عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- أقسام المولى - الشيخ المفيد ص 31 : -

باب طرف من الاستدلال على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بما استفاض عن
النبي صلى الله عليه وآله في يوم الغدير من المقال


قد أجمع حملة الاخبار ، واتفق نقلة الآثار ، على أن النبي صلى الله عليه وآله جمع الناس بغدير خم ، عند مرجعه من حجة الوداع ، ثم واجه جماعتهم بالخطاب فقال : " ألست أولى بكم منكم ؟ - فلما أذعنوا له بالاقرار قال لهم على النسق من غير فصل في الكلام - : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، أللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله " ( 1 ) .

فقررهم صلى الله عليه وآله على فرض طاعته عليهم بصريح الكلام ، ثم عطف على اللفظ الخاص بما ينطوي على معناه ، وجاء فيه

  * هامش *  
 

( 1 ) كفانا مؤنة البحث واستقصاء الطرق والاسانيد لهذا الحديث الذي تواتر عن مآت الصحابة والتابعين ما حكاه الخوارزمي في مناقبه : 94 ، لفظه : " ينادي رسول الله بأعلى صوته "

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرته لفظه : " كان معه صلى الله عليه وآله من الصحابة ومن الاعراب وممن يسكن حول مكة والمدينة مائة وعشرون ألفا ، وهم الذين سهدوا معه حجة الوداع ، وسمعوا منه هذه المقالة " . وقد اشار إلى جل هذه الطرق والاسانيد العلامة البحاثة المحقق المرحوم الشيخ عبد الحسين الاميني قدس سره في كتابه الشهير " الغدير " فلاحظ . ( * )

 

 

- ص 32 -

بحرف العطف من " الفاء " التي لا يبتدأ بها الكلام ، فدل على أنه الاولى دون ما سواه ، لما ثبت من حكمته عليه وآله السلام وأراد به البيان ، إذ لو لم يرد ذلك وأراد ما عداه ، لكان مستأنفا لمقال لا تعلق له بالمتقدم جاعلا لحرف العطف حرف الاستيناف وهذا ما لا يقع الا من أحد نفسين :

أحدهما : جاهل باللغة والكلام

والآخر : قاصد إلى التعمية والالغاز .

ورسول الله صلى الله عليه وآله يجل عن الوصفين ، وينزه عن النقص في الصفات .

وشئ آخر : لا يخلو رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يلفظ به من عبارة " مولى " من وجهين لا ثالث لهما على البيان : اما أن يكون مراده فيه المعنى الذي قرر به الانام ، من فرض الطاعة على ما ذكرناه . أو يكون أراد غيره من الاقسام .

فان كان مراده من ذلك فرض طاعته على الانام ، فهو الذي نذهب إليه وقد صحت الامامة لامير المؤمنين عليه السلام . وان كان مراده سواه من الاقسام ، فقد عبر عن مراده بكلام يحتمل خلاف ما أراد ، وليس في العقل دليل على ما أراد ، وهذا ما

لا يقع إلا من جاهل ناقص عاجز عن البيان ، أو متعمد لاضلال المخاطبين عن الغرض ، وعدوله عن الافهام . وقد أجل الله نبيه عن هذين القسمين وأشباههما من النقص عن الكمال . وشئ آخر وهو : إذا كان لفظ " مولى " ينقسم على عشرة أقسام ،

ثم اعتبرنا ثمانية منها ، فاخرج لنا الاعتبار أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقصد إلى شئ منها ، ولم يرده على وجه من الوجوه ، ولا سبب من الاسباب ، ثبت

- ص 33 -

أنه عليه وآله السلام أراد الخارج عنها من الاقسام ، أو بعضه كائنا ما كان ، لا محالة ، إذ كان لا يخلو كلامه صلى الله عليه وآله من مراد ، وهذا مما لا شك فيه ولا ارتياب .


فنظرنا في القسم الذي يلي الاول على ما رتبناه ، وهو " مالك الرق " فوجدناه مما لا يجوز ان يقصده النبي عليه وآله السلام ، لانه لم يكن علي مالكا لرق كل من ملك النبي صلى الله عليه وآله رقه ، فيكون بذلك مولى من كان مولاه .


ونظرنا في الذي يليه ، وهو " المعتق " ، وكان القول فيه كالقول في " مالك الرق " سواء ، لان أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن معتقا لكل من أعتقه النبي صلى الله عليه وآله من الرق ، فيكون لذلك مولاه .


ولا كان عليه السلام معتقا من رق ، ولا الرسول كذلك حاشاهما من ذلك .


ولم يجز أن يعنى من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه ، لان هذا لغو من الكلام مع معرفة الجميع بان عليا عليه السلام ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله ، وعلمهم يقينا بالاضطرار بأن ابن عم الرجل هو ابن عم جميع بني عمه على كل حال .


ولا يجوز أن يريد " الناصر " ، لان المسلمين كلهم أنصار من نصره النبي عليه وآله السلام ، فلا معنى لتخصيصه من الجماعة بما قد شاركته فيه على البيان ، لان هذا هو العبث في الفعل ، واللغو في الكلام .


ولم يكن كل من تولى النبي عليه وآله السلام تولى علما ، ولا يجوز أن يخبر بذلك كله لتنافي الكلام ، ولا يجب أن يكون قد أوجبه لامرين :

( الاول ) : أنه خاطب الكافة ، ولم يكونوا بأسرهم أولياء على معنى الاعتزاء إليه بضمان الجرائر ، واستحقاق الميراث .

- ص 34 -

( والثاني ) : للاتفاق على أن ذلك لم يكن واجبا في شئ من الازمان .


ولا يجوز أن يكون قصد معنى " الحليف " ، لانه لم يكن عليه السلام حليفا لجميع حلفاء النبي صلى الله عليه وآله .


ولا معنى لارادته بلفظ مولى " الجار " ، لانه قد كان معروفا عند جميع من عرف منزلة علي عليه السلام أنه جار من جاوره النبي عليه وآله السلام في الدار ، بحلوله معه في المكان ، ولا إذا افترقا بالاسفار ، ولم يجب أن يكون علي عليه السلام جارا لجيران النبي عليه وآله السلام ، وكان الخبر عن ذلك كذبا من الاخبار .


مع انه لو كان حقا لم يكن فيه فائدة توجب جمع الناس لها ، وتقريرهم على الطاعة وتعظيم الشأن . فلم يبق إلا أنه ( ما ) أراد بقوله : " من كنت مولاه فعلي مولاه " إلا الامامة التي يعبر عنها تارة بلفظ أولى ، ويعبر عنها بصريح فرض الطاعة ، فانه أحرى وهذا واضح البرهان .