عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- أقسام المولى - الشيخ المفيد ص 1 : -

أقسام المولى في اللسان
تأليف الامام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان
ابن المعلم ابي عبد الله العكبري البغدادي ( 336 - 413 ه‍ )
تحقيق الشيخ مهدي نجف

 

- ص 3 -

بسم الله الرحمن الرحيم

فيما يستدل به الامامية من شيعة أهل البيت عليهم السلام على حق علي أمير المؤمنين عليه السلام بالامامة والخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل هو حديث " من كنت مولاه فهذا علي مولاة " .


وقد اشبعوا البحث عن هذا الحديث من حيث السند والتوثيق ، والمتن والدلالة ، في مؤلفات كثيرة تبلغ المئات ، قديما وحديثا .

 

أما من حيث السند : فقد أجمعت الامة الاسلامية على قبول الحديث و صحة روايته وتناقلوا خبره مسلمين بتواتره ، وقد ذكره الكتاني في ( نظم المتناثر من الحديث المتواتر ) من طريق خمسة وعشرين صحابيا ، وقال : وفي رواية لاحمد : أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثون صحابيا ، و شهدوا به لعلي عليه السلام لما نوزع أيام خلافته .


وممن صرح بتواتره - أيضا - المناوي في ( التيسير ) نقلا عن السيوطي و شارح ( المواهب اللدنية ) وقال الحافظ ابن حجر : هو كثير الطرق جدا ، وقد

- ص 4 -

استوعبها ابن عقدة في مؤلف مفرد ، وأكثر أسانيده صحيح أو حسن .
 

وقد استدل الشيعة بلفظ " المولى " على الامامة ، حيث يراد بها الاولى بالتصرف والطاعة ، لكن المخالفين حاولوا تأويل " المولى " باعتبار اطلاقها على معان اخر ، وزعموا أن الكلمة مشتركة بين تلك المعاني .
 

وقد رد الباحثون هذا التأويل بشواهد من اللغة ، ومنهم الشيخ المفيد في هذه الرسالة : " أقسام المولى في اللسان " .
 

وقد انتهج الشيخ في هذا الكتاب منهجا يتسم بالانصاف والدقة ، و أبدى خبرة أدبية رائعة ، وقدرة لغوية فائقة .
 

فهو أولا ، ذكر المعاني التي ذكرت لكلمة المولى وهي عشرة : الاولى بالتصرف ، مالك الرق ، العبد المعتق ، المالك المعتق ، ابن العم ، الناصر ، المتولي للجريرة ، الحليف ، الجار ، السيد المطاع .


ثم أكد على أن المعنى الاول ، هو الموضوع له ، وأن سائر المعاني ترجع بشكل أو بآخر ، إليه ، لان الاول هو الاصل والعماد واليه ترجع المعاني إذا تؤمل المعنى فيها .


واستدل بتفصيل هذا الرجوع ، في كل واحد من تلك المعاني ، واستنتج من هذا أن المعنى الحقيقي الذي وضعت له الكلمة هو المعنى الاول ، وليست سائر المعاني إلا مجازات ، تلاحظ فيها المناسبة للمعنى الاول .


ومن هنا ، فان اولئك الذين انكروا استعمال كلمة المولى بمعنى الاولى ، إنما حملهم الجهل باللغة ، والنصب والعداء لاهل البيت عليهم السلام على هذا الانكار ، وكذلك الذين جعلوا معنى " الاولى " معنى مجازيا للكلمة .


وأما حديث النبي صلى الله عليه وآله : " من كنت مولاه فعلي مولاه "

- ص 5 -

المتواتر ، فقد احتوى على قرائن داخلية وخارجية تعين المعنى الاول ، الذي هو الاصل في اللغة أيضا .


فذكر الشيخ : أن ما جاء في لفظ الحديث من تفريع قوله صلى الله عليه وآله : " فعلي مولاه " بحرف ( الفاء ) العاطفة ، التي لا يبتدأ بها الكلام ، يقتضي تفريع هذا على ما جاء في صدر الحديث الذي قرر فيه النبي صلى الله عليه وآله ولاية نفسه بقوله " من كنت مولاه . . . " الذي يراد به أولويته على الناس وفرض طاعته وإمامته عليهم ، بلا ريب .


واستند الشيخ في دعم كلامه هذا إلى ما ثبت من حكمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مشيه على عرف أهل اللسان في التعبير والتخاطب عند إرادته البيان ، فقال : إذ لو لم يرد ذلك ، وأراد ما عداه ، لكان مستأنفا لمقال لا تعلق له بالمتقدم ، جاعلا لحرف العطف ( الفاء ) حرف الاستيناف ، وهذا لا يقع إلا من أحد نفسين :

 1 - جاهل باللغة والكلام .

 2 - قاصد إلى التعمية والالغاز .

ورسول الله صلى الله عليه وآله يجل عن الوصفين ، وينزه عن النقص في الصفات .

وخلاصة مراد الشيخ : أن الكلام إنما يلقى بغرض التفهيم والتفاهم بين الناس ، والعارف باللغة إنما يريد ما هو الظاهر منه ، وإلا لنصب قرينة على إرادته غير الظاهر ، ومع عدم نصبها فالكلام يحمل على ظاهره ، وما هو الاصل فيه ، و دعوى

عدم إرادة الظاهر ولو مع عدم نصب القرينة على غير الظاهر ، لا تصدر الا ممن يجهل بأصل اللغة ، وبأساليب التعبير المتعارفة عند البشر ، أو يكون ذلك
 

- ص 6 -

أمرا متعمدا يريد المتكلم به الالغاز في كلامه وعدم إيضاحه والتعمية لمعناه و مراده والنبي صلى الله عليه وآله أفصح من نطق بالعربية فيجل عن الاول ، كما أنه صلى الله عليه وآله يجل عن الثاني ، لانه ليس من شأنه ، إذ هو المبعوث للارشاد ،

وخاصة في مثل هذا الحديث " من كنت مولاه فعلي مولاه " الذي ألقاه على جموع حاشده من صحابته الذين رجعوا معه من حجة الوداع ، فجمعهم في قلب الصحراء القاحلة ، في " غدير خم " وخطب فيهم خطبة طويلة غراء مهمة .


فإذا كان الاصل الحقيقي لكلمة المولى هو " الاولى بالتصرف " ولم ينصب النبي صلى الله عليه وآله قرينة على إرادة غيره ، بل القرينة الداخلية - من داخل الحديث - تقتضي إرادة ذلك المعنى الاصلي ، فهو المراد له ، لا غيره .

خاصة أن أي واحد من المعاني الاخر المستعمل فيها المولى لا تناسب بوجه مقام كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

وقد بين الشيخ المفيد بتفصيل عدم مناسبة تلك المعاني للحديث وبما أن كلامه صلى الله عليه وآله لا يخلو من مراد ، فلم يبق إلا أنه أراد بقوله : " من كنت مولاه فعلي مولاه " الولاية والامامة وفرض الطاعة .


وأما القرينة الخارجية على مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فهي ما عرضه الثميخ المفيد من أقوال الشعراء والبلغاء من أهل اللغة و الذين تقوم بهم أعمدة اللسان العربي ، مثل :

 1 - حسان بن ثابت ، شاعر النبي ، الذي أعلن في شعره ، في نفس يوم الغدير ، وبمحضر النبي صلى الله عليه وآله ، فدل على إمامة الامام علي عليه السلام ناظما لقول الرسول فيه بقوله :
 

- ص 7 -

فقال له قم يا علي فانني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه * وكونوا له أنصار صدق مواليا

وبما أن النبي صلى الله عليه وآله مدحه على الشعر بقوله : " لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ، ما نصرتنا بلسانك " ولم ينكر عليه ذلك ، فهو دليل واضح على أن ما فهمه حسان هو مراد النبي صلى الله عليه وآله وتقرير النبي من سنته صلى الله عليه وآله .


 2 - قيس بن سعد بن عبادة ، سيد النقباء من الانصار ، حيث قال بمحضر الامام أمير المؤمنين عليه السلام في شعره :

وعلي إمامنا وإمام * لسوانا أتى به التنزيل
يوم قال النبي من كنت مولا * ه فهذا مولاه خطب جليل

وقيس من فصحاء العرب ، لا يتعدى معانيها المرادة ، مع أن سكوت أمير المؤمنين عليه السلام عنه ، إقرار له .
 

 3 - أمير المؤمنين عليه السلام حيث احتج في شعر منقول عنه :

وأوجب لي ولايته عليكم * رسول الله يوم غدير خم

 4 - الاخطل حيث استعمل كلمة المولى في معنى الامامة في شعر له يمدح فيه عبد الملك بن مروان الاموي ، مقتصرا على لفظة " مولى " لافادة ذلك مما يدل بوضوح على معرفة الناس بهذه الدلالة .


والاخطل - كما يقول الشيخ - رجل نصراني ، لا يتحيز إلى فرقة من فرق الاسلام ولايتهم بالعصبية للشيعة ولا يطعن عليه في العلم باللسان .


 5 - الكميت بن زيد الاسدي في قوله من القصيدة العينية :

ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو اطيعا

- ص 8 -

وقد كان الكميت حجة في اللغة ، وقال فيه ابن الاعرابي ، كان أعرف الناس بلغات العرب وأشعارها .
 

وكان حديث الغدير " من كنت مولاه . . . " من اوكد ما دعاه إلى الاعتقاد بالتشيع والقول بالنص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام . إن استدلال هؤلاء الشعراء بكلمة " المولى " الواردة في الحديث على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام لهو دليل واضح على وضعها اللغوي ، وعلى إرادة النبي صلى الله عليه وآله لها منه ، بلا أدنى ريب .


إن ما تضمنته هذه الرسالة من معلومات هامة عن فكر الشيخ المفيد ، و منهجه في التعامل مع اللغة ، تجعلها في المستوى الرفيع من كتب التراث ، فقد أوقفتنا على :

 1 - المعالجة اللغوية ، ودلالة الالفاظ على المرادات : لقد أوقفنا الشيخ على أوضح الطرق المنطقية للاستدلال بالالفاظ ، وكشف المرادات منها ، تلك التي قررتها اصول الدلالة في مباحث الالفاظ من علوم المنطق والاصول واللغة ، بالاعتماد على الوضع ، ثم القرائن الداخلية والمناسبات ، و قرائن الحكمة ، ثم القرائن الخارجية .


 2 - التزامه بارتفاع التقية في زمن الامام أمير المؤمنين عليه السلام لقوله : و أمير المؤمنين عليه السلام من لا يقر على باطل ، ولا يمسك عن الانكار ، لاسيما مع ارتفاع التقية عنه ، وتمكنه من الانكار .


 3 - التزامه بأن الشاعر الفصيح لا يجوز عليه أن يعبر بما يخالف اللغة ، لا سيما في النظم الذي يعتمد فيه الفصاحة والبيان


 4 - نسبته بعض الشعر إلى أمير المؤمنين عليه السلام اعتمادا على " المنقول

- ص 9 -

عنه في الظاهر والانتشار " .

 5 - الاستدلال على معاني الالفاظ اللغوية اعتمادا على " أهل الخبرة " من دون اعتبار الايمان ، بل الاسلام ، كما استند إلى شعر الاخطل .

 6 - التزامه بانفتاح باب العلم باللغة ، بالاعتماد على أهلها المعترف بحجية كلامهم فيه من امثال الكميت ، ودفع ما اثير حوله من شبهة المذهب ، فقال : لو لم يكن الحجة فيه ، كسائر الشعراء ، فإنه لا حجة فيها على حال ، ولو جاز هذا الاحتمال

على الكميت لجاز على غيره من الشعراء الكبار ، كجرير ، والفرزدق ، والاخطل ، بل على لبيد ، وزهير ، وامرئ القيس ، حتى لا يصح الاستشهاد بشئ من أشعارهم على غريب القرآن ، ولا على لغة ، ولا على إعراب .

ثم قال : وهذا قول ، من صار إليه ظهر جهله عند العقلاء ! أقول : لانه يؤدي إلى سد باب اللغة ، وبالنتيجة إلى انقطاع الصلة بالتراث ، وفي ذلك وأد الحضارة ! وقد انتهى الشيخ المفيد من هذه الرسالة وقد سد بها - على صغرها - كل ثغرات

الاستدلال بالحديث على الامامة ، وأحكم طرق الاستدلال وسدد القرائن الدالة على المراد ، ونفي احتمال غيره من المعاني المستعمل فيها اللفظ ، بما لم يبق فيه مجال لمقال . والحمد لله على كل حال .
 

وكتب اليد محمد رضا الحسيني الجلالي