عقائد الشيعة الإمامية | الشيخ المفيد | المقنعة

 

المقنعة

للشيخ المفيد

 

محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى 413 ه‍. ق

 

 

 

الزكاة (والخمس والجزية)

 

 قال الله عز وجل: " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون " فالفرض التالي لفرض الصلاة في محكم التنزيل هو الزكاة، فلا بد من معرفته وتحصيله، إذ كان في الجهل به جهل أصل من الشريعة، يكفر المنكر له برده، ويؤمن بالإقرار به، لعموم تكليفه وعدم سقوطه عن بعض البالغين، ثم معرفة تفصيله تلزم على شروط، وله ترتيب وحدود، فزكاة الذهب والفضة غير زكاة الإبل والبقر والغنم، والعبرة في أحد هذين غير العبرة في الآخر. والزكاة إنما يجب جميعها في تسعة أشياء، خصها رسول الله صلى الله عليه وآله بفريضتها فيها، وهي الذهب، والفضة، والحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، والإبل، والبقر، والغنم، وعفا رسول الله صلى الله عليه وآله عما سوى ذلك، رواه حريز عن زرارة بن أعين الشيباني ومحمد بن مسلم الثقفي، ورواه أبو بصير المرادي وبريد بن معاوية العجلي والفضيل بن يسار النهدي كلهم عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، و رواه عبد الله بن مسكان عن أبي بكر الحضرمي وصفوان بن يحيى عن ابن بكير عن محمد بن الطيار عن أبي عبد الله عليه السلام.

 

[ 1 ] باب زكاة الذهب

 فإذا بلغ الذهب مقدارا في الوزن مخصوصا وجبت فيه الزكاة، وهو عشرون دينارا مضروبة وازنة مثاقيل ففيها نصف مثقال، وليس فيما دون ذلك زكاة ولو نقص حبة واحدة في الوزن على التحقيق، فإن زادت عليه أربعة دنانير مثاقيل ففيها عشر مثقال، ثم على هذا الحساب في كل عشرين مثقالا نصف مثقال، وفي كل أربعة بعد العشرين عشر مثقال، وليس في عشرين مثقالا غير حبة زكاة كما قدمناه، ولا في أربعة وعشرين مثقالا غير حبة أكثر من نصف مثقال. فإذا صيغت الدنانير حليا، أو سبكت سبيكة لم يجب فيها زكاة ولو بلغت في الوزن مائة وألفا، وكذلك لا زكاة في التبر قبل أن يضرب دنانير، وقد روي: أنه إذا فر بها من الزكاة لزمته زكاتها عقوبة، ولا ينفعه فراره بسبكها وصياغتها.

 

[ 2 ] باب زكاة الفضة

 وليس فيما دون المأتي درهم زكاة، فإذا بلغت المأتين ففيها خمسة دراهم، فإن نقصت حبة واحدة في التحقيق لم يجب فيها شئ، ثم إذا زادت أربعين درهما ففيها ستة دراهم، فإن نقصت الأربعون دانقا لم يجب فيها أكثر من الخمسة دراهم، ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغت الدراهم في كل مأتين خمسة، وفي كل أربعين درهما درهم. وحكم حلي الفضة وسبائكها حكم حلي الذهب وسبائكه فاعتبره إن شاء الله تعالى.

 

[ 3 ] باب زكاة الحنطة والشعير

وهذان الصنفان مع التمر والزبيب زكاتهم واحدة، والعبرة فيها واحدة، إذا بلغ أحدها خمسة أوسق - والوسق ستون صاعا - وجبت فيه الزكاة، ويخرج منه العشر إن كان سقي سيحا أو بالسماء، وإن سقي بالغرب والدوالي والنواضح، ولزمت في سقيه المؤنة فنصف العشر، وليس فيما دون خمسة أوسق زكاة، وما زاد على الخمسة الأوسق فبحسابه.

 

[ 4 ] باب زكاة الإبل

وليس فيما دون خمس من الإبل شئ، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة وليس فيما زاد على الخمس شئ حتى تبلغ عشرا، فإذا بلغت ذلك ففيها شاتان، ثم ليس فيما زاد بعد ذلك شئ حتى تبلغ خمس عشرة، فإذا بلغت ذلك ففيها ثلاث شياه، ثم إذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها خمس شياه، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض حتى تبلغ ستا وثلاثين، فإذا بلغته ففيها ابنة لبون إلى أن تبلغ ستا وأربعين، فإذا بلغت ففيها حقة إلى إحدى وستين، فإذا كملت إحدى وستين ففيها جذعة إلى ستة وسبعين، فإذا بلغت ذلك ففيها بنتا لبون إلى التسعين، فإذا زادت واحدة فيها حقتان إلى مائة وعشرين، فإذا بلغت ذلك، وزادت عليه ترك هذا الاعتبار، وأخرج من كل خمسين حقة، ومن كل أربعين بنت لبون.

 

[ 5 ] باب زكاة البقر

وليس فيما دون ثلاثين من البقر شئ، فإذا كملت ثلاثين ففيها تبيع حولي أو تبيعة إلى الأربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة، ثم في ستين تبيعان، وفي سبعين تبيعة ومسنة، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاث تبايع، وفي مائة تبيعتان ومسنة، ثم على هذا الحساب إلى ما بغلت في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة.

 

[ 6 ] باب زكاة الغنم

والغنم إذا بلغت أربعين شاة وجب فيها شاة، وما دون ذلك فليس فيه شئ، وليس فيما فوق الأربعين شئ إلى أن تبلغ عشرين ومائة، فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة ففيها شاتان إلى مأتين، فإذا كملت مأتين، وزادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمأة، فإذا بلغت ذلك تركت هذه العبرة، وأخرج من كل مائة شاة، ولا يفرق بين مجتمع منها، ولا يجمع منها بين متفرق.

 

[ 7 ] باب زكاة أموال الأطفال والمجانين

ولا زكاة عند آل الرسول عليهم السلام في صامت أموال الأطفال والمجانين من الدراهم والدنانير إلا أن يتجر الولي لهم أو القيم عليهم بها، فإن اتجر بها، وحركها وجب عليه إخراج الزكاة منها، فإذا أفادت ربحا فهو لأربابها، وإن حصل فيها خسران ضمنه المتجر لهم بها. وعلى غلاتهم وأنعامهم الزكاة إذا بلغ كل واحد من هذين الجنسين الحد الذي يجب فيه الزكاة، وليس يجري ذلك مجرى الأموال الصامتة على ما جاء عن الصادقين عليهم السلام.

 

[ 8 ] باب زكاة المال الغائب والدين والقرض

ولا زكاة على المال الغائب عن صاحبه إذا عدم التمكن من التصرف فيه والوصول إليه. ولا زكاة في الدين إلا أن يكون تأخيره من جهة مالكه، ويكون بحيث يسهل عليه قبضه متى رامه. ولا زكاة على المقرض فيما أقرضه إلا أن يشاء التطوع بزكاته، وعلى المستقرض زكاته ما دام في يده، ولم يستهلكه، لأن له نفعه. فمتى تمكن رب المال الغائب منه، ورجع الدين إلى صاحبه، ووصل القرض إلى مالكه، وحال على كل واحد منهم الحول عنده وجبت فيه الزكاة.

 

[ 9 ] باب وقت الزكاة

ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، وهو على كمال حد ما تجب فيه الزكاة، وكذلك لا زكاة على غلة حتى تبلغ حد ما تجب فيه الزكاة بعد الخرص والجذاذ والحصاد، وخروج مؤنتها منها وخراج السلطان، فأما الأنعام فإنما تجب الزكاة فيها على السائمة، منها خاصة إذا حال عليها الحول، وهي في مدة زمانه على الحد من العدد الذي تجب فيه ببلوغه الزكاة على ما قدمنا ذلك في الأموال.

 

[ 10 ] باب تعجيل الزكاة وتأخيرها عما تجب فيه من الأوقات

والأصل في إخراج الزكاة عند حلول وقتها، دون تقديمها عليه أو تأخيرها عنه كالصلاة، وقد جاء عن الصادقين عليهم السلام رخص في تقديمها شهرين قبل محلها، وتأخيرها شهرين عنه، وجاء ثلاثة أشهر أيضا وأربعة عند الحاجة إلى ذلك، وما يعرض من الأسباب، والذي أعمل عليه، وهو الأصل المستفيض عن آل محمد عليهم السلام لزوم الوقت، فإن حضر قبله من المؤمنين محتاج، يجب صلته، وأحب الإنسان أن يقدم له من الزكاة جعلها قرضا له، فإذا حل وقت الزكاة، والمقترض على حاله من الفقر أجزأت عنه في الزكاة، وإن تغيرت حاله إلى الغنى لم يجز ذلك عنه في الزكاة. وإذا جاء الوقت فعدم صاحب المال عنده مستحق الزكاة عزلها من جملة ماله إلى أن يجد من يستحقها من أهل الفقر والإيمان، وإن قدر على إخراجها إلى بلد، يوجد فيه مستحق الزكاة أخرجها، ولم ينتظر بها وجود مستحقها ببلده إلا أن يغلب في ظنه قرب وجوده، ويكون أولى بها ممن يحمل إليه من أهل الزكاة على ما جاء به الأثر عن آل الرسول عليهم السلام، فإن هلكت الزكاة في الطريق المحمول فيها إلى مستحقها أجزأت عن صاحب المال، ولا يجزيه ذلك إذا حملها، فهلكت، وقد كان واجدا لمستحقها في بلده، وإنما أخرجها منه إلى غيره لاختيار أهل الاستحقاق، ووضعها في بعض يؤثره منهم دون من حضره على ما قدمناه.

 

[ 11 ] باب أصناف أهل الزكاة

قال الله عز وجل: " إنما الصدقات للفقراء "، وهم الذين لا كفاية لهم مع الاقتصاد، " والمساكين "، وهم المحتاجون، السائلون لشدة ضرورتهم، " والعاملين عليها "، وهم السعادة في جبايتها، " والمؤلفة قلوبهم "، وهم الذين يستمالون، ويتألفون للجهاد ونصرة الإسلام، " وفي الرقاب "، وهم المكاتبون، ويعاونون بالزكاة على فك رقابهم، وفي العتق أيضا على الاستيناف، " والغارمين "، وهم الذين قد ركبتهم الديون في غير معصية ولا فساد، " وفي سبيل الله "، وهو الجهاد، " وابن السبيل "، وهم المنقطع بهم في الأسفار، وقد جاءت رواية: أنهم الأضياف، يراد به من أضيف لحاجته إلى ذلك، وإن كان له في موضع آخر غنى ويسار، وذلك راجع إلى ما قدمناه.

 

[ 12 ] باب صفة مستحق الزكاة للفقر والمسكنة من جملة الأصناف

ولا يجوز الزكاة في اختصاص الصنفين إلا لمن حصلت له حقيقة الوصفين، وهو أن يكون مفتقرا إليها بزمانة تمنعه من الاكتساب، أو عدم معيشة تغنيه عنها، فيلتجئ إليها للحاجة والاضطرار، روى زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: لا تحل الصدقة لمحترف، ولا لذي مرة سوى قوي، فتنزهوا عنها. ولا تجوز لأحد من هذين الصنفين ولا من الستة المقدم ذكرهم إلا بعد أن يكون عارفا تقيا. روى زرارة وبكير والفضيل ومحمد بن مسلم وبريد العجلي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا: موضع الزكاة أهل الولاية. وروى إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال: لا، ولا زكاة الفطرة. وروى محمد بن عيسى عن داود الصرمي قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال: لا.

 

[ 13 ] باب من تحل له من الأهل وتحرم عليه الزكاة

وتحل الزكاة للأخ، والأخت، والعم، والعمه، والخال، والخالة، وأبنائهم، وقراباتهم، وأهليهم إذا كانوا من أهل المعرفة والرشاد، وتحرم على الأب، والأم، والابن، والبنت، والزوجة، والجد، والجدة، والمملوك، لأن هؤلاء جميعا ممن يجبر الإنسان على نفقتهم عند اضطرارهم إليها، فلأجل ذلك لم يجز لهم منه الزكاة.

 

[ 14 ] باب ما يحل لبني هاشم، ويحرم عليهم من الزكاة

وتحرم الزكاة الواجبة علي بني هاشم جميعا من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وجعفر، وعقيل، والعباس رضي الله عنهم إذا كانوا متمكنين من حقهم في الخمس من الغنائم على ما نطق به القرآن، فإذا منعوه، واضطروا إلى الصدقة حلت لهم الزكاة. وتحل صدقة بعضهم على بعض، وجميع ما يتطوع به عليهم من الصدقات. روى جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: تحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال: أما الصدقة الواجبة فلا تحل لنا، وأما غير ذلك فليس به بأس، ولو كان ذلك ما استطاعوا يعني بني هاشم أن يخرجوا إلى مكة، هذه المياه عامتها صدقة. فبين عليه السلام أن التطوع عليهم طلق جائز، ليس به بأس.

 

[ 15 ] باب مقدار ما يخرج من الصدقة، وأقل ما يعطى الفقير من الزكاة

ولا بأس بإخراج قليل الصدقة في التطوع وكثيرها، وإعطائه واحدا أو جماعة. وأقل ما يعطى الفقير من الزكاة المفروضة خمسة دراهم فصاعدا، لأنها أقل ما يجب في الحد الأول من الزكاة، وليس لأكثره حد مخصوص، لتفاوت الناس في كفاياتهم، وجواز إخراج غنى الفقير إليه من الزكاة. روى الحسن بن محبوب عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم، وهي أقل ما فرض الله عز وجل من الزكاة في الأموال. وروى إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قلت له: أعطى الرجل من الزكاة ثمانين درهما؟ قال: نعم، قال: قلت: أعطيه مأة درهم؟ قال: نعم، أعطه، وأغنه إن قدرت أن تغنيه. وروي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: إذا أعطيت الفقير فأغنه.

 

[ 16 ] باب حكم الحبوب بأسرها في الزكاة

وتزكى سائر الحبوب مما أنبتت الأرض فدخل القفيز والمكيال بالعشر ونصف العشر كالحنطة والشعير سنة مؤكدة، دون فريضة واجبة، وذلك أنه قد ورد في زكاة سائر الحبوب آثار عن الصادقين عليهم السلام مع ما ورد عنهم في حصرها في التسعة الأشياء المقدم ذكرها، وقد ثبت أن أخبارهم لا تتناقض، فلم يكن لنا طريق إلى الجمع بينها إلا إثبات الفرض فيما أجمعوا على وجوبه فيه، وحمل ما اختلفوا فيه مع عدم ورود التأكيد في الأمر به على السنة المؤكدة - على ما بيناه في أول هذا الباب - إذا كان الحمل لهما على الفرض معا يتناقض به الألفاظ الواردة فيه، وإسقاط أحدهما إبطال الإجماع، وإسقاط الآخر إبطال إجماع الفرقة المحقة على المنقول في معناه، وذلك فاسد، وفي فساده صحة ما أوردناه من الفتوى. روى محمد بن مسلم قال: سألته عن الحرث ما يزكى منه؟ قال: البر، والشعير، والذرة، والدخن، والأرز، والسلت، والعدس، والسمسم، كل هذا يزكى وأشباهه وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام مثله، وقال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة.

 

[ 17 ] باب حكم الخضر في الزكاة

ولا خلاف بين آل الرسول عليهم السلام كافة وبين شيعتهم من أهل الإمامة أن الخضر كالقصب، والبطيخ، والقثاء والخيار، والباذنجان، والريحان، وما أشبه ذلك مما لا بقاء له لا زكاة فيه ولو بلغت قيمته ألف دينار، ومائة ألف دينار ولا زكاة على ثمنه بعد البيع حتى يحول عليه الحول، وهو على كمال حد ما يجب فيه الزكاة.

 

[ 18 ] باب حكم الخيل في الزكاة

وتزكى الخيل العتاق الإناث السائمة، والبراذين الإناث السائمة سنة غير فريضة، لما روي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه وضع على الخيل العتاق الإناث السائمة عن كل فرس في كل عام دينارين، وجعل على البراذين السائمة الإناث في كل عام دينارا. وروى زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هل في البغال شئ؟ قال: لا، فقلت له: فيكف صار على الخيل، ولم يصر على البغال؟ قال: لأن البغل لا يلقح، والخيل الإناث ينتجن، وليس على الخيل الذكور إذا انفردت في الملك وإن كانت سائمة شئ، قلت: فما في الحمير؟ فقال: ليس فيها شئ، قال: قلت: هل على الفرس، أو على البعير يكونان للرجل يركبهما شئ؟ قال: لا، ليس على ما يعلف شئ، إنما الصدقة على السائمة.

 

[ 19 ] باب حكم أمتعة التجارات في الزكاة

وكل متاع في التجارة طلب من مالكه بربح أو برأس ماله، فلم يبعه طلبا للفضل فيه، فحال عليه الحول ففيه الزكاة بحساب قيمته إذا بلغت ما يجب في مثلها من المال الصامت الزكاة سنة مؤكدة على المأثور عن الصادقين عليهم السلام، ومتى طلب بأقل من رأس ماله فلم يبعه فلا زكاة عليه وإن حال عليه حول وأحوال، وقد روي أنه إذا باعه زكاة لسنة واحدة، وذلك هو الاحتياط، روى إسماعيل بن عبد الخالق قال: سأله سعيد الأعرج، وأنا أسمع، قال: إنا نكبس الزيت والسمن، نطلب به التجارة، فربما مكث عند أحدنا السنة والسنتين فهل عليه زكاة؟ فقال: إن كنت تربح فيه شيئا، أو تجد رأس مالك فلا تبيعه فعليك زكاته، وإن كنت إنما تربص به، لأنك لا تجد إلا وضيعة فليس عليك زكاة حتى يصير ذهبا أو فضة، فإذا صار ذهبا أو فضة فزكه للسنة التي تتجر فيها.

 

[ 20 ] باب زكاة الفطرة

وزكاة الفطرة واجبة على كل حر، بالغ، كامل بشرط وجود الطول لها، يخرجها عن نفسه، وعن جميع من يعول: من ذكر، وأنثى، وحر، وعبد، وعن جميع رقيقه من المسلمين، وأهل الذمة في كل حول مرة. روي عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة. وروى يونس بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة. وهي سنة مؤكدة على من قبل الزكاة لفقره، وفضيلة لمن قبل الفطرة لمسكنته، دون السنة المؤكدة والفريضة. روى الفضيل بن يسار وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا: لهما هل على من قبل الزكاة زكاة؟ فقالا: أما من قبل زكاة المال فإن عليه زكاة الفطرة، وأما من قبل زكاة الفطرة فليس عليه زكاة الفطرة. وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: على الفقير الذي يصدق عليه إعطاء الفطرة مما يصدق عليه. فكان الحديثان الأولان يدلان على وجوب فرض الفطرة على الأغنياء خاصة، لتميزهم بالذكر في فريضتها، واقتضى الحديث الأول من هذين الحديثين الآخرين لزومها بالسنة بعض الفقراء، لاستحالة إيجابه بالفرض عليهم الدخول في المميزين المخصوصين منهم بمعنى القول المنطوق به فيهم، ودل ( على أنها سنة فوق الفضيلة في الرتبة، بتضمنه إسقاطها عمن هو دونهم في طبقة الفقر، مع ورود ظاهر ما يقتضي وجوبها عليهم في الحديث الذي يليه، واستحالة تناقض أقوال الصادقين عليهم السلام.

 

[ 21 ] باب وقت زكاة الفطرة

ووقت وجوبها يوم العيد بعد الفجر منه قبل صلاة العيد، قال الله عز وجل: " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ". وقال الصادقون عليهم السلام: نزلت هذه الآية في زكاة الفطرة خاصة. فمن أخرج فطرته قبل صلاة العيد فقد أدرك وقت فرضها، ومن أخرها إلى بعد الصلاة فقد فاته الوقت، وخرجت عن كونها زكاة الفرض إلى الصدقة والتطوع. وقد جاء أنه لا بأس بإخراجها في شهر رمضان من أوله إلى آخره. وهو على جواز تقديم الزكاة، والأصل هو لزوم الوقت على ما بيناه.

 

[ 22 ] باب ماهية زكاة الفطرة

وهي فضلة أقوات أهل الأمصار على اختلاف أقواتهم في النوع: من التمر، والزبيب، والحنطة، والشعير، والأرز، والأقط، واللبن، فيخرج أهل كل مصر فطرتهم من قوتهم، ولا بأس أن يخرجوا قيمتها ذهبا أو فضة.

 

[ 23 ] باب تمييز فطرة أهل الأمصار

روي عن أبي الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام أنه قال: الفطرة على أهل مكة، والمدينة، واليمن، وأطراف الشام، واليمامة، والبحرين، والعراقين، وفارس، والأهواز، وكرمان من التمر، وعلى أوساط الشام، ومرو من خراسان، والري من الزبيب، وعلى أهل الجزيرة، والموصل، والجبال كلها، وباقي خراسان من الحب: الحنطة والشعير، وعلى أهل طبرستان من الأرز، وعلى أهل مصر من البر، ومن سكن البوادي من الأعراب فعليه الفطرة من الأقط، ومن عدم الأقط من الأعراب، ووجد اللبن فعليه الفطرة منه.

 

[ 24 ] باب كمية الفطرة ووزنها ومقدارها

والفطرة صاع من تمر، أو صاع من حنطة، أو صاع من شعير، أو صاع من زبيب، ومن جميع ما تقدم ذكره صاع صاع. والصاع أربعة أمداد، والمد مأتا درهم واثنان وتسعون درهما ونصف، وذلك جملة الصاع من الوزن ألف درهم واحد ومائة وسبعون درهما بأوزان بغداد، والدرهم ستة دوانيق، والدانق ثماني حبات من أوسط حب الشعير، وهو ستة أرطال بالمدني، وتسعة بالعراقي.

 

[ 25 ] باب أفضل الفطرة ومقدار القيمة

وأفضل ما أخرجه المسلم في فطرته التمر، لأن أصل السنة من النبي صلى الله عليه وآله به. وقال الصادق عليه السلام: لأن أتصدق بصاع من تمر في الفطرة أحب إلى من أن أتصدق بصاع من ذهب. وقال عليه السلام: من تصدق بصاع من تمر جعل الله له بكل تمرة نخلة في الجنة. وسأله بعضم عن الأنواع أيها أحب إليه في الفطرة؟ فقال: أما أنا فلا أعدل بالتمر للسنة شيئا. وسئل عن القيمة مع وجود النوع؟ فقال: لا بأس بها. وسئل عن مقدار القيمة؟ فقال: درهم في الغلاء، والرخص. وروى: أن أقل القيمة في الرخص ثلثا درهم. وذلك متعلق بقيمة الصاع في وقت المسألة عنه، والأصل إخراج القيمة عنها بسعر الوقت الذي تجب فيه.

 

[ 26 ] باب مستحق الفطرة وأقل ما يعطى الفقير منها

ومستحق الفطرة هو من كان على صفات مستحق الزكاة: من الفقر أولا، ثم المعرفة والإيمان، ولا يجوز إخراج الفطرة إلى غير أهل الإيمان، لأنها من مفروض الزكاة. وأقل ما يعطى الفقير منها صاع، ولا بأس بإعطائه أصواعا.

 

[ 27 ] باب وجوب إخراج الزكاة إلى الإمام

قال الله عز وجل: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ". فأمر نبيه عليه وآله السلام بأخذ صدقاتهم، تطهيرا لهم بها من ذنوبهم، وفرض على الأمة حملها إليه بفرضه عليها طاعته، ونهيه لها عن خلافه، والإمام قائم مقام النبي صلى الله عليه وآله فيما فرض عليه: من إقامة الحدود والأحكام، لأنه مخاطب بخطابه في ذلك على ما بيناه فيما سلف، وقدمناه، فلما وجد النبي صلى الله عليه وآله كان الفرض حمل الزكاة إليه، ولما غابت عينه من العالم بوفاته صار الفرض حمل الزكاة إلى خليفته، فإذا غاب الخليفة كان الفرض حملها إلى من نصبه من خاصته لشيعته، فإذا عدم السفراء بينه وبين رعيته وجب حملها إلى الفقهاء المأمونين من أهل ولايته، لأن الفقيه أعرف بموضعها ممن لا فقه له في ديانته.

 

[ 28 ] باب من الزيادات في الزكاة

ولا بد في علم الزكاة من معرفة أربعة حدود: أولها حد كمال ما يجب فيه الزكاة، وثانيها وقت وجوب الزكاة، وثالثها المقدار الواجب من الزكاة، ورابعها صفة المستحق للزكاة. ومتى اجتمع نوعان فلم تبلغ كل واحد منهما حد ما يجب فيه الزكاة فلا زكاة فيهما وإن كانا جميعا يزيدان في القيمة على حد كمال ما يجب فيه الزكاة مثل اجتماع مأة درهم وتسعين درهما من الورق وتسعة عشر دينارا من لذهب، وكاجتماع عشرين من البقر وأربع من الإبل، وأربعة أوسق من الحنطة وأربعة أوسق من الشعير، وليس يجب في شئ من ذلك زكاة حتى يبلغ كل نوع منه على حياله الحد الذي فرض الله تعالى فيه الزكاة. والزكاة في كل نوع من جنسه إلا الإبل خاصة ففيها الشاة حتى تبلغ ستا وعشرين. ولا بأس بإخراج الذهب عن الفضة بالقيمة، وإخراج الفضة عن الذهب بالقيمة على حسب ما تيسر على الإنسان، وكذلك لا بأس بإخراج الشعير عن الحنطة بقيمتها، والحنطة عن الشعير، والذهب والفضة عن الحنطة والشعير وإن كان الأفضل إخراج الجنس. ولا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلا أن تعدم ذوات الأسنان المخصوصة في الزكاة. روى محمد بن عيسى عن محمد بن مهران عن عبد الله بن زمعة عن أبيه عن جد أبيه أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله كتب في كتابه الذي كتبه له بخطه حين بعثه على الصدقات: من بلغ عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقة، فإنه تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين أو عشرين درهما. ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده حقة، وعنده جذعة، فإنه تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما. ومن بلغت صدقته حقة، وليست عنده حقة، وعنده ابنة لبون، فإنه تقبل منه ابنة لبون، ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما. ومن بلغت صدقته ابنة لبون، وليست عنده ابنة لبون، وعنده حقة، فإنه تقبل الحقة منه، ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما. ومن بلغت صدقته ابنة لبون، وعنده ابنة مخاض، فإنه تقبل منه ابنة مخاص، ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما. ومن بلغت صدقته ابنة مخاض، وليست عنده ابنة مخاض، وعنده ابنة لبون، فإنه تقبل منه بنت لبون، ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، ومن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها، وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون، وليس معه شئ. ومن لم يكن عنده إلا أربع من الإبل، وليس له مال غيرها فليس فيها شئ إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغ ماله خمسا ففيه شاة. وروي حماد عن حريز عن بريد العجلي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بعث أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله مصدقا من الكوفة إلى باديتها، فقال له: يا عبد الله انطلق، وعليك بتقوى الله، ولا تؤثرن دنياك على آخرتك، وكن حافظا لما ايتمنتك عليه، راعيا لحق الله عز وجل حتى تأتي نادي بني فلان، فإذا قدمت فأنزل بمائهم من غير أن تخالط بيوتهم، ثم امض إليهم بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم، فتسلم عليهم، ثم قل: يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله، لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه؟ فإن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه، وإن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه، أو تعده إلا خيرا، فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه، فإن أكثره له، وقل: يا عبد الله أتأذن لي في دخول مالك؟ فإذا أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه ولا عنف به، فاصدع المال صدعين، فخيره أي الصدعين شاء، فأيهما اختار فلا تعرض له، ثم أصدع الباقي صدعين، ثم خيره، فأيهما اختار فلا تعرض له، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله عز وجل في ماله، فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه، وإن استقالك فأقله، ثم اخلطها، فاصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله، فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحا، شفيقا، أمينا، حفيظا، غير معنف بشئ منها، ثم احذر ما اجتمع من كل ناد إلينا، نصيره حيث أمر الله " عز وجل " فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وفصيلها، ولا يفرق بينهما، ولا يمص لبنها، فيضر ذلك بفصيلها، ولا يجهد بها ركوبا، وليعدل بينهن في ذلك، وليوردهن كل ماء يمر به، ولا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطرق في الساعات التي تريح وتغبق، وليرفق بهن جهده حتى تأتينا بإذن الله سجاجا، سمانا، غير متعبات، ولا مجهدات، فنقسمهن على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله على أولياء الله، فإن ذلك أعظم لأجرك، وأقرب لرشدك، ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبعثت في حاجته، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما نظر الله إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة لإمامه إلا كان معنا في الرفيق الأعلى. قال: ثم بكى أبو عبد الله عليه السلام، ثم قال: يا بريد لا والله ما بقيت لله حرمة إلا انتهكت، ولا عمل بكتاب ولا سنة في هذا العالم، ولا أقيم في هذا الخلق حد منذ قبض أمير المؤمنين عليه السلام، ولا عمل بشئ من الحق إلى يوم الناس هذا. ثم قال: أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيى الله الموتى، ويميت الأحياء، ويرد الحق إلى أهله، ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه، فأبشروا، ثم أبشروا، ثم أبشروا، فوالله ما الحق إلا في أيديكم. وروى إسماعيل بن مهاجر عن رجل من ثقيف قال: استعملني علي بن أبي طالب عليه السلام على بانقيا وسواد من سواد الكوفة فقال لي، والناس حضور: انظر خراجك فجد فيه، ولا تترك منه درهما، فإذا أردت أن تتوجه إلى عملك فمر بي. قال: فأتيته، فقال: إن الذي سمعت مني خدعة، إياك أن تضرب مسلما، أو يهوديا، أو نصرانيا في درهم خراج، أو تبيع دابة عمل في درهم، فإنا أمرنا أن نأخذ منهم العفو. ولا تجمع بين متفرق، ولا تفرق بين مجتمع، يعني في الملك على ما قدمناه، والمعنى في ذلك: أنه لا يؤخذ من الشريكين صدقة إذا بلغ ملكهما جميعا مقدار ما يجب فيه الزكاة، ولا تسقط الزكاة عن المالك وإن كان ملكه في الأماكن على الافتراق. وإن أخذ المصدق حقه من الأنعام فباعها فيمن يريد فطلبها المتصدق بالثمن فهو أحق بها. وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له في الجواميس زكاة؟ قال: نعم مثل ما في البقر. ومال القرض لا زكاة فيه على ربه، وإنما الزكاة على المستقرض، لأنه ينتفع به إلا أن يختار المقرض الزكاة عنه، فإن اختار ذلك فعليه إعلام المستقرض، ليسقط عنه بالعلم فرض الزكاة. ولا زكاة في الحلي، وسبائك الذهب والفضة، واللؤلؤ، والجوهر، والزبرجد، إلا أن يتطوع مالكه فيتصدق عنه تبرعا. وكل مال تجب فيه الزكاة إذا حل الشهر الثاني عشر من السنة عليه فقد وجبت فيه الزكاة، فلو وهبه، أو أخرجه من يده بغير الهبة بعد دخول الشهر الثاني عشر بيوم واحد لم تسقط عنه بذلك الزكاة. وإذا ترك الرجل عند أهله نفقة لسنين فبلغت ما يجب فيه الزكاة فإن كان حاضرا وجبت عليه فيها الزكاة، وإن كان غائبا فليس عليه زكاة. وإذا لم يجد المسلم مؤمنا يستحق الزكاة، وقد وجبت عليه، ووجد مملوكا مؤمنا يباع، فاشتراه بمال الزكاة، وأعتقه أجزأه ذلك في الزكاة. وكذلك إذا وجد مستحقا للزكاة إلا أنه رأى مملوكا مؤمنا في ضرورة، فاشتراه بزكاته، وأعتقه أجزأه. فإن استفاد المعتق بعد ذلك مالا، وتوفي، ولا وارث له كان ما ترك من المال للفقراء والمساكين من المؤمنين، لأنه إنما اشترى بحقهم من الزكاة. ولا بأس بتفضيل القرابة على غيرهم بإعطاء الزكاة إذا كانوا من أهل الفضل والإيمان، بل ذلك أفضل من إعطاء البعداء مع حصول الفقر في الأقرباء. ويجب تفضيل الفقراء في الزكاة على قدر منازلهم في الفقه والبصيرة والطهارة والديانة. ومن لا يسأل أولى بالزكاة ممن يسأل إذا تساوت أحوالهم في المعرفة والفضل. ولا بأس بإعطاء الزكاة أطفال المؤمنين عند حاجتهم إليها بعد موت آبائهم، فإذا بلغوا واعتقدوا الإيمان سلك بهم سبيل المؤمنين في الزكاة، وإن خالفوا قطعت عنهم الزكاة. ولا بأس أن تقضى بالزكاة عن المؤمن في حياته وبعد موته الديون. ومن أعطى مؤسرا شيئا من الزكاة وهو يرى أنه معسر، ثم تبين بعد ذلك يساره فعليه الإعادة، ولم يجزه ما سلف في الزكاة. ومن أعطى زكاته رجلا من أهل الخلاف لم يجزه، وكان عليه الإعادة، إلا أن يكون اجتهد في الطلب فأعطاها على ظاهر الإيمان، ثم علم بعد ذلك بالخلاف فلا شئ عليه. ومن حمل زكاته من بلده إلى بلد آخر فهلكت فهو ضامن لها، وعليه الإعادة إن كان وجد لها ببلده موضعا فلم يضعها فيه، وإن لم يكن وجد لها موضعا فلا ضمان عليه. وروي عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر، ولا يقسمها بينهم بالسوية، و إنما يقسمه صدقة على قدر من يحضره منهم، وما يراه، ليس في ذلك شئ مؤقت. وقال: تعطى صدقة الأنعام لذوي التجمل من الفقراء، لأنها أرفع من صدقة الأموال، وإن كان جميعها صدقة وزكاة، ولكن أهل التجمل يستحيون أن يأخذوا صدقات الأموال. وقال أبو عبد الله عليه السلام: تارك الزكاة - وقد وجبت له - مثل مانعها وقد وجبت عليه. وقال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ الزكاة أفأعطيه من الزكاة، ولا اسمي له أنها من الزكاة؟ قال: أعطه، ولا تسم له، ولا تذل المؤمن. وقال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها، ويضعها في مواضعها، وهو ممن تحل له الصدقة أيأخذ منها؟ قال: لا بأس أن يأخذ لنفسه، كما يعطي غيره، ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه. وقال عليه السلام في قوله تعالى: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي " قال: نزلت في الفريضة. " وإن تخوفها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم " قال: ذلك في النافلة. وقال أبو عبد الله عليه السلام: صدقة السر تطفئ غضب الرب. وقال: عليه السلام: صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتمحو الذنب العظيم، وتهون الحساب، وصدقة النهار تزيد في العمر، وتثمر المال. وقال عليه السلام: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله أي الصدقة أفضل؟ فقال: على ذي الرحم الكاشح. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصدقة بعشر، والقرض بثماني عشرة، وصلة الإخوان بعشرين، وصلة الرحم بأربع وعشرين. وقال: أبو عبد الله عليه السلام: أترون أن في المال الزكاة وحدها؟ ما فرض الله في المال من غير الزكاة أكثر، تعطي منة القرابة، والمعترض لك ممن يسألك فتعطيه ما لم تعرفه بالنصب، فإذا عرفته بالنصب فلا تعطه شيئا، إلا أن تخاف لسانه فتشتري دينك وعرضك منه. وقال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: " وآتوا حقه يوم حصاده " قال: هو سوى ما تخرجه من زكاتك الواجبة، تعطي الضغث بعد الضغث، والحفنة بعد الحفنة. ونهى عليه وآله السلام عن الحصاد والتضحية بالليل، وقال: إذا أنت حصدت بالليل لم يحضرك سائل، وإن ضحيت بالليل لم يجئك قانع. وقال: كان علي عليه السلام يقول: قرض المال حمى الزكاة وقال: قلت له: أعطى سائلا لا أعرفه؟ قال: نعم، أعط من لا تعرفه بولاية ولا عداوة للحق، إن الله تعالى يقول: " وقولوا للناس حسنا " ولا تعط لمن نصب لشئ من الحق، أو دعا إلى شئ من الباطل. وقال عليه السلام: أعط من وقعت في قلبك الرحمة له، ولكن إذا لم تعرفه فأعطه ما دون الدرهم إلى أربعة دوانيق. وقال أبو عبد الله عليه السلام: لا تحل صدقة المهاجرين للأعراب، ولا صدقة الأعراب في المهاجرين. وقال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال: نعم، إلا أن تكون داره ذات غلة فيخرج له من غلتها ما يكفيه وعياله، فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه ولعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم في غير إسراف فقد حلت له الزكاة، وإن كانت غلتها تكفيهم فلا. وقال سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن رجل يكون أبوه، أو عمه، أو أخوه يكفيه مؤنته أيأخذ من الزكاة فيتوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ فقال: لا بأس. قال: وقلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما يعطى المصدق؟ قال: ما يرى الإمام، لا يقدر له شئ. وقال: قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في قوله عز وجل: " للسائل والمحروم ": من هذا المحروم؟ فقالا: المحروم الرجل الذي ليس بعقله بأس، ولم يبسط له في الرزق، وهو محارف. وروى أبو بصير وزرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه قال: تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني: الفطرة، كالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله من تمام الصلاة، ومن صام، ولم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمدا، ومن صلى، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وآله، وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له، إن الله تعالى بدأ بها قبل الصلاة، فقال: " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ". ومن أضاف مسلما لضرورة به إلى ذلك طول شهر رمضان أو في النصف الأخير منه إلى آخره وجب عليه إخراج الفطرة عنه، لأنه قد صار بالضيافة بحكم العيال. وروى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطرة إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله. وروى علي بن راشد قال سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال: للإمام. قال: قلت: فأخبر أصحابي؟ قال: نعم، من أردت أن تطهره منهم. وروى عبد الرحمن بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: بعثت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام بدراهم لي ولغيري، وكتبت إليه أخبره بأنها فطرة العيال، فكتب بخطه: قبضت وقال أبو عبد الله عليه السلام: أحسنوا جوار النعم. فقيل له: وما حسن جوار النعم؟ فقال: الشكر لمن أنعم بها، وأدى حقوقها. وقال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى: " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى "؟ قال: صدق بأن الله يعطي بالواحد عشرة إلى مائة ألف فما زاد. قلت: " فسنيسره اليسرى "؟ قال: لا يريد شيئا من الخير إلا يسر له. قال: قلت: " وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى "؟ قال: كذب بأن الله يعطي بالواحد عشرة إلى مائة ألف فما زاد. قلت: " فسنيسره للعسرى "؟ قال: لا يريد شيئا من الشر إلا يسر له. قلت: " وما يغني عنه ماله إذا تردى "؟ قال: أما والله ما هو ترد في بئر، ولا من جبل، ولا من حائط ولكن ترد في نار جهنم. قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله عز وجل يقول: ما من شئ إلا وقد وكلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة، فإني أتلقاها بيدي، حتى أن الرجل ليتصدق بالتمرة، أو بشق التمرة فأربيها له، كما يربي الرجل فلوه وفصيله، فتلقاه يوم القيامة، وهي مثل جبل أحد، وأعظم من أحد. وقال: أحب الأعمال إلى الله عز وجل إشباع جوعة المؤمن، أو تنفيس كربته، أو قضاء دينه. وقال عليه السلام: أفضل الصدقة برد كبد حرى. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تقطعوا على السائل مسألته، فلولا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم. وقال أبو جعفر عليه السلام: أعط السائل ولو جاءك على ظهر فرس. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافيته يوم القيامة. وقال صلى الله عليه وآله: إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف، ولو جاءوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند الضيق، ورجل أحب ذريتي بالقلب واللسان، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا وشردوا. وقال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقير شيعتنا. وقال أبو عبد الله عليه السلام: من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم، وهو قوله تعالى:: " رب ارجعون لعلى أعمل صالحا فيما تركت "، فلا تقبل لمانع الزكاة صلاة. وروى ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده إذ قال: قم يا فلان، قم يا فلان حتى أخرج خمسة نفر، فقال: اخرجوا من مسجدنا، لا تصلوا فيه، وأنتم لا تزكون. وقال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما من رجل يمنع درهما في حقه إلا أنفق اثنين في غير حقه، وما من رجل يمنع حقا في ماله إلا طوقه الله به حية في النار يوم القيامة. وقال أبو عبد الله عليه السلام: ما أدى أحد الزكاة فنقصت من ماله، ولا منعها أحد فزادت في ماله. وروى علي بن حسان عن موسى بن بكر عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: حصنوا أموالكم بالزكاة.

 

[ 29 ] باب الجزية

والجزية واجبة على جميع كفار أهل الكتاب من الرجال البالغين إلا من خرج عن وجوبها منهم بخروجه عن اعتقاد الكفر، وإن دخل معهم في بعض أحكامهم من مجانينهم ونواقص العقول منهم، عقوبة من الله تعالى لهم، لعنادهم الحق، وكفرهم بما جاء به محمد النبي صلى الله عليه وآله خاتم النبيين، وجحدهم الحق الواضح باليقين. قال الله عز وجل: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون "، ففرض سبحانه على نبيه صلى الله عليه وآله أخذ الجزية من كفار أهل الكتاب، وفرض ذلك على الأئمة من بعده عليهم السلام، إذا كانوا هم القائمين بالحدود مقامه، والمخاطبين في الأحكام بما خوطب به، وجعلها تعالى حقنا لدمائهم، ومنعا من استرقاقهم، ووقاية لما عداها من أموالهم.

 

[ 30 ] باب أصناف أهل الجزية

والواجب عليه الجزية من الكفار ثلاثة أصناف: اليهود على اختلافهم، والنصارى على اختلافهم، والمجوس على اختلافهم. وقد اختلف فقهاء العامة في الصابئين ومن ضارعهم في الكفر سوى من ذكرناه من الثلاثة الأصناف: فقال مالك بن أنس والأوزاعي: كل دين بعد دين الإسلام سوى اليهودية والنصرانية فهو مجوسية، وحكم أهله حكم المجوس. وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: الصابئون مجوس. وقال الشافعي وجماعة من أهل العراق: حكمهم حكم المجوس. وقال بعض أهل العراق: حكمهم حكم النصارى. فأما نحن فلا نتجاوز بإيجاب الجزية إلى غير من عددناه، لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم، والتوقيف الوارد عنه في أحكامهم. وقد روي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله أنه قال: المجوس إنما الحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات، لأنه قد كان لهم فيما مضى كتاب. فلو خلينا والقياس لكانت المانوية والمزدقية والديصانية عندي بالمجوسية أولى من الصابئين، لأنهم يذهبون في أصولهم مذاهب تقارب المجوسية، وتكاد تختلط بها. فأما المرقونية والماهانية فإنهم إلى النصرانية أقرب من المجوسية، لقولهم في الروح والكلمة والابن بقول النصارى، وإن كانوا يوافقون الثنوية في أصول أخر. وأما الكيثونية فقولهم يقرب من النصرانية، لأصلهم. في التثليث، وإن كان أكثره لأهل الدهر. وأما السمنية فتدخل في جملة مشركي العرب، وتضارع مذاهبها، لقولها في التوحيد للباري، وعبادهم سواه، تقربا إليه، وتعظيما فيما زعموا عن عبادة الخلق له، وقد حكى عنهم ما يدخلهم في جملة الثنوية. فأما الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممن عددناه، لأن جمهورهم يوحد الصانع في الأزل، ومنهم من يجعل معه هيولي في القدم، صنع منها العالم، فكانت عندهم الأصل، ويعتقدون في الفلك وما فيه الحياة والنطق، وأنه المدبر لما في هذا العالم، والدال عليه، وعظموا الكواكب، وعبدوها من دون الله عز وجل، وسماها بعضهم ملائكة، وجعلها بعضهم آلهة، وبنوا لها بيوتا للعبادات، وهؤلاء على طريق القياس إلى مشركي العرب وعباد الأوثان أقرب من المجوس، لأنهم وجهوا عبادتهم إلى غير الله " سبحانه " في التحقيق وعلى القصد والضمير، وسموا من عداه من خلقه بأسمائه " جل عما يقول المبطلون "، والمجوس قصدت بالعبادة الله تعالى على نياتهم في ذلك، وضمائرهم، وعقودهم. وإن كانت عبادة الجميع على أصولنا غير متوجهة في الحقيقة إلى القديم، ولم يسموا من أشركوا بينه وبين الله عز وجل في القدم باسمه في معنى الإلهية ومقتضى العبادة، بل من ألحقهم بالنصارى أقرب في التشبيه، لمشاركتهم إياهم في اعتقاد الإلهية في غير القديم، وتسميتهم له بذلك، وهما: الروح عندهم، والنطق الذي اعتقدوه المسيح. وليس هذا موضع الرد على متفقهة العامة فيما اجتنبوه من خلافنا فنشرحه، وإنما ذكرنا منه طرفا لتعلقه بما تقدم من وصف مذهبنا في الأصناف، وبيناه في التفصيل.

 

[ 31 ] باب مقدار الجزية

وليس في الجزية حد مرسوم لا يجوز تجاوزه إلى ما زاد عليه ولا حطة عما نقص عنه، وإنما هي على ما يراه الإمام في أموالهم، ويضعه على رقابهم على قدر غناهم وفقرهم. وكان أمير المؤمنين عليه السلام قد جعل على أغنيائهم ثمانية وأربعين درهما، وعلى أوساطهم أربعة وعشرين درهما، وجعل على فقرائهم اثنى عشر درهما. وكذلك صنع عمر بن الخطاب قبله، وإنما صنعه بمشورته عليه السلام. روى حريز عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما حد الجزية على أهل الكتاب؟ فقال: ذاك إلى الإمام، يأخذ من كل إنسان منهم ما شاء على قدر ما له وما يطيق، إنما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا، أو يقتلوا، فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون وقال عليه السلام: إن الله عز وجل يقول: " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ". فللإمام أن يأخذهم بما لا يطيقون حتى يسلموا، وإلا فكيف يكون صاغرا، وهو لا يكترث لما يؤخذ منه، فيألم لذلك، فيسلم. وروى محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أرأيت ما يأخذ هؤلاء من أرض الجزية وما يأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم أما عليهم في ذلك شئ موظف؟ فقال: عليهم ما أجازوه على أنفسهم، وليس للإمام أكثر من الجزية إن شاء وضعها على رؤوسهم، وليس على أموالهم شئ، وإن وضعها على أموالهم فليس على رؤوسهم شئ. فقلت له: فهذا الخمس؟ فقال: هذا شئ كان رسول الله صلى الله عليه وآله صالحهم عليه. وروى أيضا محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: إذا أخذت الجزية من أهل الكتاب فليس على أموالهم ومواشيهم شئ بعدها.

 

[ 32 ] باب مستحق عطاء الجزية من المسلمين

وكانت الجزية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله عطاء المهاجرين، وهي من بعده لمن قام مع الإمام مقام المهاجرين، وفيما يراه الإمام من مصالح المسلمين.

 

[ 33 ] باب الخراج وعمارة الأرضين

وكل أرض أسلم أهلها طوعا تركت في أيديهم، فما عمروه منها كان عليهم فيه العشر أو نصف العشر على ما ذكرناه في أبواب الزكاة. وما لم يعمروه أخذه الإمام فقبله ممن يعمره، وكان على المتقبلين في حصصهم العشر أو نصفه على حساب الأوساق. وكل أرض أخذت بالسيف فللإمام تقبيلها ممن يرى من أهلها وغيرهم، وليس يجب قسمتها بين الجيش. ويقبلها الإمام بما يراه صلاحا، ويطيقه المتقبل من النصف والثلث والثلثين. وكل أرض صولح أهلها عليها فهي على صلح الإمام وشرطه، نافذ حكم ذلك في الأمة، وعليها الرضا به، وللأئمة عليهم السلام من بعده الزيادة فيه والنقص منه على حسب تغير الأحوال الموجبة فيما سلف ذلك الصلح بعينه. وكل أرض سلمها أهلها بغير حرب، أو انجلوا عنها بغير قتال فهي للإمام خالصة، يصنع فيها ما يشاء، لأنها من الأنفال. وروى يونس بن إبراهيم، عن يحيى بن الأشعث الكندي، عن مصعب بن يزيد الأنصاري قال: استعملني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه على أربعة رساتيق المدائن: البهقباذات، ونهر شير، ونهر جوير، ونهر الملك، وأمرني أن أضع على كل جريب زرع غليظ درهما ونصفا، وعلى كل جريب وسط درهما واحدا، وعلى كل جريب زرع خفيف ثلثي درهم، وعلى كل جريب كرم عشرة دراهم، وعلى كل جريب نخل عشرة دراهم، وعلى كل جريب من البساتين التي تجمع النخل والشجر عشرة دراهم، وأمرني أن ألقي كل نخل شاذ عن القرى لمارة الطريق وابن السبيل، ولا آخذ منه شيئا، وأمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين، ويتختمون بالذهب على كل رجل منهم ثمانية وأربعين درهما، وعلى أوساطهم والتجار منهم على كل رجل أربعة وعشرين درهما، وعلى سفلتهم وفقرائهم اثنى عشر درهما. قال: فجبيتها ثمانية عشر ألف ألف درهم في سنة.

 

[ 34 ] باب الخمس والغنائم

والخمس واجب في كل مغنم، قال الله عز وجل: " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله " الآية. والغنائم كل ما استفيد بالحرب من الأموال، والسلاح، والثياب، والرقيق، وما استفيد من المعادن، والغوص، والكنوز، والعنبر، وكل ما فضل من أرباح التجارات، والزراعات، والصناعات عن المؤنة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد.

 

[ 35 ] باب تمييز أهل الخمس ومستحقيه ممن ذكر الله تعالى في القرآن

والخمس لله تعالى كما وصف، ولرسوله صلى الله عليه وآله كما حكم، ولقرابة الرسول كما بين، وليتامى آل الرسول كما أنزل، ولمساكينهم ببرهان ما شرح، ولأبناء سبيلهم بدليل ما أخبر. وليس لغيرهم في الخمس حق، لأن الله تعالى نزه نبيه صلى الله عليه وآله عن الصدقة، إذ كانت أوساخ الناس، ونزه ذريته وأهل بيته عليهم السلام عنها كما نزهه، فجعل لهم الخمس خاصة من سائر الغنائم، عوضا عما نزههم عنه من الصدقات، وأغناهم به عن الحاجة إلى غيرهم في الزكاة. روى أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: نحن والله الذين عنى الله تعالى بذي القربى الذين قرنهم بنفسه ونبيه صلى الله عليه وآله فقال: " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " منا خاصة، ولم يجعل لنا سهما في الصدقة، أكرم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله، وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس.

 

[ 36 ] باب قسمة الغنائم

وإذا غنم المسلمون شيئا من أهل الكفر بالسيف قسمه الإمام على خمسة أسهم، فجعل أربعة منها بين من قاتل عليه، وجعل السهم الخامس على ستة أسهم، منها ثلاثة له عليه السلام: سهمان وارثة من الرسول صلى الله عليه وآله، وسهم بحقه المذكور، وثلاثة للثلاثة الأصناف من أهله: فسهم لأيتامهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، فيقسم ذلك بينهم على قدر كفايتهم في السنة ومؤنتهم، فما فضل عنها أخذه الإمام منهم، وما نقص منها تممه لهم من حقه، وإنما كان له أخذ ما فضل لأن عليه إتمام ما نقص.

 

[ 37 ] باب الأنفال

وكانت الأنفال لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة في حياته، وهي للإمام القائم مقامه من بعده خالصة، كما كانت له عليه وآله السلام في حياته، قال الله عز وجل: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين "، وما كان للرسول عليه السلام من ذلك فهو لخليفته القائم في الأمة مقامه من بعده. والأنفال كل أرض فتحت من غير أن يوجف عليها بخيل ولا ركاب، والأرضون الموات وتركات من لا وارث له من الأهل والقرابات، والآجام، والبحار، والمفاوز، والمعادن، وقطايع الملوك. روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: نحن قوم فرض الله تعالى طاعتنا في القرآن، لنا الأنفال، ولنا صفو الأموال. يعني بصفوها ما أحب الإمام من الغنائم، واصطفاه لنفسه قبل القسمة: من الجارية الحسناء، والفرس الفارة، والثوب الحسن، وما أشبه ذلك من رقيق، أو متاع على ما جاء به الأثر من هذا التفسير عن السادة عليهم السلام. وليس لأحد أن يعمل، في شئ مما عددناه من الأنفال إلا بإذن الإمام العادل، فمن عمل فيها بإذنه فله أربعة أخماس المستفاد منها، وللإمام الخمس، ومن عمل فيها بغير إذنه فحكمه حكم العامل فيما لا يملكه بغير إذن المالك من سائر المملوكات.

 

[ 38 ] باب الزيادات

وإذا أسلم الذمي سقطت عنه الجزية سواء كان إسلامه قبل حلول أجل الجزية عليه، أو فيه، أو بعده، وقد قيل إنه إن أسلم قبل الأجل فلا جزية عليه، وإن أسلم وقد حل فعليه الجزية. روى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه سأله عن خراج أهل الذمة وجزيتهم إذا أدوها من ثمن خمورهم، وخنازيرهم، وميتتهم أيحل للإمام أن يأخذها، وتطيب للمسلمين؟ فقال: ذلك للإمام والمسلمين حلال، وهي على أهل الذمة حرام، وهم المحتملون لوزره. وقال عليه السلام: لا يجوز رفع الجزية، لأنها عطاء المهاجرين، والصدقة لأهلها المسلمين في القرآن، وليس لهم من الجزية شئ. ثم قال: ما أوسع العدل: إن الناس يستغنون إذا عدل بينهم، وتنزل عليهم السماء رزقها، وتخرج الأرض بركاتها بإذن الله عز وجل. وروى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: كل شئ قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله فإن لنا خمسة، ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا نصيبنا. وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب خمسي، وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم. وروى ضريس الكناسي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من أين دخل على الناس الزنا؟ قلت: لا أدري جعلت فداك. قال: من قبل خمسنا أهل البيت، إلا شيعتنا الأطيبين، فإنه محلل لهم لميلادهم. وروى سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال له رجل - وأنا حاضر - حلل لي الفروج. ففزع أبو عبد الله عليه السلام. فقال له رجل: ليس يسألك - جعلت فداك - أن يعترض الطريق، إنما يسألك خادما يشتريها، أو امرأة يتزوجها، أو ميراثا يصيبه، أو تجارة. فقال أبو عبد الله عليه السلام: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم، والغائب، والميت منهم، والحي، ومن يولد منهم إلى يوم القيامة، فهو حلال لهم، أما والله لا يحل إلا لمن حللنا له، ولا والله ما أعطينا أحدا ذمة، ولا لأحد منهم عهدا، ولا لأحد عندنا ميثاق. وروى محمد بن أبي عمير عن الحكم بن علياء الأسدي قال: وليت البحرين فأصبت بها مالا كثيرا، فأنفقت، واشتريت ضياعا كثيرة، واشتريت رقيقا، وأمهات أولاد، وولد لي، ثم خرجت إلى مكة، فحملت عيالي، وأمهات أولادي، ونسائي، وحملت خمس ذلك المال، فدخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له: إني وليت البحرين فأصبت بها مالا كثيرا، فاشتريت ضياعا، واشتريت رقيقا، واشتريت أمهات أولاد، وولد لي، وأنفقت، وهذا خمس ذلك المال، وهؤلاء أمهات أولادي، ونسائي قد أتيتك، بهن. فقال: قد قبلت ما جئت به، وقد أحللتك من أمهات أولادك، ونسائك، وما أنفقت وضمنت لك علي وعلى أبي الجنة. وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر " عليه السلام " قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: هلك الناس، في بطونهم وفروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا وإن شيعتنا من ذلك وآبائهم في حل. وروى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام؟ قال: سمعته يقول: من أحللنا له شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال، وما حرمناه من ذلك فهو حرام. وقال أبو عبد الله عليه السلام: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا، إلا أننا أحللنا شيعتنا من ذلك. وروى يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فدخل عليه رجل من القماطين فقال: - جعلت فداك - تقع في أيدينا الأرباح، والأموال، وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت، وأنا عن ذلك مقصرون. فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما أنصفناكم ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم. وسئل عليه السلام عن رجل اكتسب مالا من حلال وحرام، ثم أراد التوبة من ذلك، ولم يتميز له الحلال بعينه من الحرام؟ فقال: يخرج منه الخمس، وقد طاب، إن الله تعالى طهر الأموال بالخمس. وسئل الرضا عليه السلام عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك ففيه الخمس، وما لم يبلغ حد ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه. وسئل الصادق عليه السلام عن مقدار ما يجب فيه الخمس مما يخرج من البحر كاللؤلؤ، والياقوت، والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضة؟ فقال: إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس. وقال: الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس. وقال: في العنبر الخمس. وروى محمد بن يزيد الطبري قال: كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام: الإذن في الخمس. فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، إن الله واسع كريم، ضمن على العمل الثواب، وعلى الخلاف العقاب، لا يحل مال إلا من وجه أحله الله، إن الخمس عوننا على ديننا، وعلى عيالاتنا، وعلى موالينا، وما نبذل، ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا، ولا تحرموا أنفسكم دعائنا بما قدرتم عليه، فإن إخراجه مفتاح أرزاقكم، وتمحيص ذنوبكم، وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، والمسلم من يفي الله بما عهد إليه، وليس المسلم من أجاب باللسان، وخالف بالقلب، والسلام. وروى أيضا محمد بن يزيد قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس، فقال: ما امحل هذا، تمحضونا المودة بألسنتكم، وتزوون عنا حقا جعله الله لنا، وجعلنا له، وهو الخمس، لا نجعل، لا نجعل، لا نجعل أحدا منكم في حل. وروى إبراهيم بن هاشم قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل - وكان يتولى له الوقف بقم - فقال له: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل، فإني أنفقتها. فقال له: أنت في حل. فلما خرج صالح قال أبو جعفر عليه السلام: أحدهم يثب على أموال آل محمد، وأيتامهم، ومساكينهم، وفقرائهم، وأبناء سبيلهم فيأخذها، ثم يجئ، فيقول: اجعلني في حل، أتراه ظن أني أقول: لا أفعل، والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا. واعلم أرشدك الله أن ما قدمته في هذا الباب من الرخصة في تناول الخمس والتصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصة، للعلة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمة عليهم السلام لتطيب ولادة شيعتهم، ولم يرد في الأموال، وما أخرته عن المتقدم مما جاء في التشديد في الخمس، والاستبداد به فهو يختص الأموال. وقد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك عند الغيبة، وذهب كل فريق منهم فيه إلى مقال: فمنهم من يسقط فرض إخراجه لغيبة الإمام، وما تقدم من الرخص فيه من الأخبار. وبعضهم يوجب كنزه، وتناول، خبرا ورد: أن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور القائم مهدي الأنام. وأنه عليه السلام إذا قام دله الله سبحانه، وتعالى على الكنوز، فيأخذها من كل مكان. وبعضهم يرى صلة الذرية، وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب، ولست أدفع قرب هذا القول من الصواب. وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمر عليه السلام: فإن خشي إدراك المنية قبل ظهوره وصى به إلى من يثق به في عقله وديانته، ليسلمه إلى الإمام عليه السلام إن أدرك قيامه، وإلا وصى به إلى من يقوم مقامه في الثقة: والديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان عليه السلام. وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم، لأن الخمس حق وجب لغائب، لم يرسم فيه قبل غيبته رسما يجب الانتهاء إليه، فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه، أو التمكن من إيصاله إليه، أو وجود من انتقل بالحق إليه. وجرى أيضا مجرى الزكاة التي يعدم عند حلولها مستحقها فلا يجب عند عدمه سقوطها، ولا يحل التصرف فيها على حسب التصرف في الأملاك، ويجب حفظها بالنفس والوصية بها إلى من يقوم بإيصالها إلى مستحقها من أهل الزكاة من الأصناف. وإن ذهب ذاهب إلى صنع ما وصفناه في شطر الخمس الذي هو حق خالص للإمام عليه السلام، وجعل الشطر الآخر في يتامى آل الرسول عليهم السلام، وأبناء سبيلهم، ومساكينهم على ما جاء في القرآن لم تبعد إصابته الحق في ذلك، بل كان على صواب. وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه فيه من صريح الألفاظ، وإنما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة، مع إقامة الدليل بمقتضى العقل والأثر من لزوم الأصول في خطر التصرف في غير المملوك إلا بإذن المالك، وحفظ الودائع لأهلها، ورد الحقوق. وللإمام قبل القسمة من الغنيمة ما شاء على ما قدمناه في صفو الأموال، وله أن يبدأ بسد ما ينويه بأكثر ذلك المال. وإن استغرق جميعه فيما يحتاج إليه من مصالح المسلمين كان ذلك له جائزا، ولم يكن لأحد من الأمة عليه اعتراض. وليس لمن قاتل معه شئ من الأرضين، ولا ما غلبوا عليه إلا ما احتوى عليه العسكر. وليس للأعراب من الغنيمة شئ وإن قاتلوا مع الوالي، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله صالحهم على أن يدعهم في ديارهم، ولا يهاجروا، فمتى دهمه من عدوه داهم استفزهم فقاتل بهم، وليس لهم في الغنيمة نصيب. والأرضون المأخوذة عنوة فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها، ويحييها، ويقوم عليها على ما يصالحهم الوالي عليه بقدر طاقتهم من النصف، والثلث، والثلثين، أو دون ذلك حسب ما يراه أصوب في تدبير عمارة الأرض واستقرار ارتفاعها كما تقدم شرحه. فإذا خرج منها شئ بدأ الوالي فسلم إلى عمارها والعاملين فيها ما صالحهم عليه مما سميناه، ثم أخرج مما يبقى بعد ذلك العشر مما سقت السماء أو شرب سيحا، أو نصف العشر مما سقي بالدوالي والنواضح إذا كان قدره المبلغ الذي يجب فيه الزكاة على ما قدمناه، فوجهه في الجهة التي وجهها الله تعالى على ثمانية أسهم: " للفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل "، فيقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون في سنتهم بلا تضيق ولا تقتير، فإن فضل من ذلك شئ رد إلى الوالي، وإن نقص من ذلك شئ، ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر مؤنة سنتهم حتى يستغنوا، ثم يأخذ ما بقي بعد العشر أو نصفه فيقسمه بين شركائه من عمال الأرض وأكرتها، فيدفع إليهم أنصبائهم على ما صالحهم عليه، ويأخذ الباقي بعد ذلك، يكون أرزاق أعوانه على دين الله عز وجل وفي مصلحة ما ينويه: من تقوية الإسلام، وإقامة الدين، وفي وجوه الجهاد، وغير ذلك مما فيه مصلحة العامة، ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير. والأنفال على ما قدمناه للإمام خالصة، إن شاء قسمها، وإن شاء وهبها، وإن شاء وقفها، ليس لأحد من الأمة نصيب فيها، ولا يستحقها من غير جهته. روى السياري عن علي بن أسباط قال: لما ورد أبو الحسن موسى عليه السلام على المهدي وجده يرد المظالم فقال له: ما بال مظلمتنا لا ترد يا أمير المؤمنين؟ فقال له: وما هي يا أبا الحسن؟ فقال: إن الله تعالى لما فتح على نبيه صلى الله عليه وآله فدك وما والاها - ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب - أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله: " وآت ذا القربى حقه "، فلم يدر رسول الله صلى الله عليه وآله من هم، فراجع في ذلك جبرئيل عليه السلام، فسأل الله تعالى عن ذلك، فأوحى إليه: أن ادفع فدك إلى فاطمة صلوات الله عليها، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها: يا فاطمة إن الله سبحانه أمرني أن أدفع إليك فدك، فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل وكلاؤها، فيها حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها، فأتته، فسألته أن يردها عليها، فقال لها: إيتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام وأم أيمن، فشهدوا لها، فكتب لها بترك التعرض لها، فخرجت - والكتاب معها - فلقيها عمر بن الخطاب فقال لها. ما هذا معك يا بنت محمد؟ فقالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة. قال: أرينيه، فأبت، فانتزعه من يدها، ونظر فيه، وتفل فيه، ومحاه، وخرقه، وقال: هذا الآن أباك لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وتركها، ومضى. فقال المهدي: حدها لي، فحدها، فقال: هذا كثير، وأنظر فيه. وروى محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الأنفال هو النفل، وفي سورة الأنفال جدع الأنف. و قال: وسألته عن الأنفال؟ فقال: كل أرض خربة، أو شئ كان يكون للملوك، وبطون الأودية، ورؤوس الجبال، وما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكل ذلك للإمام خالصا. وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: أكبر الكبائر سبعة - فينا نزلت، وبنا استحلت -: أولها الشرك بالله عز وجل، والثانية قتل النفس التي حرم الله، والثالثة عقوق الوالدين، والرابعة قذف المحصنات، والخامسة أكل مال اليتيم، والسادسة الفرار من الزحف، والسابعة إنكار حقنا أهل البيت. فأما الشرك بالله تعالى فقد قال الله عز وجل فينا ما قال، وأنزل فينا ما أنزل، وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، فكذبوا الله ورسوله، وردوا عليهما. وأما قتل النفس التي حرم الله فقد قتل الحسين عليه السلام ظلما في أهل بيته. وأما عقوق الوالدين فقد عقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام في ذريتهما. وأما قذف المحصنات فقد قذفت الزهراء عليها وآلها السلام على منابرهم. وأما أكل مال اليتيم فإن الله تعالى جعل لنبيه صلى الله عليه وآله الأنفال، وهي من بعده للإمام، وأحل لذريته الخمس، فعدوا عليه، فأخذوه، ومنعوهم حقوقهم منه. وأما الفرار من الزحف فقد والله بايعوا عليا طائعين، ثم فروا عنه. وأما إنكار حقنا أهل البيت فوالله ما يتعاجم في هذا أحد.

 

الفهرست