عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المظفر
|
|
عقيدتنا في حق المسلم على المسلم
إن من أعظم وأجمل ما دعا إليه الدين الاسلامي هو التآخي بين المسلمين على اختلاف طبقاتهم ومراتبهم ومنازلهم. كما أن من أوطأ وأخس ما صنعه المسلمون اليوم وقبل اليوم هو تسامحهم بالأخذ بمقتضيات هذه الأخوة الإسلامية. لأن من أيسر مقتضياتها -كما سيجيء في كلمة الإمام الصادق عليه السلام- أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه. أنعم النظر وفكر في هذه الخصلة اليسيرة في نظر آل البيت عليهم السلام، فستجد أنها من أشق ما يفرض طلبه من المسلمين اليوم، وهم على مثل هذه الأخلاق الموجودة عندهم البعيدة عن روحية الإسلام، فكر في هذه الخصلة لو قدر للمسلمين أن ينصفوا أنفسهم ويعرفوا دينهم حقا ويأخذوا بها فقط أن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه لما شاهدت من أحد ظلما ولا اعتداء، ولا سرقة ولا كذبا، ولا غيبة ولا نميمة، ولا تهمة بسوء ولا قدحا بباطل، ولا إهانة ولا تجبرا. بلى: إن المسلمين لو وقفوا لإدراك أيسر خصال الأخوة فيما بينهم وعملوا بها لارتفع الظلم والعدوان من الأرض، ولرأيت البشر إخوانا على سرر متقابلين قد كملت لهم أعلى درجات السعادة الاجتماعية ولتحقق حلم الفلاسفة الأقدمين في المدينة الفاضلة، فما احتاجوا حينما يتبادلون الحب والمودة إلى الحكومات والمحاكم، ولا إلى الشرطة والسجون، ولا إلى قانون للعقوبات وأحكام للحدود والقصاص، ولما خضعوا لمستعمر ولا خنعوا لجبار، ولا استبد بهم الطغاة، ولتبدلت الأرض غير الأرض وأصبحت جنة النعيم ودار السعادة. أزيدك، أن قانون المحبة لو ساد بين البشر، كما يريده الدين بتعاليم الأخوة - لانمحت من قاموس لغاتنا كلمة (العدل)، بمعنى إنا لم نعد نحتاج إلى العدل وقوانينه حتى نحتاج إلى استعمال كلمته بل كفانا قانون الحب لنشر الخير والسلام، والسعادة والهناء، لأن الانسان لا يحتاج إلى استعمال العدل ولا يطلبه القانون منه إلا إذا فقد الحب فيمن يجب أن يعدل معه، أما فيمن يبادله الحب كالولد والأخ إنما يحسن إليه ويتنازل له عن جملة من رغباته فبدافع من الحب والرغبة عن طيب خاطر، لا بدافع العدل والمصلحة. وسر ذلك أن الانسان لا يحب إلا نفسه وما يلائم نفسه، ويستحيل أن يحب شيئا أو شخصا خارجا عن ذاته إلا إذا ارتبط به وانطبعت في نفسه منه صورة ملائمة مرغوبة لديه. كما يستحيل أن يضحي بمحض اختياره له، في رغباته ومحبوباته لأجل شخص آخر لا يحبه ولا يرغب فيه، إلا إذا تكونت عنده عقيدة أقوى من رغباته مثل عقيدة حسن العدل والاحسان، وحينئذ إذ يضحي بإحدى رغباته إنما يضحي لأجل رغبة أخرى أقوى كعقيدته بالعدل إذا حصلت التي تكون جزء من رغباته بل جزء من نفسه. وهذه العقيدة المثالية لأجل أن تتكون في نفس الانسان تتطلب منه أن يسمو بروحه على الاعتبارات المادية، ليدرك المثال الأعلى في العدل والاحسان إلى الغير، وذلك بعد أن يعجز أن يتكون في نفسه شعور الأخوة الصادق والعطف بينه وبين أبناء نوعه. فأول درجات المسلم التي يجب أن يتصف بها أن يحصل عنده الشعور بالأخوة مع الآخرين فإذا عجز عنها -وهو عاجز على الأكثر لغلبة رغباته الكثيرة وأنانيته- فعليه أن يكون في نفسه عقيدة في العدل والاحسان اتباعا للإرشادات الإسلامية، فإذا عجز عن ذلك فلا يستحق أن يكون مسلما إلا بالاسم وخرج عن ولاية الله ولم يكن لله فيه نصيب على حد التعبير الآتي للإمام والانسان على الأكثر تطغى عليه شهواته العارمة فيكون من أشق ما يعانيه أن يهيئ نفسه لقبول عقيدة العدل، فضلا عن أن يحصل عليها عقيدة كاملة تفوق بقوتها على شهواته. فلذلك كان القيام بحقوق الأخوة من أشق تعاليم الدين إذا لم يكن عند الانسان ذلك الشعور الصادق بالأخوة. ومن أجل هذا أشفق الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام أن يوضح لسائله وهو أحد أصحابه (المعلى بن خنيس) عن حقوق الأخوان أكثر مما ينبغي أن يوضح له خشية أن يتعلم ما لا يستطيع أن يعمل به. قال المعلى: قلت له ما حق المسلم على المسلم؟ قال أبو عبد الله: له سبع حقوق واجبات، ما منهن حق إلا وهو عليه واجب، إن ضيع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته، ولم بكن لله فيه نصيب. قلت له: جعلت فداك! وما هي؟ قال: يا معلى إني عليك شفيق، أخاف أن تضيع ولا تحفظ، وتعلم ولا تعمل. قلت: لا قوة إلا بالله. وحينئذ ذكر الإمام الحقوق السبعة بعد أن قال عن الأول منها: "أيسر حق منها أن تحب له كما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك". يا سبحان الله! هذ هو الحق اليسير! فكيف نجد -نحن المسلمين اليوم- يسر هذا الحق علينا؟ شاهت وجوه تدعي الإسلام ولا تعمل بأيسر ما يفرضه من حقوق. والأعجب أن يلصق بالاسلام هذا التأخر الذي أصاب المسلمين، وما الذنب إلا ذنب من يسمون أنفسهم بالمسلمين، ولا يعملون بأيسر ما يجب أن يعملوه من دينهم. ولأجل التأريخ فقط، ولنعرف أنفسنا وتقصيرها، أذكر هذه الحقوق السبعة التي أوضحها الإمام عليه السلام. 1 - أن تحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك. 2 - أن تجتنب سخطه، وتتبع مرضاته، وتطيع أمره. 3 - تعينه بنفسك، ومالك ولسانك، ويدك، ورجلك. 4 - أن تكون عينه، ودليله،
ومرآته. 6 - أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم، فواجب أن تبعث خادمك، فتغسل ثيابه، وتصنع طعامه، وتمهد فراشه. 7 - أن تبر قسمه، وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته. وإذا علمت له حاجة تبادره إلى قضائها، ولا تلجئه إلى أن يسألكها، ولكن تبادره مبادرة. ثم ختم كلامه عليه السلام بقوله: "فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك". وبمضمون هذا الحديث روايات مستفيضة عن أئمتنا جمع قسما كبيرا منها كتاب الوسائل في أبواب متفرقة. وقد يتوهم المتوهم أن المقصود بالأخوة في أحاديث أهل البيت عليهم السلام خصوص الأخوة بين المسلمين الذين من أتباعهم (شيعتهم خاصة)، ولكن الرجوع إلى رواياتهم كلها يطرد هذا الوهم، إن كانوا من جهة أخرى يشددون النكير على من يخالف طريقتهم ولا يأخذ بهداهم ويكفي أن تقرأ حديث معاوية بن وهب قال: "قلت له -أي الصادق عليه السلام-: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا، فقال: تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون، فوالله أنهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة إليهم". أما الأخوة التي يريدها الأئمة عليهم السلام من أتباعهم فهي أرفع من هذه الأخوة الإسلامية، وقد سمعت بعض الأحاديث في
فصل تعريف الشيعة. ويكفي أن تقرأ هذه المحاورة بين أبان بن تغلب وبين
الصادق عليه السلام من حديث أبان نفسه.
قال أبان: كنت أطوف مع أبي عبد الله فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجته، فأشار إلي،
قرآنا أبو عبد الله. قال: يا أبان إياك يريد هذا؟ قلت: نعم! قال: هو
على مثل ما أنت عليه؟ قلت: نعم! قال: فاذهب إليه واقطع الطواف. قلت:
وإن كان طواف الفريضة.
قال: نعم. قال أبان: فذهبت، ثم دخلت عليه بعد، فسألته عن حق
المؤمن، فقال: دعه لا ترده! فلم أزل أرد - عليه حتى قال: يا أبان
تقاسمه شطر مالك، ثم نظر إلي - فرأى ما داخلني فقال: يا أبان أما تعلم أن
الله قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟ قلت: بلى! قال: إذا أنت قاسمته فلم تؤثره،
إنما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر! |
|