ، وقد ذكرت سبب ذلك في مناقب آل أبي طالب ( 1 ) . والظاهر أن المراد من عبارته " ولقبه الشيخ المفيد صاحب الزمان " ، ما ورد في التوقيع : للاخ السديد والوفي الرشيد الشيخ المفيد .


وأما ما احال به على المناقب ، فهو غير موجود في المناقب المطبوع وفي نسخه المتوفرة لدينا والنسخ التي اعتمدها المحدث المجلسي والنوري ، لان كل هذه النسخ ناقصة غير موجود فيها البحث عن صاحب الامر عليه السلام .


وشكك السيد الخوئي في هذا ، بناء على أن تسميته بالمفيد كانت من قبل علي بن عيسى الرماني حيث قال له بعد مناظرة : أنت المفيد حقا ، وكون التوقيع صادرا في أواخر حياة الشيخ المفيد وانما لقب الشيخ المفيد في عنفوان شبابه ( 2 ) .


وبناء على صدور هذين التوقيعين من الناحية المقدسة ، نستطيع أن نصل إلى الصلة العميقة بين هذا الشيخ المفيد وبين امام زمانه الحجة المنتظر ، لما فيهما من مدح وثناء عميقين من قبل الناحية المقدسة لهذا الشيخ الذي اوقف عمره للذب عن هذه الطائفة المظلومة .


فورد في التوقيع الاول من الناحية للشيخ المفيد من المدح : للاخ السديد ، والولي الرشيد ، الشيخ المفيد . . . سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين . . .ونعلمك ادام الله توفيقك لنصرة الحق ، واجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق . . . هذا كتابنا إليك ايها الولي ، والمخلص في ودنا الصفي، والناصر لنا الوفي، حرسك الله بعينه التي لا تنام . . .

 

* هامش *

 
  ( 1 ) معالم العلماء : 113 رقم 765 .
( 2 ) معجم رجال الحديث 17 : 209 - 210 .
( 3 ) الاحتجاج 2 : 497 - 498 . ( * )
 

 

- ص 26 -

وفي الثاني : سلام عليك ايها الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصدق ، . . . ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين ، أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من اوليائنا الصالحين . . .


هنها كتابنا اليك أيها الولي الملهم للحق العلي . . . ( 1 ) وكفى بهذا عزا وفخرا للشيخ المفيد ، وهو أهل لذلك .

 

  * هامش *  
 

( 1 ) الاحتجاج 2 : 498 - 499 . ( * )