عقائد الشيعة الإمامية / شرف الدين الموسوي

 

 

الرد على مسائل جار الله

 

 

المتعة

 

 

في المتعة أعني متعة النساء، والكلام هنا يقع في خمسة امور:

الامر الاول في تحرير محل النزاع فيها فنقول: محل النزاع بين الشيعة والسنة هنا إنما هو في ان تزوجك المرأة الحرة الكاملة المسلمة او الكتابية نفسها، حيث لا يكون لك مانع في دين الاسلام عن نكاحها، من نسب أو سبب او رضاع او إحصان او عدّة او غير ذلك من الموانع الشرعية ككونها معقوداً عليها لأبيك، او كونها اختاً لزوجتك مثلا، او نحو ذلك، تزوجك هذه نفسها بمهر مسمى إلى أجل مسمى بعد نكاح جامع لشرائط الصحة الشرعية، فتقول لك ـ بعد تبادل الرضا والاتفاق بينكما: زوجتُك أو انكحتُك أو متعتك نفسي بمهر قدره كذا يوماً أو يومين أو شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين مثلا، أو تذكر مدة معينة على الضبط فتقول ـ انت لها على الفور: قَبِلت. وتجوز الوكالة في هذا العقد كغيره من العقود، وبتمامه تكون زوجة لك، وانت تكون زوجاًلها إلى منتهى الأجل المسمى في العقد، وبمجرد انتهائه تبين من غير طلاق كالاجارة، وللزوج فراقها قبل انتهائه بهبة المدة المعينة لا بالطلاق، عملا بالنصوص الخاصة الحاكمة بذلك، ويجب عليها مع الدخول وعدم بلوغها سن اليأس أن تعتد بعد هبة المدة او انقضائها بقرأين، إذا كانت ممن تحيض، وإلا فبخمس وأربعين يوماً كالأمة، عملا بالادلة الخاصة أيضاً، فإذا وهبها المدة أو انقضت قبل أن يمسها فما له عليها من عدة، كالمطلقة قبل المس، ولا عده على من بلغت سن الياس كالمطلقة أيضاً، وأولات الاحمال في المتعة أجلهن أن يضعن حملهن كالمطلقات، أما عدة المتوفى عنها زوجها في نكاح المتعة فهي عدة المتوفى عنها زوجها في النكاح الدائم مطلق.

وولد المتعة ذكراً كان او انثى يلحق ـ كغيره من الابناء ـ بأبيه، ولا يدعى إلاّ له، ادعوهم لآبائهم، وله من الإرث ما أوصانا به الله سبحانه حيث يقول (يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) ولا فرق بين ولديك المولود احدهما منها والآخر من النكاح المألوف بين عامة المسلمين، وجميع العمومات الشرعية الواردة في الابناء والآباء والامهات شاملة يعني سواء كانت مدخولا بها اولا، وسواء كانت يائساً أو لا، وسواء كانت حبلى او لا إذ على غير الحبلى ان تعتد بأربعة اشهر وعشر، حتى لو كانت يائسا وغير مدخول بها، وعلى الحبلى أن تعتد بأبعد الأجلين من مضي المدة المذكورة و وضع الحمل، فزوجة المتعة في عدة الوفاة كالزوجة في النكاح الدائم لا فرق بينهما.

لأبناء المتعة وآبائهم وأمهاتهم، وكذا القول في العمومات الواردة في الاخوة والاخوات وابنائهما والاعمام والعمات، والاخوال والخالات وابنائهم (وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) مطلقا. نعم نكاح المتعة لا يوجب توارثا بين الزوجين نفسهما، ولا ليلة ولا نفقة للمتمتع بها، وللزوج ان يعزل عنها عملا بالادلة الخاصة المخصصة للعمومات الواردة في احكام الزوجات.

هذه هي متعة النساء التي فهم الإمامية من الكتاب والسنة دوام اباحتها، واهل المذاهب الاربعة يعترفون بأن الله تعالى شرعها في دين الاسلام، لكنهم يعتقدون نسخها وتحريمها، وليس عندنا متعة نساء غيرها بحكم الضرورة من مذهبنا المدون في الألوف من مصنفات علمائنا المنتشرة في اكثر بلاد الاسلام.

(الأمر الثاني) في أصل مشروعية المتعة، يجب أن يعلم أن هذا القدر ثابت باجماع المسلمين، وبالكتاب الحكيم، وبالسنة المقدسة.

اما الاجماع فلأن أهل القبلة كافة، متفقون على أن الله تعالى شرع متعة النساء في دين الاسلام، بحيث لا ريب في ذلك لأحد من أهل المذاهب الاسلامية على اختلافهم في المشارب والآراء، بل لعل هذا ملحق ـ عند أهل العلم ـ بالضروريات الثابتة عن سيد النبيين صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينكره أحد من المسلمين مطلقاً.

وأما الكتاب فقوله تعالى في ـ سورة النساء ـ (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) حتى أن كلاً من أبي بن كعب، وابن عباس، وسعيد بن جبير؛ والسدي، وغيرهم كانوا يقرأونها (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) أخرج ذلك عنهم الامام الطبري في تفسير الآية من أوائل الجزء الخامس من تفسيره الكبير، ورواه عنهم وعن ابن مسعود جماعة كثيرون من أثبات الأمة وحفظته لا يسعنا استقصاؤهم، وصرح عمران بن حصين الصحابي بنزول هذه الآية في المتعة، وأنها لم تنسخ حتى قال رجل برأيه ما شاء ونص على نزول الآية في المتعة مجاهد أيضاً فيما أخرجه عنه الطبري في تفسيره الكبير ويشهد لنزول الآية في متعة النساء أن الله سبحانه قد أبان في أوائل السورة حكم النكاح الدائم بقوله عز من قائل (فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) إلى أن قال (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فلو كانت هذه الآية في بيان الدائم ايضا للزم التكرار في سورة واحدة، أما إذا كانت لبيان المتعة فانها تكون لبيان معنى جديد، وأولو الألباب ممن تدبروا القرآن الحكيم يعلمون ان سورة النساء قد اشتملت على بيان الانكحة الاسلامية كلها، فالدائم وملك اليمين تبينا بقوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم الاّ تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) ونكاح الإماء مبين بقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله اعلم بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن باذن اهلهن وآتوهن اجورهن بالمعروف) إلى آخر ماشرع من احكامهن، والمتعة مبينة بآيتها (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة).

وأما السنة فنصوصها في مشروعية المتعة متواترة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة، وقد اخرج الشيخان في أصل مشروعيتها أحاديث في صحيحيهما كثيرة، عن كل من سلمة ابن الاكوع، وجابر بن عبدالله، وعبدالله بن مسعود، وابن عباس، وسبرة بن معبد، وابي ذر الغفاري وعمران بن حصين، والاكوع بن عبدالله الاسلمي. واخرجها احمد بن حنبل في مسنده من حديث هؤلاء كلهم، ومن حديث عمر، وحديث ابنه عبدالله. واخرج مسلم في باب نكاح المتعة من كتاب النكاح من الجزء الأول من صحيحه عن جابر بن عبدالله، وسلمة بن الاكوع، قالا: خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن رسول الله أذِن لكم أن تستمتعوا يعني متعة النساء انتهى بلفظه، والصحاح في هذا المعنى أكثر من أن تستقصى في هذا الاملاء.

(الأمر الثالث) في دوام حلها، وهو مذهب أئمتنا الاثني عشر وأوليائهم عليهم السلام، وحسبك حجة لهم ما قد سمعته من اجماع اهل القبلة على ان الله شرعها في دينه القويم، وأذن في الاذن بها منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يثبت نسخها عن الله تعالى، ولا عن رسوله صلى الله عليه وآله حتى انقطع الوحي باختيار الله تعالى لنبيه دار كرامته، بل ثبت عدم نسخها بحكم صحاحنا المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة، فراجعها في مظانها من حديث الشيعة، على ان في صحاح اهل السنة ما تتم به الحجة، واليك لمعة منها بعين الفاظهم.

اخرج مسلم في باب نكاح المتعة صحيحه عن عطاء قال: قدم جابر بن عبدالله معتمراً فجئناه في منزله، فسأله القوم عن اشياء، ثم ذكروا المتعة فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابي بكر وعمر ا هـ. واخرج مسلم في الباب المذكور ايضاً عن ابي الزبير، قال: سمعت جابر ابن عبدالله يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ا هـ. واخرج في الباب المذكور ايضا عن ابي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبدالله فأتاه آت، فقال: إن ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ـ متعة الحج ومتعة النساء ـ فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهم والاخبار في هذا لا تستقصى، ويعجبني قول بعضهم:

إن التمتع سنة مشروعة * صدع الكتاب بها وسنة احمد
وروى المخالف ان ذلك قد جرى * زمن النبي وبعد فقد محمد
ثم استمر الأمر في تحليلها * إذ صح ذلك بالحديث المسند
عن جابر وعن ابن مسعود وفي * نص ابن عباس كريم المولد
حتى نهى رجل بغير دلالة * عنها فكدر صفو ذاك المورد

(الأمر الرابع) فيما زعموا في نسخها، وقد أمعنا النظر في الأحاديث التي تشبثوا بها، فإذا هي احاديث ملفقة وضعها المتأخرون عن زمن الصحابة تصحيحا لرأي من حرمها، وقد استقصيناها في رسالتنا الموسومة بالنجعة في أحكام المتعة، فأثبتنا من طريق خصومنا تضعيف تلك الأحاديث؛ وإن اخرجها البخاري ومسلم، ونقلنا كلمات البعض من أئمتهم في الجرح والتعديل الدالة على ذلك، على ان تلك الأحاديث الملفقة تناقض صحاحنا المتواترة من طريق العترة الطاهرة، بل تناقض ماسمعته وما ستسمعه من صحاحهم الدالة على عدم نسخها، بل تناقض نفسها بنفسها كما فصلناه في النجعة تفصيلا، وقد سمعت نص جابر على ان التحريم والنهي إنما كان من عمر في بادرة ابن حريث، وستسمع كلام عمران بن حصين، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عباس، وأمير المؤمنين، فتراه صريحاً بأن التحريم لم يكن بناسخ شرعي، وإنما كان بنهي عمر، ومحال أن يكون هناك ناسخ يجهلونه، وهم من علمت منزلتهم من رسول الله، وملازمتهم اياه، وحرصهم على اخذ العلم منه، على انه لو كان ثمة ناسخ لنبههم اليه بعض المطلعين عليه، وحيث لم يعارضهم أحد فيما كانوا ينسبونه من التحريم إلى عمر علمنا انهم اجمع معترفون بذلك مقرون بأن لا ناسخ من الله تعالى، ولا من رسوله.

على أن عمر نفسه لم يدَّع النسخ كما ستسمعه من كلامه الصريح في اسناد التحريم والنهي إلى نفسه، ولو كان هناك ناسخ من الله او من رسوله لأسند التحريم إلى الله تعالى او إلى الرسول فإن ذلك أبلغ في الزجر، وأولى بالذكر.

 

 

فصل

ومن غريب الامور دعوى بعضهم النسخ بقوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم) بزعم انها ليست بزوجة ولا ملك يمين، قالوا أما كونها ليست بملك يمين فمسلم، وأما كونها ليست بزوجة فلأنها لا نفقة لها ولا ارث ولا ليلة.

والجواب: انها زوجة شرعية بعقد نكاح شرعي، أما عدم النفقة والارث والليلة فإنما هو لأدلة خاصة تخصص العمومات الواردة في أحكام الزوجات كما بيناه في الأمر الاول، على ان هذه الآية مكية نزلت قبل الهجرة بالاتفاق، فلا يمكن ان تكون ناسخة لاباحة المتعة المشروعة في المدينة بعد الهجرة بالاجماع. ومن عجيب امر هؤلاء المتكلفين أن يقولوا بأن آية المؤمنون ناسخة لمتعة النساء إذ ليست بزوجة ولا ملك يمين، فإذا قلنا لهم ولم لاتكون ناسخة لنكاح الاماء المملوكات لغير الناكح، وهن لسن بزوجات للنكاح ولا بملك له، قالوا حينئذ ان آية المؤمنون مكية، ونكاح الاماء المذكورات إنما شرع بقوله تعالى ـ في سورة النساء وهي مدينة ـ (فمن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات فمن ما ملكت ايمانكم) الآية، والمكي لا يكون ناسخاً للمدني لوجوب تقدم المنسوخ على الناسخ، يقولون هذا القول وينسون أن المتعة إنما شرعت في المدينة، وان آيتها في سورة النساء ايضاً، وهي قوله عز من قائل: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) وقد منينا بقوم لا يتدبرون، فإنالله وإنا اليه راجعون.

(الأمر الخامس) في يسير من السنن الدالة على ان التحريم إنما كان تأولا من الخليفة الثاني. اخرج مسلم في باب المتعة بالحج والعمرة من صحيحه بالاسناد إلى أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فذكرت ذلك لجابر، فقال: على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، فأتموا الحج والعمرة وأبتّوا نكاح هذه النساء، فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل الا رجمته بالحجارة.

واخرج الامام احمد في مسنده من حديث عمر بالاسناد إلى ابي نضرة، قال: قلت لجابر بن عبدالله ان ابن الزبير ينهي عن المتعة، وان ابن عباس يأمربها، فقال لي: على يدي جرى الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر فلما ولي عمر خطب الناس فقال: ان القرآن هو القرآن، وإن رسول الله هو الرسول، وانهما كانتا متعتان على عهد رسول الله احدهما متعة الحج والاخرى متعة النساء ا هـ. وهذا كما ترى صريح فصيح، ولا تنس ما أوردناه في الامر الثالث من حديث جابر فانه صريح فصيح أيضاً.

وقد استفاض قول الخليفة الثاني وهو على المنبر: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا انهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة الحج، ومتعة النساء حتى نقل الرازي هذا القول عنه محتجا به على تحريم متعة النساء، فراجع تفسير آيتها من تفسيره الكبير. والذي نقله متكلم الاشاعرة، وحكيم أهل السنة الإمام القوشجي في اواخر مبحث الامامة من شرح التجريد: أن الخليفة الثاني قال وهو على المنبر: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله انا انهى عنهن واحرمهن وأعاقب عليهن، متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل، ثم اعتذر بأن هذا إنما كان منه عن تأول واجتهاد.

قلت: والاخبار في هذا مما يضيق عنه وسع هذه الرسالة، وقد استمتع في أيام عمر، ربيعة بن امية ابن خلف القرشي أخو صفوان فيما اخرجه مالك ـ في باب نكاح المتعة من موطئه ـ عن عروة بن الزبير، قال: ان خولة بنت حكيم السلمية دخلت على عمر فقالت: ان ربيعة بن امية استمتع بامرأة فحملت منه؛ خرج عمر يجر رداءه فقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت ا هـ، أي لو كنت تقدمت في تحريمها والانذار برجم فاعلها قبل هذا لرجمت، اذ كان هذا القول منه قبل نهيه عنها، نص على ذلك ابن عبدالبر كما في شرح الزرقاني لهذا الحديث من موطأ مالك، ولا يخفى ان هذا الكلام منه ظاهر في ان التصرف في حكمها انما هو منه لا من سواه، وخطبته تلك على المنبر نص صريح بذلك.

(الامر السادس) في الاشارة الى من تسنى لهم ان يبيحوا ببعض مافي نفوسهم من استنكار تحريمها وهو كثيرون، فمنهم امير المؤمنين علي عليه السلام فيما اخرجه الامامان الثعلبي والطبري عند بلوغهما الى آية المتعة من تفسيريهما الكبيرين؛ حيث أخرجه بالاسناد الى علي قال: لولا ان عمر نهى عن المتعة مازنى الاشقي، وهذا متواتر عنه من طريق أبنائه الميامين.

ومنهم عبدالله بن العباس اذ قال: ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لولا نهيه ـ يعني عمر ـ عنها ما احتاج الى الزنى إلا شقي ا هـ. أي الا قليل من الناس كما فسرها ابن الاثير في مادة شفى من النهاية، وكان ابن عباس يجاهر بإباحتها، وله في ذلك مع ابن الزبير ـ حتى في ايام امارته ـ نوادر يطول المقام بذكره وحسبك منها ما أخرجه مسلم عن ابي نضرة وقد سمعته في الأمر الثالث وفي الأمر الخامس فراجع.

ومنهم جابر بن عبدالله الانصاري وقد سمعت حديثه في الامر الثالث وفي الامر الخامس فراجع.

ومنهم عبدالله بن عمر كما هو ثابت عنه، اخرج الامام احمد في ص95 من الجزء الثالث من مسنده من حديث عبدالله بن عمر قال: سأل رجل ابن عمر عن متعة النساء فقال: والله ماكنا على عهد رسول زانين ولا مسافحين ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله يقول: ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال، وكذابون ثلاثون أو أكثر، وسُئل مرة أخرى عن متعة النساء فقال: هي حلال، فقيل له: ان أباك نهى عنها، فقال: أرأيت ان كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله أنترك السنة ونتبع قول أبي؟ ا هـ.

ومنهم عبدالله بن مسعود كما هو معلوم عنه، وقد اخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما واللفظ الأول عن عبدالله ـ بن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله وليس لنا شيء، فقلنا: الا نستخصي فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا ان ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا (يا ايها الذين آمنو لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولاتعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) ا هـ قلت: لا يخفى ان استشهاده بالآية دليل على اباحتها كما صرح به شراح الصحيحين.

ومنهم عمران بن حصين فيما صح عنه، وقد نقل الرازي عنه انه قال: انزل الله في المتعة آية وما نسخها بآية اخرى، وامرنا رسول الله بالمتعة وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه ماشاء (قال الرازي) يريد عمر ا هـ. واخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله، ولم ينزل قرآن يحرمها، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ماشاء. واخرج احمد في مسنده من طريق عمران القصير عن ابي رجاء عن عمران ابن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي حتى مات صلى الله عليه وآله وسلم.

وأمر المأمون ايام خلافته فنودي بتحليل المتعة، فدخل عليه محمد بن منصور وابو العيناء، فوجداه يستاك ويقول وهو متغيظ: متعتان كانتا على عهد رسول الله وعلى عهد ابي بكر وانا أنهى عنهما (قال): ومن انت يا جعل حتى تنهى عما فعله رسول الله وابو بكر فأراد محمد بن منصور أن يكلمه فأومأ اليه ابو العيناء، وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن؟ فلم يكلماه، ودخل عليه يحيى بن اكثم فخلا به وخوفه من الفتنة، وذكر له: ان الناس يرونه قد احدث في الاسلام ـ بهذا النداء ـ حدثا عظيما يسيء الخاصة ويثير العامة إذ لا فرق عندهم بين النداء بإباحة المتعة، والنداء بإباحة الزنا، ولم يزل به حتى صرف عزيمته، إشفاقا على ملكه ونفسه.

وممن اباح المتعة وعملها من اعلام الأمة عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح ابو خالد المكي المولود سنة ثمانين، والمتوفى سنة تسع واربعين ومئة، وقد ترجمه ابن خلكان في وفياته، وابن سعد في طبقاته وهو ممن احتجوا به في الصحاح وترجمه الذهبي في ميزانه فذكر أنه تزوج نحواً من تسعين امرأة نكاح المتعة، وانه كان يرى الرخصة في ذلك (قال): وكان فقيه اهل مكة في زمانه.