عقائد الشيعة الإمامية | الشيخ المفيد | المقنعة

 

المقنعة

للشيخ المفيد

 

محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى 413 ه‍. ق

 

 

 

كتاب المناسك

[ 1 ] باب وجوب الحج

قال الله عز وجل: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ". فأوجب تعالى الحج، وفرضه على كل حر، بالغ، مستطيع إليه السبيل. والاستطاعة عند آل محمد عليهم السلام للحج بعد كمال العقل، وسلامة الجسم مما يمنعه من الحركة التي يبلغ بها المكان، والتخلية من الموانع بالإلجاء والاضطرار، وحصول ما يلجأ إليه في سد الخلة من صناعة يعود إليها في اكتسابه، أو ما ينوب عنها من متاع، أو عقار، أو مال، ثم وجود الراحلة بعد ذلك، والزاد، روى أبو الربيع الشامي عن الصادق عليه السلام قال: سئل عن قوله عز وجل: " من استطاع إليه سبيلا؟ " قال: ما يقول فيها هؤلاء؟ فقيل له: يقولون الزاد والراحلة، فقال عليه السلام: قد قيل ذلك لأبي جعفر عليه السلام، فقال: هلك الناس إذا كان من له زاد وراحلة لا يملك غيرهما، أو مقدار ذلك مما يقوت به عياله، ويستغني به عن الناس فقد وجب عليه أن يحج بذلك، ثم يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذا. فقيل له: فما السبيل عدنك؟ فقال السعة في المال. وهو: أن يكون معه ما يحج ببعضه، ويبقى بعض يقوت به نفسه وعياله. ثم قال: أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على، من يملك مأتي درهم. فأما من قدر على الحج ماشيا، أو تمكن منه على وجه غير ما قدمناه فقد رغب فيه وندب إليه. فإن فعله أصاب خيرا كثيرا، وإن تركه لم يكن عاصيا لله، بذلك جاء الأثر عن أئمة الهدى عليهم السلام أيضا.

 

[ 2 ] باب كيفية لزوم فرض الحج من الزمان

وفرضه عند آل محمد صلوات الله عليهم على الفور دون التراخي بظاهر القرآن، وما جاء عنهم عليهم السلام: روى عبد الرحمن بن أبي نجران عن أبي جميلة عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له التاجر يسوف الحج؟ قال إذا سوفه، وليس له عزم، ثم مات فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام. وروى صفوان بن يحيى عن ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من مات ولم يحج حجة الإسلام، ولم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق الحج معه، أو سلطان يمنعه فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا.

 

[ 3 ] باب ثواب الحج

روي عن آل محمد صلوات الله عليهم: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله حين قضى حجة فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني خرجت من أهلي، وأنا أريد الحج معك ففاتني ذلك، وأنا رجل ميل فخبرني بشئ إذا فعلته كان لي مثل أجر الحاج. فقال له النبي صلى الله عليه وآله: أنظر إلى هذا الجبل - يعني أبا قبيس - لو أنفقت زنته في سبيل الله ما أدركت فضل الحج. و روي عن زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال: إذا كان عشية عرفة ينزل الله ملائكة إلى سماء الدنيا، ثم يقول انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا، أرسلت إليهم رسولا فصدقوه، ثم قصدوني فسألوني، ودعوني، اشهدوا أن حقا علي أن أجيبهم اليوم، قد شفعت محسنهم في مسيئهم و تقبلت من محسنهم، فليفيضوا مغفورا لهم، ثم يأمر ملكين بالمازمين: فيقف هذا من هذا الجانب، وهذا من هذا الجانب، يقولان: اللهم سلم، سلم، فما يكاد يرى صريعا ولا كسيرا. وروي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: إن العبد إذا أخذ في حجة لم يرفع قدما، ولم يضع قدما إلا كتب الله له بها حسنة، حتى إذا قضى الحج مكث ذا الحجة والمحرم وصفر يكتبان ملكاه له الحسنات، ولا يكتبان عليه السيئات إلا أن يأتي بكبيرة. وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: إن حملان الحاج وضمانه على الله عز وجل، فإذا دخل المسجد الحرام وكل الله به ملكين، يحصيان عليه طوافه وسعيه وصلاته فإذا كان عشية عرفة ضربا على منكبه الأيمن، يقولان: يا هذا ما مضى قد كفيته، فانظر كيف تكون فيما تستقبل. وروي عنه عليه السلام أنه قال: الحاج يصدرون على ثلاثة أصناف: فمعتق من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وصنف يخلف في أهله وماله، فذلك أدنى ما يرجع به. وروي عنه عليه السلام: أنه سأله رجل فقال له: عتق نسمة أفضل أم حجة؟ قال: بل حجة. قال: فرقبتين؟ قال: بل حجة. فلم يزل يزيد، وهو يقول: بل حجة، حتى بلغ ثلاثين رقبة، فقال الحج أفضل. وروي عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: من قدم مكة حاجا فطاف بالبيت أسبوعا، وصلى ركعتين كتب الله له سبعين ألف حسنة، ومحا عنه سبعين ألف سيئة، ورفع الله له سبعين ألف درجة، وشفعه في سبعين ألف حاجة، وكتب له عتق سبعين ألف رقبة، قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: ليس من عبد يتوضأ، ثم يستلم الحجر، ثم يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام، ثم يرجع، فيضع يده على باب الكعبة، فيحمد الله عز وجل، ثم يسأله شيئا إلا أعطاه.

 

[ 4 ] باب ضروب الحج

والحج على ثالثة أضرب: تمتع بالعمرة إلى الحج، وقران في الحج، وإفراد للحج. فأما التمتع بالعمرة إلى الحج فهو فرض الله تعالى على سائر من نأى عن المسجد الحرام، ومن لم يكن أهله من حاضريه، لا يسعهم مع الإمكان غيره، ولا يقبل منهم سواه، قال الله عز وجل: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي - إلى قوله - ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام "، ومن وجب عليه الحج من جميع أهل الأمصار سوى مكة وحاضريها، فإن الفرض عليهم الإقران والإفراد - كما قدمناه - وعلى من عداهم التمتع - حسب ما بيناه - قال الله عز وجل: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " - الآية. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: دخلت العمرة في الحج هكذا - وشبك بين أصابعه - إلى أن تقوم الساعة. وقال عليه السلام - لما نزل عليه فرض التمتع بالعمرة إلى الحج، وقد كان ساق الهدي وحج قارنا -: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي. ثم أمر مناديه فنادى: من لم يسق هديا فليحل وليجعلها عمرة. وصفة التمتع بالعمرة إلى الحج: أن يهل الحاج من الميقات بالعمرة، فإذا دخل مكة طاف بالبيت سبعا، وسعى بين الصفا والمروة سبعا، ثم أحل من كل شئ أحرم منه، فإذا كان يوم التروية عند زوال الشمس أحرم بالحج من المسجد الحرام، وعليه طوافان بالبيت ينضافان إلى الأول، وسعى آخر بين الصفا والمروة ينضاف إلى سعيه المتقدم، فيكون فرض الطواف عليه بالبيت للحج والعمرة ثلاث أطواف، والفرض في السعي سعيان، وعليه دم يهريقه، لا بد له من ذلك. فإن عدم الهدي وكان واجدا ثمنه تركه عند من يثق به من أهل مكة، ليبتاع له به هديا يذبحه، أو ينحره عنه في ذي الحجة، فإن لم يتمكن من ذلك أخرجه عنه في ذي الحجة من العام المقبل عند حلول وقت النحر، فإن لم يكن واجدا طولا للهدي كان عليه صيام العشرة الأيام المذكورة، في القرآن، قال الله تعالى: " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ". وأما الإقران فهو: أن يهل الحاج من الميقات الذي هو لأهله، ويقرن إلى إحرامه سياق ما تيسر من الهدي - وإنما سمي قارنا لسياق الهدي مع الإهلال، فمتى لم يسق من الميقات لم يكن قارنا - وعليه في قرانه طوافان بالبيت، وسعى واحد بين الصفا والمروة، ويجدد التلبية عند كل طواف. وأما الإفراد فهو: أن يهل الحاج من ميقات أهله بالحج مفردا ذلك من السياق، والعمرة أيضا، وليس عليه هدي، ولا تجديد للتلبية عند كل طواف. ثم مناسك المفرد ومناسك القارن سواء لا فرق بينهما، والمتمتع بالعمرة إلى الحج يحل بعد طوافه بالبيت وسعيه - كما قدمناه -، ثم ينشئ الإحرام. والقارن والمفرد لا يحل أحدهما حتى يقضي مناسكه كما وصفناه.

 

[ 5 ] باب العمل والقول عند الخروج

فإذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي العقدة، فإن حلقه كان عليه دم يهريقه. وإذا عزم على الخروج إلى الحج، وآن وقت رحيله من وطنه فليجمع أهله، وليصل ركعتين ب‍ " الحمد "، وما تيسر من القرآن، ثم ليحمد الله كثيرا، وليصل على النبي صلى الله عليه وآله، وليقل - بعد الصلاة عليه: " اللهم إني خرجت في وجهي هذا بلا ثقة مني بغيرك، ولا رجاء يأوي بي إلا إليك، ولا قوة أتكل عليها، ولا حيلة ألجأ إليها إلا طلب رضاك، وابتغاء رحمتك، وتعرضا لرزقك و، سكونا إلى حسن عائدتك، وأنت أعلم بما سبق لي في علمك في وجهي هذا مما أحب و أكره، اللهم فاصرف عني مقادير كل بلاء، ومقضي كل لأواء، وابسط علي كنفا من رحمتك، ولطفا من عفوك، وحرزا من حفظك، وسعة من رزقك، وتماما من نعمتك، وجماعا من معافاتك، و وفق لي فيه يا رب جميع قضائك على جميع موافقة هواي، وحقيقة حسن أملي، وادفع عني ما أحذر وما أحذر على نفسي مما أنت أعلم به مني، واجعل ذلك خيرا لي لآخرتي ودنياي، مع ما أسألك أن تخلفني في من خلفت ورائي من ولدي، وأهلي، ومالي، وإخواني، وجميع حزانتي بأفضل ما تخلف به غائبا من المؤمنين في تحصين كل عورة، وحفظ كل مضيعة، وتمام كل نعمة، ودفاع كل سيئة، وكفاية كل محذور، وصرف كل مكروه، وكمال ما تجمع لي به الرضا والسرور في الدنيا والآخرة، ثم ارزقني شكرك، وذكرك وطاعتك، وعبادتك حتى ترضى، وبعد الرضا، اللهم إني أستودعك اليوم ديني ونفسي، ومالي، وأهلي وجميع إخواني [ اللهم احفظ الشاهد منا والغائب، اللهم احفظنا، واحفظ علينا ] اللهم اجعلنا في جوارك، ولا تسلبنا نعمتك، ولا تغير ما بنا من نعمة وعافية وفضل. فإذا خرج من منزله فليقل - وهو على بابه -: " لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع، ورب الأرضين السبع، وما فيهن، وما بينهن، ورب العرش العظيم، اللهم كن لي جارا من كل جبار عنيد، ومن كل شيطان مريد، بسم الله، وبالله، و الله أكبر - يقولها ثلاث مرات - ويقول: بالله أخرج، وبالله أدخل، وعلى الله أتوكل، اللهم افتح لي في وجهي هذا الخير، واختم لي فيه الخير، وعافني من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم ". فإذا ركب راحلته فليقل: " الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وعلمنا القرآن، ومن علينا بمحمد صلى الله عليه وآله خير الأنام، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، والحمد لله رب العالمين ". ويجب أن يستكثر من الاستغفار، والتسبيح، والتكبير، والتهليل، والتمجيد، والصلاة على محمد وآله عليهم السلام.  فإذا أشرف على القرية التي يريد دخولها فليقل - حين يعاينها -: " اللهم رب السماوات السبع وما أظلت، و [ رب ] الأرضين السبع وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت، ورب الرياح وما ذرت، ورب البحار وما جرت [ إني ]، أسألك خير هذه القرية وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها، اللهم يسر لي ما كان فيها من خير، و وفق لي ما كان فيها من يسر، وأعني على حاجتي يا قاضي الحاجات و يا مجيب الدعوات أدخلني مدخل صدق، وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ".

 

[ 6 ] باب المواقيت

فإذا بلغت ميقات مصرك أو ميقات الطريق الذي أخذت فيه فأحرم منه للحج بما نشرحه إن شاء الله، وأعلم. أن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت لكل قوم ميقاتا يحرمون منه، لا يجوز لهم التقدم في الإحرام من قبل بلوغه ولا التأخر عنه. فوقت لأهل المدينة مسجد الشجرة، وهو: ذو الحليفة. فأهل المدينة وكل من حج على طريق المدينة يجب أن يحرموا منه، لأنه ميقاتهم.  ووقت لأهل العراق بطن العقيق - وأوله المسلخ، ووسطه غمرة، وآخره ذات عرق - فكل من حج وخرج من العراق، وأخذ على الجادة، وسلك مع أهل العراق هذا الطريق و لم يكن عراقيا فإنه يحرم من أحد هذه الثلاثة مواضع وأوله المسلخ، والإحرام منه أفضل، فإن لم يمكنه الإحرام منه أحرم من الميقات الأوسط - وهو غمرة - فإن لم يمكنه أحرم من ذات عرق، ولا يجوز التقدم بالإحرام على المسلخ، ولا التأخر عن ذات عرق. ووقت لأهل الشام الجحفة، وهي ميقاتهم لا يتقدمونها، ولا يتأخرون عنها. وهي لكل من سلك طريقهم. ووقت لأهل اليمن يلملم، وهي ميقاتهم وميقات كل من صحبهم من الحاج في طريقهم، ومر عليه. ووقت لأهل الطائف قرن المنازل، فهو ميقاتهم وميقات من أخذ على طريقهم إلى الحج فمر عليه. وهذه المواقيت هي لجميع أهل الأمصار على اختلاف بلادهم، فإنهم لا يصلون إلى مكة إلا من طريق هذه البلاد التي جعل رسول الله صلى الله عليه وآله المواقيت لأهلها. ومن كان منزله دون الميقات فميقاته منزله، فليحرم منه.  والمجاور بمكة إذا أراد الحج و العمرة خرج منها إلى ميقات أهله فأحرم منه، فإن لم يتمكن من ذلك أحرم من خارج الحرم.

 

[ 7 ] باب صفة الإحرام

فإذا بلغ المتوجه إلى الحج ميقات أهله فليتنظف في ذلك المكان، وإن كان على عورته شعر فليزله، ولينظف إبطيه أيضا من العشر، وليقص من شاربه وليقص من أظفاره، ولا يمس شيئا من شعر رأسه ولا شعر لحيته، ثم ليغتسل، ويلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما، ويتوشح بالآخر، أو يرتدي به. ولا يحرم في ديباج، ولا حرير، ولا خز مغشوش بوبر الأرانب و الثعالب، ولا يحرم في ثياب سود. وأفضل الثياب للإحرام البيض من القطن أو الكتان. وإن كان وقت فريضة، وكان متسعا قدم نوافل الإحرام، وهي: ست ركعات. ويجزي منها ركعتان، ثم صلى الفريضة، وأحرم في دبرها، وهو أفضل. وإن لم يكن وقت فريضة صلى ست ركعات، فإذا فرغ منها قال:  " اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله فإن عرض لي عارض يحبسني فخلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة أحرم لك جسدي وبشري وشعري من النساء والطيب والثياب، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة، لبيك، اللهم لبيك لبيك، لا شريك لك، لبيك، وإن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ". وإن كان يريد الإقران قال: " اللهم إني أريد الحج قارنا فسلم لي هديي، وأعني على مناسكي، أحرم لك جسدي ". إلى آخر الكلام. وإن كان يريد الحج مفردا قال: " اللهم إني أريد الحج مفردا فيسره لي، وسلم لي مناسكي، أحرم لك جسدي ". إلى آخر الكلام. فإذا أحرم بما ذكرناه فليكشف ظلال محمله إن كان له ظلال، ولا يجلس تحته. وليجتنب النساء، وشم الطيب، وأكل طعام فيه طيب. ولا يلبس قميصا. ولا يغط رأسه. ولا يحك جسده، ولا رأسه حكا يدميه. ولا يرم بشئ من شعره.  ولا يلق القملة عن بدنه. ولا ينظر وجهه في مرآة. ولا يرتمس في الماء. وليجتنب الصيد والجدال وهو: قول القائل: والله ما كان كذا، ووالله ليكونن كذا. ويتجنب الكذب وأشباهه قال الله عز وجل: " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال ". يعني الكذب وغيره من معاصي الله عز وجل والجدال هو: اليمين على ما بيناه. ولا يزال المحرم على ما وصفناه في توجهه، فإن خالف في شئ مما ذكرناه فإن عليه في جميعه أحكاما على ما وصفناه. وليكثر التلبية بما أثبتناه، ويقول: " لبيك ذا المعارج، لبيك لبيك، تبدى والمعاد إليك، لبيك [ لبيك ] داعيا إلى دار السلام لبيك لبيك كاشف الكرب العظام، لبيك لبيك يا كريم، لبيك لبيك عبدك ابن عبديك، لبيك لبيك أتقرب إليك بمحمد وآله لبيك ". وليكثر من قوله: " لبيك ذا المعارج لبيك ". وليلب كلما صعد علوا، أو هبط سفلا، أو نزل من بعيره، أو ركب، وعند انتباهه من منامه، وبالأسحار. فإذا عاين بيوت مكة قطع التلبية - وحد بيوت مكة عقبة المدنيين - ثم  أخذ في التهليل والتكبير، وإن كان قاصدا إليها من طريق المدينة فإنه يقطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي طوى.

 

[ 8 ] باب دخول مكة

فإذا قرب من الحرم اغتسل قبل دخوله، فإن لم يمكنه وشغل عنه فليغتسل قبل دخول مكة، فإن تعذر ذلك عليه فليغتسل، بعد دخولها قبل دخول المسجد سنة مؤكدة. وليدخل مكة من أعلاها إذا كان داخلا من طريق المدينة، وليأتها، وعليه السكينة والوقار. فإذا نظر إلى البيت فليستقبله بوجهه، ويقول: " الحمد لله الذي عظمك، وشرفك، وكرمك، وجعلك مثابة للناس، وأمنا مباركا، و هدى للعالمين ". ثم ليحرز رحله، ويخرج إلى المسجد حافيا - وعليه السكينة والقار - فإذا أراد الدخول إليه فليكن دخوله من باب بني شيبة، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل منه، فإذا انتهى إليه وقف عليه، وقال: " بسم الله، وبالله، ومن الله، وإلى الله، و ما شاء الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله، وخير الأسماء لله، والحمد لله. والسلام على رسول الله السلام على محمد بن عبد الله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله  وبركاته، السلام على أنبياء الله ورسله، السلام على إبراهيم خليل الله، السلام على المرسلين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. والحمد لله رب العالمين ". ثم أدخل، وقدم رجلك اليمنى قبل اليسرى، فإذا دخلته فارفع يديك، واستقبل البيت، وقل: " اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تقبل توبتي، وأن تجاوز عن خطيئتي وأن تضع عني وزري. الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام. اللهم إني أشهد أن هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس، وأمنا مباركا، وهدى للعالمين. اللهم إني عبدك، والبلد بلدك، والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، وأئم طاعتك، مطيعا لأمرك، راضيا بقدرك، أسألك مسألة المضطر إليك، الخائف لعقوبتك، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، واستعملني بطاعتك ومرضاتك ".

 

[ 9 ] باب الطواف

ثم ليستفتح الطواف بالحجر الأسود، فيستقبله بوجهه، ثم يرفع يديه، ويقول:  الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له ". ثم يدنو منه فيقبله، فإن لم يتمكن من تقبيله فليمسحه بيده ثم يقبلها، فإن لم يقدر على ذلك أومأ إليه بيده، ثم قال: " أمانتي أديتها وميثاقي تعهدته، ليشهد لي عدنك بالموافات. اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، وعلى سنة نبيك أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، آمنت بالله وكفرت بالجبت، والطاغوت، واللات، والعزى، وعبادة الشيطان، وعبادة كل ند يدعى من دون الله. اللهم إليك بسطت يدي، وفيما عندك عظمت رغبتي، فاقبل إحساني، واغفر لي، وارحمني، اللهم إني أعوذ بك من الكفر، والفقر، والذل، ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة ". فإذا بلغ باب الكعبة فليقل: " اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم أدخلني الجنة برحمتك، وعافني من السقم، وأوسع علي من الرزق الحلال، وادرأ عني شر  فسقة الجن والإنس وشر فسقة العرب والعجم ". فإذا استقبل الميزاب فليقل: " اللهم أعتقني من النار، وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس، وأدخلني الجنة برحمتك ". ويقول بين الركن الغربي واليماني: " اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني ". ويقول: - كلما استقبل الحجر " الله أكبر، السلام على رسول الله ". ويقبله في كل شوط، فإن لم يقدر فليفتتح به وليختم به، فإن لم يقدر فليمسح بيده عليه ويقبلها، فإن لم يقدر على ذلك فليشر إليه. ويقول في طوافه: " اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على ظلل الماء، كما يمشي به على جدد الأرض، وأسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد صلى الله عليه وآله ما تقدم من ذنبه وما تأخر،  وأتممت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا وكذا. ويسأل ما أحب. ويقول عند باب البيت: " سائلك فقيرك، مسكينك ببابك، فتصدق عليه بالجنة ". فإذا بلغ الركن اليماني فليستلمه، ويقبله، فإن فيه بابا من أبواب الجنة، وليشر منه إلى زاوية المسجد مقابل هذا الركن، ويقول: " السلام عليك يا رسول الله [ صلى الله عليه وآله ]، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا برحمتك عذاب النار ". فإذا كان في الشوط السابع فليقم على المستجار - وهو دون الركن اليماني - ويبسط يديه على البيت، ويلصق بطنه وخده، ويقول: " اللهم البيت بيتك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار ". وليتعلق بأستار الكعبة، ويدعو الله كثيرا، ويسأله حوائجه للدنيا والآخرة. ويقبل الركن اليماني في كل شوط، ويعانقه، وليقل: " اللهم تب  علي حتى أتوب، واعصمني حتى لا أعود ". فإذا فرغ من أسبوعه فليأت مقام إبراهيم، وليصل ركعتي الطواف، و يقرأ في الأولى منهما " الحمد " " وقل هو الله أحد "، وفي الثانية " الحمد " و " قل يا أيها الكافرون".

 

[ 10 ] باب الخروج إلى الصفا

ثم ليخرج إلى الصفا من الباب المقابل للحجر الأسود حتى يقطع الوادي وعليه السكينة والوقار - ثم ليصعد عليه، وليستقبل البيت بوجهه، ثم يكبر الله سبعا، ويحمده سبعا، ويهلله سبعا، ويقول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شئ قدير " ثلاث مرات. ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله ويقول: " اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته قط، فإن عدت فعد علي بالمغفرة، فإنك أنت الغفور الرحيم، اللهم افعل بي ما أنت أهله، فإنك إن تفعل بي  ما أنت أهله ترحمني، وإن تعذبني فإنك غني عن عذابي، وأنا محتاج إلى رحمتك، فيا من أنا محتاج إلى رحمته ارحمني، اللهم لا تفعل بي ما أنا أهله، فإنك إن تفعل بي ما أنا أهله تعذبني، ولن تظلمني، أصبحت أتقي عدلك، ولا أخاف جورك، فيا من هو عدل لا يجور ارحمني ". ثم لينحدر إلى المروة وهو يمشي، فإذا بلغ حد المسعى الأول، - وهو المنارة - فليهرول، وليسع ملأ فروجه، ويقول: " رب اغفر، وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم ". فإذا بلغ حد المسعى الثاني - وهو أن يجوز زقاق العطارين - فليقطع الهرولة، وليمش على سكون حتى يصعد المروة، ويستقبل البيت بوجهه، ويقول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، ويميت ويحيي، وهو حي لا يموت، [ بيده الخير ] وهو على كل شئ قدير " ثلاث مرات.  ويقول: " اللهم إني أسألك حسن الظن بك في كل حال، وصدق النية في التوكل عليك ". ثم ينحدر منها حتى يأتي الصفا، يفعل ذلك سبع مرات ويكون وقوفه على الصفا أربع مرات، وعلى المروة أربعا، و يسعى بينهما سبعا: يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة إن شاء الله. وإذا جاء منها إلى الصفا فليبدأ من عند الزقاق بالهرولة، فإذا انتهى إلى الميل الذي دون الصفا بعد ما يجاوز الوادي كف عن السعي، ومشى مشيا. ويستحب أن يطوف الحاج ثلاثمأة وستين أسبوعا في مقامه بمكة عدد أيام السنة، فإن لم يقدر عليه طاف ثلاثمأة وستين شوطا، فإن لم يتمكن من ذلك فليطفه ما تيسر من الأسابيع تطوعا، فإن شغله عن التطوع بالطواف شاغل فليطف الفرض إن شاء الله. وإذا طاف بالبيت سبعا، وسعى بين الصفا والمروة سبع مرات قصر من شعر رأسه من جوانبه، أو من حاجبيه، أو من لحيته إن كان ذا لحية، وقد حل من كل شئ أحرم منه.

 

[ 11 ] باب الإحرام للحج

فإذا كان يوم التروية فليأخذ من شاربه، ويقلم أظفاره، ويغتسل، ويلبس ثوبيه، يأتي المسجد الحرام حافيا - وعليه السكينة والوقار - فليطف أسبوعا إن شاء، ثم ليصل ركعتين لطوافه عند مقام إبراهيم عليه وآله السلام ثم ليقعد حتى تزول الشمس، فإذا زالت فليصل ست ركعات، ثم ليصل المكتوبة، وليدع الله عز وجل كثيرا بالعون، ثم يقول: " اللهم إني أريد الحج فيسره لي، وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي، أحرم لك وجهي، وشعري، وبشري، ولحمي، ودمي، وعظمي، وعصبي، ومخي من النساء، والثياب، والطيب ابتغي، بذلك وجهك والدار الآخرة ". ثم ليلب حين ينهض به بعيره، ويستوي به قائما. وإن كان ماشيا فليلب من عند الحجر الأسود، ويقول: " لبيك اللهم لبيك لبيك بحجة تمامها عليك ". ويقول: - وهو متوجه إلى منى - " اللهم إياك أرجو، وإياك أدعو، فبلغني  أملي، وأصلح لي عملي ". فإذا انتهى إلى الرقطاء دون الردم، وأشرف على الأبطح فليرفع صوته بالتلبية حتى يأتي منى.

 

[ 12 ] باب نزول منى

فإذا أتى منى فليقل: " الحمد لله الذي أقدمنيها صالحا، وبلغني هذا المكان في عافية، اللهم هذه منى، وهي مما مننت به علينا من المناسك، فأسألك أن تمن علي فيها بما مننت به علي أوليائك، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك ". ثم يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر. ولا بأس أن يصلي بغيرها إن لم يقدر ليدرك الناس بعرفات.

 

[ 13 ] باب الغدو إلى عرفات

فإذا طلع الفجر فليصل بمنى، ثم يتوجه إلى عرفات، ويقول: - وهو متوجه إليها -.  " اللهم إليك صمدت، وإياك اعتمدت، ولوجهك أردت، أسألك أن تبارك لي في رحلتي، وأن تقضي لي حاجتي، اللهم اجعلها خير غدوة غدوتها قط، أقربها من رضوانك، وأبعدها من سخطك ". ثم ليلب وهو غاد إلى عرفات. فإذ أتاها ضرب خباه بنمرة قريبا من المسجد، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله ضرب قبته هناك. ونمرة في بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة. فإذا زالت الشمس يوم عرفة فليغتسل. ويقطع التلبية، ويكثر من التهليل، والتمجيد، والتكبير. ثم يصلي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين: يبدأ فيؤذن، ويقيم، ويصلي الظهر، فإذا فرغ منها أقام، وصلى العصر. ثم يأتي الموقف، ويكون وقوفه في ميسرة الجبل، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وقف هناك. ويستقبل القبلة، فيحمد الله، ويثني عليه، و يهلله مائة مرة، ويسبحه كذلك، ويكبره كذلك وليقل: " ما شاء الله، لا قوة إلا بالله " مائة مرة.  ويقول: " لا إله إلا الله وحده شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو علي كل شئ قدير " مائة مرة. وليقرأ عشر آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي، وآخر البقرة من قوله: " لله ما في السماوات وما في الأرض " إلى آخرها. وآية السخرة: " إن ربكم الله الذي خلق السماوات - إلى قوله - إن رحمة الله قريب من المحسنين ". وثلاث آيات من آخر الحشر. وليقرأ المعوذتين. وليقل: " اللهم إني عبدك فلا تجلعني من أخيب وفدك، وارحم مسيري إليك، اللهم رب المشاعر الحرام كلها فك رقبتي من النار، وأدخلني الجنة، برحمتك، وأوسع علي من رزقك، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس، اللهم إني أسألك بحولك، وقوتك، ومجدك، وجودك، ومنك، وفضلك يا أسمع السامعين، ويا أبصر الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تغفر لي، وترحمني، وتفعل بي كذا وكذا ". ويذكر حاجته. ويقر بجميع ذنوبه: ما ذكره منها فليعترف به ذنبا ذنبا، ويستغفر منه.  وما لم يذكره فليستغفر منه في الجملة. ثم يرفع رأسه إلى السماء، ويقول " اللهم حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني فكاك رقبتي من النار، اللهم إني عبدك، ناصيتي بيدك، وأجلي بعلمك أسألك أن توفقني لما يرضيك عني، وأن تسلم لي مناسكي التي أريتها إبراهيم خليلك، ودللت عليها نبيك محمدا صلى الله عليهما وآلهما، اللهم اجعلني ممن رضيت عمله، وأطلت عمره، وأحييته بعد الممات حياة طيبة، الحمد لله على نعمائه التي لا تحصى بعدد، ولا تكافى بعمل، الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا مذكورا، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، الحمد لله الذي رزقني ولم أك أملك شيئا، الحمد لله على حلمه بعد علمه، الحمد لله على عفوه بعد قدرته، الحمد لله على رحمته التي سبقت غضبه ". ثم لي كثر من حمد الله، والثناء عليه، وتمجيده، والاستغفار إن شاء الله. ثم يدعو دعاء الموقف، فيقول: " لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، [ لا إله إلا الله الملك الحق العدل المبين ] سبحان الله رب السماوات السبع، و [ رب ] الأرضين السبع، وما فيهن، وما بينهن، ورب العرش العظيم، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك وعبادك، الذي اصطفيته لرسالاتك، واجعله إلهي أول شافع، وأول مشفع، وأول قائل، وأنجح سائل، اللهم صلي على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد أفضل ما صليت، وباركت، وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم إنك تجيب المضطر إذا دعاك، وتكشف السوء، وتغيث المكروب، وتشفي السقيم، وتغني الفقير، وتجبر الكسير، وترحم الصغير، وتعين الكبير، وليس فوقك أمير، أنت العلي الكبير، يا مطلق المكبل الأسير، و يا رازق الطفل الصغير، و يا عصمة الخائف المستجير، يا من لا شريك له ولا وزير، اللهم إنك أقرب من دعي، وأسرع من أجاب، وأكرم من عفا، وخير من أعطى، وأوسع من سئل، رحمن الدنيا والآخرة، ورحيمهما، ليس كمثلك شئ مسؤول، ولا معط، دعوتك فأجبتني، وسألتك فأعطيتني وفزعت إليك فرحمتني وأسلمت لك نفسي فاغفر لي ولوالدي، ولأهلي، وولدي، وكل سبب ونسب في الإسلام لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات: الأحياء منهم والأموات. اللهم إني أسألك بعظيم ما سألك به أحد من خلقك من كريم أسمائك، وجميل ثنائك، وخاصة آلائك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل عشيتي هذه أعظم عشية مرت علي منذ أنزلتني إلي الدنيا بركة في عصمة ديني، وخاصة نفسي، وقضاء حاجتي، وتشفيعي في مسائلي، وإتمام النعمة علي، وصرف السوء عني، وإلباسي العافية، وأن تجعلني ممن نظرت إليه في هذه العشية برحمتك، إنك جواد كريم، اللهم صلي على محمد وآل محمد، ولا تجعل هذه العشية آخر العهد مني حتى تبلغنيها من قابل مع حجاج بيتك الحرام، والزوار لقبر نبيك عليه وآله السلام، في أعفى عافيتك، وأتم نعمتك، وأوسع رحمتك، وأجزل قسمك، وأسبغ رزقك، و أفضل الرجاء وأنا لك على أحسن الوفاء، إنك سميع الدعاء اللهم صل على محمد وآل محمد، واسمع دعائي وارحم تضرعي، وتذللي، واستكانتي وتوكلي عليك، فأنا لك سلم لا أرجو نجاحا ولا معافاة ولا تشريفا إلا بك ومنك، فامنن علي بتبليغي هذه العشية من قابل، وأنا معا في من كل مكروه ومحذور و من جميع البوائق، وأعني على طاعتك وطاعة أوليائك الذين اصطفيتهم من خلقك لخلقك. اللهم صلى على محمد وآل محمد، وسلمني في ديني، وامدد لي في أجلي وأصح لي جسمي، يا من رحمني وأعطاني سؤلي فاغفر لي ذنبي، إنك على كل شئ قدير. اللهم صلي على محمد وآل محمد، وتمم علي نعمتك [ فيما بقي من أجلي حتى تتوفاني وأنت عني راض اللهم صلي عليه محمد وآل محمد، ] ولا تخرجني من ملة الإسلام، فإني اعتصمت بحبلك، ولا تكلني إلى غيرك. اللهم صلي على محمد وآل محمد، وعلمني ما ينفعني، واملأ قلبي علما، وخوفا من سطوتك ونقماتك. اللهم إني أسألك مسألة المضطر إليك، المشفق من عذابك، الخائف من عقوبتك أن تغفر لي، وتعيذني بعفوك، وتحنن علي برحمتك، وتجود علي بمغفرتك، وتؤدي عني فريضتك، وتغنيني بفضلك عن سؤال أحد من خلقك، وأن تجيرني من النار برحمتك. اللهم صل على محمد وآل محمد، وافتح له فتحا يسيرا، وانصره نصرا عزيزا، واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا. اللهم صلي على محمد وآل محمد، واظهر حجته بوليك وأحيي سنته بظهوره حتى يستقيم بظهوره جميع عبادك وبلادك، ولا يستخفي أحد بشئ من الحق مخافة أحد من الخلق، اللهم إني أرغب إليك [ في دولته الشريفة الكريمة التي تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها الشرك وأهله ] اللهم صلي على محمد وآل محمد، واجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والعابرين في سبيلك، وارزقنا فيها كرامة الدنيا والآخرة، اللهم ما أنكرنا من الحق فعرفناه، وما قصرنا عنه فبلغناه، اللهم صلى على محمد وآل محمد، واستجب لنا جميع ما دعوناك وسألناك، واجعلنا ممن يتذكر فتنفعه الذكرى، وأعطني اللهم سؤلي في الدنيا والآخرة، إنك على كل شئ قدير ". وليجتهد في الدعاء، فإنه يوم مسألة وطلب، ولا يشتغل بالنظر إلى الناس، وليقبل قبل نفسه، ويتعوذ بالله من الشيطان، وليكثر من الاستغفار إن شاء الله.

 

[ 14 ] باب الإفاضة من عرفات

فإذا غربت الشمس فليفض منها بالاستغفار، وعليه السكينة والوقار، فإن الله تعالى يقول: " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ". فإذا أتى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فليقل: " اللهم ارحم موقفي، وزك عملي، وسلم لي ديني، وتقبل مناسكي، اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف، و ارزقنيه أبدا ما أبقيتني.

 

[ 15 ] باب نزول المزدلفة

ولا يصل المغرب ليلة النحر إلا بالمزدلفة وإن ذهب ربع الليل. فإذا نزل المزدلفة صلى بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان وإقامتين، ثم صلى نوافل المغرب بعد العشاء الآخرة. فإذا أصبح يوم النحر فليصل الفجر، ويقف كوقوفه بعرفة، ويحمد الله، ويثني عليه، ويذكر من آلائه وبلائه ما قدر عليه، ويصلي على النبي وآله، ثم يقول: " اللهم رب المشعر الحرام، فك رقبتي من النار، وأوسع علي من الرزق الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس، اللهم أنت خير مطلوب إليه وخير مدعو وخير مسؤول، ولكل وافد جائزة فاجعل جائزتي في موطني هذا: أن تقيلني عثرتي، وتقبل معذرتي، وتجاوز عن خطيئتي، و اجعل التقوى من الدنيا زادي يا أرحم الراحمين " فإذا طلعت الشمس فليفض منها إلى منى، فإذا بلغ طرف وادي محسر فليسع فيه بهرولة حتى يجوزه، ولا يفض منها قبل طلوع الشمس إلا مضطرا، لكنه لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوعها. ولا يفض من عرفات قبل غروبها. ويأخذ الحصى لرمي الجمار من المزدلفة أو من الطريق فإن أخذه من رحله بمنى أجزأه. فإذا نزل منى فإن قدر، على الوضوء لرميه الجمار فليتوضأ، وإن لم يقدر أجزئه عنه غسله - ولا يجوز له رمي الجمار إلا وهو على طهر - ثم يأتي الجمرة القصوى التي عند العقبة، فليقم من قبل وجهها، ولا يقم من أعلاها، وليكن بينه وبينها قدر عشر أذرع أو خمس عشرة ذراعا، ويأخذ لرميه سبع حصيات، ويقول - والحصى في يده -: " اللهم هؤلاء حصياتي فاحصهن لي، وارفعهن في عملي ". ثم ليرم حذفا، يضع الحصاة على باطن إبهامه، ويدفعها بظاهر سبابته، ويقول مع كل حصاة: " بسم الله اللهم صلي على محمد وآل محمد، الله أكبر، اللهم ادحر عني الشيطان وجنوده، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك صلى الله عليه وآله، اللهم اجعله حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وعملا مقبولا، وذنبا مغفور ".

 

[ 16 ] باب الذبح والنحر

ثم يشتري هديه الذي فيه متعته إن كان من البدن، أو من إناث البقر، فإن لم يجد ففحلا، ومن المعزى تيسا. ويعظم شعائر الله عز وجل. وأعلم أنه لا يجوز في الأضاحي من البدن إلا الثنى - وهو الذي قد تم له خمس سنين، ودخل في السادسة - ولا يجوز من البقر والمعز إلا الثنى - وهو الذي قد تمت له سنة، ودخل في الثانية - ويجزي من الضأن الجذع لسنة، وتجزي البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت. وإذا اشترى هديه استقبل به القبلة فذبح، وقال حين يتوجه به: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك وعلى ملة إبراهيم حنيفا مسلما، بسم الله، والله أكبر، اللهم تقبل مني، إنك أنت السميع العليم ". ثم يمر الشفرة، ولا ينخع حتى تبرد الذبيحة. فإن لم يقدر أن يذبح من علة ذبح له غيره، وهو مستقبل القبلة، ويقول هذا الكلام حين يذبح، وتكون يده مع يد من يذبح له. فإذا ذبحه، أو ذبح له، فليستقبل القبلة، وليحمد الله، وليثن عليه، وليصل على محمد وآله الطاهرين " عليهم السلام أجمعين ". وإن كان هديه بدنة فليوجهها إلى القبلة قائمة، ويعقل يدها اليسرى، ثم يأخذ الحربة بيمينه، ويقول: " بسم الله الله أكبر "، ويضرب بها نحرها. وإن لم يحسن ذلك، أو ضعف عنه، ناب غيره فيه إن شاء الله.

 

[ 17 ] باب الحلق

وليحلق رأسه بعد الذبح، وليقل: " اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة وحسنات مضاعفات، إنك على كل شئ قدير ". وإذا جلس يحلق رأسه فليكن متوجها إلى القبلة، ويأمر الحلاق أن يبدأ بناصيته في الحلق من جانبه الأيمن. ولا يجزي الصرورة غير الحلق، ومن لم يكن صرورة أجزأ التقصير، والحلق أفضل.

 

[ 18 ] باب زيارة البيت من منى

ثم يتوجه إلى مكة، وليزر البيت يوم النحر، فإن شغله شاغل فلا يضره أن يزوره من الغد. ولا يجوز للمتمتع أن يؤخر الزيارة والطواف عن اليوم الثاني من النحر، ويوم النهر أفضل. ولا بأس للمفرد والقارن أن يؤخرا ذلك. فإذا أتى مكة فليقم على باب المسجد، وليقل: " اللهم أعني على نسكي، وسلمه لي، وتسلمه مني، أسألك مسألة الذليل المعترف بذنبه: أن تغفر لي ذنبي، اللهم إني عبدك، والبلد بلدك، والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، وأؤم طاعتك، متبعا لأمرك، راضيا بقدرك، أسألك مسألة المضطر إليك، المطيع لأمرك، المشفق من عذابك، الخائف لعقوبتك، وأسألك أن تلقيني عفوك، وتجيرني من النار برحمتك ". ثم يأتي الحجر الأسود، فيقبله، ويستلمه، ويكبر الله جل اسمه، فيقول كما قال يوم دخل مكة، وليجتهد في الدعاء لنفسه، ثم ليطف بالبيت سبعة أشواط ثم يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه وآله السلام يقرأ فيها بعد الفاتحة " قل هو الله أحد " و " قل يا أيها الكافرون "، ثم يرجع إلى الحجر الأسود، فيقبله إن استطاع، ويستلمه وإلا فليستقبله، ويكبر. ثم يأتي زمزم، ويشرب منها للتبرك بذلك، ويدعو، فيقول: " اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل سقم. ثم يخرج إلى الصفا، فليصعد عليه، ثم يصنع كما صنع يوم قدم مكة، ويقف على المروة [ ويسعى بينهما سبعة أشواط: يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة، ] فإذا فعل ذلك فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء، ثم ليرجع إلى البيت فليطف أسبوعا آخر، ثم يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثم قد فرغ من حجه، وحل من كل شئ أحرم منه، ثم يرجع إلى منى، ولا يبيت ليالي التشريق إلا بمنى، وإن بات في غيرها فعليه دم شاة.

 

[ 19 ] باب الرجوع إلى منى ورمي الجمار

وإذا أتى رحله بمنى فليقل: " اللهم بك وثقت، وبك آمنت، وعليك توكلت، فنعم الرب، ونعم المولى، ونعم النصير ". ويرمي الثلاث الجمرات اليوم الثاني والثالث والرابع، كل يوم بإحدى وعشرين حصاة، يكون ذلك من عند طلوع الشمس موسعا له إلى غروبها، وأفضل ذلك ما قرب من الزوال وجائز للخائف والنساء الرمي للجمار بالليل. ويرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات، ويقف عندها، ويدعو، إلى الجمرة الوسطى بسبع حصيات، ويقف عندها ويدعو، وإلى الجمرة الثالثة بسبع حصيات، ولا يقف عندها. فإن نسي أو جهل فرماها مقلوبة فليعد على الجمرة الوسطى وجمرة العقبة.

 

[ 20 ] باب النفر من منى

فإذا أراد الخروج من منى في النفر الأول فوقته بعد الزوال من اليوم الثاني من النحر، والنفر الأخير يوم الرابع من النحر. فإذا ابيضت الشمس فإن السنة أن يأتي مسجد الخيف، فيصلي فيه ست ركعات، وليتعمد بصلاته عند المنارة التي في وسط المسجد، ثم يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على محمد وآله عليهم السلام، ويدعو بما أحب. فإذا رجع من مسجد منى، وجاوز جمرة العقبة، فليحول وجهه إلى منى، ويرفع يديه إلى السماء، وليقل: " اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وارزقنيه أبدا ما أبقيتني يا أرحم الراحمين " فإذا بلغ مسجد الحصاء - وهو مسجد النبي صلى الله عليه وآله - فليدخله، وليصل فيه، ويدعو بما بدا له، وليسترح فيه قليلا، وليكن استراحته بالاستلقاء فيه على ظهره، فإن في ذلك تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله. ثم يدخل مكة، وعليه السكينة والوقار، فإذا دخلها طاف بالبيت ما شاء تطوعا إن شاء الله.

 

[ 21 ] باب دخول الكعبة

فإذا أراد أن يدخل إلى الكعبة فليغتسل قبل أن يدخلها، وإذا دخلها فليقل: " بسم الله، وبالله، وإلى الله، وما شاء الله، وعلى ملة رسوله الله صلى الله عليه وآله، وخير الأسماء لله، والحمد لله، والسلام على رسول الله، والسلام على محمد بن عبد الله، و السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، و السلام على أنبياء الله ورسله، و السلام على إبراهيم خليل الله، السلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، اللهم صلي على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، كأفضل ما صليت، وباركت، وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، الحمد لله الذي جعلني من وفده وزواره، اللهم إني عبدك وزائرك في بيتك، وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره، وأنت خير مأتي وأكرم مزور، فأسألك يا رحمن بأنك أنت الله، وأنت الرحمن، لا إله إلا أنت، وحدك، لا شريك لك، وبأنك أحد، صمد، لم تلد، ولم تولد، ولم يكن لك كفوا أحدا: أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل تحفتك إياي من زيارتي فكاك رقبتي من النار، اللهم إنك قلت: " ومن دخله كان آمنا "، فآمني من عذاب النار، ومن الفتنة في الدنيا والآخرة، اللهم إني أعوذ بك من سفعات النار ". وليجتهد في الدعاء.

 

[ 22 ] باب مواضع الصلاة في الكعبة

ثم ليصل بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء التي بين العمودين ركعتين: يقرأ في الركعة الأولى " الحمد " و " حم السجدة " وفي الثانية " الحمد " وبعدد آي السجدة من القرآن. ويصلي في زوايا الكعبة، ويقول - وهو ساجد -: " يا رب يا رب يا رب، ليس يرد غضبك إلا حلمك، ولا يجير من عقابك إلا رحمتك، ولا منجى منك إلا بالتضرع إليك، فهب لي يا إلهي فرجا بالقدرة التي تحيي بها أموات العباد، وبها تنشر ميت البلاد، ولا تهلكني يا إلهي غما حتى تستجيب دعائي، و تعرفني الإجابة يا إلهي، وترزقني العافية إلى منتهى أجلي، ولا تشمت بي عدوي، ولا تمكنه من عنقي، من ذا الذي يرفعني إن وضعتني يا رب، ومن ذا الذي يضعني إن رفعتني، وإن أهلكتني فمن ذا الذي يتعرض لك في عبدك، أو يسألك عنه، وقد علمت يا إلهي: أنه ليس في حكمك ظلم، ولا في نقمتك عجلة، و إنما يعجل من يخاف الفوت، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك، فلا تجعلني للبلاء عرضا، ولا لنقمتك نصبا ومهلني، ونفسني، وأقلني عثرتي، ولا ترد كيدي في نحري، ولا تشمت بي عدوي ولا حاسدي، بك أعوذ يا سيدي فأعذني، وأستجير بك من غضبك فأجرني، وأستعين بك على الضر فأعني، وأستعصمك فاعصمني، وأتوكل عليك فاكفني ". وليجتهد في الدعاء لنفسه وأهله وإخوانه بما أحب، وليذكر حوائجه، ويتضرع، وليكثر من التعظيم لله والتحميد والتكبير والتهليل، وليكثر من المسألة إن شاء ثم يصلي أربع ركعات أخر، يطيل ركوعها وسجودها، ثم يحول وجهه إلى الزاوية التي فيها الدرجة، فيقرأ سورة من سور القرآن، ثم يخر ساجدا، ثم يصلي أربع ركعات أخر، يطيل ركوعها وسجودها، ثم يحول وجهه إلى الزاوية الغربية، فيصنع كما صنع، ثم يحول وجهه إلى الزاوية التي فيها الركن اليماني فيصنع كما صنع، ثم يحول وجهة إلى الزاوية التي فيها الحجر الأسود، فيصنع كما صنع، ثم يعود إلى الرخامة الحمراء، فيقوم عليها، ويرفع رأسه إلى السماء، فيطيل الدعاء، فبذلك جاءت السنة. فإذا خرج من باب الكعبة فليقل: " اللهم لا تجهد بلائي، ولا تشمت بي أعدائي، فإنك أنت الضار النافع ". يقولها: ثلاث مرات.

 

[ 23 ] باب الوداع

فإذا أراد الرحيل من مكة فليودع البيت، يطوف به سبعة أشواط، ويستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط إن استطاع ذلك وتمكن منه، فإذا كان في الشوط السابع فليأت المستجار - وهو في مؤخر الكعبة قريبا من الركن اليماني - فيصنع عنده كما صنع يوم دخل مكة، ويتخير لنفسه ما شاء من الدعاء، ثم يلصق خده وبطنه بالبيت فيما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، ويضع يده اليمنى مما يلي باب الكعبة، واليد اليسرى مما يلي الحجر الأسود، فيحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على محمد وآله عليه وعليهم السلام، ويقول: " اللهم أقلبني اليوم منجحا مفلحا مستجابا لي بأفضل ما رجع به أحد من خلقك وحجاج بيتك الحرام من المغفرة، والرحمة، والبركة، والرضوان، والعافية، وفضل من عندك تزيدني عليه، اللهم إن أمتني فاغفر لي، وإن أحييتني فارزقني الحج من قابل، اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام ". وليجتهد في الدعاء، ويقول: " يا رب هذا وداع من يخاف أن لا يؤب إلى بيتك، رب فحرمني وأهلي على جهنم، اللهم إنك استفرزت إلى أداء ما افترضت، فخرجت بغير منة عليك، وأنت أخرجتني، اللهم فإن كنت قد غفرت لي ذنوبي، وأصلحت لي عيوبي، وطهرت قلبي، وكتبت لي البراءة من أمر دنياي وآخرتي، فلن ينقلب المنقلبون إلا بفضل ينفر به وإن كنت لم تفعل ذلك بما جنيت على نفسي فاغفر لي وارحمني قبل أن تنأى عن بيتك داري يا أرحم الراحمين ".

 

[ 24 ] باب الصلاة في مقام إبراهيم عليه السلام

ثم يأتي المقام فيصلي ركعتين، فإذا فرغ منهما فليقل: " اللهم إني خرجت من بيتي إلى بيتك الحرام، قاصدا إليك، أريدك ولا أريد غيرك، وأنت الذي رزقتنيه، ومننت به على، اللهم إني أردت تصديق كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله، وقضاء حق من حقوقك، وأنا عبدك وضيفك في حرمك والنازل بك، وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره، وأنت خير مأتي، وأكرم مزور، وخير من طلبت إليه الحاجات، وأكرم من سئل، وأرحم من استرحم، وأجود من أعطى، وأرأف من عفا، وأسمع من دعى، وأكرم من اعتمد عليه، اللهم ولي إليك فاقة، وعندي لك طلبات، أنا مرتهن بها، أثقلت ظهري، وأفقرتني، إلى رحمتك، اعتمدتك فيها، تائبا إليك منها، فاغفرها لي وذنوبي كلها، قديمها وحديثها، سرها وعلانيتها، خطاها وعمدها، صغيرها وكبيرها، قليلها وكثيرها، وكل ذنب أذنبته، مغفرة عزما يا عظيم، فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا أنت يا عظيم ". وليجتهد في الدعاء لنفسه ولاخوانه من المؤمنين إن شاء الله تعالى وتقدس.

 

[ 25 ] باب الصلاة نحو الأركان

ومن السنة أن يصلي بإزاء كل ركن من أركان البيت ركعتين، وليكن آخرها الركن الذي فيه الحجر، وإن زاد على ركعتين فهو أفضل. فإذا فرغ من الصلاة إلى الأركان فليلتصق بالحطيم، فيحمد الله ما استطاع، ويصلي على محمد وآله الطاهرين، ويقول: " اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام ولا من هذا الموقف، اللهم ارددني إليه ببر وتقوى وإخبات ". ثم ينصرف فيأتي زمزم، فيشرب منها تبركا بذلك، ثم يخرج إن شاء الله. فإذا خرج، وكان قريبا من باب المسجد، فليستقبل القبلة، ثم يخر ساجدا، و يقول: " سجدت لك يا رب تعبدا ورقا، و لا إله أنت ربي حقا حقا، اللهم اغفر لي ذنوبي، وتقبل حسناتي، وتب علي إنك أنت التواب الرحيم ". ثم يرفع رأسه، فيحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله، ويقول: " اللهم إني أنقلب على أن لا إله إلا أنت ". ثم يرفع يديه، ويستقبل الكعبة، ويقول: " اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام ". فإذا خرج فليضع يده على الباب، وليقل: " المسكين على بابك، فتصدق عليه بالجنة ". فإذا توجه إلى أهله فليقل: " تائبون، عابدون، حامدون، لربنا شاكرون، وإلى ربنا راغبون، وإلى الله راجعون ".

 

[ 26 ] باب تفصيل فرائض الحج

وفرض الحج الإحرام، والتلبية، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، وشهادة الموقفين. وما بعد ذلك سنن بعضها أوكد من بعض. ومن دخل مكة يوم التروية، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، فأدرك ذلك قبل مغيب الشمس، أدرك المتعة. فإن غابت الشمس قبل أن يفعل ذلك فلا متعة له، فليقم على إحرامه، ويجعلها حجة مفردة. فإذا انقضت أيام الحج خرج إلى خارج الحرم فأحرم للعمرة واعتمر. ومن حصل بعرفات قبل طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدركها. وإن لم يحضرها حتى يطلع الفجر فقد فاتته. فإن حضر المشعر الحرام قبل طلوع الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحج. وإن لم يحضره حتى تطلع الشمس فقد فاته الحج. وقد جاءت رواية: أنه إن أدركه قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج. غير أن هذه الرواية جاءت من نوادر الأخبار، وما ذكرناه متواتر ظاهر من الآثار.

 

[ 27 ] باب ما يجب على المحرم اجتنابه في إحرامه

قد تقدم القول بطرف من ذلك، وأنا أورده في هذا الباب على الكمال إن شاء الله. فمن أحرم وجب عليه القيام بشرائط الإحرام، فمن ذلك اجتناب النساء، والطيب كله، إلا خلوق الكعبة خاصة، فإنه لا بأس أن يشمه المحرم، وينال منه، واللباس الذي يزيد على ثوبي الإحرام - كالقميص والسراويل - وما يخمر به الرأس للرجل، وتغطية المرأة وجهها، والزينة، والجدال، والكذب يفسد الإحرام. وصيد البر محرم في الإحرام، قال الله عز وجل: " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون ". ولا يكتحل المحرم بالسواد، فإنه زينة، ويكتحل بالصبر والحضض وما أشبههما إذا شاء. ولا يدهن بالطيب الرائحة. ويدهن بالزيت والشيرج والسمن إذا شاء. ولا يشم شيئا من الرياحين الطيبة، ويمسك أنفه من الرائحة الطيبة، ولا يمسكه من الرائحة الخبيثة. ولا يأخذ من شعره ولا من أظفاره. ولا يحتجم، ولا يفتصد، إلا أن يخاف على نفسه التلف. ولا يرتمس في الماء، ولا يغطي رأسه، ولا يظلل على نفسه، إلا أن يخاف الضرر العظيم، فيفعل ذلك. فإن ظلل على نفسه مختارا فعليه فداء. ولا يدمي نفسه بحك جلده ولا يستقصي في سواكه، لئلا يدمي فاه. ولا يدلك وجهه في غسله في الوضوء ولا في غيره، لئلا يسقط من شعره شئ. ولا يقلم أظفاره. ولا يأكل من صيد البر وإن صاده غيره، محلا كان الصائد أو محرما، كما لا يأكل من صيد نفسه. ولا يدل على صيد، وليتق الله عز وجل، و ليتحفظ من ارتكاب ما نهاه عنه إن شاء الله.

 

[ 28 ] باب الكفارة عن خطأ المحرم وتعديه الشروط

فإذا جامع المحرم قبل وقوفه بعرفة فكفارته بدنة، وعليه الحج من قابل، وليستغفر الله عز وجل: وإن جامع بعد وقوفه الموقف فعليه بدنة، وليس عليه الحج من قابل. فإن كان جماعة دون الفرج قبل وقوفه بالموقف فعليه بدنة، وليس عليه الحج من قابل. وإنما يلزم الأمران جميعا من كان جماعة في الفرج على ما بيناه. ومن نظر إلى غير أهله فأمنى فإنه يجب عليه بدنة إن كان موسرا، وإن كان وسطا فعليه بقرة، وإن كان فقيرا فعليه دم شاة، ويستغفر الله عز وجل، وإن لم يجد شيئا مما ذكرناه لفقرة في الحال فعليه صيام ثلاثة أيام. ومن نظر إلى أهله فأمنى أو أمذى فلا كفارة عليه، ويستغفر الله عز وجل. وكذلك إن حملها فكان منه ما ذكرناه فلا شئ عليه، إلا أن يضمها إليه بشهوة فيمني، فيجب عليه دم شاة. ومن تزوج وهو محرم فرق بينه وبين المرأة، وكان نكاحه باطلا. فإن كان يعلم أن ذلك محرم، ثم أقدم عليه، لم تحل له المرأة أبدا. والمحرم لا يعقد النكاح، وإن عقده لم يتم. وإذا وجبت الكفارة على المحرم لجماعة وجب مثلها على المرأة إن كانت طاوعته على ذلك. فإن كان أكرهها فعليه كفارتان، وليس على المرأة كفارة. ومن قبل امرأته وهو محرم فعليه بدنة، أنزل، أو لم ينزل. فإن هويت المرأة ذلك كان عليها مثل ما عليه. ويكره للمحرم أن يأكل من يد امرأته شيئا تلقمه إياه، وكذلك يكره له أن يأكل من يد جاريته، لما يتخوف عليه من تحرك شهوته بذلك. وإذا سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط، وظن أنه طاف سبعة، فقصر، وجامع، وجب عليه دم بقرة، ويسعى شوطا آخر. فإن لم يجامع النساء سعى شوطا، ولا شئ عليه. وإذا قلم المحرم شيئا من أظفاره فعليه أن يطعم عن كل ظفر مسكينا مدا من طعام. فإن قلم أظفار يديه جميعا فعليه دم شاة. فإن قلم بعد ذلك أظفار رجليه كان عليه دم آخر. فإن قلم أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد فعليه دم واحد. ومن حلق رأسه من أذى لحقه فعليه دم شاة، أو إطعام ستة مساكين - لكل مسكين مد من طعام - أو صيام ثلاثة أيام. فإن ظلل على نفسه مختارا فعليه دم أيضا. فإن لبس قميصا بعد ما أحرم فليشق جيبه، وينزعه من قبل رجليه. ومن جادل وهو محرم مرة صادقا أو مرتين فليس عليه كفارة، وليستغفر الله عز وجل. فإن جادل ثلاث مرات صادقا وما زاد عليه فعليه دم شاة. فإن جادل مرة كاذبا فعليه دم شاة. فإن جادل مرتين كاذبا فعليه دم بقرة، فإن جادل ثلاثا وما زاد كاذبا فعليه دم بدنة. ومن نزع من جسده قملة، فقتلها، أو رمى بها، فليطعم مكانها كفا من طعام لمسكين. ومن أسبغ وضوءه فسقط شئ من شعره فعليه أيضا كف من طعام يتصدق به. فإن كان الساقط من شعره كثيرا فعليه دم شاة. فإن صاد المحرم نعامة فقتلها فعليه بدنة، فإن لم يجد أطعم ستين مسكينا، فإن لم يقدر على ذلك صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع ذلك صام ثمانية عشر يوما، فإن لم يقدر على شئ من ذلك كله استغفر الله عز وجل. فإن صاد بقرة وحش أو حمار وحش فعليه بقرة، فإن لم يجد أطعم. ثلاثين مسكينا، فإن لم يستطع صام تسعة أيام. فإن صاد ظبيا فعليه شاة، فإن لم يجد أطعم عشرة مساكين، فإن لم يستطع صام ثلاثة أيام. وفي الثعلب والأرنب مثل ما في الظبي. وفي القطاة وما أشبهها حمل قد فطم من اللبن، ورعى من الشجر. وفي القنفذ واليربوع والضب وما أشبهها جدي. وفي الحمامة وما أشبهها درهم، وفي بيضها ربع درهم. وفي فراخها نصف درهم. ومن نفر حمام الحرم فعليه دم شاة. فإن لم يرجع فعليه لكل طائر دم شاة. ومن دل على صيد، وهو محرم، فأخذ، وقتل، فعليه فداؤه. ولو اجتمع جماعة محرمون على صيد فقتلوه لوجب على كل واحد منهم الفداء. وعلى المحرم في صغار النعام بقدره من صغار الإبل في سنه. وكذلك في صغار ما قتله من البقر والحمير والظباء. وإذا كسر المحرم بيض النعام فعليه أن يرسل من فحولة الإبل في إناثها بعدد ما كسر، فما نتج كان هديا لبيت الله عز وجل، فإن لم يجد فعليه لكل بيضة شاة، فإن لم يجد أطعم عن كل بيضة عشرة مساكين، فإن لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة أيام. فإن كسر بيض القطا وشبهها أرسل فحولة الغنم على إناثها فما نتج كان هديا لبيت الله. وقد روي: أن رجلا سأل أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله، فقال له: يا أمير المؤمنين إني خرجت محرما فوطئت ناقتي بيض نعام، وكسرته، فهل علي كفارة؟ فقال له: امض فاسأل ابني الحسن عنها - وكان بحيث يسمع جوابه - فتقدم إليه الرجل، فسأله، فقال له الحسن عليه السلام: يجب عليك أن ترسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض، فما نتج فهو هدي لبيت الله عز وجل. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: يا بني كيف قلت ذلك، وأنت تعلم أن الإبل ربما أزلقت، أو كان فيها ما يزلق؟ فقال: يا أمير المؤمنين والبيض ربما أمرق، أو كان فيه ما يمرق. فتبسم أمير المؤمنين صلوات الله عليه [ وآله ] وقال له: صدقت يا بني. ثم تلى: " ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ". ومن رمى شيئا من الصيد، فجرحه، ومضى لوجهه، فلم يدر: أحي هو أم ميت، فعليه فداؤه، فإن رآه بعد ذلك حيا، وقد صلح، وزال منه العيب، وعاد إلى ما كان عليه، تصدق بشئ، واستغفر الله عز وجل وإن بقي معيبا فعليه مقدار ما بين قيمة فدائه صحيحا وما بين ذلك العيب. ومن قتل جرادة فعليه كف من طعام. فإن قتل جرادا كثيرا فعليه دم شاة. ومن قتل زنبورا تصدق بتمرة. فإن قتل زنابير كثيرة تصدق بمد من طعام، أو مد من تمر. ومن اضطر إلى صيد وميتة فليأكل الصيد، ويفديه، ولا يأكل الميتة. ومن لبس ثوبا لا يحل له لبسه، أو أكل طعاما لا يحل له، فإنه إن كان تعمد ذلك كان عليه دم شاة، وإن كان ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ، وليستغفر الله عز وجل. والمحرم إذا صاد في الحل كان عليه الفداء. وإذا صاد في الحرم كان عليه الفداء، والقيمة مضاعفة. ومن وجب عليه فداء الصيد، وكان محرما للحج ذبح - ما وجب عليه - أو نحره بمنى. وإن كان محرما للعمرة ذبح أو نحر بمكة. وكل شئ أصله في البحر، ويكون في البر والبحر، ينبغي للمحرم أن لا يقتله، فإن قتله فعليه فداؤه. ولا بأس أن يأكل المحل مما صاده المحرم، وعلى المحرم فداؤه على ما ذكرناه. والمحرم لا يأكل الجراد، ولا يقتله على ما بيناه. ولا بأس بأكل الدجاج الحبشي لأنه ليس من الصيد الذي حظره الله على المحرم. ومن نتف ريشا من طير من طيور الحرم فعليه أن يتصدق على مسكين، ويعطي الصدقة باليد التي نتف بها الطير. ومن قتل حمامة في الحرم وجب عليه أن يشتري بقيمتها علفا، ويلقيه لطيور الحرم. والشجرة إذا كان أصلها، في الحرم، وفرعها في الحل، فهي حرام، لأن أصلها حرم فرعها وكذلك إن كان أصلها في الحل، وفرعها في الحرم، فأصلها كفرعها، لأن حكم الحرم أغلب. والمحل إذا قتل صيدا في الحرم فعليه جزاؤه. وكذلك إن قتله فيما بين البريد والحرم. والمحرم إذا فقأ عين الصيد، أو كسر قرنه، تصدق بصدقة. وقد بينا كيف يكون ذلك فيما سلف. والمحرم إذا أمر غلامه - وهو محل - بالصيد، فقتله، فعلى السيد الفداء. وإن كان الغلام محرما، فقتل صيدا بغير إذن سيده، فعلى السيد - أيضا - الفداء إذا كان هو الذي أمره بالإحرام. وإذا وقع المتمتع على أهله قبل أن يطوف طواف النساء فعليه جزور. وإن كان جاهلا فليستغفر الله عز وجل، ولا شئ عليه. وإذا قبل المحرم امرأته، وقد طاف طواف النساء، وهي لم تطف، فعليها دم تهريقه إن كانت آثرت ذلك منه، وإن كان أكرهها غرم عنها ذلك. والمحرم يطلق، ولا يتزوج على ما قدمناه. وإذا مات المحرم غسل كتغسيل المحل، غير أنه لا يقرب الطيب.

 

[ 29 ] باب من الزيادات في فقه الحج

ومن طاف بالبيت، فلم يدر: أستا طاف أو سبعا، فليطف طوافا آخر، ليستيقن أنه قد طاف سبعا. فإن لم يدر: أسبعة طاف أو ثمانية، فلا شئ عليه. ومن طاف على غير وضوء ناسيا ثم ذكر فإن كان طواف الفريضة فليتوضأ، وليعد الطواف، وليصل ركعتين وإن كان الطواف نافلة فليتوضأ، ويعد الصلاة، وليس عليه إعادة الطواف. وإذا طاف الرجل بالبيت بعض الطواف، ثم قطعه، واشتغل بغيره، ناسيا كان أو متعمدا، فإنه إن كان ما طافه يزيد على النصف بنى على ما مضى، وإن كان أقل من النصف أعاد الطواف. وإذا حاضت المرأة، وهي في الطواف، قطعت، وانصرفت. فإن كان ما طافته أكثر من النصف بنت عليه إذا طهرت، وإن كان أقل استأنفت. والحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، فإنها لا تقربه حتى تطهر، لأن الطواف حكم الصلاة، وله صلاة مفروضة. وحكم السعي في النصف وأقل منه وأكثر حكم الطواف سواء. والمستحاضة تطوف بالبيت، ولكن لا تدخل الكعبة. ومن نسي فسعى بين الصفا والمروة تسعة أشواط كان ختامها بالمروة فلا حرج عليه. فإن سعى بينهما ثمانية أشواط كذلك وجب عليه الإعادة، والفرق بينهما: أنه إذا سعى تسعا يختمها بالمروة فقد بدأ بما بدأ الله به - وهو الصفا - وختم بالمروة وإن كان مضيفا إلى المشروع من السعي طوافين على السهو أو تيقن [ أنه ] لم يسعهما وإذا سعى ثمانية على ما وصفناه كان ابتداؤه بالمروة، وذلك بخلاف الفرض وضد السنة. ومن اشترى هديا، فسرق منه، وجب عليه أن يشتري مكانه غيره، [ إلا أن يكون الهدي تطوعا فلا حرج عليه أن لا يشتري مكانه غيره ]. ومن بدأ في الرمي بجمرة العقبة، ثم الوسطى، ثم العظمى، رجع، فرمى جمرة الوسطى، ثم العقبة. ومن جعل على نفسه أن يحج ماشيا، فمشى بعض الطريق، ثم عجز، فليركب، ولا شئ عليه، ما جعل الله على خلقه في الدين من حرج. والرجل إذا زامل امرأته في المحمل فلا يصليا معا، ولكن إذا صلى أحدهما وفرغ صلى الآخر. ويقطع المحرم ما شاء من الشجر حتى يبلغ الحرم، فإذا بلغه فلا يقطع منه شيئا. ومن وجب عليه الحج، فمنعه منه مانع حتى مات، ولم يحج، وجب أن يحج عنه من أصل ماله، فإنه دين الله تعالى. ومن أسلم، وأراد الحج، فلا يجوز له ذلك حتى يختتن. والمرأة مرخص لها في ترك ذلك. ويجرد الصبيان للإحرام من فخ بذلك جاءت السنة. ومن وصى بحجة فلا بأس أن يحج عنه من غير بلده إذا كان دون الميقات. ومن وجب عليه الحج، فمنعه منه مانع، فلا بأس أن يخرج عنه من يحج عنه. فإن تمكن هو بنفسه بعد ذلك من الحج فالواجب أن يحج. فإن لم يتمكن إلى أن يموت فقد أجزأت عنه الحجة التي أخرجها عن نفسه عن حجة الإسلام. ومن وجب عليه الحج فلا يجوز له أن يحج عن غيره. ولا بأس أن يحج الصرورة عن الصرورة إذا لم يكن للصرورة مال يحج به عن نفسه. وإذا أخذ الرجل حجة ففضل منها شئ فهو له، وإن عجزت فعليه. وقد جاءت رواية: أنه إن فضل مما أخذه فإنه يرده إن كانت نفقته واسعة وإن كان قتر على نفسه لم يرده. وعلى الأول العمل، وهو أفقه. وإذا حج الإنسان عن غيره، فصد في بعض الطريق عن الحج، كان عليه مما أخذه بمقدار نفقة ما بقي عليه من الطريق والأيام التي تؤدى فيها الحج، إلا أن يضمن العود لأداء ما وجب عليه. فإن مات النائب في الحج، وكان موته بعد الإحرام ودخول الحرم، فقد سقط عنه عهدة الحج، وأجزأه ذلك عمن حج عنه. وإن مات قبل الإحرام ودخول الحرم كان على ورثته إن خلف في أيديهم شيئا بقية ما عليه من نفقة الطريق، ولم يجز المحجوج عنه سعيه الذي اقتطع دون الحج عن تمامه. وإذا حج الإنسان عن غيره فليقل بعد فراغه من غسل الإحرام: " اللهم ما أصابني من تعب، أو نصب، أو سغب، أو لغوب فأجر فلان بن فلان فيه، وأجرني في قضائي عنه ". فإذا لبى بعد الإحرام فليقل في آخر تلبيته لبيك اللهم لبيك لبيك عن فلان بن فلان لبيك ". وليقل عند كل منسك ينسكه: " اللهم تقبل من فلان بن فلان، وأجرني في نيابتي عنه ". ومن نسي أن يحرم حتى دخل الحرم فإنه يجب عليه أن يخرج إلى ميقات أرضه فيحرم، فإن خاف أن يفوته الحج أحرم من مكانه، ولا حرج عليه. ولا يجوز الإحرام، في الثوب الأسود - ولا يكفن به الميت - ولا بأس بالإحرام في الثوب المعلم. والمتمتع إذا طاف وسعى، ثم قبل امرأته قبل أن يقصر، فإن عليه دم شاة، فإن جامعها فعليه دم بقرة. ولا يجوز لأحد أن يأخذ من تربة البيت ولا ما حوله، فإن أخذ منه إنسان شيئا وجب عليه أن يرده. وقال الصادق عليه السلام: لا أحب للرجل أن يقيم بمكة سنة. وكره المجاورة بها، وقال: ذلك يقسي القلب. ونهى عليه السلام أن يرفع الإنسان بمكة بناء فوق الكعبة. وقال عليه السلام الإحرام في كل وقت من ليل أو نهار جائز، وأفضله عند زوال الشمس. وقال عليه السلام: من خرج حاجا فمات في الطريق فإنه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، وإن مات قبل دخوله الحرم لم تسقط عنه الحجة وليقض عنه وليه. وقال عليه السلام: تلبية الأخرس وتشهده وقراءة القرآن إنما هو تحريك لسانه وإشارته بإصبعه. وقال عليه السلام: المحرمة لا تتنقب، لأن إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه. وقال عليه السلام: التكبير لأهل منى في خمس عشرة صلاة: أولها الظهر من يوم النحر، وآخرها الغداة من اليوم الرابع. وهو لأهل الأمصار كلها في عشر صلوات: أولها الظهر من يوم النحر، وآخرها الغداة من يوم الثالث. وقال عليه السلام: أحب للصرورة أن يدخل الكعبة، وأن يطأ المشعر الحرام. ومن ليس بصرورة فإن وجد سبيلا إلى دخول الكعبة، وأحب ذلك، فعل، وكان مأجورا، وإن كان على باب الكعبة زحام فلا يزاحم الناس. وقال عليه السلام: المحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله، ثم يحل، ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل. هذا إذا كان في حجة الإسلام. فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه، وقد حل مما كان أحرم منه، فإن شاء حج من قابل، وإن لم يشأ لم يجب عليه الحج. والمصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه بمكانه، ويقصر من شعر رأسه، ويحل، وليس عليه اجتناب النساء، سواء كانت حجته فريضة أو سنة. وقال عليه السلام: من ساق هديا مضمونا في نذر أو جزاء، فانكسر أو هلك، فليس له أن يأكل منه، ويفرقه على المساكين، وعليه مكانه بدل منه. وإن كان تطوعا لم يكن عليه بدله، وكان لصاحبه أن يأكل منه. وقال عليه السلام: كفارة مس الطيب للمحرم أن يستغفر الله عز وجل وقال عليه السلام: العليل الذي لا يستطيع الطواف بنفسه يطاف به، وإذا لم يستطع الرمي رمي عنه، والفرق بينهما أن الطواف فريضة، والرمي سنة. وقال عليه السلام: إذا دخل الطائر الأهلي إلى الحرم فلا يمس، إن الله تعالى يقول: " ومن دخله كان آمنا ". وقال عليه السلام: من أهدي إليه حمام وهو في الحرم فإن كان مستوي الجناح خلى سبيله، وإن كان مقصوصا أحسن إليه حتى إذا استوى خلى سبيله. وقال عليه السلام: لا تصل المكتوبة جوف الكعبة، ولا بأس أن يصلى فيها النافلة. وقال عليه السلام: ينبغي للمتمتع إذا أحل أن لا يلبس قميصا، ويتشبه بالمحرمين وكذلك ينبغي لأهل مكة أيام الحج. وقال عليه السلام: تكره الصلاة في طريق مكة في ثلاثة مواضع أحدها البيداء، والثاني ذات الصلاصل، والثالث ضجنان. وقال عليه السلام: من أصاب صيدا فعليه فداؤه من حيث أصابه. وقال عليه السلام: من مات، ولم يكن له هدي لمتعته، صام عنه وليه. وقال عليه السلام: ويل لهؤلاء القوم الذين يتمون الصلاة بعرفات، أما يخافون الله ! فقيل له: فهو سفر؟ قال: وأي سفر أشد منه. وقال عليه السلام: من عرضت عليه نفقة الحج، فاستحيى، فهو ممن ترك الحج مستطيعا إليه السبيل. وقال عليه السلام: إذا أحرمت من مسجد الشجرة فلا تلب حتى تنتهي البيداء. وقال عليه السلام ينبغي لمن أحرم يوم التروية عند المقام أن يخرج حتى ينتهي إلى الردم، ثم يلبي بالحج. وسئل عن المرأة: أيجوز لها أن تخرج بغير محرم؟ فقال: إذا كانت مأمونة فلا بأس. وسئل عن المرأة تجب عليها حجة الإسلام يمنعها زوجها من ذلك: أعليها الامتناع؟ فقال عليه السلام: ليس للزوج منعها من حجة الإسلام، وإن خالفته، وخرجت، لم يكن عليها حرج. وسئل عليه السلام عمن أحرم في رجب: هل عليه دم إذا عزم على الحج؟ فقال عليه السلام: إن أقام بمكة حتى يحرم منها فعليه دم، وإن خرج منها فأحرم من غيرها فليس عليه دم. وسئل عليه السلام عن الماشي: متى يقطع مشيه؟ فقال: إذا رمى جمرة العقبة فلا حرج عليه أن يزور البيت راكبا. والمعنى في ذلك: أن من نذر الحج ماشيا كان ذلك حكمه. وسئل عن الملبي بالعمرة المفردة بعد فراغه من الحج: متى يقطع تلبيته؟ فقال: إذا رأى البيت. وسئل عليه السلام: عمن لم يجد هديا وجهل أن يصوم الثلاثة أيام: كيف يصنع؟ فقال عليه السلام: أما إنني لا آمر بالرجوع إلى مكة، ولا أشق عليه، ولا آمره بالصيام في السفر، ولكن يصوم إذا رجع إلى أهله. وقال عليه السلام: من طاف بالبيت ثمانية أشواط ناسيا، ثم علم بعد ذلك، فليضف إليها ستة أشواط. وسئل عليه السلام عن رجل أهدي له ظبي مذبوح، فأكله، فقال: يجب عليه ثمنه. وسئل عن الرجل يجد به السير: أيصلي على راحلته؟ قال: لا بأس بذلك، ويؤمي إيماء، وكذلك الماشي إذا اضطر إلى الصلاة. وسئل عليه السلام: عن قتل الذئب والأسد، فقال: لا بأس بقتلهما للمحرم إذا أراده، وكل شئ أراده من السباع والهوام فلا حرج عليه في قتله. وسئل الصادق عليه السلام عن رجل أهل بالعمرة، ونسي أن يقصر حتى أحرم للحج، فقال: يستغفر الله عز وجل. وسئل عليه السلام عن المرأة: هل يجوز لها أن تسعى بين الصفا والمروة على دابة أو بعير؟ فقال: لا بأس. وسئل أيضا عن الرجل يسعى أيضا راكبا، فقال: لا بأس بذلك، والمشي أفضل. وقال عليه السلام: أفضل البدن والنعم ذوات الأرحام ومن البقر، وقد يجزي الذكور من البدن، وأفضل الضحايا من الغنم الفحولة. وسئل عليه السلام عن الرجل يهدي الهدي والأضحية، وهي سمينة، فيصيبها مرض، أو تفقأ عينها، أو تنكسر، فتبلغ يوم النحر وهي حية، أتجزي عنه؟ قال: نعم. وقال عليه السلام: يجزي من الأضاحي جذع الضأن، ولا يجزي جذع المعز. وسئل عليه السلام عن رجل اشترى أضحية فسرقت منه، فقال: إن اشترى مكانها فهو أفضل، وإن لم يشتر مكانها فلا شئ عليه. وقال عليه السلام: الأضحية تجزي في الأمصار عن أهل بيت واحد لم يجدوا غيرها، والبقرة تجزي عن خمسة إذا كانوا أهل خوان واحد. وقال عليه السلام: المحرم لا يأكل الصيد وإن صاده الحلال، وعلى المحرم في صيده في الحل الفداء، وعليه في الحرم القيمة مضاعفة، ويأكل الحلال من صيد المحرم، لا حرج عليه، في ذلك. وسئل عليه السلام عن قول الله عز وجل: " واذكروا الله في أيام معدودات " ما هي؟ قال: أيام التشريق. وقال عليه السلام: المحرم يهدي فداء الصيد من حيث صاده. وسئل عليه السلام عن متمتع لم يجد الهدي، فصام ثلاثة أيام، ثم جاور مكة: متى يصوم السبعة الأيام الأخر؟ فقال: إذا مضى من الزمان بمقدار ما كان يدخل فيه إلى بلده صام السبعة الأيام. وقال عليه السلام: ينبغي للمجاور بمكة إذا كان صرورة، وأراد الحج، أن يخرج إلى خارج الحرم، فيحرم من أول يوم من العشر، وإن كان مجاورا، وليس بصرورة، فإنه يخرج أيضا من الحرم، ويحرم في خمس تمضي من العشر.

 

 

الفهرست