عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المظفر
|
لمحات من حياة الشيخ المظفر
أسرته: أسرة المظفر من الأسر العلمية في النجف الأشرف، عرفت فيها في أواسط القرن الثاني عشر وقطن بعض رجالها ( الجزائر ) التابعة للواء البصرة. وكان الفقيه المجتهد الشيخ محمد بن عبد الله ( والد الفقيه الشيخ محمد رضا المظفر من علماء النجف ومراجع التقليد فيها ( نشأ في النجف وترعرع فيها، وكان في عنفوان شبابه منقطعا إلى الجد والتحصيل، مكبا على العبادة والتدريس، إلى أن برع في الفقه وعرف بجودة التحقيق فيه ) وألف موسوعة فقهية جليلة شرح فيها كتاب ( شرائع الإسلام ) وسماها ( بتوضيح الكلام ) وقد استقصى فيها الفقه من مبدأه إلى منتهاه ( 1 ).
ولادته: ولد الشيخ محمد رضا المظفر في اليوم الخامس من شعبان عام 1322 بعد وفاة والده بخمسة أشهر فلم يقدر الله تعالى أن يظفر الطفل الرضيع برؤية والده ولا الوالد أن يظفر برؤية ولده فكفله أخوه الأكبر الشيخ عبد النبي المتوفى سنة 1337 وأولاه من عنايته وعطفه ما أغناه عن عطف الأبوة.
نشأته الفكرية: نشأ الشيخ المظفر في البيئة
النجفية، وتقلب في مجالسها ونواديها وحلقاتها ومحاضرها ومدارسها، وحضر فيها
حلقات الدراسة العالية، وتخرج على كبار مراجع التقليد والتدريس، وترعرع في
هذا البيت العريق من بيوتات النجف العلمية، وتعهد رعايته وتربيته أخواه
العلمان الشيخ عبد النبي والشيخ محمد حسن.
وبعد أن أنهى الدور الإعدادي ( السطح ) تفرغ للدراسات العالية في الفقه والأصول والفلسفة. وحضر فيها على أخيه الشيخ محمد حسن مع أخيه الآخر الشيخ محمد حسين كما حضر درس الشيخ اقا ضياء الدين العراقي في الأصول ودرس الشيخ مرزا محمد حسين النائيني في الفقه والأصول وحضر بصورة خاصة أبحاث الشيخ محمد حسين الأصفهاني رحمه الله في الفقه والأصول والفلسفة الإلهية العالية. وانطبع الشيخ المظفر كثيرا بآراء أستاذه الشيخ الأصفهاني في الأصول والفقه والفلسفة وجرى على نهجه في البحث في كتابه ( أصول الفقه )، حيث تبع منهجه في تبويب الأصول، كما يشير هو إلى ذلك في ابتداء الكتاب، كما تأثر بمبانيه الخاصة على ما يظهر ذلك من خلال كتابه الكبير ( أصول الفقه ) فيما أنجز من هذا الكتاب. وكان يجله إجلالا كبيرا، كلما جرى له ذكر، أو أتيح له أن يتحدث عنه، ويخلص له الحب والاحترام، أكثر مما يخلص تلميذ لأستاذه. ويلمس القارئ هذا الشعور والوفاء فيما كتب المظفر عن أستاذه في مقدمات كتبه الفقهية والفلسفية وفي مقدمة الأسفار وغيرها من رسائله ومقالاته.
وتخرج كذلك على مشايخه في الفقه والأصول
والفلسفة، واستقل هو بالاجتهاد والنظر والبحث وشهد له شيوخه بذلك. وكان
خلال ذلك كله يشتغل بالتدريس على مستوى الدراسات الإعدادية وكان يقوم فيها بتدريس الأدب والمنطق والفلسفة والفقه والأصول من المستوى الأولي إلى المستوى العالي، لا تمنعه من ذلك مكانته المرموقة في الحوزة، ولا إمكانياته الفكرية العالية. وكم رأينا الشيخ محمد رضا المظفر يحاضر على الصفوف الأولى من مدارس منتدى النشر، ويتلقى أسئلتهم برحابة صدر، ويدفعهم إلى البحث والدرس والتفكير، ويحشر نفسه معهم، حتى كان يبدو للانسان، لأول وهلة، أنه يخاطب زملاء له في الدراسة، لا طلابا بهذا المستوى. وكان الشيخ يمتاز فوق ذلك كله بعمق النظر ودقة الالتفاتة وسلامة الذوق وبعد التفكير فيما تلقينا عنه من الفقه والأصول والفلسفة. وقد حاول الشيخ في بدء حياته الدراسية أن يلم بعلوم الرياضة والفلك والطبيعة والعروض. فقد اتفق أن وقعت يد الشيخ على طرف من الثقافة العصرية، وهو في بدء شبابه، فتذوقها، وحاول أن يشق طريقا إلى هذا اللون الجديد من الثقافة واتفق مع آخرين ممن كانوا يتذوقون هذا اللون الجديد من الثقافة على أن يراسلوا بعض المجلات العلمية كالمقتطف وبعض دور النشر لتبعث إليهم هذه الصحف والكتب التي تحمل إليهم هذا اللون الجديد من الفكر. وأتيح للشيخ فيما بعد أن يستمر على هذه الحالة ويواكب الحركة الفكرية الناشئة ويأخذ نصيبا وافرا من هذه ( العلوم الجديدة )، كما كانوا يسمونها، ويتأثر بها تأثرا بالغا إلى جنب تأثره بشيوخه في الفقه والأصول والفلسفة.
آثاره العلمية: كان النشاط العلمي والكتابة والتأليف يشكل جزءا مهما من رسالة الشيخ محمد رضا المظفر ونشاطه. وإذا ضممنا نشاطه العلمي في التأليف والنشر إلى نشاطه الإصلاحي على الصعيد العام والصعيد الدراسي للمسنا جانبا من هذا الجهد الكبير الذي كان يبذله الشيخ في حياته. وفي كتابات الشيخ يقترن جمال التعبير وسلامة الأداء وجدة الصوغ وروعة العرض بخصوبة المادة ودقة الفكرة وعمق النظرة وجدة المحتوى، ويتألف منها مزيج من العلم والأدب يشبع العقل ويروي العاطفة. فقد كان يجري في الكتابة، كما يجري الماء، من غير أن يظهر عليه شئ من الكلفة أو التصنع، وينساق القارئ معه كما ينساق الماء على منحدر من الأرض، من دون أن يعرقل سيره شئ، ولا يصطنع في الكتابة هذه المحسنات البديعية التي تصرف الكاتب عن الانسياق مع الفكرة وتصرف القارئ عن مجاراة الموضوع. والمواضيع التي كان يتناولها بالكتابة والبحث مواضيع علمية كالأصول والمنطق والفلسفة، يعسر على الأديب أن يصوغها صياغة أدبية أو يفرغها في قالب أدبي من التعبير. وقد توفق الشيخ إلى أن يضم إلى عمق المادة جمال العرض وأكثر ما يبدو هذا التوفيق في كتابه ( أحلام اليقظة ) حيث يناجي فيها صدر المتألهين ويتحدث معه فيما يتعلق بنظرياته في الفلسفة الإلهية العالية ويتلقى منه الجواب بصورة مشروحة وبعرض قصصي جميل.
ولا أبالغ إذا قلت إن الكتاب فتح كبير في
الكتابة الفلسفية فلا تشكو الفلسفة شيئا كما تشكو الكتابة التي لا تخضع لها
أداتها. وقد حاول الشيخ المظفر أن يخضع الكتابة للفلسفة، أو يخضع الفلسفة
للكتابة، ويجمع بينهما في كتابه هذا. ( المنطق ) أكثر من غيره، ففي هذا الكتاب يجد القارئ كيف تأخذ المواضيع بعضها برقاب بعض، وكيف يترتب كل موضوع على سابقه في تسلسل طبيعي، من غير أن يحيل الطالب إلى موضع آخر في غير هذا الكتاب أو إلى ما يمر عليه فيما بعد. ويعتبر الكتاب بالانضمام إلى شقيقاته ( الأصول ) و ( الفلسفة ) التي لم يقدر الله لها أن تظهر كاملة. تجديدا في كتابة الكتب الدراسية، وفتحا في هذا الباب، وعسى أن يقيض الله من يتابع خطوات الشيخ المظفر في هذا السبيل. ويجد الباحث بعد ذلك في كتب الشيخ المظفر جدة البحث والتفكير التي تطبع كتاباته جميعا. ويجد ملامح هذه الجدة في البحث والتحليل واضحة قوية في كتابه ( السقيفة ) عندما يحلل اجتماع المسلمين في سقيفة بني ساعدة، وما حدث هناك. وعندما يتحدث عن موقف المهاجرين والأنصار من مسألة الخلافة وموقف الإمام مع الخلفاء. كما يجد هذه الجدة في المنطق. عندما يستعير العلامات المستعملة في الرياضيات للنسب الأربع أو عندما يعرض للقارئ بحث القسمة، أو في غير ذلك مما يزدحم به هذا السفر القيم من تجديد البحث وجمال العرض وترابط الفكرة.
شعره: وكان الشيخ المظفر يمارس النظم في شبابه بين حين وآخر وله شعر متين رقيق الديباجة، تجده منشورا في بعض الكتب والصحف. ويجد القارئ فيه صورا شعرية طريفة ويلتقي فيه بآفاق أدبية جديدة. وانصرف عنه بعد ذلك إلى غيره من الشؤون الفكرية البناءة.
دور الشيخ في تطوير مناهج الدراسة والاصلاح: كان الشيخ المظفر يحتل القمة من النشاط الإصلاحي في النجف الأشرف فقد ساهم في جميع الحركات الإصلاحية التي أدركها، وكان فيها العضو البارز الذي يشار إليه بالبنان. إلا أن الفكرة الإصلاحية على قوتها وإيمان أصحابها بضرورة تحقيقها في الحوزة العلمية.. كان يفقدها الوضوح والتفكير المنهجي في العلاج. وقد قدر للشيخ فيما قدر له، بفضل تجاربه الطويلة، أن تتبلور لديه فكرة الاصلاح وتنظيم الدراسة والدعوة أكثر مما تقدم. وأتيح له بفضل ما أوتي من نبوغ وحكمة في معالجة هذه القضايا أن يكشف عن الجذور الأولى للمشكلة، ويدعو إخوانه وأبناءه بإخلاص إلى معالجة المشكلة من هذه الجذور. والمشكلة فيما كان يبدو للشيخ تواجهنا في جهتين في مجال الدراسة وفي مجال الدعوة: ففي مجال الدراسة لاحظ أن التدريس في مدرسة النجف الأشرف ينتظم في مرحلتين: 1 - مرحلة المقدمات والسطوح. 2 - مرحلة البحث الخارجي.
وتعتبر مرحلة السطوح دورا إعداديا، بينما
تعتبر مرحلة الخارج دورا للتخصص في الاجتهاد. وطبيعة هذه المرحلة تأبى أي
تعديل في شكلها ومحتواها ولا يمكن إخضاع هذه المرحلة من الدراسة لأي تنظيم
منهجي خاص. ولا تتبع الدراسة في هذه المرحلة تنظيما خاصا ولا تكاد تشبه
الدراسة بالمعنى المنهجي الذي نفهمه من الدراسة. والدور الأول وحده هو الذي يعاني شيئا من النقص ويحتاج إلى شئ من التوجيه والتنظيم. ولاحظ أن أسباب ذلك يرجع إلى نقص في المادة وضعف في الأسلوب. أما من حيث المادة فأن المادة التي يتلقاها الطالب النجفي في هذا الدور من الدراسة لا تزال في كثير من الأحوال تقتصر على دراسة النحو والصرف والبلاغة والمنطق والتفسير والفقه والأصول، مع توسع في المادتين الأخيرتين. وهذه المواد على ما لها من الأهمية في تكوين ذهنية الطالب لا تنهض وحدها بواجبات الطالب الرسالية من توجيه ودعوة وتبشير وتثقيف. ولا يستطيع الطالب أن يقتصر على هذه المادة التي يتلقاها في هذا الدور لو أراد القيام بدوره من التوجيه والدعوة على أوسع نطاق. ومن حيث الأسلوب لاحظ الشيخ المظفر أن الكتب الدراسية التي يتعاطاها الطالب النجفي في هذا الدور لا يزال يطغى عليها طابع الغموض والتعقيد، مما يحوج الطالب إلى أن يصرف جهدا كثيرا في فهم العبارة وما يظهر عليها من غموض وتعقيد. ذلك بالإضافة إلى سوء التنظيم في تنسيق الأبحاث. ذلك فيما يخص تنظيم الدراسة. أما ما يخص الدعوة والتوجيه: فقد وجد الشيخ المظفر أن أداة الدعوة المفضلة هي الخطابة والكتابة. والدعوة الإسلامية تعاني ضعفا في هذين الجانبين. أما فيما يخص الخطابة فقد كان رحمه الله يلاحظ أن أسلوب الخطابة في النجف بوضعها الحاضر لا يفي برسالة النجف بالشكل الذي يليق بمركزها الديني ولا يتم للخطيب أن يقوم بواجبه الاسلامي على نطاق واسع، ما لم يطلع على آفاق الفكر الحديث وشؤون المعرفة التجريبية، بالإضافة إلى الإحاطة الكاملة بشؤون الفكر الاسلامي من فقه وتفسير وحديث وتاريخ وما إلى ذلك. وفيما يخص الكتابة الإسلامية كان يلاحظ أن مكانة النجف الدينية تتطلب منها أن تساهم في نشر الفكر الاسلامي على نطاق أوسع من الشكل الحاضر، وأن تنطلق الدعوة الإسلامية منها عن طريق الكتابة والتأليف والصحافة والنشر على أوسع مجال ، وأن يشمل هذه التيار الفكري الذي ينطلق عنها والذي يحمل معه الإيمان والاصلاح في وضوح وجلاء أقطار العالم وأينما يحل إنسان على ظهر هذا الكوكب. في الوقت الذي كان يلاحظ فيه أن مدرسة النجف لا تعوزها في كثير من الأحيان مادة الكتابة والبحث. ومن جهة ثانية كان يلاحظ أن طابع الفردية هو الذي يغلب على الكتابة النجفية والأبحاث التي يعرضها الكاتب النجفي فهي أقرب إلى الجهد الفردي منه إلى الجهد الجماعي. ومن جهة ثالثة لم تتوفر في النجف في ذلك العهد مطابع مجهزة ولا دور جاهزة للنشر تليق بالمادة العلمية الخصبة التي تعرضها النجف على المطبعة. وكذلك أتيح للشيخ المظفر أن يدرس الحالة في النجف بموضوعية وشمول تامين. ولكنه كان يعلم في نفس الوقت أن عرض المشكلة لا يؤدي إلى شئ ما لم تتضافر الجهود مخلصة صادقة لتلافي النقص. وكان يعلم أن الأساليب السلبية لا تنفع لمواجهة الحالة والهدم لا يفيد ولا ينهض بشئ، ما لم يكن هناك بناء وراء ذلك، وأن العمل الإصلاحي لا ينفع في مثل هذه الظروف، ما لم يكن مقرونا إلى دراسة الوضع دراسة موضوعية شاملة وإلي الروية والتدرج في العلاج. أدرك الشيخ كل ذلك وفكر في ذلك كله طويلا، وشمر عن ساعد الجد ليخوض ميدان العمل، وهو يدري أن هناك عقبات صعابا تعرقل سيره في هذا الطريق. وأول ما بدا له إيجاد جماعة واعية من إخوانه فضلاء الحوزة تفهم ملابسات الحياة النجفية وتعي واقع الرسالة الفكرية الضخمة التي تحملها النجف. وفي رابع شوال عام 1353 المصادف 10 / 1 / 1935 قدم ثلة من الشباب الروحانيين ( فيهم الشيخ ) بيانا إلى وزارة الداخلية يطلبون فيه تأسيس جمعية دينية بالنجف الأشرف باسم منتدى النشر مصحوبا بالنظام الأساسي وبعد اللتيا والتي أجازت الوزارة فتح المنتدى ( 1 ) وأعقبها بمحاولة لتنظيم الدراسة، وتبسيط الكتب الدراسية، وتوسيع المناهج الدراسية، ووجد أن الدراسة المنهجية هي الخطوة الأولى في هذا الطريق، ومهما كانت ضرورة الدراسة الفردية، ومهما قيل في جدواها فلا بد أن ينضم إلى هذا اللون من الدراسة لون آخر من الدراسة يعتمد على نظام خاص.وبهذا الشكل حاول أن يحقق جزءا من الاصلاح. فوضع في سنة 1355 ( الخطة لتأسيس مدرسة عالية للعلوم الدينية أو كلية للاجتهاد بفتح الصف الأول الذي كان يدرس فيه أربعة علوم الفقه الاستدلالي والتفسير وعلم الأصول والفلسفة على شكل محاضرات توضع بلغة سهلة واضحة، فتبرع بتدريس الأول والثاني الشيخ عبد الحسين الحلي وتبرع بتدريس الثالث والرابع الشيخ عبد الحسين الرشتي. وكان تبرع هذين العلمين بالتدريس دراسة منظمة من أهم الأحداث في تاريخ النجف الأشرف ويعد تضحية نادرة منهما تذكر مدى الدهر بالتقدير والإعجاب بروحهما الإصلاحية. ولم تأت العطلة الصيفية إلا وتعطل هذا الصف ليعود بعدها ولكنه أبي ولا يدري غير بعض أعضاء مجلس الإدارة أكان إباؤه عن دلال أم ملال أم عن شئ آخر غير منتظر حتى من مثل هذين العلمين نفسهما.
قاتل الله الشجاعة الأدبية كيف تعز في أشد ظروف الحاجة إليها ) ( 1 ) وفي سنة 1376 ه بعد محاولات عديدة وتجارب طويلة أسس الشيخ المظفر كلية الفقه في النجف الأشرف، واعترفت بها وزارة المعارف العراقية سنة 1377 يدرس فيهاالفقه الإمامي، والفقه المقارن وأصول الفقه، والتفسير وأصوله، والحديث وأصوله ( الدراية ) والتربية، وعلم النفس، والأدب وتأريخه، وعلم الاجتماع، والتاريخ الاسلامي، والفلسفة الإسلامية، والفلسفة الحديثة، والمنطق، والتاريخ الحديث، وأصول التدريس، والنحو والصرف، وإحدى اللغاب الأجنبية. وقد بذل فقيدنا الشيخ حياته في سبيل تنمية هذه المؤسسة بإخلاص وإيمان يعز مثله في نفوس المجاهدين، فكان يقوم بتدريس الفلسفة الإسلامية وإدارة الصفوف عند غياب بعض المدرسين، في سائر العلوم. وكان في الوقت نفسه يعد مجلدات كتابه القيم ( أصول الفقه ) للتدريس في ( كلية الفقه )، ويباشر مهام الإدارة والعمادة والتأليف وحتى تدوين السجلات في بعض الأحيان. وكم رأيت الشيخ، وهو يقوم بتدوين بعض سجلات الطلبة، أو طباعة بعض الرسائل بالآلة الطابعة. وكذلك قامت المؤسسة على عاتق الشيخ الفقيد، وأودعها حياته، وشيدها بحبات قلبه، وبذل في سبيلها جميع إمكانياته. كل ذلك إلى جنب المؤسسات والمشاريع الثقافية الإسلامية الأخرى التي أسسها الشيخ وأتيح لها الاستمرار أو أصابها الفشل.. وإلى جنب حركة النشر والتأليف التي بعثها الشيخ في النجف كانت منها مجلتا البذرة والنجف. وكان الشيخ المظفر محور الحركة في مختلف وجوه هذا النشاط، وباعثها في كثير من الأحيان، ولم يظهر على حديثه أو قلمه طيلة هذه المدة
ما يشعر بأنه شئ يذكر في هذ المؤسسة إلا عندما يأتي حساب المسؤولية فيظهر الشيخ على المسرح ليتحمل هذه المسؤولية بنفس ثابتة وإيمان قوي. وما أكثر ما شوهد الشيخ يلقي دروسا على طلابه الناشئين أو يلقي عليهم نصائح وإرشادات أو يقوم بتوجيههم بنفسه في روحانية وبساطة. ولم يعرف الشيخ الفقيد حينا من الزمن معنى لكلمة ( أنا ) ولما يلابس هذ الكلمة من بغض وحب في غير ذات الله. فقد كانت نفسه الكبيرة تضيق بما يسمى ( بالبغض ) ولا تعرف معنى للخصومة والعداء فاستمع إليه كيف يحدد موقفه من خصومه أو بالأحرى من خصوم المؤسسة (... وأنا أكثر إخواني عذرا لجماعة كبيرة ممن وقف موقف المخاصم لمشروعنا ولا سيما الذين نطمئن إلى حسن نواياهم ويطمئنون إلى حسن نوايانا ). وقلما نعهد أن تبلغ التضحية ونكران الذات فيمن رأينا من أصحاب الأفكار هذا الحد... في سبيل الفكرة التي يؤمن بها الانسان. وإن من أحب الأشياء إلي أن أختم هذا الحديث بهذه الجملة الرقيقة التي تشف عن نفسية كاتبها الكبيرة ( ونحن مستعدون لتضحية جديدة بأنفسنا فنتنحى عن العمل عندما نجد من يحبون أن ينهضوا به دوننا خصوصا إذا اعتقدوا أنهم سيعطون المشروع صبغة عامة بدخولهم وليثقوا أنا عمال للمشروع أينما كنا ومهما كانت صبغتنا فيه ولا نريد أن نبرهن بهذا القول على حسن نوايانا. إن هذا لا يهمنا بقليل ولا كثير بعد الذي كان، إنما الذي يهمنا أن ينهض المشروع نهضة تليق بسمعة النجف ويؤدي الواجب الملقى على عاتقه كاملا، وبأي ثمن، حتى إذا كان ثمنه أرواحنا. وما أرخصها في سبيل الواجب. وقد صرحنا مرارا أننا لم نخط حتى الآن إلا خطوة قصيرة في سبيل ما يقصد من أهدافه )... وكذلك كانت قصة النفس الكبيرة. النجف الأشرف: محمد مهدي الآصفي
|
|