عقائد الشيعة الإمامية | الشيخ المفيد | المقنعة

 

المقنعة

للشيخ المفيد

 

محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى 413 ه‍. ق

 

 

 

كتاب العتق والتدبير والمكاتبة

 

العتق

ومن كان له مملوك من عبد أو أمة فأراد عتقه فليكن ذلك لوجه الله عز وجل، وليقصد به القربة إليه. ولا يعتق عبدا كافرا فاجرا يتسلط بالحرية على أهل الدين، ويقوى بذلك على معاصي الله عز وجل. وليكن عتقه لأهل الإيمان أو المستضعفين. ولا يقع العتق بيمن، ولا على غضب شديد، ولا على ضرار وإفساد. ومن أعتق عبدا مؤمنا لوجه الله عز وجل أعتق الله تعالى بعدد كل عضو من العبد عضوا من معتقه من النار. وإذا أراد أن يكتب كتاب عتق فليكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب لفلان بن عبد الله، أو فلانة بنت عبد الله الزنجية أو الرومية أو الفلانية مثلا - وينسبها إلى جيلها - كتبه لها أوله فلان بن فلان في صحة من عقله وبدنه وجواز أمره وانشراح صدره: إنني قد أعتقتك لوجه الله عز وجل وابتغاء مرضاته، ليعتق رقبتي من النار، وأنت حر لوجه الله عز وجل لا رق لي عليك بعد هذا العتق، ولا سبيل إلا سبيل الولاء الواجب في شريعة الإسلام، فتصرف كيف شئت فيما أباحك الله تعالى إياه من وجوه التصرف، فأنت أملك بنفسك مني ومن كل أحد في معيشتك وتصرفك، وأشهد الله جل اسمه على ذلك، ومن ثبت اسمه في هذا الكتاب في شهر كذا من سنة كذا ". وإن أعتق عبده في كفارة ظهار، أو إفطار يوم من شهر رمضان، أو قتل خطأ، فهو سائبة لا سبيل له عليه، ولا ولاء ويقول في كتابه: " إنني قد أعتقتك في كفارة وجبت علي فأنت حر لوجه الله تعالى لا ولاء لي عليك إلا أن تتوالاني مختارا لذلك، فتولني أو من شئت من الناس، لا اعتراض لي عليك في ذلك ". وإذا أعتق عبدا في نذر وجب عليه به عتقه فهو سائبة، لا ولاء عليه، إلا أن يتولاه مختارا لذلك. وإنما الولاء للسيد على من أعتقه تبرعا في غير كفارة، ولا واجب. ومن أعتق أمته، وجعل عتقها مهرها، وتزوجها على ذلك، جاز عتقه، وثبت نكاحه، وكان مهرها عتقها. وإن كان الأفضل في هذا النكاح أن يجعل مع العتق شيئا من ماله لها، قل، أم كثر. ويقول عند عتقها على هذا الوجه: " قد أعتقتك، وتزوجتك، وجعلت مهرك عتقك ". ويكتب لها في كتاب هذا العتق: " أقر فلان بن فلان في صحة منه وجواز أمر: أنه قد أعتق أمته فلانة بنت فلان الفلانية، وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، فهي زوجته على ذلك، ومولاته، وله ولعصبته من بعده ولاءها وولاء عقبها ". ومن كان له عبد فأعتق نصفه أو ثلثه كان العبد بأسره حرا. وإذا كان العبد بين شريكين أو أكثر من ذلك فأعتق أحد الشركاء حصته من العبد انعتق ملكه خاصة، وألزم ابتياع حصص الشركاء، فإذا ابتاعها انعتق العبد بذلك، ولم يبق فيه رق، وإن كان معسرا استسعى العبد في باقي قيمته، فإذا أداه إلى أصحابه انعتق. والمعنى في ذلك: أنه يؤمر بالتكسب حسب ما يتمكن منه، فيؤدي إلى باقي الشركاء ما لهم من قيمته أو بعضها مما يوافقونه عليه، ثم يعتق بعد ذلك. فإن لم يكن له صناعة يتكسب بها مالا خدم ملاكه بحساب رقه، ويتصرف في نفسه بحساب ما أعتق منها إن شاء الله.

التدبير:

والتدبير هو أن يقول الرجل لعبده أو أمته: " أنت رق في حياتي، وحر أو حرة بعد وفاتي ". فذلك جار مجرى الوصية، له أن يرجع فيه إن رأى استرقاقه خيرا له، وإن لم يرجع فيه كان العبد رقا في حياة السيد فإذا مات صار حرا بذلك القول المتقدم. ولمالك العبد أن يبيعه بعد التدبير له، غير أنه متى مات البائع صار حرا لا سبيل للذي ابتاعه عليه.

وأما المكاتبة:

فهو أن يكون العبد ذا صناعة أو تجارة و مكسب فينجم عليه سيده مالا من مكسبه على أنه إذا أداه فقد انعتق، ويكتب بذلك كتابا عليه، فإن اشترط في الكتاب: أنك إن عجزت عن الأداء أو الططت به رجعت عبدا، فعجز عن الأداء بعد حلول الأجل أو ألط به - وقد حل الأجل - كان عبدا على حاله قبل المكاتبة، ولم يكن له الرجوع على سيده بشئ مما قبضه منه. وإن لم يشترط عليه ذلك عتق منه بحساب ما أدى، ورق بحساب ما بقي، عليه من الأداء. فلو زنى هذا المكاتب يجلد بحساب الحرية منه والرق. ولو قتل لأخذ منه بحساب الحرية الدية، ولزم مولاه الباقي منها. وإن مات وله مال وولد ورثوا منه بحساب الحرية فيه. وكذلك إن مات وله قرابة حر ورث منه بحساب الحرية فيه. وإن قال العبد لسيده: " كاتبني على كذا وكذا درهما " فكاتبه عليه، كان كابتدائه إياه بالمكاتبة من غير مسألة. ويستحب للمولى أن يهب له من مال مكاتبته شيئا يعينه به على فكاك رقبته من الرق. قال الله عز وجل: " فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتيكم ". وإذا عجز المكاتب عن الأداء كان له سهم من الصدقات يستعين به على أداء ما عليه. قال الله عز وجل: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب ". يعني العتق والكتابة. وإذا كاتب الرجل أمته فأدت من مكاتبتها شيئا حرم عليه وطئها، لأنه يعتق منها بحساب ما أدت، فلا يجوز استباحة فرجها حينئذ بملك اليمين، وبعضها حر، ولا يصح عليها عقد النكاح، وبعضها رق له.