- شرح المنام - الشيخ المفيد ص 1 : - |
شرح المنام
تأليف الشيخ المفيد
بسم الله الرحمن الرحيم
مهما يكن ما ورد في " المنام " من أحاديث ، تدل على أن منها
ما هو صحيح وصادق ، بل - كما ورد في بعض الاخبار - منها ما هو جزء من أجزاء
النبوة ، فإن المنامات ليست في أنفسها حجة معتمدة في شئ من العلوم .
إلا أن المضامين التي تحتويها الاحلام قد تكون مفصلة واضحة
ومتقنة دقيقة ، بحيث تشكل بنفسها دليلا مقنعا . وقد تكون الاحلام ناشئة من
انعكاس الجهود التي يزاولها الانسان في اليقظة ، أو الافكار التي يرتبها ،
فتكون الاحلام متشكلة من تلك
الافكار بشكل منظم ومرتب وجامع ، لا يشذ منها شئ . فمن الواضح
- حينئذ - أن مثل هذه المنامات لا يمكن رده ولا دفعه لمجرد كونه مناما ، بل لا
بد من اعتبار محتواه على أساس كماله وصحته أو عدم وضوحه وترابطه ، بقطع النظر
عن حصوله في المنام .
ولا يرتاب قارئ هذا الكتاب ، في أن ما رأه الشيخ المفيد في المنام ، من هذا
القبيل ، حيث نجد فيه بحثا علميا شيقا ، متكامل المقدمات ، حكاه الشيخ على انه
وقع له حالة المنام .
والمسألة تبحث عن دلالة " آية الغار "
على ما يدعيه العامة من فضل أبي بكر ابن ابي قحافة ، حيث كان مع النبي صلى الله
عليه وآله وسلم في الغار ، عند نزول تلك الآية .
وقد فصل الشيخ المفيد أوجه الاستدلال الذي ذكروها على مرادهم ، ثم بدأ يردها
واحدا واحدا .
وهذا المنام يدل على اختزان محتواه في ذهن الشيخ المفيد ،
وتركزه فيه بحيث لم يفارقه في يقظه ولا منام كما انه يحتوى على ما هو لازم من
عناصر القوة في الاستدلال ، و ضرورات إكمال البحث من النقوض والاجوبة ،
والشواهد القرآنية
والحديثية و حتى الاستشهاد بالشعر على إثبات المعاني اللغوية
، بما يقضي بالعجب ، ولا تبقى معه حاجة إلى البحث عن حجية الرؤيا ! ونحمد الله
على توفيقه .
وكتب السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
شرح المنام
تأليف الامام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان
ابن المعلم ابي عبد الله العكبري البغدادي ( 336 - 413 ه )
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر ، روى الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن بنان ( 1 ) ، أن
الشيخ المفيد
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) وروى الشيخ أبو منصور أحمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي في كتاب
الاحتجاج 2 : 499 الحديث عن الشيخ أبي
علي الحسن بن محمد الرقي ، اخبر به بالرملة في شوال من سنة ثلاث وعشرين
وأربعمائة عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله أنه
قال : رأيت في المنام سنة من السنن كأني قد أجتزت . الى آخره وسوف نرمز الى
موارد اختلاف روايته بالحرف " ج " .
وعنوان ابو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي في كنزه 2 : 48 الخبر
المذكور قائلا : منام ذكر أن الشيخ المفيد أبا عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان رضي الله عنه رآه وأملاه على أصحابه " . بلغ ان شيخنا المفيد رضوان
الله عليه قال : رأيت في النوم . إلى آخره .
وسوف نرمز إلى موارد الاختلاف أيضا بالحرف " ك " . وذكر ابن عبد ربه
الاندلسي في العقد الفريد 5 : 355 - 356 نحو ما
سيأتي في احتجاج المأمون على الفقهاء في فضل علي عليه السلام فلاحظ . ( * ) -
|
|
|
رضي الله عنه قال : رأيت في النوم ( 1 ) كأني قد اجتزت في بعض
الطرق ، فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير . فقلت : ما هذا ؟ قالوا ( 2 ) : هذه
حلقة فيها رجل يقص . فقلت : من هو ؟ قالوا : عمر بن الخطاب . ففرقت ( 3 ) الناس
، ودخلت
الحلقة ، فإذا برجل يتكلم على الناس بشئ لم احصله ، فقطعت
عليه الكلام ( 4 ) ، وقلت : أيها الشيخ أخبرني ( 5 ) ، ما وجه الدلالة على فضل
صاحبك أبي بكر ( 6 ) عتيق بن أبي قحافة في قول الله تعالى :
( ثاني اثنين إذ هما في الغار ) ( 7 ) ؟ . فقال : وجه الدلالة على فضل
أبي بكر من هذه ( 8 ) في ستة مواضع :
الاول : أن الله تعالى ذكر
النبي ( 9 ) صلى الله عليه وآله ، وذكر
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) في " ج " المنام سنة من السنين . ( 2 ) في " ك " فقيل لي . ( 3 )
في " ك " فتقدمت ففرقت . ( 4 ) زيادة من " ج " . ( 5 ) زيادة من " ك وج " . ( 6
) ما بين المعقوفين ليس في " ك " . ( 7 )
التوبة : 41 . ( 8 ) في " ج " هذه الآية
. ( 9 ) في " ك " نبيه . ( * )
|
|
|
أبا بكر ( 1 ) ، فجعله ثانيه ، فقال : " ثاني اثنين " .
الثاني : أنه وصفهما بالاجتماع
في مكان واحد لتأليفه ( 2 ) بينهما ، فقال : " إذ هما في الغار " .
الثالث : أنه أضافه إليه بذكر
الصحبة ، ليجمع بينهما فيما يقتضي الرتبة ، فقال : " إذ يقول لصاحبه " .
الرابع : أنه أخبر عن شفقة
النبي صلى الله عليه وآله عليه ( 3 ) ، ورفقه . به ، لموضعه عنده ، فقال : " لا
تحزن " .
الخامس : أنه ( 4 ) أخبره أن
الله معهما على حد سواء ، ناصرا لهما ، ودافعا عنهما ، فقال : " ان الله معنا "
.
السادس : أنه أخبر عن نزول
السكينة على أبي بكر ، لان الرسول لم تفارقه السكينة تط ، فقال : " فانزل الله
سكينته عليه " .
فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار ، لا يمكنك
ولا لغيرك الطعن فيها . فقلت له : لقد [ حررت كلامك ] ( 5 ) [ هذا ،
واستقصيت البيان فيه ، وأتيت بما لا يقدر أحد أن يزيد عليه ] ( 6 ) في الاحتجاج
( 7 ) ، غير أني بعون الله وتوفيقه ، سأجعل ما أتيت به كرماد إشتدت به الريح في
يوم
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) في " ك " أبا بكر معه . ( 2 ) في " ك " تأليفا . ( 3 ) زيادة من
" ك وج " . ( 4 ) في " ك " اعلامه أنه .
( 5 ) في " ج " حبرت بكلامك . ( 6 ) ما بين المعقوفين ساقط من " ج " .
( 7 ) في " ك وج " الاحتجاج لصاحبك عليه . ( * )
|
|
|
عاصف .
أما قولك : أن الله تعالى ذكره
وذكر النبي صلى الله عليه وآله وجعل أبا بكر ثانيه ( 1 ) ، فهو اخبار عن العدد
، ولعمري لقد كانا إثنين ، [ فما في ذلك من الفضل ؟ ] ، ( 2 ) ، ونحن نعلم
ضرورة أن مؤمنا وكافرا إثنان ، [ كما نعلم أن مؤمنا ومؤمنا اثنان ] ( 3 ) ، فما
أرى لك في ذكر العدد طائلا [ تعتد به ] ( 4 ) .
وأما قولك : أنه وصفهما بالاجتماع في المكان ،
فانه كالاول ، لان المكان [ يجمع المؤمنين والكفار ] ( 5 ) ، وأيضا فان مسجد
النبي صلى الله عليه وآله أشرف من الغار ، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار
، وفي ذلك قول الله تعالى : ( فما للذين كفررا قبلك
مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين ) ( 6 ) .
وأيضا فان سفينة نوح قد جمعت النبي ، والشيطان ، والبهيمة ، [ والانسان ( 7 ) .
فالمكان ] ( 8 ) لا يدل على ما ادعيت ( 9 ) من الفضيلة ( 10 ) فبطل فضلان .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) في " ك " ثانيه فليس في ذلك فضيلة . ( 2 ) ليس في " ك " . ( 3 )
زيادة من " ك وج " . ( 4 ) في " ك وج " تعتمده .
( 5 ) في " ك " يجتمع فيه المؤمنون والكفار ، كما يجتمع العدد للمؤمنين
والكفار .
وفي " ج " يجمع المؤمن والكافر كما يجمع العدد المؤمنين والكفار .
( 6 ) المعارج : 37 . ( 7 ) في " ج "
الكلب . ( 8 ) في " ك " فبان لك أن الاجتماع بالمكان .
( 9 ) في " ج " أوجبت . ( 10 ) في " ك " الفضل . ( * )
|
|
|
وأما قولك : أنه أضافه إليه
بذكر الصحبة ، فانه أضعف من الفضلين الاولين ، لان الصحبة تجمع المؤمن والكافر
، والدليل على ذلك قول الله عزوجل : ( إذ قال لصاحبه وهو
يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ، ثم من نطفة ، ثم سواك رجلا " ( 1 ) .
وأيضا فان اسم الصحبة يقع ( 2 ) بين العاقل ولين البهيمة ، والدليل على ذلك من
كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم ، فقال الله تعالى :
( وما ارسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) ( 3 ) وقد سموا الحمار صاحبا
فقالوا :
ان الحمار مع الحمار مطية * فإذا خلوت
به فبئس الصاحب ( 4 )
وأيضا فقد سموا السيف ( 5 ) صاحبا ، [ فقالوا في ذلك ] ( 6 )
جاورت هندا وذاك اجتنابي
( 7 ) ومعي صاحب كتوم اللسان
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) الكهف : 35 . ( 2 ) في " ك " تكون
. وفي " ج " تطلق . ( 3 ) ابراهيم : 4 .
( 4 ) البيت من قصيدة قالها . هكذا في " الاصل " . 51 ) في " ك وج "
الجماد مع الحي .
( 6 ) في " ك " قال الشاعر ، وفي " ج " قالو ذلك في السيف شعرا . ( 7 )
في " ك وج " زرت . ( * )
|
|
|
يعني السيف . فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر ،
وبين العاقل وبين ( 1 ) البهيمة ، وبين الحيوان والجماد ، فأي حجة لصاحبك ؟ !
وأما قولك : أنه قال " لا تحزن " فانه ( 2 ) وبال
عليه ، ومنقصة ( 3 ) ودليل على خطئه ، لان قوله : " لا تحزن " نهي ، وصورة
النهي قول القائل : ( لا تفعل ) . فلا يخلو [ أن يكون ] ( 4 ) الحزن وقع ( 5 )
من أبى بكر [ على أحد وجهين :
إما ] ( 6 ) طاعة أو معصية ، فان كان طاعة فالنبي لا ينهى [
عنها ، فدل على أنه ] ( 7 ) معصية . [ فان انتهى وإلا فقد شهدت الآية بعصيانه
بدليل أنه نهاه ] ( 8 ) .
وأما قولك أنه قال له : (
ان الله معنا ) فان النبي صلى الله عليه وآله أخبر ( 9 ) أن الله معه
خاصة ، وعبر عن نفسه بلفظ الجبع [ فقال : " معنا " كما عبر الله تعالى عن نفسه
بلفظ الجمع ] ( 10 ) فقال : ( إنا نحن نزلنا الذكر
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) ليس في " ك وج " . ( 2 ) في " ك " فان ذلك . ( 3 ) في " ك وج "
منقصة له . ( 4 ) ما بين المعقوفين ليس في " ك " .
( 5 ) في " ك " الواقع . ( 6 ) في " ك " من ان يكون . ( 7 ) في " ك وج
" عن الطاعات ، بل يأمر بها ويدعو إليها ، وإن كان .
( 8 ) في " ك " فقد صح وقوعها منه ، وتوجه النهي عنها وشهدت الآيات أنه
ولم يرد دليلا على امتثاله للنهي وانزجاره . وفي " ج " فقد نهاه النبي صلى الله
عليه وآله عنها ، وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنه نهاه .
( 9 ) في " ك " اعلمه . ( 10 ) ما بين المعقوفين ليس في " ك وج " . ( *
)
|
|
|
وانا له لحافظون " ( 1 ) . وقد
قيل [ أيضا في هذا ] ( 2 ) : أن أبا بكر قال : يارسول الله حزني على اخيك علي
بن أبي طالب ما كان منه . فقال له النبي : ( لا تحزن ان
الله معنا ) . أي : معي ومع أخي علي ابن أبي طالب .
وأما قولك أن السكينة نزلت على أبي بكر فانه [
كفر بحت ] ( 3 ) ، لان الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيده بالجنود كذا يشهد
ظاهر القرآن في قوله تعالى : ( فانزل سكينته عليه وايده
بجنود لم تروها ) ( 4 ) فان ( 5 ) كان ابو بكر هو صاحب
السكينه فهو ( 6 ) صاحب الجنود ، وهذا ( 7 ) إخراج النبي عليه
السلام من النبوة ، على أن هذا الموضع لو كتمته على صاحبك كان خيرا له ، لان
الله تعالى أنزل السكينة على النبي عليه السلام في موضعين ، وكان معه قوم
مؤمنون ، فشركهم فيها ، فقال في موضع ( 8 ) : ( ثم أنزل
سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها ) ( 9 ) .
[ وفي موضع آخر ] ( 10 ) : ( فانزل
الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى " ( 11 ) .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) الحجر : 9 . ( 2 ) ليس في " ك " . ( 3 ) في " ج " فانه ترك
للظاهر . وفي " ك " كفر . ( 4 ) التوبة : 41 .
( 5 ) في " ك " فلو . ( 6 ) في " ك " لكان هو . ( 7 ) في " ك وج " وفي
هذا . ( 8 ) في " ك " أحدهما . وفي " ج " أحد الموضعين .
( 9 ) التوبة : 27 . ( 10 ) في " ك وج "
وقال في الموضع الآخر . ( 11 ) الفتح : 26 . ( *
)
|
|
|
ولما كان في [ هذا اليوم ] ( 1 ) خصه وحده بالسكينة ، فقال :
( فانزل سكينته عليه ) . فلو كان معه في الموضع مؤمن لشركه معه في السكينة ،
كما شركه من قبله ( 2 ) من المؤمنين ، فدل باخراجه ( 3 ) من السكينة على خروجه
من الايمان.
[ قال الشيخ المفيد رحمه الله ] ( 4 ) فلم يحر [
عمر بن الخطاب ] ( 5 ) جوابا ، وتفرق الناس ، واستيقظت ( 6 ) .
تم المنام ولله الحمد والمنة ، وصلى الله على سيدنا محمد
النبي وآله .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) في " ك " يوم الغار ، وفي " ج " هذا الموضع . ( 2 ) في " ك " كان
معه . وفي " ج " كما شرك من ذكرنا قبل هذا .
( 3 ) في " ك وج " اخراجه . ( 4 ) ما بين المعقوفين زيادة من " ك " . (
5 ) ما بين المعقوفين زيادة من " ك " .
( 6 ) في " ج " واستيقظت من نومي . ( * )
|
|
|
|