- رسالة حول خبر مارية - الشيخ المفيد ص 16 : - |
بسم الله الرحمن الرحيم
الملك الحق المبين
سألني - أطال الله بقاء السيد الشريف ، الفاضل الجليل ، وأدام
الله تأييده ونعمته وتوفيقه- رجل من المعتزلة عن الخبر المروي عن النبي - صلى
اللة عليه واله - في قصة ( 1 ) مارية القبطية- رحمها الله- وما كان من قذف ( 2
) بعض الازواج ( 3 )
لها بابن عمها ، وقول النبي - صلى الله عليه وآله - لامير
المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - خذ سيفك يا علي وامض . إلى بيت مارية
، فان وجدت القبطي فيه فاضرب عنقه . فقال له أمير المؤمنين - عليه السلام - :
إنك تأمرني
يا رسول الله بالامر ، فاكون فيه كالسكة المحماة في ذات الوبر
؟ ، فامضي لامرك في القبطي ، أو يرى الشاهد ما لا يرى الغائب ؟ فقال له النبي -
صلى الله عليه وآله - : بل يرى الشاهد ما لا يرى الغائب .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) م وب : قضية . ( 2 ) ر . س : قول . ( 3 ) كتب في هامش ى : وهي
عائشة .
|
|
|
فمضى أمير المؤمنين - عليه السلام - إلى بيت مارية القبطية ،
فوجد القبطي فيه ، فلما رأى السيف بيد أمير المؤمنين - عليه السلام - صعد إلى
نخلة في الدار ، فهبت ريح كشفت عنه ثوبه ، فإذا هو ممسوح، ليس له ما للرجال ،
فتركه أمير المؤمنين
- عليه السلام - وعاد إلى النبي - صلى الله عليه وآله -
فاخبره الخبر ، فسري عنه ، وقال : الحمد لله الذي نزهنا أهل البيت عما يرمينا
به أشرار الناس من السؤ ( 1 ) .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) نقل السيد المرتضى - قدس سره الشريف - في
اماليه - ج 1 / 77 - هذا الخبر هكذا : روى محمد بن الحنفية - رحمة الله
عليه - عن أبيه امير المؤمنين - عليه السلام - قال : كان قد كثر على مارية
القبطية أم إبراهيم في إبن عم لها قبطي كان يزورها ، ويختلف إليها ،
فقال لي النبي - صلى الله عليه واله - : " خذ هذا السيف وانطلق ، فان
وجدته عندها فاقتله " . قلت : يا رسول الله ، أكون في أمرك إذا ارسلتني كالسكة
المحماة ، أمضي لما أمرتني ، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ؟ فقال لي النبي -
صلى الله عليه وآله - : " بل الشاهد
يرى ما لا يرى الغائب " . فاقبلت متوشحا بالسيف ، فوجدته عندها ،
فاخترطت السيف ، فلما أقبلت نحوه عرف أني اريده، فاتى نخلة فرقى إليها ، ثم رمى
بنفسه على قفاه ، وشغر برجليه ، فإذا إنه أجب امسح ، ما له كما للرجال ، قليل
ولا كثير ، قال : فغمدت السيف ورجعت
إلى النبي - صلى الله عليه وآله - فاخبرته : فقال : الحمد لله الذي
يصرف عنا أهل البيت " .
وذكر قصة مارية القبطية علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ذيل الاية
الشريفة : إن الذين جاؤا بالافك . . . " من سورة النور - ج 2 / 99 - حدثنا محمد
بن جعفر ، قال حدثنا محمد ابن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، قال حدثنا عبد
الله ( محمد - خ ل ) بن بكير ، عن
زرارة قال : سمعت أبا جعفر - عليه السلام - يقول : مات إبراهيم بن رسول
اللة - صلى الله عليه وآله - حزن عليه حزنا شديدا ، فقالت عائشة ما الذي يحزنك
عليه ، فما هو الا ابن جريح ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - عليا
وأمره بقتله . . . .
وذكر - ايضا - علي بن إبراهيم القمي ذيل الآية الشريفة : ( يا أيها
الذين آمنوا إن جائكم فاسق بنبا . . . . ) - ج 2 / 318 - فانها نزلت في مارية
القبطية ام إبراهيم - عليه السلام - وكان سبب ذلك ان عائشة قالت لرسول الله -
صلى الله عليه وآله وسلم - ان ابراهيم ليس هو منك وإنما هو من جريح القبطي ،
فانه يدخل إليها في كل يوم ، . . . . ( * ) |
|
|
والحديث مشهور وتفصيله عند أهل العلم مذكور .
فقال السائل : هذا الخبر عندكم
ثابت ، صحيح ؟ .
قلت : أجل ، هو خبر مسلم ، يصطلح على ثبوته
الجميع .
فقال : خبرني إذن ( 1 ) ما وجه
إطلاق النبي ( 2 ) - صلى الله عليه واله - الامر بقتل نفس على التهمة ، من غير
يقين ( 3 ) لما يوجب ذلك منها ؟ وما وجه اشتراط ( 4 ) علي - عليه السلام -
الرأي عند المشاهدة ، وسؤاله عن امتثال الامر على كل حال ، أو على بعض الاحوال
؟ وهل لاختلاف الحال في هذين المعنيين عندك وجه تذكره ببرهان ( 5 ) ؟
فقلت له : قد تعلق بمضمون هذا
الخبر طوائف من الناس ، كل طائفة تبني ( 6 ) مذهبا لها ، تأسيسه على الفساد :
فمنهم : الغلاة ، المنتحلة
للزيغ ، زعمت أن أمير المؤمنين - عليه السلام - رمز بذكر : " الشاهد الغائب " ،
وعنى بمقاله : أنه مشاهد جميع الاشياء ، وأن الامر له في الباطن والتدبير ، دون
النبي - صلى الله عليه وآله - .
ومنهم : العامة والمعتزلة ،
المجوزة على النبي - صلى الله عليه وآله - الخطا في الاحكام ، زعموا أن إطلاق
الامر منه بقتل القبطي كان غلطا ، عرفه أمير المؤمنين - عليه السلام - فنبهه
بالاشتراط عليه ، فلما سمع النبي - صلى الله عليه وآله - منه ، رجع ( 7 ) إلى
الصواب .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) ط : إذا عن البيان ، ى : الان . ( 2 ) من هنا إلى آخر الرسالة
ساقط من نسخة ن . ( 3 ) و : تعيين .
( 4 ) ى وس : اشتراط ، م وب : استشراطه . ( 5 ) د : وجه وبرهان تذكره .
( 6 ) ى : يبنى عليه . ( 7 ) ى : رجع عنه . ( * )
|
|
|
ومنهم : الفرقه المنتسبة إلى
موسى بن عمران ( 1 ) ، القائلة بان النبي -
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) هكذا في جميع النسخ ، ولم نظفر على عنوانه في الكتب الرجالية ولا
الكتب التاريخية ، ولا في أصحاب الفرق الاسلامية من المفوضة ، من قبل زمن شيخنا
المفيد إلى عمره .
ولكن تعرض السيد المرتضى علم الهدى في " الذريعة
إلى أصول الشريعة ، ج 2 / 658 " - في القول في انه لا يجوز أن يفوض الله
- تعالى - إلى النبي - صلى الله عليه وآله - أو العالم أن يحكم في الشرعيات بما
شاء ، إذا علم أنه لا يختار الا الصواب - إلى رجل مسمى
ب " مويس بن عمران " وقال : انه قال : لا فرق بين أن ينص الله على
الحكم وبين أن يعلم أنه لا يختار الا ما هو المصلحة ، فيفوض ذلك إلى اختياره .
ثم قال في ص 667 : وقد تعلق مويس في نصرة قوله باشياء :
أولها قوله - تعالى - في كل الطعام كان
حلا لبنى إسرائيل الا ما حرم إسرائيل عل نفسه " فاضاف التحريم إليه .
وثانيها : ما روي من أنه - عليه السلام - لما نهى عن التعرض
لنبت مكة ، قال له العباس : " إلا الاذخر يا رسول الله " فقال عليه السلام : -
" إلا الاذخر " وهذا يدل عل اضافة الحكم إلى رأيه .
وثالثها : ما روي من قوله - عليه السلام - : " عفوت لكم عن
الخيل والرقيق " فاضاف - عليه السلام - العفو إلى نفسه دون الوحي .
وقال في موضع آخر عند البحث عن دفع احتمال . مدخلية اختيار المكلف في
تعيين الواجب : فإن قالوا : ليس يمتنع أن يكون اختيار المكلف له علما على وجوبه
وتعينه ، قلنا هذا يؤدي إلى مذهب مويس بن عمران . . . . انتهى .
وذكر فيروز آبادي - المتوفى سنة 817 - في
القاموس - ج 2 / 252 - 253 ، ط مصر - : مويس - كاويس - ابن
عمران ، متكلم . فعلى هذا يمكن أن يكون موسى بن عمران تصحيف مويس بن عمران .
وأيضا ذكر شيخنا الطوسي - قدس سره . الشريف - في كتاب
تمهيد الاصول في علم الكلام ص 368 عند
البحث عن عدم جواز اختيار الامة الامام إذا علم انه - تعالى - انه لا يقع
اختيار الامة إلا على المعصوم ، قال فان ارتكبوا جواز ذلك كما ارتكب موسى بن
عمران .
قيل لهم . . . ثم ذكر المصحح في ذيل " موسى " اختلاف النسخ : في النسخة
المحفوظة في المكتبة " آستان قدس " مشهد : " مونس " بدل " موسى " ، وفي
النسختين المحفوظتين في المكتبة المركزية بجامعة طهران : " مويس " بدل " موسى "
، وكان أساس التصحيح هذه النسخ الثلاثة ، فعلى هذا لم أدر من اين ذكر المصحح في
المتن " موسى " بدل " مويس " أو " مونس " ؟ ! .
|
|
|
صلى الله عليه وآله - كان يشرع ( 1 ) بالنص تارة ، وبالاختيار
( 2 ) اخرى . وأنه كان مفوضا إليه القول في الاحكام بما شاء وكيف شاء .
ومنهم : ؟ أصحاب الرأي
والاستحسان من متفقهة العوام - الذاهبين إلى أن النبي صلى الله عليه وآله - كان
يحكم بالرأي ثم يرجع عنه ، ويقول بالاستحسان ثم يتعقبه بالخلاف لما ( 3 ) ، حسب
ما يراه في كل حال .
ومنهم : مخالفوا الملة ، من
الزنادقة وأهل الذمة ، فانهم جعلوا ذلك حجة لهم فيما طعنوا به في نبوته - صلى
الله عليه وآله .
فصل : وقد ذهب جميع من ذكرناه عن الصواب في مضمون
الخبر ، وأسسوا قولهم فيه على مبنى ( 4 ) ظاهر الفساد . ولامر النبي صلى الله
عليه وآله - بقتل القبطي واشتراط امير المؤمنين - عليه السلام - الرأي فيه
واستفهامه عن المراد ،
وجوه واضحة في الحق ، لائحة لمن وقف عليها من ذوى الانصاف -
أنا أذكرها على التفصيل ، لتعلم أيها السائل بها ما التمست علمه ، وتبطل بها
شبهة أهل الضلال ، ان شاء الله .
فاول ذلك : ان أمر الحكماء في الاطلاق والتقييد ، والاجمال
والتفصيل بحسب معرفة المأمور ، وحكمته وذكائه والاختصار ( 5 ) ، فان كان في
الوسط منه
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) م ، ب ، ى وط : يسرع . ( 2 ) م ، ب وس : بالاخبار . ( 3 ) م ، ب
وى : بخلافه .
( 4 ) ليس في م ، س ، ى وب . ( 5 ) س : الاقتصاد ، ى : الاحتضار . ( *
)
|
|
|
احتاج إلى تأكيد وزيادة بيان ( 1 ) .
وإن كان دون ذلك احتيج معه إلى الشرح والتفصيل والاعادة
للمقام والتكرار ، حالا بعد حال . وبحسب الثقة به في الطاعة أيضا ، والسكون إلى
سداده يختلف ما ذكرناه . فهذا بين يتفق عليه كافة أهل النظر وجمهور العقلاء ،
فلا حاجة بنا إلى تكليف دليل عليه ، لما ( 2 ) وصفعناه .
فإذا كان الامر فيه على ما قدمناه لم ينكر أن يكون النبي - صلى الله عليه واله
- أطلق الامر بقتل القبطي - وإن كان الشرط لازما - لعلمه بأن أمير المؤمنين -
عليه السلام - يعرف ذلك ولا يحتاج فيه إلى ذكره له في نفس الكلام .
ولو كان غير أمير المؤمنين - عليه السلام - المأمور - ممن لا
يؤمن عليه فهل ( 3 ) الشرط والتعليق ( 4 ) بمطلق الامر بالاقدام ، على غير
الصواب - يقيد له ( 5 ) الكلام ، بجعل ( 6 ) الشرط فيه ظاهرا ، ولم يجد عنه
محيصا .
ولترك النبي صلى الله عليه وآله - التقييد في الامر فائدة في
الابانة عن فضل أمير المؤمنين - عليه السلام - على الجماعة ، باظهار الاشتراط
فيه والاستخبار عن المراد ، لتعلم الجماعة انه قد عرف من باطن الحال ما كشفها
لهم بالسؤال .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) م ، ب وى : البيان . ( 2 ) و : كما . ( 3 ) س وط : فوصل ، ب :
فهم - خ ل ، لعل كلها تصحيف والصحيح : " فوت الشرط " أو " اهمال الشرط " . ( 4
) ب ، م ، س وى : التعلق . ( 5 ) م وى : يفيد له . س ود : يقيد به . ( 6 ) ب ،
م ، وى : ثم جعل . ( * )
|
|
|
ولامير المؤمنين - عليه السلام - به فضيلة من جهة ( 1 ) أخرى
: وهي رفع الشبهة عمن لا بصيرة له بحق النبي صلى الله عليه وآله - ومنزلته من
الله في غلطه ، وإقدامه عل قتل من هو برئ محقون الدم عند الله ، ليبين له مراده
في الاشتراط ،
ويعلمه أنه - وإن أطلق الامر - فانما قصد به ما ظهر فيه
بالبيان . ولو كان النبي - صلى الله عليه واله - اشترط في الكلام ما كان فيه في
الجواب لم ( 2 ) يبين لامير المؤمنين - عليه السلام - الفضل الذي ابانه ( 3 )
الاشتراط والاستفهام .
ولو ترك أمير المؤمنين - عليه السلام - الاشتراط والاستفهام
وعمل على علم بالباطن وكف عن قتل القبطي لمشاهدته الحال ، لم يبن ( 4 ) من فضل
رسول الله - صلى الله عليه وآله - للكافة ما أبانه الاستفهام، ولظن كثير من
الناس أنه - عليه السلام -
أخطا في الامر المطلق بقتل الرجل ، وان عليا أصاب في خلافه
الظاهر بشاهد الحال ، وكان في إطلاق النبي صلى الله عليه وآله - الامر لعلي -
عليه السلام - ، واستفهام أمير المؤمنين - عليه السلام - له عن المراد وكشفه
لذلك ما استنبطه من
الكلام ، من الفوائد في فضلهما وعصمتهما ونطقهما عن الله - عز
وجل - ما بيناه عنه ( 5 ) وأوضحناه ، ولم يبق لمخالف الحق طريق معه إلى إثبات
شئ من الشبه التي تعلق بها فيما حكيناه .
ووجه آخر : وهو انه قد كان جايزا من الله تعالى أن يامر نبيه - صلوات الله عليه
- بقتل القبطي على جميع الاحوال ، لدخوله بيت النبي - صلى الله عليه واله -
بغير إذنه له في ذلك ، وعلى غير اختيار منه له ورأي ، فاستفهمه
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) " من جهة " ، ليس في م ، س ، ى وب . ( 2 ) و : ثم لم ، ب : ثم .
( 3 ) " الفضل الذي أبانه " ليس في : م ، س وط . ( 4 ) ط : لم يبين . (
5 ) ب ، ى ، س وم : ما بينا عنه . ( * )
|
|
|
أمير المؤمنين - عليه السلام - لهذه الحال ، فأخبره بما عرف
الحكم فيه وأنه غير مباح دمه على كل حال .
ويجوز ويمكن ان يكون الحكم فيه مفوضا إليه ( 1 ) - عليه
السلام - فلما استفهمه أمير المؤمنين - عليه السلام - بان له حال التفويض إليه
. فقال : إن شاهدته بريئا ، فلك فيه الرأي ، الان اقتضت الحال التي تشاهدها منه
قتله أو العفو عنه فذلك إليك ( 2 ) ] ( 3 ) ، وقد فوضت ما فوض إلي إليك ، فاعمل
فيه بما تراه .
وهذا - أيضا - مما دل الله - تعالى - به الانام على مشاكلة أمير المؤمنين لنبيه
- صلوات الله عليهما - في العصمة والكمال ، ومشابهته ( 4 ) له في تدبير الدين
والحكم في العباد . ولو لم يقع الاطلاق في الامر والاشتراط من أمير المؤمنين -
عليه السلام - لما عرف ذلك ، حسب ما بيناه . والله الموفق للصواب .
فقال السائل : هذا قد فهمته ، وهو كلام واضح
البيان في معناه ، فما القول في نقض شبه من قدمت ذكره في الضلال ؟
فقلت له : ثبوته على الوجه الذي
أوضحت ، كافي في إبطال جميع تلك الشبهات ، إذ يهي دعاوى مجردة من بيان ، لجا
أصحابها في التعلق بها إلى الاضطرار إليها ، لعدم الحجة بما ذكرناه لهم ( 5 )
فيها على زعمهم وتوهمهم الفاسد وظنهم المحال .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) أي إلى أمر المؤمنين - عليه السلام - . ( 2 ) س : إليه .
( 3 ) ما بين المعقوفين ليس في ط . ( 4 ) م ، ى ، ط وب : مساهمته . ( 5
) ليس في ى ، س ، م وب . ( * )
|
|
|
فإذا ثبت لمضمون ( 1 ) الخبر من الاوجه الصحيحة ما أثبتناه ،
وكان في الامكان على ما ذكرناه ، لم يكن للعدول ( 2 ) عنه طريق الا التحكم ( 3
) بالاماني الخائبات ، والحمد لله .
فقال السائل : هو كذلك ، ولا ينبغي للعاقل أن
يظلم نفسه بمكابرة الحق واللجاج .
وبالله التوفيق وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) س ، م وب : بمضمون ، ط : مضمون . ( 2 ) ى ، م وب : العدل . ( 3 )
س : للتحكيم بالامال . م وب : المتحكم بالامالى . ( * )
|
|
|
قال العلامة السيد جعفر مرتضى في كتاب حديث الافك :
قضية مارية بين الاخذ والرد مع الاجواء لقضية مارية .
دور عمر في قضية ماريه : تبرئة أو اتهاما . براءة مارية . . كلام السيد المرتضى
.
أما نحن فنقول :
مع الاجواء الطبيعية لقضية مارية وهكذا . . فقد رأينا أن
النصوص عند جميع المسلمين تكاد تكون . . متفقة على صورة قضية الافك على مارية .
. .
ورأينا أيضا : أن ما رواه الحاكم في مستدركه ، والسيوطي عن
ابن . مردويه غير ذلك مما تقدم يقرب لنا : أن عائشة قد غارت من مارية ، ونفت
شبه ابراهيم بأبيه ( ص ) . رغم إصرار النبي ( ص ) على خلافها ورغم أنه كان أشبه
الخلق به
كما في الرواية الاتية عن الطبراني . . مما يعنى : انها تؤكد
على نفيه . منه ، وحصول خيانة من مارية فيه . . وكان الحامل لمما على ذلك هو
غيرتها الشديدة ، حسب اعتراف عائشة نفسها . . ومما يجعلنا نطمئن إلى صحة ذلك
الحوار ، وأن عائشة
قد حاولت أن تلقي شبهة على طهارة مارية هو ما قالته عائشة
نفسها عن حالتها مع مارية : " . . . ما غرت على إمرأة إلا دون ما غرت على
مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة .وأعجب : بها رسول الله ( ص ) إلى أن قالت :
وفرغنا لها فجزعت
، فحولها رسول الله ( ص ) إلى العالية ، فكان يختلف إليها
هناك ، فكان ذلك أشد علينا . ثم رزقها الله الولد وحرمناه ( 1 ) . . " . وعن
أبي جعفر : " . . . وكانت ثقلت على نساء النبي ( ص ) ، وغرن عليها ، ولامثل
عائشة " ( 2 ) .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) طبقات ابن سعد 8 ص 153 ، والاصابة
ج 4 ص 405 ووفاء الوفاء للسمهودي ج 3 ص
826 ،
ولتراجع البداية والنهاية ج 3 ص 303 ،
304 .
( 2 ) طبقات ابن سعد ج 1 ص 86 ، والسير
الحلبية ج 3 ص 309 . ( * )
|
|
|
ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي عن موقف عائشة حين موت ابراهيم
( ع ) " . . . ثم مات ابراهيم ، فأبطنت شماتة وإن أظهرت كآبة . . . ) ( 1 ) .
وبعد كل ما تقدم . . فاننا نعرف أن أم المومنين قد ساهمت في
اثارة الشكوك والشبهات حول مارية . وولدها ابراهيم . ولعلنا نستطيع أن نفهم
أيضا من رواية السيوطي عن ابن مردويه : أن حفصة أيضا قد شاركت في تأليب رأي
النبي ( ص ) ضد
مارية . . وأن النبي ( ص ) قد حرم مارية على نفسه بعد
المحاورة التي جرت بينه وبين عائشة . . . وبعد جزعهما ، وعتاب حفصة له في شأنها
. . ويفهم أيضا من رواية الحاكم أن تكثير النساء ، على مارية كان بعد المحاورة
المشار إليها بين النبي
( ص ) وعائشة . . وكل ذلك يجعلنا نطمئن إلى أن سبب تحريم
مارية هو . ، ذكرهن الشبهات حولها . . لا مجرد أنه وطأها في بيت حفصة أو عائشة
. . ولا سيما بملاحظة : أن آيات التحريم ، في سورة التحريم تدل على أن مما
ارتكبوه كان أمرأ
عضيما جدا ، لا مجرد قول حفصة : يارسول الله في بيتي وعلى
فراشي ، فإن هذا كلام طبيعي وليس فيه أي إسائة أدب ، أو خروج عن الجادة أصلا .
. ولا يستحق هذا التأنيب العظيم الوارد في الآيات . . وعلى هذا . . فإن الظاهر
هو أن آيات
تحريم مارية في سورة التحريم قد نزلت في قضية الشبهات حول
مارية حينما حرمها النبي ( ص ) على نفسه لذلك ، وأما ، آية الافك فنزلت في
الافك عليها أيضا .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) شرح النهج للمعتزلي ج 9 ص 195 . (
* )
|
|
|
دور عمر في قضية مارية تبرئة أو اتهاما ، ولقد احتمل بعض
العلماء : أن عمر أيضا قد شارك في إثارة الشبهات حول مارية بالاضافة إلى حفصة
وعائشة . . . ومستنده في ذلك ما رواه الطبراني وغيره : في رواية تضمنت أن عمر
هو الذي برأ
مارية وأنه لما رجع إلى الرسول ، قال له الرسول ( ص ) : " ألا
أخبرك يا عمر : إن جبرئيل أتاني فاخبرني : أن الله عز وجل ، قد برأ مارية
وقريبها مما وقع في نفسي ، وبشرني : أن في بطنها . مني غلاما ، وأنه أشبه الخلق
بي ، وأمرني أن أسميه ابراهيم . . . " ( 1 )
فقد احتمل ، المظفر اسنادا إلى هذه الرواية أن لعمر بن الخطاب
شأنا في إتهام مارية . وإلا . . فلماذا يخصه الرسول ( ص ) بهذه المقالة ( 2 ) .
ولكننا بدورنا نقول : إن هذه الرواية محل إشكال . لان
الروايات متضافرة على أن برائة ، مارية كانت على يد علي عليه السلام . . . وهذه
تقول : بل كانت على يد عمر .
وأجاب العسقلاني ذلك باحتمال : أن يكون رسول الله ( ص ) قد
أرسل عمر أولا " ، فابطأ في العود ، لانه لما رآه . ممسوحا اطمأن وتشاغل
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) دلائل الصدق ج 3 قسم 2 ص 26 عن
كنز العمال ج 6 ص 118 ، والرواية موجودة
في مجمع الزوائد ج 9 ص 162 ،
والسيرة الحلبية ج 3 ص 312 ، والاصابة
ج 3 ص 335 عن ابن عبد الحكم 3 في فتوح مصر . . .
( 2 ) دلائل الصدق ج 3 قسم 2 ص 26 . ( *
)
|
|
|
ببعض الامر فارسل ( ص ) عليا بعده ، ورجع علي فبشره ( ص )
بالبراءة ثم جاء عمر بعده فبشره بها ( 1 ) . . . ولكن هذا التوجيه منه يحتاج
إلى إثبات وعلى الاقل إلى شواهد تؤيده . . . كما أن تلكؤ عمر في اخباره النبي (
ص ) ، حتى يذهب علي ويكشف الامر مرة ثانية .
ويرجع ، بعيد عن التصرف الطبيعي في مناسبات حادة كهذه . وعليه
. . . وبملاحظة التشابه بين هذه الروابة ، وبين ما يرد عن علي عليه السلام :
بملاحظة : أن تبرئة علي لها مجمع عليها : ولا شك فيها . . فنحن نرى أن عمر لم
يذهب إلى مامور
، ولا شارك في تبرئه مارية . . فيبقى قولهم : ان النبي ( ص )
قال له : ألا أخبرك يا عمر الخ . . فهو إن صح فهو ابتداء كلام معه ، وحينئذ
فيحتاج ما ذكره المظفر إلى الجواب .
براءة مارية لقد مر علينا انفا : أن الرسول ( ص ) يخبر عمر بن الخطاب بان
جبرئيل قد أخبره أن الله قد برأ مارية . . وقد يمكن أن يفهم من ذلك : أن هذا
يؤيد كون آيات الافك قد نزلت في شأن مارية . . وأن الله تعالى قد برأها
بواسطتها . . وإلا
فما معنى تبرئة الله تعالى لها فيما سوى ذلك . . إذ ان
براءتها قد ثبتت على يد على عليه السلام . . فتبرئة الله تعالى لها : لا بد وأن
تكون بنحو آخر ، غير ما فعله علي عليه اللام . . . وليس إلا نزول آيات الافك في
شانها . .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) الاصابة ج 3 ص 335 . ( * )
|
|
|
هذا . . . ويبدو أن الشك في شان مارية قد استمر إلى حين وفاة
ولده ابراهيم ، وأنه قد كان ثمة من يصر على الاتهام ولو باخفاء لها ولعها عائشة
التى يقول عنها المعتزلي : أنها أظهرت كآبة ، وابطنت شماتة . . كان يهمها هذا
الامر . .
ولذا نجد النبي ( ص ) حتى حين . موت ولده ابراهيم يؤكده . على
أن ابراهيم هو ولده فقد روى في صحيح مسلم : " . . . لما توفي ابراهيم قال رسول
الله ( ص ) : إن ابراهيم إبني وانه مات في الثدى ، وان له لظئرين تكملان رضاعه
في الجنة . . " ( 1 ) .
فليس لقوله ( ص ) : " إن ابراهيم ابني " ، أي معنى إلا أنه
أراد أن يقوم بمحاولة أخيرة . لدفع كيد الآفكين ، وشك الشاكين . .
كلام السيد المرتضى واشكل السيد المرتضى على الرواية الاخيرة
من روايات الافك على مارية : بأنه كيف جاز لرسول الله ( ص ) الامر بقتل رجل على
التهمة بغير بينة ، ولا ما يجري مجراها ؟
وأجاب : بأن من الجائز أن يكون القبطي معاهدا ، وأن النبي كان
قد نهاه عن الدخول ، إلى مارية فخالف وأقام على ذلك . وهذا نقض للعهد ، وناقض
العهد من أهل الكفر مؤذن بالمحاربة . والمؤذن بها مستحق للقتل .
وإنما جاز منه ( ص ) أن يخير بين قتله والكف عنه وتفويض ذلك إلى علي ( ع ) .
لان قتله لم يكن من الحدود والحقوق ، التي لا يجوز العفو عنها ؟
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) صحيح مسلم ط مشكول ج 7 ص 77 ، وفتح
الباري ج 3 ص 140 ، وتاريخ الخميس ج 2 ص
146 . ( * )
|
|
|
لان ناقض ، العهد إذا قدر عليه الامام قبل التوبه له أن يقتله
، وله أن يعفو عنه . .
وأشكل أيضا : بأنه كيف جاز
لامير المؤمنين ( ع ) الكف عن القتل ، ومن أي جهة آثره لما وجده أجب ؟ وأي
تأثير لكونه أجب فيما استحق به القتل ، وهو نقض العهد ؟ ! . .
وأجاب : بانه كان له ( ع ) أن
يقتله مطلقا : حتى مع كونه أجب ، ولكنه ( ع ) آثر العفو عنه ، من أجل إزالة
التهمة والشك الواقعين في أمر مارية ، ولانه أشفق من أن يقتله ، فيتحقق الظن ،
ويلحق بذلك العار ( 1 )
أما نحن فنقول : إن الجواب عن
الاشكال الاول . . محل تأمل فقد صرحوا بان مأبورا قد أسلم في المدينة . . إلا
أن يقال : أنه أسلم بعد قضية مارية . ولكن : من القريب جدا : أن النبي لم يكن
أمره بالقتل على الحقيقة ، وإنما كان ذلك مقدمة لاظهار
البراءة الواقعية لمارية ، فأراد علي أن يثبت - من قصد النبي
هذا فسأله بما يدل عليه وأجابه النبي بذلك أيضا . . ولعل هذا الاحتمال . . أولى
مما ذكره السيد المرتضى : لان ما ذكره السيد يحتاج إلى إثبات المعاهد المأبور .
. ولا مثبت . .
أما هذا فهو موافق للسنة الجارية في أمور مثل هذه يحتاج فيها
إلى الكشف واليقين ورفع التهمة ولا سيما وان الآيات - آيات الافك - إنما تدل
على البراءة الشرعية . فتحتاج إلى ما يدل على البراءة الواقعية أيضا . ويؤكد
هذه البراءة الواقعية : أن مأبورا - كما يقولون - كان أخا لمارية ، وكان شيخا
كبيرا ( 2 ) .
|
* هامش * |
|
|
( 1 ) راجع أمالي السيد المرتضى ص 77 -
79 .
( 2 ) طبقات ابن سعد ج 8 ص 153 . والاصابة
ج 4 ص 405 وج 3 ص 334 . ( * )
|
|
|
وقال النووي في مقام الجواب عن الاشكال المتقدم : " ويل :
لعله كان منافقا ، ومستحقا للقتل بطريق آخر وجعل هذا محركا لقتله بنفاقه وغيره
، لا بالزنا . . وكف عنه علي رضي الله عنه اعتمادا على أن القتل بالزنا . وقد
علم انتفاء الزنا . . ( 1 ) " .
ولكن قد فات النووي : أن الزاني لا يستحق القتل أيضا . وإنما
الجلد أو الرجم . . إلا أن يقال : إن من يعتدي على حرمات النبي ( ص ) حكمه ذلك
. .
وخلاصة الامر : أن إثبات نفاته أيضا يحتاج إلى مثبت . . وليس
. . فلم يبق . إلا ما أجبنا به نحن ، فانه هو الانسب والاظهر . .
|