عقائد الشيعة الإمامية | الشيخ المفيد | المقنعة

 

المقنعة

للشيخ المفيد

 

محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى 413 ه‍. ق

 

 

 

كتاب الوقوف والصدقات

 

باب الوقوف والصدقات

والوقوف في الأصل صدقات، لا يجوز الرجوع فيها، إلا أن يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم والقربة إلى الله تعالى بصلتهم، أو يكون تغير الشرط في الوقف إلى غيره أرد عليهم وأنفع لهم من تركه على حاله. وإذا أخرج الواقف الوقف عن يده إلى من وقفه عليه لم يجز له الرجوع في شئ منه، ولا تغيير شرائطه، ولا نقله عن وجوهه وسبله. ومتى اشترط الواقف في الوقف: أنه إن احتاج إليه في حياته لفقر، كان له بيعه وصرف ثمنه في مصالحه. وليس لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف أن يتصرفوا فيه ببيع أو هبة، ولا يغيروا شيئا من شروطه، إلا أن يخرب الوقف، ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان وغيره، أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا، فلهم حينئذ بيعه والانتفاع بثمنه. وكذلك إن حصلت بهم ضرورة إلى ثمنه كان لهم حله. ولا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرناه من الأسباب والضرورات. ومن أسكن إنسانا دارا مدة حياته فله ذلك. فإذا مات الساكن رجعت إلى صاحبها. وكذلك إن جعل له ولولده من بعده سكناها لم يكن له الرجوع في ذلك، إلا أن يكون أسكنهم فيها على غير وجه الصدقة والمبرة لوجه الله عز وجل، فإن أسكنهم لضرب من التدبير الدنياوي، ولم يرد بذلك الصدقة عليهم، كان له الرجوع فيه أي وقت شاء. وله أن يسكن داره شهرا و سنة لوجه الله عز وجل. ولا يجوز له نقل الساكن حتى يمضي ما شرطه له. وإذا تصدق الإنسان على غيره بدار، أو أرض، أو ثمرة، أو عرض من الأعراض، لم يجز له تملكه منه، ولا من غيره بهبة، أو صدقة. ولا بأس أن يملكه منه بميراثه عنه من بعده. ووقف المشاع جائز، وهبته أيضا، والصدقة به. وإذا وقف الإنسان ملكا على ولده، ولم يخص بعضا من بعض بالذكر والتعيين، كان لولده الذكور والإناث وولد ولدهم. وإذا لم يشترط فيه قسمة كان بينهم بالسوية. وإذا تصدق على جيرانه، أو أوصى لهم بشئ، ولم يسمهم بأسمائهم، ولا ميزهم من غيرهم بالصفات، كان مصروفا إلى من يلي داره إلى أربعين ذراعا من أربعة جوانبها، وليس لمن بعد عن هذه المسافة شئ. ولا بأس أن يقف المسلم على أبويه وإن كانا كافرين، وعلى ذوي أرحامه من الكفار. ولا يجوز وقفه على كافر لا رحم بينه وبينه. وإن وقف مسلم شيئا على عمارة بيعة، أو كنيسة، أو بيت نار، كان الوقف باطلا، وإذا وقف الذمي ذلك جاز وقفه. وإذا وقف المسلم شيئا على مصلحة، فبطل رسمها، جعل ذلك في وجوه البر. وإذا وقف على وجوه البر، ولم يسم شيئا بعينه، كان للفقراء والمساكين ومصالح المسلمين. وإذا وقفه على العلوية كان لولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وولد ولده من الذكور والإناث. فإن وقف على الطالبيين كان على ولد أبي طالب رحمة الله عليه وولد ولده من الذكور والإناث. فإن وقفه على الهاشميين كان في ولد هاشم بن عبد مناف وولد ولده من الذكور والإناث. فإن وقفه على المسلمين كان على جميع من أقر بالله تعالى ونبيه صلى الله عليه وآله، وصلى إلى الكعبة الصلوات الخمس، واعتقد صيام شهر رمضان وزكاة الأموال، ودان بالحج إلى البيت الحرام، وإن اختلفوا في المذاهب والآراء. فإن وقفه على المؤمنين كان على مجتنبي الكبائر من الشيعة الإمامية خاصة دون فساقهم وغيرهم من كافة الناس وسائر أهل الإسلام. فإن وقفه على الشيعة ولم يميز كان على الإمامية والجارودية من الزيدية دون البترية ومن عداهم من كافة الناس. فإن وقفه على الإمامية كان على القائلين بإمامة الاثني عشر من آل محمد عليهم السلام دون من خالفهم في ذلك من الأنام. فإن وقفه على الزيدية كان على القائلين بإمامة زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام وإمامة كل من خرج بالسيف بعده من ولد فاطمة عليها السلام من ذوي الرأي والعلم والصلاح. وإذا وقف الإنسان شيئا على قومه ولم يسم كان على جماعة أهل لغته من الذكور دون الإناث. فإن وقفه على عشيرته كان على الخاص من قومه الذين هم أقرب الناس إليه في نسبه. وإذا وقفه على مستحقي الزكاة ولم يعين كان على الثمانية الأصناف الذين جعل الله تعالى لهم ذلك في القرآن من ذوي الستر والصلاح من الإمامية دون من سواهم من الناس، اللهم إلا أن يعرف مراد الواقف والموصي ومن عناه بالذكر بمذهب له يدل على ذلك، أو عادة له في الخطاب، فيحكم عليه بذلك دون ما وصفناه. فإن وقف إنسان شيئا على ولده وولد ولده، ولم يذكر شرطا فيه بعد انقراضهم، كان متى انقرضوا، ولم يبق منهم أحد، راجعا ميراثا على أقرب الناس من آخر المنقرضين من أرباب الوقف. ولا يجوز الوقف على من لم يوجد إلا بعد وقفه على موجود. ولا بد في ذكر الوقف من شرط الصدقة به والقربة إلى الله تعالى بذلك. فإن لم يذكر فيه شرط الصدقة خرج عن أن يكون حبسا مطلقا ووقفا دائما. وللإنسان أن يحبس فرسه في سبيل الله، وغلامه في خدمة البيت الحرام، وبعيره في حمل معونة الحاج والزوار. وإذا فعل ذلك لوجه الله عز وجل لم يجز له تغييره. فإن دبرت الدابة وعجزت، أو مرض الغلام وعجز عن الخدمة سقط عنه فرضها. فإن عاد إلى الصحة كان الشرط فيها قائما حتى يموت العبد، و تنفق الدابة. والله الموفق للصواب.