- أقسام المولى - الشيخ المفيد ص 35 : - |
باب شواهد
الامامة من هذا المقال بشعر الفصحاء من الشعراء
ومما يدل عل ما ذكرناه ما تواترت به الاخبار أن حسان بن ثابت ( 1 ) شاعر رسول
الله صلى الله عليه وآله استأذن النبي عليه السلام في يوم الغدير أن يقول شعرا
في ذلك المقام ، فأذن له ، فأنشأ يقول :
يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع
بالرسول مناديا
فقال : ومن مولاكم ووليكم ؟ * فقالوا ، ولم يبدوا هناك التعاديا
الهك مولانا وأنت نبينا * فلن تجدن ( 2 ) هنالك
اليوم عاصيا ( 3 )
فقال له : قم يا علي فانني * رضيتك من بعدي اماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا
فقال له النبي صلى الله عليه وآله : " لا تزال يا حسان مؤيدا
بروح
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) أبو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر الانصاري من الشعراء
المخصرمين ، عاش في الجاهلية ستين سنة ، وفي الاسلام ستين سنة ، ومات في زمن
معاوية بن أبي سفيان ، وعمي في آخر عمره .
( 2 ) في نسخة " ب " تجدك .
( 3 ) في بعض المصادر الآتية الذكر : " الهك
مولانا وانت ولينا * وما لك منا في الولاية عاصيا " ( * )
|
|
|
القدس ما نصرتنا بلسانك " ( 1 ) .
فلولا أن النبي عليه وآله السلام أراد بما ذكره في ذلك المقام
النص على امامة أمير المؤمنين عليه السلام على حسب ما صرح به حسان في هذا
المقال ، لما دعا له النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالتأييد ، ومدحه من أجله
وأثنى عليه .
ولو كان عليه وآله السلام عنى غيره من أقسام المولى ، لانكر على حسان ولم يقره
على ما اعتقده فيه ، وبين له غلطه فيما حكاه ، لانه محال مع نصب الله تعالى
نبيه للبيان ، أن يشهد بصحة الباطل ، وهو على الضلال ان يمدح على الغلط من
الاعتقاد .
وفي شهادته عليه وآله السلام بصدق حسان فيما حكاه ، ونظمه
الكلام بمدحه عليه ، ودعائه له بالتأييد من أجله على ما بيناه ، دليل على صحة
ما ذكرناه ، وشاهد على أن المولى عبارة في اللغة عن " الامام " لفهم حسان
والجماعة ذلك منها بما شرحناه .
ومن ذلك ما تطابقت به الاخبار ، ونقله رواة السير والآثار ،
ودونه حملة العربية والاشعار ، من قول قيس بن سعد بن عبادة ( 2 ) ، سيد نقباء
رسول الله صلى الله عليه وآله من الانصار رحمه الله ، ومعه راية أمير المؤمنين
عليه السلام ، وهو بين يديه بصفين في قصيدته اللامية التي أولها :
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) تذكرة الخواص : 33 ، وكفاية
الطالب : 17 ، ومناقب أمير المؤمنين
للخوارزمي : 81 ، ومقتل الحسين للخوارزمي
أيضا : 47 ، وفرائد السمطين 1 : 61 .
( 2 ) قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الانصاري الخزرجي الساعدي
يكنى أبا الفضل ، وقيل : أبو عبد الله ، وقيل : أبو عبد الملك ، كان من فضلاء
الصحابة وأحد دهاة العرب وكرمائهم ، وكان من ذوي الرأي الصائب مات سنة تسع
وخمسين ، وقيل : سنة ستين من الهجرة .
أسد الغابة 4 : 215 . ( * )
|
|
|
قلت لما بغى العدو علينا * حسبنا ربنا
ونعم الوكيل
حسبنا ربنا الذي فتح البص * - رة بالامس والحديث طويل
حتى انتهى إلى قوله :
وعلي امامنا وامام لس * - وانا أتى
به التنزيل
يوم قال النبي : من كنت مولا * ه فهذا مولاه خطب جليل
ان ما قاله النبي على الامة * حتم ما فيه قال وقيل
وفي هذا الشعر دليلان على ما ذكرناه :
أحدهما : أن المولى يتضمن
الامامة عند أهل اللسان ، للاتفاق على فصاحة قيس ، وأنه لا يجوز عليه أن يعبر
عن معنى ما لا يقع عليه من اللفظ عند أهل الفصاحة لا سيما في النظم ( 1 ) الذي
يعتمد صاحبه فيه الفصاحة والبيان .
والثاني : إقرار أمير المؤمنين
عليه السلام قيسا وترك نكيره ، وهو ينشد بحضرته ، ويشهد بالامامة له ، ويحتج به
على الاعداء ، وأمير المؤمنين عليه السلام ممن لا يقر على باطل ولا يمسك عن
الانكار ، لا سيما مع ارتفاع التقية عنه ، وتمكنه من الانكار .
ومن ذلك احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام لنفسه بذلك في جوابه لمعاوية ( 2 )
عن كتابه إليه من الشام ، وقد رام الافتخار فقال : " اعلي يفتخر
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) في نسخة " ب " النظر .
( 2 ) معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الاموى ،
أسلم عام الفتح ، ولاه عمر الشام بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان ، وأمره عثمان ،
ثم استمر ولم يبايع => |
|
|
ابن آكلة الاكباد " ثم قال لعبيد الله بن أبي رافع ( 3 ) اكتب
( 4 ) :
محمد النبي أخي وصنوي ( 5 ) * وحمزة
سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي ( يمسي ويضحي ) ( 1 ) * يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكنى وعرسي * فخالط ( 2 ) لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها * فأيكم ( 3 ) له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الاسلام طرا * صغيرا ( 4 ) ما بلغت أوان حلمي ( 5 )
|
* هامش * |
|
|
=>
عليا نم حاربه ، أمه هند بنت عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس ، فعلت ما فعلت بحمزة
سيد الشهداء بعد استشهاده باحد ، فأخرجت كبده ، وأكلت منه ، وله أشار أمير
المؤمنين عليه السلام بقوله " ابن آكلة الاكباد " .
( 3 ) عبيد الله بن أبي رافع ، واسم أبي رافع أسلم ، وقيل : ابراهيم ،
وقيل : غير ذلك مولى رسول الله كانت لعبيد الله صحبة من أمير المؤمنين عليه
السلام ، وكان كاتبا له ، من خيار الشيعة ، حفظ كثيرا ، وجمع كتابا في فنون من
الفقه ، انظر رجال النجاشي : 5 .
( 4 ) في رواية الطبرسي في الاحتجاج 1 :
180 : عن أبي عبيدة فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أبا لفضائل يبغي علي ابن
آكلة الاكباد ؟ أكتب إليه يا غلام . ، ونحوه في كنز
العمال 13 / 112 الحديث 36366 .
( 5 ) في نسخة الديوان المطبوع : " صهرى " .
( 1 ) في الديوان : يضحي ويمسي .
( 2 ) في المصدر السابق : مشوب .
( 3 ) في المصدر السابق : فمن منكم .
( 4 ) في المصدر السابق : غلاما ما بلغت أوان حلم .
( 5 ) في نسخة ( أوب ) زيالة في الابيات بالنحو التالي .
سبقتكم إلى الاسلام طرا * مقرا بالنبي ببطن أمي
وصليت الصلاة وكنت طفلا * صغيرا ما بلغت أوان حلمي ( * )
|
|
|
وأوجب لي ولايته ( 6 ) عليكم * رسول
الله يوم غدير خم
فأوجب الحجة على خصمه بالامامة على الجماعة ، فقال النبي صلى
الله عليه وآله فيه يوم الغدير ما قال ، وهذا الشعر منقول عنه على الظاهر
والانتشار .
ومما يدل على ما ذكرناه أيضا في هذا الباب قول الاخطل ( 7 ) - وهو رجل نصراني
لا يتحيز إلى فرقة من فرق الاسلام ولا يتهم بالعصبية للشعر ، [ للشيعة ظ صح ]
ولا يطعن عليه في العلم باللسان - في قصيدته التي يمدح فيها عبد الملك بن مروان
( 1 ) فقد علمت الكافة عداوته لامير
|
* هامش * |
|
|
( 6 ) نسخة أوب ( الولاء معا ) .
( 7 ) أبو مالك غياث بن غوث من بني تغلب من فدوكس ، قال مسلمة بن عبد
الملك : ثلاثة لا أسأل عنهم ، أنا أعلم العرب : بهم : الاخطل ، والفرزدق ،
وجرير ، وكان الاخطل يمدح بني أمية ، مدح معاوية ويزيد ومن بعدهم من خلفاء بني
مروان حتى هلك ،
وروى ابن قتيبة في ترجمة الاخطل عن الفرزدق قال : كنا في ضيافة معاوية
، ومعنا كعب بن جعيل التغلبي الشاعر ، فقال له يزيد بن معاوية أن عبد الرحمن بن
حسان قد فضح عبد الرحمن بن الحكم وغلبه وفضحنا فاهج الانصار ، فقال له كعب :
أرادي أنت إلى الشرك
أهجو قوما نصروا رسول الله صلى الله عليه وآله وآووه ، ولكني أدلك على
غلام منا نصراني ، ما يبالي أن يهجوهم ، كافر ، شاعر كان لسانه لسان ثور . قال
: ومن هو ؟ قال : الاخطل ، فدعاه وأمره بهجائهم . الشعر والشعراء : 302 .
( 1 ) عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ، بويع بعهد
من أبيه في خلافة ابن الزبير ، وبقى على مصر والثام وابن الزبير على باقي
البلاد مدة سبع سنين ، ثم غلب عبد الملك على العراق وبقية البلاد قتل ابن
الزبير واستوثق الامر له . قال ابن عائشة : أفضى الامر إلى عبد الملك والمصحف
في حجره ، فاطبقه وقال : هذا فراق بيني وبينك ، مات سنة 86 هجرية ، وكان يلقب
برشح الحجر لبخله . وقال
=> |
|
|
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :
فما وجدت فيها قريش لامرها * أعف
وأوفى من أبيك وأمجدا
فأورى بزنديه ولو كان غيره * غداة اختلاف الناس يوري لاصلدا
فاصبحت مولاها من الناس كلهم * واحرى قريش ان تهاب وتحمدا
فمدحه بالامامة ورياسة الجماعة ، واقتصر في العبارة على ذلك ،
وانه أولى به من الناس كافة على لفظة " مولى " لافادتها في اللغة ومعرفة أهلها
بانها عبارة عنه ، ودالة على معناه ، وهذا بين لا خفاء فيه على منصف ، ولا
ارتياب فيه .
وهذا الكميت بن زيد الاسدي ( 1 ) رحمة الله عليه ، وان لم يكن الحجة به في
اللغة كحسان وقيس بن سعد ، فانه لا حجة فيها على حال . وقد أجمع أهل العلم
بالعربية على فضله ، وثقته ( 2 ) في روايته لها ،
|
* هامش * |
|
|
=>
الذهبي : أنى له العدالة ؟ وقد سفك الدماء وفعل الافاعيل
. انظر وفيات الاعيان 2 / 402 ، وميزان
الاعتدال 2 : 664 .
( 1 ) الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد الاسدي ، أبو المستهل ، الكوفي
شاعر ، عارف بآداب العرب ولغاتها وأخبارها وأنسابها . روى الكشي في رجاله بسنده
عن زرارة قال : دخل الكميت بن زيد على أبي جعفر عليه السلام وأنا عنده فأنشده :
" من لقلب متيم مستهام " فلما فرغ منها قال للكميت : " لا تزال مؤيدا بروح
القدس ما دمت تقول فينا ) . وقال ابو عكرمة الضبي : لولا شعر الكميت لم يكن
للغة ترجمان ، له ديوان مشهور بالهاشميات ، مات سنة 126 ه .
اختيار معرفة الرجال 207 / 266 ، الاعلام
6 : 92 .
( 2 ) في نسخة " ب " يقينه . ( * )
|
|
|
واستشهدوا بشعره على صحة بعض ما اختلف منها .
وقال الاعراب ( 1 ) كان الكميت بن زيد أعرف الناس بلغات العرب
وأشعارها ، وكان اوكد ما دعاه إلى التشيع ، والقول بالنص على امامة أمير
المؤمنين عليه السلام ، قول النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير : " من كنت
مولاه فعلي مولاه " وذلك قوله في قصيدته العينية :
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له
الولاية لو اطيعا
ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها خطرا مبيعا
فلولا أن لفظة " مولى " تفيد الامامة ، لما جاز من الكميت -
وهو من أهل المعرفة باللغة بحيث ما وصفناه - أن يحكم لامير المؤمنين عليه
السلام بالامامة بها ، ولا أن يحتج بذلك في شعره الذي هو الطريق إلى العلم
بمقداره في المعرفة باللسان ، ويجعله في نظمه الذي تسير به عنه الركبان . . ( 2
) عند الناصبة في الاعتقاد والشبهة به داخلة عليه في باب الاستدلال .
كيف يجوز أن تلحقه التهمة في الجهل بالعربية عند الخاصة
والعامة من الناس ، وكيف يجوز أن يعرف ( 3 ) بالعصبية في هذا الباب . فانه حمل
لفظا عربيا غير محتمل عند اهله على الوجوه كلها والاسباب ، ولم يوجد أحد
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) كذا في النسخ ، وصوابه " ابن الاعرابي " وهو : محمد بن زياد ،
المعروف بابن الاعرابي الكوفي ، أبو عبد الله ، لغوي ، نحوي ، راوية لاشعار
القبائل ، أخذ عن الكسائي وابن السكيت وأبى العباس أحمد بن يحيى ثعلب وغيرهم .
وأخذ عنه الاصمعي ، وتوفى بسر من رأى سنة 231 ه .
تاريخ بغداد 5 : 282 ، وشذرات
الذهب 2 : 70 ، وتاريخ الطبري 11 : 21 .
( 2 ) العبارة ناقصة وتكميلها يحتاج إلى نسخة كاملة مصححة ولا توجد . (
3 ) في نسخة " ب " يفرق . ( * )
|
|
|
من نظرائه فعل مثل ذلك لعصبية ولا عناد ، ولئن جاز هذا عليه
مع ما وصفناه ليجوزن على جرير ( 1 ) والفرزدق ( 2 ) والاخطل بل على لبيد وزهير
( 3 ) وامرئ القيس ( 4 ) حتى لا يصح الاستشهاد بشئ من أشعارهم على غريب القرآن
،
ولا على لغة ، ولا على اعراب ، وهذا قول من صار إليه ظهر جهله
عند العقلاء . فصح مما أثبتناه من هذه الاشعار ودلائلها ما ذكرناه من برهان قول
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) ابو حرزة ، جرير بن عطية بن الخطفى - والخطفي لقب ، واسمه حذيفة
- بن بدر بن سلمة . ولد باليمامة سنة 28 هجرية ، وعاش عمره يناضل شعراء زمنه
ويساجلهم ، وكان هجاءا ، وكانت بينه وبين الفرزدق والاخطل مهاجاة ونقائض ،
وتوفى باليمامة أيضا سنة 110 ه وقيل : 111 ه .
الاغاني 8 : 3 - 89 .
( 2 ) أبو فراس ، همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد
التميمي ، المعروف بالفرزدق ، من اهل البصرة ، عظيم الاثر في اللغة والاخبار ،
من أشعر طبقات الاسلاميين ، والمقدم في الطبقة الاولى منهم ، توفى بالبصرة سنة
110 ه ، وقد قارب المئة .
الاغاني 9 : 324 - 345 .
( 3 ) زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني ، حكيم الشعراء في
الجاهلية ، وفي أئمة الادب من يفضله على شعراء العرب كافة . قال ابن الاعرابي :
( كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره ) ولد في بلاد " مزينة " بنواحي المدينة
، وكان يقيم في الحاجر من ديار نجد، اشهر شعره معلقته التى مطلعها :" أمن أم
أوفى دمنة لم تكلم " مات قبل الهجرة.
الاغاني 10 / 288 ، والاعلام
3 : 87 ، والشعر والشعراء : 57
( 4 ) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي ، من بني آكل المرار ، يماني
الاصل ، ولد بنجد أو بمخلاف السكاسك باليمن ، واشتهر بلقبه ، واختلف النسابون
في اسمه ، فقيل : حندج وقيل : مليكة ، وقيل : عدي . وكان أبوه ملك أسد وغطفان ،
وامه اخت المهلهل الشاعر ، وعنه أخذ الشعر ، مات سنة 80 قبل الهجرة .
الاعلام 1 : 351 . ( * ) |
|
|
رسول الله صلى الله عليه وآله على امامة أمير المؤمنين عليه
السلام والله الموفق للصواب .
تم كتاب أقسام " المولى "
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم
|