عقائد الشيعة الإمامية / شرف الدين الموسوي

 

 

الرد على مسائل جار الله

 

 

البداء

 

 

وقد زعم النواصب أنا نقول: بأن الله عز وجل قد يعتقد شيئاً ثم يظهر له أن الأمر بخلاف ما اعتقد، وهذا افك منهم وبهتان، وظلم لآل محمد وعدوان، وحاشا أهل البيت وأولياءهم أن يقولوا بهذا الضلال المبين المستحيل على الله عز وجل، فإن علم الله تعالى عين ذاته عندهم، فكيف يمكن دخول التغيير والتبديل فيه لو كان النواصب ينصفون؟ وحاصل ما تقوله الشيعة هنا: أن الله عز وجل قد ينقص من الرزق وقد يزيد فيه، وكذا الأجل والصحة والمرض والسعادة والشقاء، والمحن والمصائب والايمان والكفر وسائر الأشياء كما يقتضيه قوله تعالى (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب).

وهذا مذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود وابي وائل وقتادة وقد رواه جابر عن رسول الله وكان كثير من السلف الصالح يدعون ويتضرعون إلى الله تعالى ان يجعلهم سعداء لا أشقياء، وقد تواتر ذلك عن أئمتنا في أدعيتهم المأثورة، وورد في السنن الكثيرة ان الصدقة على وجهها، وبر الوالدين، واصطناع المعروف، يحوّل الشقاء سعادة، ويزيد في العمر وصح عن ابن عباس انه قال: لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر.

هذا هو البداء الذي تقول به الشيعة تجوزوا في اطلاق البداء عليه بعلاقة المشابهة، لأن الله عز وجل اجرى كثيراً من الأشياء التي ذكرناها على خلاف ما كان يظنه الناس فأوقعها مخالفة لما تقتضيه الامارات والدلائل، وكان مآل الامور فيها مناقضاً لأوائلها، والله عز وجل هو العالم بمصيرها ومصير الأشياء كلها، وعلمه بهذا كله قديم أزلي، لكن لما كان تقديره لمصير الامور فيها يخالف تقديره لأوائلها، كان تقدير المصير أمراً يشبه البداء، فاستعار له بعض سلفنا الصالح هذا اللفظ مجازاً، وكأن الحكمة قد اقتضت يومئذ هذا التجوز، وبهذا رد بعض أئمتنا قول اليهود: إن الله قدر في الأزل مقتضيات الأشياء، وفرغ الله من كل عمل إذ جرت الاشياء على مقتضياته، قال عليه السلام: بأن لله عز وجل في كل يوم قضاء مجدداً بحسب مصالح العباد لم يكن ظاهراً لهم، وما بدا لله في شيء إلا كان في علمه الأزلي.

فالنزاع في هذه المسألة بيننا وبين اهل السنة لفظي، لأن ما ينكرونه من البداء الذي لا يجوز على الله عز وجل تبرأ الشيعة منه، وممن يقول به براءتنا من الشرك بالله ومن المشركين، وما يقوله الشيعة من البداء بالمعنى الذي ذكرناه يقول به عامة المسلمين، وهو مذهب عمر بن الخطاب وغيره كما سمعت، وبه جاء التنزيل (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب) (يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن) أي كل وقت وحين يحدث أموراً ويجدد احوالاً من اهلاك وانجاء وحرمان واعطاء، وغير ذلك كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وقد قيل له: ما ذلك الشان؟ فقال: من شأنه سبحانه وتعالى ان يغفر ذنباً ويفرج كربا ويرفع قوماً ويضع آخرين.

هذا هو الذي تقول به الشيعة وتسميه بداء، وغير الشيعة يقولون به، لكنهم لا يسمونه بداء، فالنزاع في الحقيقة انما هو في تسميته بهذا الاسم وعدم تسميته به. ولو عرف غير الشيعة ان الشيعة إنما تُطلِق عليه هذا الاسم مجازاً لا حقيقة لتبين حينئذ لهم ان لا نزاع بيننا وبينهم حتى في اللفظ لأن باب المجاز واسع عند العرب الى الغاية، ومع هذا كله فإن أصر غيرنا على هذا النزاع اللفظي وأبى التجوز بإطلاق البداء على ما قلناه، فنحن نازلون على حكمه فليبدل لفظ البداء بما يشاء (وليتق الله ربه) في أخيه المؤمن (ولا يبخس منه شيئاً) (ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين).