عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ الطوسي
الاقتصاد - الشيخ الطوسي - ص 33 - 37
يجب أن يكون تعالى قادرا في الأزل، لأنه لو تجدد كونه قادرا بعد أن لم يكن كذلك وجب أن يكون قادرا بقدرة، لأن شرط صحة كونه قادرا عدم المقدور، وهو حاصل في الأزل.
ولو كان قادرا بقدرة وجب أن تكون تلك القدرة محدثة، لأنها لو كانت قديمة لوجب كونه قادرا في الأزل، ولو كانت محدثة لوجب أن يكون من فعله، إذ المحدث لا بد له من محدث، ولو كانت من فعله لوجب أن يكون قادرا قبل إيجادها، لأن الفعل لا يصدر إلا من قادر.
وعلى هذا المذهب هو تعالى لا يكون قادرا إلا بعد وجود القدرة، فيتعلق كونه قادرا بوجود القدرة ووجود القدرة بكونه قادر، فلا يصح واحد من الأمرين. وذلك باطل، لأنا علمنا خلاف ذلك.
وإذا ثبت كونه قادرا في الأزل وجب أن يكون قادرا لنفسه، لأنه لا يمكن استناد ذلك إلى الفاعل والقدرة المحدثة، لأن ما يتعلق بالفاعل من شرطه تقدم الفاعل عليه، وذلك لا يصح في الحاصل في الأزل. والقدرة المحدثة لا توجب صفة في الأزل، لأن معلول العلة لا يتقدمها. ولا يجوز أن يكون قادرا بقدرة قديمة، لأنه كان يجب أن تكون تلك القدرة مثلا له ومشاركة له في جميع صفاته، وهو تعالى مشارك للقدرة في جميع صفاتها لاشتراكهما في القدم الذي هو صفة النفس، والاشتراك في صفة النفس توجب التماثل، كما أن ما شارك السواد في كونه سوادا كان سوادا، وما شارك الجوهر في كونه جوهرا كان جوهرا. وكان يجب من ذلك أن يكون تعالى بصفة القدرة والقدرة بصفة القادر، وذلك باطل، فلم يبق إلا أنه قادر لنفسه.
وبمثل ذلك يعلم [أنه عالم لنفسه، لأنه لو تجدد] كونه عالما بعد أن لم يكن لوجب أن يكون عالما بعلم محدث، إذ لا شرط يقف كونه عالما عليه، لأن المعدوم يصح العلم به كما يصح بالموجود، بدلالة أنا نعلم ما كان أمس ونعلم ما يكون في الغد، وكل ذلك معدوم.
ولو كان عالما بعلم محدث لوجب أن يكون من فعله، إذ لا أحد يقدر أن يفعل علما لا في محل لو صح وجود غيره، ولو كان هو الفاعل له لوجب أن يتقدم أو لا كونه عالما، لأن العلم لا يقع إلا من عالم، لأن جميع الوجوه التي يقع الاعتقاد عليها فيكون علما يتقدم أو لا كون فاعله عالما، وذلك يؤدي إلى تعلق كونه عالما بوجود العلم ووجود العلم بكونه عالما.
وإذا ثبت بذلك كونه قادرا عالما بنفسه لوجب أن يكون قادرا على جميع الأجناس ومن كل جنس على ما لا يتناهى، لأنه لا مخصص له بقدر دون قدر. ويجب مثل ذلك في كونه عالما أن يكون عالما بجميع المعلومات، إذ لا مخصص له ببعضها دون بعض، فيجب من ذلك كونه عالما قادرا على ما لا يتناهى.
وإذا ثبت كونه قادرا عالما في الأزل وجب كونه حيا موجودا في الأزل، إذ القادر العالم لا بد أن يكون حيا موجودا.
ويجب أن يكون موصوفا بأنه سميع بصير في الأزل، لأنه يفيد كونه على صفة يجب أن يدرك المسموعات والمبصرات إذا وجدت، وذلك يرجع إلى كونه حيا لا آفة به. ولا يوصف بأنه سامع مبصر في الأزل، لأنهما يقتضيان وجود المسموعات والمبصرات في الأزل، ووجودهما في الأزل محال لأنهما محدثان، فلا يصح وجودهما في الأزل.
وأما كونه مدركا فإنه يتجدد له بعد أن لم يكن إذا وجدت المدركات، والمقتضي له كونه حيا، لأن أحدا متى حصل كونه حيا ووجدت المدركات وارتفعت الموانع المعقولة وجب أن يكون مدركا، ولو كان المقتضي غير كونه حيا لما وجب ذلك وقد علمنا وجوبه.
فأما كونه مريدا وكارها فيجب أن يحصلا له بإرادة محدثة موجودة لا في محل، لأنه لا يخلو أن يكون مريدا لنفسه أو بإرادة قديمة أو محدثة فيه أو في غيره من جماد أو حيوان، أو موجودة لا في محل.
ولا يجوز أن يكون مريدا لنفسه، لأنه كان يؤدي إلى أن يكون مريدا للشيء كارها له على وجه واحد في وقت واحد، لوجوب سماع صفات النفس. وما به علمنا كونه مريدا علمنا كونه كارها، واجتماع الصفتين محال، لتضادهما ولأنه كان يجب أن يكون مريدا لكل ما يصح حدوثه، فيجب من ذلك أن يكون مريدا للقبائح، وذلك صفة نقص يتعالى الله عن ذلك.
ولا يجوز أن يكون مريدا بإرادة قديمة، لأنه كان يجب أن تكون تلك الإرادة مثلا له لمشاركتها له في القدم على ما بيناه في القدرة والعلم وقد بينا فساده.
ولا يجوز أن يكون مريدا بإرادة قائمة به، لأنه ليس بمتحيز والمعاني لا تقوم إلا بالمتحيز. ولو وجدت في غيره من الجماد استحال ذلك، لأن الإرادة يستحيل وجودها في الجماد. ولو وجدت في حي لوجب أن تكون إرادة لذلك الحي، فلم يبق إلا أنه يجب أن يكون مريدا بإرادة توجد لا في محل.
فأما كونه متكلما فلا يكون إلا بكلام محدث، لأن حقيقة المتكلم من وقع منه الكلام الذي هو هذا المعقول بحسب دواعيه وأحواله. والكلام المعقول ما انتظم من حرفين فصاعدا من هذه الحروف المعقولة التي هي ثمانية وعشرون حرفا إذا وقع ممن يصح منه أو من قبله للإفادة.
والدليل على ذلك أنه إذا وجدت هذه الحروف على هذا الوجه سمى كلاما، وإذا اختل واحد من الشروط لا يسمى بذلك، فعلمنا أنه حقيقة الكلام متى وقع ما سميناه كلاما [بحسب دواعيه] وأحواله سمي متكلما فعرفنا بذلك حقيقة المتكلم.
وإذا ثبت حقيقة الكلام والمتكلم ثبت أن كلامه محدث، لأن هذه الإضافة تقتضي ذلك. وليس لأحد أن يقول: لو لم يوصف تعالى فيما لم يزل بأنه متكلم يوصف بضده من الخرس والسكوت، وذلك أن الخرس إنما هو فساد آلة الكلام [والسكوت هو تسكين آلة الكلام]، والله تعالى ليس بمتكلم بآلة فلا يوصف بشيء من ذلك.
ثم ذلك ينتقض بالصائح والصارخ، فإنه لا يوصف بالخرس ولا بالسكوت ولا بالكلام، فبطل ما قالوه.
وينبغي أن يوصف كلام الله [بما سماه الله] تعالى به من كونه محدثا، قال الله تعالى {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه}، والذكر هو القرآن بدلالة قوله {وأنزلنا إليك الذكر} وقوله {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ولا يجوز أن يكون المراد به الرسول، لقوله {إلا استمعوه} والكلام هو الذي يصح استماعه دون الرسو ل، ويصفه بأنه مجعول كما قال {إنا جعلناه قرآنا عربيا}، ونعته بأنه منزل قال الله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر} وقال {وأنزلنا إليك الذكر}، ويوصف بأنه عربي كما قال {بلسان عربي مبين} والعربية محدثة. ولا يوصف بأنه مخلوق، لأنه يوهم أنه مكذوب أو مضاف إلى غير قائله لأنه المعتاد من هذه اللفظة، قال الله تعالى {إن هذا إلا اختلاق} و {إن هذا إلا خلق الأولين} وقال {وتخلقون إفكا}، فلم يوصف الكلام بالخلق إلا إذا أريد به الكدب أو الانتحال كما يقولون هذه قصيدة مخلوقة ومختلقة إذا كانت منتحلة مضافة إلى غير قائلها.
وهذه الجملة تكفي فيما قصدناه، لأن شرح جميعه بيناه في شرح الجمل وذكره يطول به ما قصدناه.