- الفصول العشرة - الشيخ المفيد ص 53 : - |
الكلام في الفصل الاول
وأقول : إن استتار ولادة المهدي بن الحسن بن علي عليهم السلام عن جمهور أهله
وغيرهم ، وخفاء ذلك عليهم ، واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف ،
ولا مخالفا لحكم العادات ، بل العلم محيط بتمام مثله في أولاد الملوك والسوقه (
1 ) ، لاسباب تقتضيه لا شبهة فيها على العقلاء .
فمنها : أن يكون للانسان ( 2 ) ولد من جارية قد أستر ( 3 ) تملكها من زوجته
وأهله ، فتحمل منه فيخفي ذلك عن كل من يشفق ( 4 ) منه أن يذكره ويستره عمن لا
يامن إذاعة الخبر به ، لئلا يفسد الامر عليه مع زوجته باهلها وانصارها ، ويتم
الفساد به ضرر ( 5 ) عليه يضف عن دفاعه عنه ، وينشؤ الولد
وليس أحد من أهل الرجل وبني عمه وإخوانه وأصدقائه يعرفه ، ويمر ( 6 ) على ذلك
إلى أن يزول خوفه من الاخبار عنه ، فيعرف به إذ ذاك .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) هم بمنزلة الرعية التي تسوسها الملوك ، سموا بذلك لان الملوك
يسوقونهم فينساقون لهم . لسان العرب 10 : 170 سوق
.
( 2 ) ر . ل : الانسان . ( 3 ) ر . س . ط : استتر . ( 4 ) ل : شنق .
( 5 ) ط : ويتم الفساد به ويترتب ضرر . ( 6 ) ل . ط : يمر ، بدون واو .
( * )
|
|
|
وربما تم ذلك إلى أن تحضره وفاته ، فيعرف به عند حضورها ،
تحرجا من تضييع ( 1 ) نسبه ، وإيثارا لوصوله إلى مستحقه من ميراثه .
وقد يولد للملك ولد لا يؤذن به حتى ينشؤ ويترعرع ، فإن رآه
على الصورة التي تعجبه . . . ( 2 ) وقد ذكر الناس ذلك عن جماعة من ملوك الفرس
والروم ( 3 ) والهند ( 4 ) في الدولتين معا ( 5 ) ، فسطروا ( 6 ) أخبارهم في
ذلك ، وأثبتوا قصة كيخسرو بن سياوخش بن كيقاوس ملك الفرس ( 7 ) ، الذي جمع ملك
بابل ( 8 ) والمشرق ،
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) س . ط : تضيع .
( 2 ) كذا في جميع النسخ ، ويصلح أن يكون مكانه عبارة : فيؤذن به ويعلن
عنه ، وإلا فلا .
( 3 ) جيل معروف في بلاد واسعة ، واختلف في أصل نسبهم ، فقيل : انهم من
ولد روم بن سماحيق . . . بن إبراهيم عليه السلام ، وحدود الروم : من الشمال
والشرق : الترك والخزر ورس وهم الروس ، ومن الجنوب : الشام والاسكندرية ، ومن
المغرب : البحر والاندلس وكانت الرقة والشامات كلها تعد في حدود الروم أيام
الاكاسرة . معجم البلدان
3 : 97 - 98 .
( 4 ) دولة في جنوب آسيا ، يحدها من الغرب باكستان الغربية ، ومن
الشمال الصين ونيبال ، ومن الشرق بورما وباكستان الغربية ، عاصمتها نيودلهي .
المنجد : 731 .
( 5 ) كذا في النسخ .
( 6 ) ر . س : فينظروا .
( 7 ) هذه الاسماء وردت مضطربة في النسخ ، وما اثبتناه . من س والصدر .
ففي ع : كيسخرو بن سواخس وكنفار بن ملك الفرس .
وفي ل . ر : كسيخرو بن سواخس وكنفان بن ملك الفرس . وفي ط : كيخسرو أو
ابن سياوخش وكيقاوس ملك الفرس .
وفي المصادر الفارسية : كيخسرو بن سياوش بن كيكاوس .
( 8 ) ناحية من الكوفة والحلة ، وكان ينزلها الكلدانيون ، ويقال : اول
من سكنها نوح عليه السلام بعد الطوفان . معجم البلدان
1 : 309 .
|
|
|
وما كان من ستر أمه حملها وإخفاء ولادتها لكيخسرو ( 1 )، وأمه
( 2 ) هذه المسماة بوسفا فريد ( 3 ) بنت فراسياب ( 4 ) ملك الترك ، فخفي أمره
مع الجد ( 5 ) كان من كيقاوس - جده الملك الاعظم ( 6 ) - في البحث عن أمره
والطلب له ، فلم
يظفر بذلك حينا طويلا . والخبر بامره مشهور ، وسبب ستره
وإخفاء شخصه معروف ، قد ذكره علماء الفرس ( 7 ) ، وأثبته محمد بن جرير الطبري (
8 ) في كتابه التاريخ ( 9 )
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) س . ط : للكيخسرو .
( 2 ) في النسخ : أو أمه ، والظاهر ما اثبتناه ، لتعارف كثير من
المستنسخين على ان يضعوا ألفا بعد الواو دائما .
( 3 ) ر . ع . ل : يوسفارند ، ص : يوسفافريد ، والمثبت من ط والمصدر .
وفي المصادر الفارسية : فرنكسيس أو فرنكيز .
( 4 ) س . ط : افراسياب . وكذا في المصادر الفارسية .
( 5 ) أي : الاجتهاد ، يحتمل أن تكون العبارة هكذا : مع الجد وما كان
من . . .
( 6 ) ع : له أعظم .
( 7 ) ذكر الخبر ومصادره علي أكبر دهخدا في كتابه " لغتنامه " 29 / 744
حرف السين ، و 38 / 457 حرف الكاف ، و 35 / 200 حرف الفاء ، و 22 / 535 حرف
الخاء .
( 8 ) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، المؤرخ ، عامي ، ولد بآمل
طبرستان سنة 224 وتوفي سنة 310 ببغداد ، له مؤلفات كثيرة منها التفسير الكبير
وكتاب طرق حديث الغدير الذي قال الذهبي : إني وقفت عليه فاندهشت لكثرة طرقه .
واما كتابه التاريخ ( تاريخ الامم والملوك
) فهو من أحسن كتب التاريخ ، جمع فيه أنواع الاخبار وروى فنون الاثار واشتمل
على صنوف العلم . النجاشي : 322 رقم 879 ،
الكنى والالقاب 1 : 236 - 237 .
( 9 ) تاريخ الامم والملوك ( تاريخ
الطبري ) 1 / 504 - 509 . وملخص القصة : أنه ولد لكيقاوس ابن ، لم ير مثله في
عصره في جماله وكماله وتمام خلقه ، فسماه أبوه سياوخش . . . ورباه أحسن تربية
إلى أن كبر ، وكان كيقاوص تزوج ( * )
|
|
|
وهو نظير لما أنكره الخصوم في خفاء أمر ولد الحسن بن علي
عليهما السلام ، واستتار ( 9 ) شخصه ، ووجوده وولادته ، بل ذلك أعجب .
ومن الناس كل من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم ( 2 ) في حقه
وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد ، فلا يزال مستورا حتى يتمكن من
|
* هامش * |
|
|
- ابنة فراسيا في ملك الترك ، وكانت ساحرة ، فهويت ابن زوجها سياوخش
ودعته إلى نفسها ، وأنه امتنع عليها ، فلما رأت امتناعه عليها حاولت إفساده على
أبيه ، فتغير كيقاوس على ابنه ، وتوجه سياوخش لحرب فراسياب - لسبب منع فراسياب
بعض ما كان ضمن لكيقاوص
عند انكاحه ابنته إياه - مريدا بذلك البعد عن والده . والتنحي عما
تكيده . به زوجة والده ، فلما صار سياوخش إلى فراسياب جرى بينهما صلح ، وكتب
بذلك سياوخش إلى أبيه يعلمه ما جرى بينه وبين فراسياب من الصلح ، فكتب إليه
والده بمناهضة فراسياب ومناجزته
الحرب ، فرأى سياوخش أن في فعله ما كتب به إليه أبوه عارا عليه ،
فامتنع من انفاذ أمر ابيه وارسل فراسياب في اخذ الامان لنفسه منه ، فاجابه
فراسياب ، فلما صار سياوخش إلى فراسياب بوأه وأكرمه وزوجه ابنة له يقال لها
وسفا فريد ثم لم يزل له مكرما حتى ظهر له أدب
سياوخش وعقله وكماله ما اشفق على ملكه منه وسعى على سياوخش إلى فراسياب
ابنين لفراسياب واخ ، حتى قتل فراسياب سياوخش ومثل به ، وامرأته - ابنة فراسياب
- حامل منه ، فطلبوا الحيلة لاسقاطها ما في بطنها فلم يسقط ، فوضعوها تحت رقابة
فيران إلى ان تضع ليقتل
الطفل ، فلما وضعت فراسياب حملها : كيخسرو ، رق فيران لها وللمولود ،
فترك قتله وستر أمره حتى بلغ المولود فوجه كيقاوس إلى بلاد الترك بي ليبحث عن
المولود لياتي به إليه مع أمه ، وان بي لم يزل يفحص عن أمر ذلك المولود متنكرا
حينا من الزمان فلا يعرف له خبرا
ولا يدله عليه أحد ثم وقف بعد ذلك على خبره ، فاحتال فيه وفي أمه حتى
أخرجهما من أرض الترك إلى كيقاوس . . . . إلى آخر القصة ، وهي طويلة جدا
اقتصرنا على محل الشاهد منها ، من أرادها فليراجعها . وللتفصيل راجع
مروج الذهب 1 : 250 .
( 1 ) ر : واستتاره . ( 2 ) ع . ر : سعيهم . ( * ) |
|
|
إظهاره على أمان منه عليه ممن سميناه .
ومنهم من يستر ذلك ليرغب في العقد له من لا يؤثر مناكحة صاحب
الولد من الناس ، فيتتم له ( 1 ) في ستر ولده وإخفاء شخصه وأمره ، والتظاهر
بانه لم يتعرض بنكاح من قبل ولا له ولد من حرة ولا أمة ، وقد شاهدنا من فعل ذلك
، والخبر عن النساء به ( 2 ) أظهر منه عن الرجال ( 3 ) .
واشتهر من الملوك من ستر ولد لاخفاء شخصه ( 4 ) من رعيته لضرب من التدبير ، في
إقامة خليفة له ، وامتحان جنده بذلك في طاعته ، إذ كانوا يرون انه لا يجوز في
التدبير استخلاف من ليس له بنسيب ( 5 ) مع وجود ولده ثم يظهر بعد ذلك
أمر الولد عند التمكن من اظهاره برضى القوم ، وصرف الامر عن
الولد إلى غيره ، أو لعزل مستخلف عن المقام ، على وجه ينتظم للملك أمور لم يكن
يتمكن من التدبير الذي كان منه على ما شرحناه .
وغير ذلك مما يكثر تعداده من اسباب ستر الاولاد وإظهار موتهم ، واستتار الملوك
أنفسهم ، والارجاف بوفاتهم ، وامتحان رعاياهم بذلك ، وأغراض لهم معروفة قد جرت
من المسلمين بالعمل عليها العادات .
وكم وجدنا من نسيب ( 6 ) ثبت بعد موت أبيه بدهر طويل ، ولم يكن أحد من الخلق
يعرفه بذلك حتى شهد له بذلك رجلان مسلمان ، وذلك لداع دعا الاب إلى ستر ولادته
عن كل أحد من قريب وبعيد ، إلا من شهد
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) اي : العقد . ( 2 ) لفظ : به ، لم يرد في ل . ( 3 ) ل . س . ط :
أظهر من الرجال .
( 4 ) س . ط : من ستر ولده وأخفى شخصه . ( 5 ) ل . س . ط : بنسب . ( 6
) س . ط : نسب . ( * )
|
|
|
به من بعد عليه باقراره به على الستر ( 1 ) لذلك والوصية
بكتمانه ، أو بالفراش الموجب لحكم الشريعة إلحاق الولد بوالده .
فصل :
وقد أجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة أبي ( 2 ) ابراهيم الخليل
عليه السلام وأمه لذلك ، وتدبيرهم في إخفاء أمره عن ( 3 ) ملك زمانه لخوفهم
عليه منه ( 4 ) .
وبستر ( 5 ) ولادة موسى بن عمران عليه السلام ، وبمجئ القران بشرح ( 6 ) ذلك
على البيان ، والخبر بان أمه ألقته في اليم على ثقة منها بسلامته وعوده إليها ،
وكان ذلك منها بالوحي إليها به بتدبير الله جل وعلا ( 7 ) لمصالح العباد ( 8 )
.
فما الذي ينكر خصوم الامامية من قولهم في ستر الحسن عليه السلام ولادة ابنه
المهدي عن أهله وبني عمه وغيرهم من الناس ، وأسباب ذلك أظهر من أسباب ستر من
عددناه وسميناه ، وسنذكرها عند الحاجة إلى ذكرها من بعد إن شاء الله .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) ع : السر . ( 2 ) لفظ : أبي ، لم يرد في ل . ( 3 ) س . ط : من .
( 4 ) تاريخ الطبري 1 : 234 ،
كمال الدين 1 : 138 رقم 1 ،
قصص الانبياء : 103 .
( 5 ) س . ط : وستر . ( 6 ) ل : ومجئ القرآن بشرح . ( 7 ) ل . ط : عز
وجل .
( 8 ) راجع سورة القصص 28 : 7 - 13 ،
وسورة
طه 20 : 38 - 40 .
وللتفصل راجع : كمال الدين 1 : 147 رقم
13 ،
قصص الانبياء : 148 - 150 . ( * )
|
|
|
والخبر بصحة ولد الحسن عليه السلام قد ثبت باوكد ما تثبت ( 1
) به أنساب الجمهور من الناس ، إذ كان النسب يثبت : بقول القابلة ، ومثلها من
النساء اللاتي جرت عادتهن بحضور ولادة النساء وتولي معونتهم ( 2 ) عليه ،
وباعراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه ، وبشهادة رجلين من المسلمين على
إقرار الاب بنسب الابن منه .
وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه
عن الحسن بن علي ( 3 ) عليهما السلام : أنه اعترف بولده المهدي عليه السلام ،
وآذنهم بوجوده ، ونص لهم على إمامته من بعده ، وبمشاهدة بعضهم له طفلا ،
وبعضهم له يافعا وشابا كاملا ، وإخراجهم إلى شيعته بعد ابيه
الاوامر والنواهي والاجوبة عن المسائل ، وتسليمهم له حقوق الائمة من أصحابه .
وقد ذكرت اسماء جماعة ممن وصفت حالهم من ثقات الحسن بن علي عليهما السلام
وخاصته المعروفين بخدمته والتحقيق به ، وأثبت ما رووه عنه في وجود ولده
ومشاهدتهم من بعده وسماعهم ( 4 ) النص بالامامة عليه . وذلك موجود في مواضع من
كتبي ، وخاصة في كتابي المعررف أحدهما :
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) ع : ما ثبت . ( 2 ) س . ط : معونتهن . ( 3 ) ر . س . ع : عن
الحسن بن محمد بن علي . وهو سهو .
( 4 ) ل . ع . ر : ومشاهدتهم من بعد لمن سماتهم ، والظاهر أن لفظة
لمروياتهم هي المقصودة من لمن سماتهم ، والمثبت من س . ط .
|
|
|
بـ الارشاد في معرفة حجج ( 1 ) الله على العباد ( 2 ) ،
والثاني : بـ الايضاح ( 3 ) في الامامة والغيبة ( 4 ) .
ووجود ذلك فيما ذكرت يغني عن تكلف ( 5 ) إثباته في هذا الكتاب
.
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) لفظ : حجج ، اثبتناه من س ، ولم يرد في بقية النسخ .
( 2 ) الارشاد : 350 ، باب ذكر من رأى
الامام الثاني عشر . وكتاب الارشاد في معرفة حجج الله على العباد ، فيه تواريخ
الائمة الطاهرين الاثني عشر عليهم السلام ، والنصوص عليهم ، ومعجزاتهم ، وطرف
من أخبارهم من ولادتهم ووفياتهم ومدة اعمارهم وعدة من خواص أصحابهم وغير ذلك .
طبع في إيران مكررا ، وطبعت ترجمته الفارسية الموسومة بتحفه سليمانية .
نسخة منه في المكتبة العامة لاية المرعشي رقم 1144 كتبت سنة 565 ،
وأخرى في المجلس النيابي كتبت سنة 575 رقم 14302 ، واخرى في مكتبة آية الله
الكلبايكاني من القرن السابع والثامن . النجاشي :
399 ،
الذريعة 1 : 509 - 510 رقم 2506 ، ومعلومات أخرى
متفرقة .
( 3 ) ع . ل . ط : الايضاح .
( 4 ) بدأ فيه برد شبهات العامة وأدلتهم على إثبات الخلافة ، ثم ذكر
أدلة إمامة المعصومين عليهم السلام ، له نسخة في مكتبة السيد راجه محمد مهدي في
ضلع فيض اباد الهند . وما ربما يتوهم من كونه متحدا مع الافصاح فهو بعيد جدا ،
لان ما احال عليه في هذا الكتاب في عدة موارد غير موجود في الافصاح ، وصرح
النجاشي بتعددها . راجع :
النجاشي : 399 ، الذريعة
2 : 490 رقم 1925 .
( 5 ) س . ط : تكليف . ( * )
|
|
|
|