عقائد الشيعة الإمامية | الشيخ المفيد | المقنعة

 

المقنعة

للشيخ المفيد

 

محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى 413 ه‍. ق

 

 

 

كتاب الكفارات

 

باب الكفارات

قد مضى القول في كفارة الأيمان، وبينا أنها عتق رقبة، أو كسوة عشرة مساكين - لكل مسكين ثوبان -، أو إطعامهم - لكل مسكين شبعه في يومه - ولا يكون في جملتهم صبي صغير، ولا شيخ كبير، ولا مريض. وأدنى ما يطعم كل واحد منهم مد من طعام. وهو رطلان وربع بما تيسر من الأدم، وأعلاه اللحم، وأدناه الملح، وأوسطه ما بين ذلك من الآدام. وينبغي أن يطعم المسكين من أوسط ما يطعمه أهله. وإن أطعمه أعلى من ذلك كان أفضل. ولا يطعمه من أدون ما يأكل هو وأهله من الأقوات. فإن لم يجد الحانث في اليمين شيئا من هذه الثلاثة الأشياء - لفقره - صام ثلاثة أيام متتابعات. وكفارة الظهار عتق رقبة. فإن لم يجد المظاهر ذلك صام شهرين متتابعين. فإن لم يقدر على هذا الصيام أطعم ستين مسكينا. فإن جامع قبل أن يكفر كان عليه كفارة أخرى للجماع مثل الأولى مما ذكرناه. ولا كفارة في اليمين إلا بعد الحنث. ومن صام شهرا واحدا في كفارة الظهار، أو قتل الخطأ، و غيرهما مما يجب فيه صيام شهرين متتابعين، ثم أفطر مختارا، استأنف الصيام من أوله. فإن أفطر لمرض بنى على ما صام. وإن صام شهرا، ومن الثاني يوما أو أكثر، ثم أفطر لغير عذر، كان مسيئا، وله أن يبني على ما مضى من الصيام. وكفارة الإيلاء كفارة يمين. وكفارة الخلف في النذر كفارة الظهار. فإن لم يقدر على ذلك كان عليه كفارة يمين. وكفارة الوطئ في الحيض دينار إن كان وطئه في أوله على ما بيناه. وإن كان في وسطه فنصف دينار. وإن كان في آخره فربع دينار. وقيمة الدينار عشرة دراهم جيادا، لا غش فيها بحديد ولا رصاص وما أشبههما مما ليس بفضة من الأجناس. ومن وطئ أمته في حيضها كفر عن ذلك بثلاثة أمداد من طعام على ثلاثة مساكين. ومن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، أو صيام شهرين متتابعين، وقضاء ذلك اليوم. وأنى له بمثله في الفضل والثواب. ومن نكث عهد الله تعالى كان عليه من الكفارة ما قدمناه، وهي كفارة قتل الخطأ. ومن أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان، وكان إفطاره له قبل الزوال، قضى يوما مكانه، ولا كفارة عليه. وإن كان إفطاره فيه بعد الزوال كان عليه كفارة يمين - إطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعات - وقضى مكانه يوما. ومن أصبح على الجنابة في شهر رمضان متعمدا حتى تجب صلاة الغداة فعليه الغسل، والصيام، وكفارة بعتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، أو صيام شهرين متتابعين، كما يجب على من أفطر يوما من شهر رمضان. ومن وجب عليه قضاء يوم من شهر رمضان، ففرط فيه، ولم يقضه حتى استهل عليه شهر رمضان ثان، فعليه صيام الحاضر، والكفارة عن كل يوم من الماضي بمد من طعام على مسكين، ثم ليقضه بعد صيام الشهر الذي حضره حتى يكمل العدة الفائتة. ومن فاته صيام شهري رمضان لمرض دام به فليكفر عن الأول منهما بثلاثين مدا من طعام على ثلاثين مسكينا، وليس عليه قضاء صيام، وليقض الثاني منهما إن شاء الله. والحكم في بعض الشهر الأول كالحكم في جميعه سواء يكفر عن ذلك ويقضي الثاني. ومن قتل مؤمنا خطأ - وهو أن يرمي غرضا له فيصيب المؤمن بغير اعتماد. فعليه ديته، وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان. ومن حلق رأسه من أذى به، وهو محرم، كفر عن ذلك بدم شاة، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام متتابعات. وإذا قص المحرم أظفاره، أو شيئا من شعره، كان عليه دم يهريقه، كفارة لصنيعه. والمتمتع بالعمرة إلى الحج عليه لإحلاله بين الإحرامين دم يهريقه مما تيسر له. فإن لم يجد دما لفقره صام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية، ويوم عرفة، وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله متتابعات، كما قال الله عز وجل: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ". ومن ظلل على نفسه وهو محرم، أو لبس ثوبا بعد إحرامه، كان عليه دم يهريقه بمنى، كفارة لما صنع. ومن صاد وهو محرم، فلم يقدر على الفدية والإطعام، قوم ما وجب عليه من الفداء بمنى، وفض قيمته على البر، وحسبه، وصام لكل نصف صاع يوما. قال الله تعالى: " فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ". وإن قدر على الإطعام، ولم يقدر على الفدية، كان عليه في النعامة إطعام ستين مسكينا، وفي البقرة الوحشية إطعام ثلاثين مسكينا، وفي الظبي إطعام عشرة مساكين. ومن نفر حمام الحرم كان عليه لتنفيره دم شاة، كفارة لذنبه. ومن وطأ بيض نعام، وهو محرم، فكسره، كان عليه أن يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما كسر من البيض، فما نتج منها كان المنتوج هديا لبيت الله عز وجل، فإن لم يقدر على ذلك كفر عن كل بيضة بإطعام ستين مسكينا. فإن لم يجد الإطعام صام عن كل بيضة شهرين متتابعين. فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين صام ثمانية عشر يوما، عوضا عن إطعام كل عشرة مساكين بصيام ثلاثة أيام. فإن وطأ بيض القبج أو الدراج أرسل فحولة الغنم على إناثها بعدد المكسور من البيض، فما نتج كان هديا لبيت الله عز وجل، فإن لم يجد ذلك ذبح عن كل بيضة شاة. فإن لم يجد أطعم عن كل بيضة عشرة مساكين، فإن لم يقدر على الإطعام صام عن كل بيضة ثلاثة أيام. ومن قتل زنبورا وهو محرم كفر عن ذلك بتمرة. وكذلك من قتل جرادة، فإن قتل جرادا قليلا كفر عن ذلك بكف من تمر. فإن كان الجراد كثيرا كفر بمد من تمر. ومن حلف بالله تعالى وهو محرم كاذبا كفر عن يمينه بدم شاة. فإن حلف ثانية كفر بدم بقرة، فإن حلف ثالثة كفر بدم بدنة. فإن حلف مرة أو مرتين صادقا لم يكن عليه شئ. فإن حلف ثلاث مرات صادقا كفر بدم شاة. ومن وطأ وهو محرم كفر عن ذلك ببدنة ينحرها بمنى. ومن تزوج بامرأة في عدتها فارقها، وكفر عن فعله بخمسة أصوع من دقيق. ومن نام عن صلاة عشاء الآخرة حتى يزول النصف الأول من الليل صلاها حين يستيقظ، ويصبح صائما كفارة لذنبه في النوم عنها إلى ذلك الوقت. ومن نام عن صلاة الكسوف متعمدا حتى يصبح فليغتسل كفارة لذنبه، ويقضها بعد الغسل. ومن سعى إلى مصلوب بعد ثلاثة أيام ليراه فليستغفر الله تعالى من ذلك، ويغتسل كفارة لسعيه إليه. ومن قتل مؤمنا متعمدا ثم تاب، وأسلم نفسه إلى أولياء المقتول، فرضوا منه بالدية، أو عفوا عنه، كفر عن فعله - مع التوبة - بعتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا. فإن لم يقدر على جميع هذه الثلاث كفارات، وكانت في إمكانه واحدة منها، كفر بها إن شاء الله. ولا يجوز للرجل أن يشق ثوبه في موت ولده، ولا في موت زوجته. فإن فعل ذلك كان عليه كفارة يمين. ولا بأس أن يشق ثوبه على أبيه وفي موت أخيه. ولا يجوز للمرأة أن تلطم وجهها في مصاب، ولا تخدشه، ولا تجز شعرها. فإن جزته كان عليها كفارة قتل الخطأ: عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، أو صيام شهرين متتابعين. وإن خدشت وجهها حتى تدميه فعليها كفارة يمين. وإن لطمت وجهها استغفرت الله تعالى، ولا كفارة عليها أكثر من الاستغفار.