عقائد الشيعة الإمامية | الشيخ المفيد | المقنعة

 

المقنعة

للشيخ المفيد

 

محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى 413 ه‍. ق

 

 

 

كتاب النذور والعهود

باب النذور والعهود

ومن نذر لله تعالى شيئا من البر والقربات فمفترض عليه الوفاء به. فإن لم يف به كان عليه كفارة. والكفارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا. أي هذه الثلاثة فعل فقد أدى الواجب في كفارته. ولا نذر في معصية لله عز وجل. فمن نذر شيئا هو معصية لله تعالى وجب عليه اجتنابه، ولم يحل له فعله، وكان تركه المفترض دون فعله، ولا كفارة عليه في الانصراف عنه. فأما نذر الطاعة فهو أن يعتقد الإنسان: أنه إن عوفي من مرضه، أو رجع من سفره، أو ربح في تجارته، أو كفى شر عدوه، كان لله تعالى عليه صيام يوم، أو شهر، أو سنة، أو صدقة درهم أو دينار، أو حج، أو زيارة، وما أشبه ذلك من أفعال الخير، أو نذر ذلك في فعل الله تعالى بولد له، أو والد، أو أخ من إخوانه، فعليه الوفاء به. فإن لم يف بنذره مختارا كانت عليه الكفارة التي ذكرناها. والنذر في المعصية: أن يعتقد فيما يفعله الله تعالى به مما ذكرناه، أو يفعله بغيره ممن سميناه، أن يشرب خمرا، أو يرتكب فجورا، أو يقتل مؤمنا، أو يؤذي مسلما، أو يترك مفروضا، أو يهجر تطوعا، فعليه ترك الشر، وفعل الخير، والخلاف لما نذره، والعدول عنه إلى الطاعة دون المعصية، ولا كفارة عليه حسب ما ذكرناه. وكذلك من نذر الله تعالى عليه إن تمكن من معصية له فأوقعها أن يصوم شكرا، أو يتصدق، أو يحج، فلا يجوز له الصوم على هذا الوجه، ولا الصدقة، ولا الحج، لأن ذلك شكر على ما خطره الله تعالى، ولم يبحه. فإن جعل نذره على ذلك بالصوم والصدقة والحج وما أشبهه على وجه الكفارة لفعله، وتأكيدا للندم على صنعه، وجب عليه الوفاء به. وكذلك إن جعله نذرا على وجه الكفارة ليمينه في غيره وتمام مراده في سواه. فإن جعله شكرا لذلك لم يجز له فعله. ومتى اعتقد الإنسان أن يفعل شيئا من الخير على نفع يحصل له، ولم يجعله في اعتقاده لله عليه ويوجبه على نفسه، كان بالخيار فيه: إن شاء فعله، وإن شاء تركه. ولا كفارة عليه في تركه. ولو قال قائل: " إن كان كذا فعلى كذا "، ولم يقل: " لله عز وجل علي " كان بالخيار. وإذا قال: " إن كان كذا فلله على كذا " فقد نذر نذرا وجب عليه الوفاء به إذا كان ما نذره طاعة لله عز وجل، أو في طاعة، أو مباح. وإن كان معصية لله، أو في ضلال، فلا يجوز له فعله، كما قدمناه. ومن نذر لله تعالى عليه شيئا، ولم يسمه، ولا عينه باعتقاده، كان بالخيار: إن شاء صام يوما، وإن شاء تصدق بشئ، قل، أم كثر، وإن شاء صلى ركعتين، أو فعل قربة من القربات. ومن نذر أن يصوم حينا من الدهر، ولم يسم شيئا معينا، كان عليه أن يصوم ستة أشهر. قال الله تعالى: " تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ". وذلك في كل ستة أشهر. ومن نذر أن يصوم زمانا، ولم يسم شيئا، فليصم خمسة أشهر كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام. ومن نذر أن يعتق كل عبد له، قديم في ملكه، ولم يعين شيئا، أعتق كل عبد قد مضى عليه ستة أشهر في ملكه. قال الله جل اسمه: " والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ". وهو ما مضى عليه ستة أشهر. ومن نذر أن يتصدق من ماله بمال كثير، ولم يسم شيئا تصدق بثمانين درهما فما زاد. قال الله عز وجل " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ". وكانت ثمانين موطنا. ومن عاهد الله عز وجل أن لا يأتي محظورا، ثم أتاه، كان عليه مثل الذي ذكرناه من الكفارة على من لم يف بنذره من الناس، وهو عتق رقبه، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا. فإن عاهده أن لا يطيعه في شئ، أو يعصيه، لم يجز له ذلك، وكان عليه أن يجتنب معصية الله تعالى، ويصير إلى طاعته، ولا كفارة عليه. فإن عاهد الله أن لا يفعل مباحا كان بالخيار فيه، ولا كفارة عليه. فإن كان ما عاهد الله عليه أفضل من تركه، ثم لم يف بالعهد، كان عليه من الكفارة ما ذكرناه. ومن نذر لله تعالى شيئا لا يستطيعه، أو عاهد الله على فعله، فلا كفارة عليه في تركه، لعجزه عنه. ومن نذر أن يحج ماشيا، أو يزور كذلك، فعجز عن المشي، فليركب، ولا كفارة عليه. فإن ركب من غير عجز كان عليه إعادة الحج والزيارة، ويمشي ما ركب منه، ويركب ما مشى إن شاء الله. وإذا أراد أن يعبر ناذر المشي في زورق نهرا أو بحرا فليقم فيه قائما، ولا يجلس، حتى يخرج إلى الأرض. والذي ينذر لله تعالى أن يصوم يوما بعينه، فيفطره لغير عذر، فعليه الكفارة، وصيامه على سبيل القضاء. فإن عرض له في ذلك اليوم مرض فليفطره، ثم ليقضه، ولا كفارة عليه إن شاء الله. وكذلك المرأة إذا نذرت صوم يوم بعينه، فحاضت فيه، أفطرته، وقضته إذا طهرت. والمسافر يصوم يوم النذر في سفره، ولا يفطره مختارا. ومن نذر أن يخرج شيئا من ماله في سبيل من سبل الخير، ولم يسم شيئا معينا، كان بالخيار، إن شاء تصدق به على فقراء المؤمنين، وإن شاء جعله في حج، أو زيارة، أو وجه من وجوه البر ومصالح الإسلام. ومن جعل جاريته، أو عبده، أو دابته هديا لبيت الله الحرام، أو لمشهد من مشاهد الأئمة عليهم السلام، فليبع العبد، والجارية، والدابة، ويصرف ثمنهم في مصالح البيت، والمشهد، وفي معونة الحاج والزائرين حسب ما سمي في المجعول لذلك من المكان.