بحرف العطف من " الفاء " التي لا يبتدأ بها الكلام ، فدل على
أنه الاولى دون ما سواه ، لما ثبت من حكمته عليه وآله السلام وأراد به البيان ،
إذ لو لم يرد ذلك وأراد ما عداه ، لكان مستأنفا لمقال لا تعلق له بالمتقدم
جاعلا لحرف العطف حرف الاستيناف وهذا ما لا يقع الا من أحد نفسين :
أحدهما : جاهل باللغة والكلام
والآخر : قاصد إلى التعمية
والالغاز .
ورسول الله صلى الله عليه وآله يجل عن الوصفين ، وينزه عن
النقص في الصفات .
وشئ آخر : لا يخلو رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يلفظ به
من عبارة " مولى " من وجهين لا ثالث لهما على البيان : اما أن يكون مراده فيه
المعنى الذي قرر به الانام ، من فرض الطاعة على ما ذكرناه . أو يكون أراد غيره
من الاقسام .
فان كان مراده من ذلك فرض طاعته على الانام ، فهو الذي نذهب
إليه وقد صحت الامامة لامير المؤمنين عليه السلام . وان كان مراده سواه من
الاقسام ، فقد عبر عن مراده بكلام يحتمل خلاف ما أراد ، وليس في العقل دليل على
ما أراد ، وهذا ما
لا يقع إلا من جاهل ناقص عاجز عن البيان ، أو متعمد لاضلال
المخاطبين عن الغرض ، وعدوله عن الافهام . وقد أجل الله نبيه عن هذين القسمين
وأشباههما من النقص عن الكمال . وشئ آخر وهو : إذا كان لفظ " مولى " ينقسم على
عشرة أقسام ،
ثم اعتبرنا ثمانية منها ، فاخرج لنا الاعتبار أن النبي صلى
الله عليه وآله لم يقصد إلى شئ منها ، ولم يرده على وجه من الوجوه ، ولا سبب من
الاسباب ، ثبت
أنه عليه وآله السلام أراد الخارج عنها من الاقسام ، أو بعضه
كائنا ما كان ، لا محالة ، إذ كان لا يخلو كلامه صلى الله عليه وآله من مراد ،
وهذا مما لا شك فيه ولا ارتياب .
فنظرنا في القسم الذي يلي الاول على ما رتبناه ، وهو " مالك الرق " فوجدناه مما
لا يجوز ان يقصده النبي عليه وآله السلام ، لانه لم يكن علي مالكا لرق كل من
ملك النبي صلى الله عليه وآله رقه ، فيكون بذلك مولى من كان مولاه .
ونظرنا في الذي يليه ، وهو " المعتق " ، وكان القول فيه كالقول في " مالك الرق
" سواء ، لان أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن معتقا لكل من أعتقه النبي صلى
الله عليه وآله من الرق ، فيكون لذلك مولاه .
ولا كان عليه السلام معتقا من رق ، ولا الرسول كذلك حاشاهما من ذلك .
ولم يجز أن يعنى من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه ، لان هذا لغو من الكلام مع معرفة
الجميع بان عليا عليه السلام ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله ، وعلمهم يقينا
بالاضطرار بأن ابن عم الرجل هو ابن عم جميع بني عمه على كل حال .
ولا يجوز أن يريد " الناصر " ، لان المسلمين كلهم أنصار من نصره النبي عليه
وآله السلام ، فلا معنى لتخصيصه من الجماعة بما قد شاركته فيه على البيان ، لان
هذا هو العبث في الفعل ، واللغو في الكلام .
ولم يكن كل من تولى النبي عليه وآله السلام تولى علما ، ولا يجوز أن يخبر بذلك
كله لتنافي الكلام ، ولا يجب أن يكون قد أوجبه لامرين :
( الاول ) : أنه خاطب الكافة ،
ولم يكونوا بأسرهم أولياء على معنى الاعتزاء إليه بضمان الجرائر ، واستحقاق
الميراث .
( والثاني ) : للاتفاق على أن
ذلك لم يكن واجبا في شئ من الازمان .
ولا يجوز أن يكون قصد معنى " الحليف " ، لانه لم يكن عليه السلام حليفا لجميع
حلفاء النبي صلى الله عليه وآله .
ولا معنى لارادته بلفظ مولى " الجار " ، لانه قد كان معروفا عند جميع من عرف
منزلة علي عليه السلام أنه جار من جاوره النبي عليه وآله السلام في الدار ،
بحلوله معه في المكان ، ولا إذا افترقا بالاسفار ، ولم يجب أن يكون علي عليه
السلام جارا لجيران النبي عليه وآله السلام ، وكان الخبر عن ذلك كذبا من
الاخبار .
مع انه لو كان حقا لم يكن فيه فائدة توجب جمع الناس لها ، وتقريرهم على الطاعة
وتعظيم الشأن . فلم يبق إلا أنه ( ما ) أراد بقوله : " من كنت مولاه فعلي مولاه
" إلا الامامة التي يعبر عنها تارة بلفظ أولى ، ويعبر عنها بصريح فرض الطاعة ،
فانه أحرى وهذا واضح البرهان .