عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
-12- الوامق النصراني
أليــــس بخـم قــــد أقــــام (محـمد) * (علياً) بإحضار الملا في المواسم فقــــال لهم : من كنت مولاه منكم * فمــــولاكم بعـــدي (علي بن فاطم) فقــــال : إلهــــي كـــــن ولي وليه * وعــــاد أعـــاديه على رغم راغم ويقول فيها : أمــــا رد عــــمرا يــوم سلع بباتــــر * كــأن على جنــــبيه لطخ العنادم (2) وعاد ابن معدي نحو أحمد خــــاضعا * كشــــارب أثل في خطام الغمايم (3) وعــــاديت فــــي الله القبــايــــل كلها * ولــم تخــــش في الرحمن لومة لايم وكنــــت أحــــق الناس بعــد محـــمـد * وليس جهول القوم في حكم عالم(4) * (ما يتبع الشعر) *: ربما يستغرب القارئ ما يجده من مدايح النصارى لأمير المؤمنين عليه السلام وهم لا يعتنقون الاسلام فضلا عن الاعتقاد بالخلافة الإسلامية، ولا غرابة في ذلك فإنه جري منهم مع الحقايق الراهنة، وسير مع التاريخ الصحيح، فإن المنصف مهما اعتنق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (2) السلع : جبل بالمدينة. العندم : الدم والبقم. (3) أثل: شجر عظيم لا ثمر له ج أثلة. الخطام: كل ما وضع في فم البعير ليقتاد به. الغمايم جمع الغمامة: خريطة فم البعير. كناية عن نهاية الذلة والخضوع. (4) مناقب ابن شهر آشوب 1 ص 286، 532.
/ صفحة 5 / مبدء غير الاسلام فإنه لا يسعه إنكار ما اكتنف مولانا من الفضايل : من نفسيات كريمة، وعلوم جمة، وخوارق لا تحصى، وبطولة وبسالة، وما قال فيه نبي الاسلام، الذي لا يعدو عند غير المسلم أن يكون عظيما من عظماء العالم، وحكيما من حكمائه، بل أعظم رجالات الدهر كلهم، لا يرمي القول على عواهنه، فلا بد أن يكون من يثبت له هو صلى الله عليه وآله وسلم تلك الفضايل عظيما كمثله أو دونه بمرقاة. كما أنك تجد الثناء المتواصل على النبي الأعظم أو وصيه في كتب لفيف من النصارى واليهود ككتاب. 1 - أقوال محمد تأليف المستر ستنلي لين بول . 2 محمد والقرآن تأليف المستر جون وانتبورت . 3 محمد والقرآن تأليف الأستاذ مونته . 4 عقيدة الاسلام تأليف غولد يسهر . 5 العالم الاسلامي تأليف ماكس مايرهوف . 6 تاريخ العرب تأليف الأستاذ هوار . 7 مفكري الاسلام تأليف كاداود وفو الافرنسي . 8 مهد الاسلام تأليف ألاب لامنس . 9 خلاصة تاريخ العرب تأليف سديو الافرنسي . 10 حياة محمد تأليف السير ويليام ميور الانكليزي . 11 سيرة محمد تأليف السير وليم موير . 12 مدنيات الشرق تأليف ألمسيو غروسه . 13 الكياسة الاجماعية تأليف الدكتور وغسطون كرسطا الايطالي . 14 محمد والاسلام تأليف حنادا قنبرت . 15 حياة محمد تأليف المستر دكالون سل . 16 محمد والاسلام تأليف المستر بوسرت اسمت . 17 عرب اسبانيا تأليف ألمسيو دوزي . 18 عن الشرع الدولي تأليف الدكتور نجيب ارمنازي .
/ صفحة 6 / 19 المعلم الاكبر تأليف المستر هر برت وايل 20 الابطال تأليف توماس كارليل الانكليزي 21 الاسلام خواطر وسوانح تأليف هنري دي كاستري الفرنسي 22 حاضر العالم الاسلامي تأليف لوتروب ستو دارد الاميركي 23 حكم النبي محمد تأليف تولستوي الروسي 24 مصير المدنية الاسلامية تأليف هو كنيك الفيلسوف الاميركي 25 سر تطور الاسلام تأليف غوستاف لوبون الفرنسي 26 الآراء والمعتقدات تأليف غوستاف لوبون الفرنسي 27 الحضارات تأليف غوستاف لوبون الفرنسي 28 التمدن الاسلامي (1) تأليف غوستاف لوبون الفرنسي 29 الاسلام ومحمد تأليف والافتنرت 30 محمد والحضارة (2) تأليف عبد المسبيح أفندي وزير وغير ذلك مئات من كتبهم حول الاسلام أو نبيه. وما ذلك إلا أن ما وصفوه من صفات الفضيلة حقايق ناصعة لا يسترها التمويه، ولا يأتي على ذكرها الحدثان، و ذكريات خالدة يحدث بها الملوان، ما قام للدهر كيان، وبما أن حديث (الغدير) من هاتيك الحقايق تجد الناس إلبا واحدا في روايته، يهتف به الموالي، ويعترف به الناصب، وينشده المسلم، ويشدو به الكتابي. * (الشاعر) *: بقراط بن أشوط الوامق الارميني النصراني، بطريق (3) بطارقة أرمينية، و قائدهم الأكبر، وأميرهم المقدم في القرن الثالث، عده ابن شهر آشوب في (معالم العلماء) من مقتصدي المادحين لأهل البيت عليهم السلام. قال اليعقوبي في تاريخه 3 ص 213، وابن الأثير في الكامل 7 ص 20 : إنه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) طبعت ترجمته بالفارسية بطهران في 804 صحيفة. (2) مقال نشر في جريدة الاستقلال سنة 1927 م. (3) البطريق : القائد الحاذق بالحرب وشئونها. معرب.
/ صفحة 7 / وثب في سنة 237 أهل أرمينية بعاملهم يوسف بن محمد فقتلوه، وكان سبب ذلك أن يوسف لما سار إلى أرمينية خرج إليه بطريق يقال له : بقراط بن أشوط. ويقال له : بطريق البطارقة. يطلب الأمان فأخذه يوسف وابنه نعمة فسيرهما إلى باب الخليفة (المتوكل) فاجتمع بطارقة أرمينية مع ابن أخي بقراط بن أشوط وتحالفوا على قتل يوسف ووافقهم على ذلك موسى بن زرارة وهو صهر بقراط على ابنته فأتى الخبر يوسف ونهاه أصحابه عن المقام بمكانه فلم يقبل فلما جاء الشتاء ونزل الثلج مكثوا حتى سكن الثلج ثم أتوه وهو بمدينة (طرون) (1) فحصروه بها فخرج إليهم من المدينة فقاتلهم فقتلوه وكل من قاتل معه، وأما من لم يقاتل معه فقالوا : له انزع ثيابك وانج بنفسك عريانا ففعلوا ومشوا حفاة عراة فهلك أكثرهم من البرد وسقطت أصابع كثير منهم ونجوا، وكان ذلك في رمضان، وكان يوسف قبل ذلك قد فرق أصحابه في رساتيق عماله فوجه إلى كل طائفة منهم طائفة من البطارقة فقتلوهم في يوم واحد، فلما بلغ المتوكل خبره ووجه بغا الكبير إليهم طالبا بدم يوسف فسار إليهم على الموصل والجزيرة فبدأ بأرزن (2) وبها موسى بن زرارة و له إخوته إسماعيل وسليمان وحمد وعيسى ومحمد وهرون فحمل بغا موسى بن زرارة إلى المتوكل وأباح على قتله يوسف فقتل منهم زهاء ثلاثين ألفا وسبى منهم خلقا كثيرا فباعهم. وهناك جمع آخرون من النصارى مدح أمير المؤمنين عليه السلام منهم : شاعرهم زينبا ابن إسحق الرسعني الموصلي النصراني. ذكر له البيهقي في [ المحاسن والمساوي ] 1 ص 50، والزمخشري في [ ربيع الأبرار ]، وأبو حيان في تفسيره [ البحر المحيط ] 6 ص 221، وأبو العباس القسطلاني في [ المواهب اللدنية ]، وأبو عبد الله الزرقاني المالكي في [ شرح المواهب ] 7 ص 14، والمقري المالكي في [ نفح الطيب ] 1 ص 505. والشيخ محمد الصبان في [ إسعاف الراغبين ] 117 نقلا عن إمامهم أبي عبد الله محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الشاطبي (3) قوله(4): ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) موضع بأرمينية. (2) أرزن: مدينة من أرباض أرمينية. (3) رضي الدين المولود 601 والمتوفى 680 والمترجم في نفح الطيب 1 ص 1505. (4) وذكره له شيخنا الفتال في (روضة الواعظين) 143، وابن شهر آشوب في (المناقب) 2 ص 237.
/ صفحة 8 / عـــــدي وتيم لا احــــاول ذكــــرها * بســــوء ولكنــــي محــــب لهـاشم وما تعتريني في عـــلي ورهــــطه * إذا ذكــــروا فــــي الله لــــومة لائم يقـولون : ما بال النصارى تحبهم * وأهـــل النهى من أعرب وأعاجم؟! فقــــلت لهم : إني لأحـــسب حبهم * سرى في قلوب الخلق حتى البهايم وذكر الخطيب الخوارزمي في المناقب 28، وابن شهر آشوب في مناقبه 1 ص 361، والأربلي في كشف الغمة 20 لبعض النصارى قوله : عــــلي أميـــر المؤمنين صريمة * وما لســــواه فـي الخلافة مطمع له النسب الأعلى وإسلامه الذي * تقــــدم فيــــه والفضايــل أجمعوا بأن عــــليا أفضــــل الناس كلهم * وأورعهــــم بعــــد النبي وأشجع فلــــو كنت أهوى ملة غير ملتي * لمــــا كنــــت إلا مسلمــــا أتشيع وذكر شيخنا عماد الدين الطبري في الجزء الثاني من كتابه (بشارة المصطفى) لأبي يعقوب النصراني قوله : يا حبــــذا دوحــة فــي الخلد نابتة * ما في الجنان لها شبه من الشجر المصــطفى أصلها والفرع فاطمة * ثــــم اللقاح عــــلي سيــد البــــشر والهاشميان سبطــــاها لهـــا ثمر * والشيعــــة الــورق الملتف بالثمر هــــذا مقــــال رسـول الله جاء به * أهل الروايات في العالي من الخبر إني بحــــبهم أرجو النجــــاة غــدا * والفوز مع زمرة من أحسن الزمر أشار بها إلى ما أخرجه الحفاظ (1) عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنة عدن وسائر ذلك في سائر الجنة. هذا لفظه عند العامة وأما عند مشايخنا فهو : خلق الناس من أشجار شتى و خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من شجره واحدة، فما قولكم في شجرة أنا أصلها، وفاطمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحاكم في (المستدرك) 3 ص 160، وابن عساكر في تاريخه ج 4 ص 318، ومحب الدين في (الرياض) 2 ص 253، وابن الصباغ (في الفصول) ص 11، والصفوري في (نزهة المجالس) 2 ص 222.
/ صفحة 9 / فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمارها، وشيعتنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها ساقته إلى الجنة، ومن تركها هوى في النار. وممن مدحه عليه السلام من متأخري النصارى عبد المسيح الأنطاكي المصري بقصيدته العلوية المباركة ذات 5595 بيتا ومنها قوله ص 547 فيما نحن فيه : للمــــرتضى رتـــــبة بعـــد الرسول لدى * أهل اليقـــــين تـــــناهت فـــــي تعــاليها ذو العـــــلم يعـــــرفها ذو العدل ينصفها * ذو الجـــــهل يســـرفها ذو الكفر يكميها وإن فـــــي ذاك إجـــــماعا بغــير خلاف * فـــــي المـــــذهب مـــــع شـتى مناحيها وإن أقـــــربها الاســــلام لا عـــــجـــــب * فـــــإنه منـــــذ بـــــدء الــــوحي داريها وإن تـــــنادى جـــــموع المسلمين بـــها * فـــــقد وعــــت قدرها من هدي هاديها بل جـــــاوزتهم إلــــى الأغيار فانصرفت * نفـــــوسهم نحوهـــــا بالحـــمد تطريها وذي فـــــلاسفـــــة الجـــــحاد معجــــــبة * بهـــــا وقـــــد أكبــــرت عجبا تساميها ورددت بـــــين أهـــــل الأرض مــــدحتها * فيـــــه وقـــــد صـــدقت وصفا وتشبيها كـــــذا النـــصارى بحب المرتضى شغفت * ألبابهـــــا وشـــــدت فـــــيه أغـــــانيها فلـــــست تسمـــع منها غير مدحته الغـــ * ـــــــراء مـــــا ذكـــــرته فـــــي نواديها فارجـــــع لقســـــانها بيــــن الكنائس مع * رهبانها وهـــــي فــــــي الأديار تأويها تجـــــد محبـــــته بالاحـــــتـــــرام أتـــــت * نفـــــوسهـــــا ولـــــه أبـــــدت تـصبيها وانظر إلى الديلم الشجعان خائضة الحــ * ــروب والتـــــرك فــــي شتى مغازيها تلـــــف استعـــــاذتها بالمــــرتضى ولقد * زانـــــت بصـــــورته الحـسنا مواضيها وآمنـــــت أن تــرصيع السيوف بصورة * الـــــوصي ينـــــيل النـــــصر منـــضيها م - وفي الآونة الأخيرة نظم الأستاذ بولس سلامة قاضي أمة المسيح ببيروت بعد ما قرأ كتابنا هذا (الغدير) قصيدته العصماء تحت عنوان (عيد الغدير) في 3085 بيتا، و فيها تحليل وتدقيق، وإعراب عن حقايق ناصعة. وجري مع التاريخ الصحيح، طبعت في 317 صفحة ).
/ صفحة 10 / نعرات الجاهلية الأولى : (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم) ربما يجد الباحث في بعض تآليف المستشرقين في التاريخ الاسلامي رمزا من النزاهة في الكتابة والأمانة في النقل وخلو كل محكي عن أي مصدر (هبه غير وثيق) من التحريف والتصرف فيه، وتجرده عن سوء صنيع الكتبة، وبعده من الاستهتار، وهذا جمال كل تأليف وشأن كل مؤلف مهما كان شريف النفس، وهو حق كل رائد، و الرائد لا يكذب أهله. غير أن في القوم من ألف وسخف فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ إذا كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. فكأن الجهل لم يمت بعد وقد مات أبو جهل، ولهب الضلال لم يخمد بعد وقد اتقد أبو لهب في درك الجحيم، وكأن الدنيا ترجع إلى ورائها القهقري، وعاد الاسلام كشمس كادت تكون صلاء (1) جاء من القوم بعد لأي من الدهر من يدعو الناس إلى الجاهلية الأولى وإلى حميتها البائدة، ولا بقيا للحمية بعد الحرائم (2) نهض يبشر عن مسيح مركب من طبيعتين : (إلهية وبشرية) ويحسب نفسه قد أبهر في تأليفه وأتى بأمر جديد، فأخذ كالمتفلسف يتتعتع ويتلعثم، ويحرف الكلم عن مواضعه، ويؤول الكتاب الكريم برأيه الضئيل، ويتحكم في الحديث بفكرته الخائرة، ويرى النبي الأعظم من المبشرين بنصرانيته الصحيحة التي ليست هي إلا الضلال المحض، وهو مع ذلك مائن في نقله، خائن في حكايته، غاش في نصحه، مدنس في كتابته، مهاجم على قدس صاحب الرسالة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مثل يضرب في قلة الانتفاع بالشئ. (2) الحريمة ما فات من كل مطموع فيه.
/ صفحة 11 / مجانب عن الحق والحقيقة، كل ذلك باسم كتاب (حياة محمد) ألا ؟ وهو الأستاذ إميل در منغم. إن الرجل لما شاهد أن الاسلام علا هتافه اليوم، ودوخ أرجاء العالم صيته، وأطلت سمائه على الأرض كلها شرقا وغربا، وشع نوره في كل طلل ووهد، و عمت أشعته كل طارف وتليد، وملأ الكون صراخ قومه بالثناء البالغ على الاسلام المقدس ونبيه الأقدس، وكثر إعجابهم بكتابه السماوي، وقانونه الاجتماعي، وشرعه السوي، وحكمه السياسي، ودستوره الإصلاحي، ومشعبه الحق المشعب. عز عليه كما عز على سلفه الغوغاء أن يشاهد هذا السلطان العالمي العظيم، وهذه السيطرة الباهرة، وهذه الشرعة العادلة الجبارة القاهرة للأكاسرة والتابعة والقياصرة والفراعنة، الحاكمة على آراء الأقباط والأقسة وآباء الكنائس وزعماء البيع ومعتقداتهم. عز عليه أن يرى في بيئته الغربية بزوغ الاسلام الشرقي، وتنور أفكار المثقفين من قومه بلمعات القرآن العربي المجيد، وانتشار معارف الاسلام الخالدة في عواصم أوروبا كالسيل الجارف لأصول الضلال، وأهواء الغرب، وما هناك من فساد الخلايق، ومضلات البدع. عز عليه أن يسمع بأذنيه من قلب العالم الأوربي بألسنة فلاسفتها نداء أن محمدا قاوم الوثنية بعزم واحد طول الحياة ولم يتردد لحظة واحدة بينها وبين عبادة الواحد الأحد (1). أو أن يسمع عن آخر منهم وهو ينادي : إن القرآن هو القانون العام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو صالح لكل مكان وزمان (2) أو أن يسمع عن ثالث من قومه وقد ملأ الدنيا صوته وهو يقول : استقرت قواعد الاسلام على أساس مكين من الآيات البينات التي أنزلت تباعا وكان ختامها : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)(3) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كلمة الكونت هنري دي كاستري. (2) كلمة مسيو سنايس. (3) كلمة الدكتور نجيب الارمنازى.
/ صفحة 12 / أو أن يسمع بأذنيه القرآن العزيز وهو يتلى في الإذاعات كل يوم بكرة و عشيا، وتقرع آية مسامع خلق الدنيا دون كتاب قومه وكتاب أي ملة. م ونادى لسان الكون في الأرض رافعا * عـــقيــــرته في الخــــافقين ومنـشــــدا : أعــــباد عيسى إن عــــيسى وحـزبــــه * ومــــوسى جميعــــا يخدمون محمدا (1) فهناك تعصب الرجل وتشزر، وشزر إلى الاسلام وكتابه ونبيه، ونظر إليها بصدر عينه (2) وتشذر للدفاع عن نحلته والذب عن مبدءه الباطل، فعلى نحيمه بصدر واغر على الحق، وهو يشوب ولا يروب (2) وشرع يدعو إلى النصرانية باسم الاسلام وحياة محمد، ويرى النبي محمدا جاء بكتاب عربي كما لو كان نصرانيا ذاكرا أنه واحدا من الأنبياء ص 100. ويرى للنصرانية أثرا في محمد ويزعم أن النصارى قد أيقظت شعور النبي الديني قبل بعثه ص 100. ويجد في القرآن أصول النصرانية ص 106. ويرى تأييد روح القدس لعيسى ذاتيا دون موسى ومحمد. ويعتقد لعيسى من عصمة ما لم تكن لمحمد ويراه قد جاء في القرآن (4) 107 ويرى النصرانية تشمل الاسلام وتضيف إليه بعض الشئ 118. ويرى المسيح ابن الله الوحيد بمعنى عرفاني يلائم الذوق الخرافي 110. ويرى القرآن يدعو إلى النصرانية الصحيحة وهو القول بألوهيته وبشريته و كون الطبيعين في شخص واحد 107، 112. ويعزو آراءه السخيفة جلها إلى القرآن المقدس، ويرى القرآن لم يحط بكل ما هو حق في الأمر 109. ويرى آخر مصحف اعتمد عليه صنع الحجاج بن يوسف الثقفي، وإمكان تلاوة المصحف الشريف على غير ما هو عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) من أبيات للشاعر المفلق أبي الوفاء راجح الحلي المتوفى 627) . (2) مثل مشهور يضرب. (3) الشوب : الخلط. والروب : الاصلاح. مثل يضرب. (4) ليته دلنا على الآية الدالة عليه.
/ صفحة 13 / ويرى علماء التوحيد قائلين بألوهية المسيح 109. ويرى الهوة بين المسلمين والنصارى نتيجة سوء التفاهم. ويرى التباعد بين الملتين من فكرة مفسري القرآن وعلماء الاسلام. ويرى العقل والتاريخ يستغربان عدم صلب المسيح. ويرى اعتقاد المسلمين بعدم صلب المسيح باطلا والآية الدالة عليه غامضة 111. ويؤول قوله تعالى : وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم. بما يلائم تعاليم النصرانية 112. ويعد من ضلال جزيرة العرب إنكار ألوهية المسيح والقول ببشريته فحسب 113 ويرى النبي قد وضع نفسه فوق جميع المعتقدات ما دام على غير علم بالنصرانية الصحيحة 114. ويعبر عن النبي الأعظم ب (البدوي الحمس) 115. فهذه جملة من خرافاته الراجعة إلى التبشير والدعوة إلى النصرانية، وبها يقف الباحث على غاية الكاتب وقيمة كتابه، ويعرف أنه يحط في هواه، ويحطب في حبله (1) جاهلا يأن حماة الدين (دين البدوي الحمس) نابهون يحومون حول الحمى، ويعرفون حول الصلبان الزمزمة (2) ويدافعون عن بيضة الاسلام المقدسة كل سخب وصخب ولغط وكذب وإفك وقول زور، وينزهون ساحته عن أرجاس الجاهلية وأنجاسها، إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون. ولو أردت الوقوف على الحقيقة في كل ما لفقه الرجل من إفك شائن فعليك بكتاب الهدى إلى دين المصطفى، وكتاب الرحلة المدرسية وغيرهما من تآليف شيخنا العلم المجاهد الحجة الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي وما ألفه غيره من أعلام الأمة. تسافل الشرق أو انحطاط العرب : لا أحسب أن بسطاء الأمة الإسلامية فضلا عن أعلامها تخفى عليهم الغايات المتوخاة في أمثال هذه الكتب المزورة، ولا تأمرهم أحلامهم قط بنشر ما خطته تلكم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مثل ساير. (2) مثل يضرب لمن يروم الشئ ولا يظهر مرامه.
/ صفحة 14 / الأقلام المستأجرة لزعانفة الجاهلية، ولا يحسب أي حامل حساسات الحيابين جنبيه إن في تلكم التآليف فائدة طائلة قصرت عنها يد الشرق التي هي عاصمة علم الدنيا، و مرتكز لواء كل فضيلة ومحمدة اجتماعية. ولا يهجس في خلد أي محنك أن في طي تلكم الكلم مقيلا من ظل الحقيقة، أو أن أحدا من أولئك الأساتذة المستشرقين قد أتى بفكرة صالحة جديدة في إصلاح المجتمع من شؤون اجتماعية. أخلاقية. سياسية. أدبية. روحية لم يأت بها نبي الاسلام في كتابه وسنته، حاشا نبي الاصلاح المبعوث لتتميم مكارم الأخلاق. فما حاجة الأمة العربية الآخذة بناصية الشرق إلى ترجمة هذه التآليف الفارغة عن أدب الدين، أدب العلم. أدب النزاهة. أدب العفة. أدب الصدق والأمانة. أدب الحق والحقيقة ؟ !. وما هذا الانحطاط والتسافل البالغ في العروبة، وقد أصبحت (العياذ بالله) في مسيس الحاجة إلى هذه الكتب المخزية تأليف كل خائر بائر، تأليف من صفرت يداه عن كل خير، والضلال سجيته وقرواه ؟ !. كيف تفتقر الأمة الإسلامية (ولا تفتقر ولن تفتقر) إلى تلك الكتب ! ؟ ولها كتابها العربي المقدس، كتابها الاجتماعي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كتابها الذي لا ريب فيه، هدى للمتقين، كتابها الباحث عن الآداب الاجتماعية وشؤون الصالح العام التي قوامها الحكمة، وأساسها العدل والاحسان، وجامعها العفة و القداسة والحنان. وكيف تفتقر وهي حاملة السنة النبوية ؟ ! تلك السنة الطافحة بغرر الحكم الاجتماعية، والأحكام الحقوقية، والجزائية، والمدنية، والدفاعية، وما به انتظام الكون في قمع المظالم، وصيانة الحقوق، ودستور المعاش والمعاد، وحفظ الصحة، والمصالح العامة، ومباني الترقي، ومنقذات البشر من مخالب الجهل والضلال، ودروس التقدم في عالم الرشد والصلاح. تلك السنة المؤسسة للحياة السياسية، وروح الوحدة الاجتماعية، والجوامع الأخلاقية، والفضايل النفسية، والحقوق النوعية والشخصية التي عليها مدار نظام حياة / صفحة 15 / النوع الانساني، وتدبير شؤون المجتمع البشري في جميع أدوار الدنيا، وقرونها المتكثرة. وكيف تفتقر ؟ ! وبين يديها برنامج الاصلاح الحيوي المشتمل لموجبات الأمن والدعة والسلام والوءام والنزوع إلى كل صالح، والانحياز عن كل ما يفكك عرى المدنية الصحيحة، والحضارة الراقية، والدين المبين، ألا وهو كتاب نهج البلاغة (للإمام أمير المؤمنين تأليف الشريف الرضي) الذي تراه فلاسفة الدنيا دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق. يا أمه اثكليه : هلم معي أيها الشرقي الاسلامي نسائل أستاذ فلسطين محمد عادل زعيتر [ وهو يدب مع القراد (1) وقد أساء القول وأساء العمل ] عن ترجمة هذا الكتاب [ حياة محمد ] الطافح بالضلال. نسائله عن جنايته الكبيرة على الأمة العربية بقوله في مقدمة ترجمته : قد تجنى المستشرقون على الحقائق في سيرة الرسول الأعظم لا ريب، وقد كان تجنيهم هذا عاملا في زهد كتاب العرب عن نقل ما ألفوه إلى العربية على ما يحتمل، ولكن عطل اللغة العربية من ذلك يعد نقصا في حركتنا العلمية على كل حال. كيف عطل اللغة العربية مما جنته يد الجاهلية وقد تجنت على الحقائق يعد نقصا في حركتنا العلمية التي تدور مع الكتاب والسنة ؟ ! وهما مدار علم العالم، و بصيرة كل متنور، ومرمى كل مثقف، وضالة كل حكيم، ومقصد كل فيلسوف شرقي أو غربي. وهذا نفس المؤلف يقول في مقدمة الكتاب : وأهم المصادر لتبيان حياة محمد هو القرآن وكتب الحديث والسيرة، والقرآن أصح هذه المصادر وإن كان أو جزها. ليته كان يتبع كتاب العرب في زهدهم عن نقل ما ألفته يد الضلال إلى العربية، ويتوقى قلمه عن نشر كلم الفساد في المجتمع الاسلامي من دون أي تعليق عليها، وأي تنبيه للقارئ بفسادها وهو يقول : لا يظن القارئ أنني أشاطر المؤلف جميع ما ذهب إليه من الأمور التي أرى الحقيقة غابت عنه في كثير منها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مثل يضرب للرجل الشرير.
/ صفحة 16 / اثكليه يا أمه ؟ بأي ثمن بخس أو خطير باع شرف أمته، وعز نحلته، و عظمة قومه، وقداسة كتابه وسنته ؟ !. ولأي مرمى بعيد جعل نفسه مع [ إميل در منغم ] في بردة أخماس (1) ؟ ! وجاء يعاند الاسلام بنشر تلكم الأباطيل والأضاليل المضادة مع نحلته، ويشوه سمعة مصره العزيزة، وجامعها الأزهر، وأساتذتها النزهاء، وكتابها القادرين بنشر تلك التافهات المضلة في مطابعها المأسوف عليها وهو يقول في المقدمة : المؤلف مع ما ساده من حسن النية لم تخل سوانحه وأراؤه من زلات. ليتني أدري وقومي : ما حاجتنا إلى حسن نية مؤله المسيح عيسى بن مريم وجاعله ابن الله الوحيد ؟ ! وما الذي يعرب عن حسن نيته ؟ ! وكل صحيفة من كتابه أهلك من ترهات البسابس (2) وقلت صحيفة ليست فيها هنات تنم عن سوء طويته، وفساد نيته، وخبث رأيه. نعم : والذي أراه (والمؤمن ينظر بنور الله) إن المترجم راقه ما في الكتاب من الأكاذيب والمخاريق المعربة عن النزعات والأهواء الأموية فبذلك غدا الذئب للضبع (3) وجاء وقد أدبر غريره وأقبل هريرة (4) ووافق شن طبقة. نعم : راقه سلقه أهل بيت النبي الطاهر بسقطات القول وكذب الحديث وسرد تاريخ مفتعل يمس كرامة النبي الأقدس وناموس عترته مما يلائم الروح الأموية الخبيثة، ويمثل آل الله للملأ بصورة مصغرة، ويشوه سمعتهم بما لا يتحمله ناموس الطبيعة، وشرف الانسانية، من شراسة الخلق، وسيئ العشرة، وقبح المداراة. قال : كانت فاطمة عابسة دون رقية جمالا، ودون زينب ذكاء، ولم تدار فاطمة حينما أخبرها أبوها من وراء الستر أن علي بن أبي طالب ذكر اسمها، وكانت فاطمة تعد عليا دميما محدودا مع عظيم شجاعته، وما كان علي أكثر رغبة فيها من رغبتها فيه مع ذلك ص 197. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ضرب من برود اليمن. وهو مثل يضرب للرجلين تحابا وتقاربا وفعلا فعلا واحدا (2) الترهات : الطرق الصغار، البسابس جمع بسبس : الصحراء الواسعة. (3) مثل يضرب لقريني سوء. (4) الغرير : الخلق الحسن. الهرير ما يكره من سوء الخلق.
/ صفحة 17 / وكان علي غير بهي الوجه لعينيه الكبيرتين الفاترتين وانخفاض قصبة أنفه و كبر بطنه وصلعه، وذلك كله إلى أن عليا كان شجاعا تقيا صادقا وفيا مخلصا صالحا مع توان وتردد.. وكان علي ينهت فيستقي الماء لنخيل أحد اليهود في مقابل حفنة تمر فكان إذا ما عاد بها قال لزوجته عابسا : كلي وأطعمي الأولاد.. وكان علي يحرد بعد كل منافرة ويذهب لينام في المسجد وكان حموه يربته على كتفه ويعظه ويوفق بينه وبين فاطمة إلى حين، ومما حدث أن رأى النبي ابنته في بيته ذات مرة وهي تبكي من لكم علي لها. إن محمدا مع امتداحه قدم علي في الاسلام إرضاء لابنته كان قليل الالتفات إليه. وكان صهر النبي الأمويان : عثمان الكريم وأبو العاصي أكثر مدارة للنبي من علي. وكان علي يألم من عدم عمل النبي على سعادة ابنته، ومن عد النبي له غير قوام بجليل الأعمال، فالنبي وإن كان يفوض إليه ضرب الرقاب كان يتجنب تسليم قيادة إليه. ص 199. وأسوأ من ذلك ما كان يقع عند مصاقبة علي وفاطمة لعدواتهما أزواج النبي وتنازع الفريقين، فكانت فاطمة تعتب على أبيها متحسرة لأنه كان لا ينحاز إلى بناته. إلى غير ذلك من جنايات تاريخية سود بها الرجل صحيفة كتابه. ما أساء من أعقب : أنا لا ألوم المؤلف جدع الله مسامعه وإن جاء بأذني عناق (1) إذ هو من قوم حناق على الاسلام، وهو مع ذلك جرف منهال وسحاب منجال (2) ينم كتابه عن عجره وبجره. وإنما العتب كل العتب على المترجم الجاني على الاسلام والشرق والعرب وهو يحسب نفسه منها نعم : جدب السوء يلجئ إلى نجعة سوء (3) والجنس إلى الجنس يميل. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أي جاء بالكذب والباطل، مثل ساير. (2) مثل يضرب. يراد أنه لا يطمع في خيره (3) مثل دائر. يعني أن الأمور كلها تنشأ كل في الجودة والرداءة.
/ صفحة 18 / كل ما في الكتاب من تلكم الأقوال المختلقة، والنسب المفتعلة إن هي إلا كلم الطائش، تخالف التاريخ الصحيح، وتضاد ما أصفقت عليه الأمة الإسلامية، وما أخبر به نبيها الأقدس. هل تناسب تقولاته في فاطمة مع قول أبيها صلى الله عليه وآله وسلم : فاطمة حوراء إنسية كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها ؟ ! (1). أو قوله صلى الله عليه وآله : ابنتي فاطمة حوراء آدمية ؟ ! (2) . أو قوله صلى الله عليه وآله : فاطمة هي الزهرة ؟ ! (3) . أو قول أم أنس بن مالك ؟ ! : كانت فاطمة كالقمر ليلة البدر أو الشمس كفر غماما، إذا خرج من السحاب بيضاء مشربة حمرة، لها شعر أسود، من أشد الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم شبها، والله كما قال الشاعر : بيضاء تسحب من قيام شعرها * وتغـيب فيه وهو جثل أسحم(4) فكــــأنها فيـــــه نهــــار مشرق * وكـــــأنه لـــيل عليها مظلم (5) ولقبها الزهراء المتسالم عليه يكشف عن جلية الحال. وهل يساعد تلك التحكمات في ذكاء فاطمة وخلقها قول أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها : كانت فاطمة تحدث في بطن أمها، ولما ولدت فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها ؟ ! (6) أو يلائمها قول عايشة : ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا وحديثا برسول الله في قيامه وقعوده من فاطمة، وكانت إذا دخلت على رسول الله قام إليها فقبلها ورحب بها، وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه ؟ ! (7 ). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الخطيب البغدادي 5 ص 86. (2) الصواعق ص 96، إسعاف الراغبين ص 172 نقلا عن النسائي. (3) نزهة المجالس 2 ص 222 (4) جثل الشعر : كثر والتف واسود فهو جثل. سحم فهو أسحم : أسود. (5) مستدرك الحاكم 3 ص 161. (6) سيرة الملا، ذخاير العقبى 45، نزهة المجالس 2 ص 227. (7) أخرجه الحافظ ابن حبان كما في ذخاير العقبى 40 م والحافظ الترمذي وحسنه، والحافظ العراقي في التقريب كما في شرحه له ولابنه 1 ص 150، وابن عبد ربه في العقد الفريد 2 ص 3، وابن طلحة في مطالب السئول ص 7 )، إسعاف الراغبين 171.
/ صفحة 19 / م ـ وفي لفظ البيهقي في السنن 7 ص 101 : ما رأيت أحدا أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث ]. وهل توافق مخاريقه في الإمام علي صلوات الله عليه، وعدم بهاء وجهه، وعد فاطمة له دميما وكونه عابسا مع ما جاء في جماله البهي : أنه كان حسن الوجه كأنه قمر ليلة البدر، وكأن عنقه إبريق فضة (1) ضحوك السن (2) فإن تبسم فعن مثال اللؤلؤ المنظوم ؟ ! (3 ). وأين هي من قول أبي الأسود الدؤلي من أبيات له ؟ ! إذا استـــــقبلت وجه أبي تراب * رأيت البدر حار الناظرينا (4) نعم : حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله * فالنــــاس أعــــداء لـه وخصوم كـــضرائر الحسناء قلن لوجهها * حــــسدا وبغــــضا : إنـــه لدميم أو يخبرك ضميرك الحر في علي ما سلقه الرجل به من (التواني والتردد) ؟ ! و علي ذلك المتقحم في الأحوال، والضارب في الأوساط والأعراض في المغازي والحروب، وهو الذي كشف الكرب عن وجه رسول الله في كل نازلة وكارسة منذ صدع بالدين الحنيف، إلى أن بات على فراشه وفداه بنفسه، إلى أن سكن مقره الأخير. أليس علي هو ذلك المجاهد الوحيد الذي نزل فيه قوله تعالى : (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله). وقوله تعالى : (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)؟!؟!(5) فمتى خلى علي عن مقارعة الرجال والذب عن قدس صاحب الرسالة حتى يصح أن يعزى إليه توان أو تردد في أمر من الأمور ؟ ! غير أن القول الباطل لأحد له ولا أمد. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كتاب صفين 262، الاستيعاب 2 ص 469، الرياض النضرة 2 ص 155، نزهة المجالس 2 ص 204. (2) تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي. (3) حلية الأولياء 1 ص 84، تاريخ ابن عساكر 7 ص 35، المحاسن والمساوي 1 ص 32. (4) تذكرة السبط ص 104. (5) راجع الجزء الثاني من كتابنا ص 47، 53 ط ثاني.
/ صفحة 20 / وهل يتصور في أمير المؤمنين تلك العشرة السيئة مع حليلته الطاهرة ؟ ! والنبي يقول له : أشبهت خلقي وخلقي وأنت من شجرتي التي أنا منها (1) وكيف يراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل أمته أعظمهم حلما، وأحسنهم خلقا، ويقول : علي خير أمتي أعلمهم علما وأفضلهم حلما ؟ ! (2) ويقول لفاطمة : إني زوجتك أقدم أمتي سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما ؟ ! (3) ويقول لها : زوجتك أقدمهم سلما، وأحسنهم خلقا ؟ ! (4) يقول هذه كلها وعشرته تلك كانت بمرئى منه ومسمع، أفك الدجالون، كان علي عليه السلام كما أخبر به النبي الصادق الأمين. وهل يقبل شعورك ما قذف به الرجل [ فض الله فاه ] عليا بلكم فاطمة بضعة المصطفى ؟ ! وعلي هو ذاك المقتص أثر الرسول وملأ مسامعه قوله صلى الله عليه وآله لفاطمة : إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك (5) وقوله صلى الله عليه وآله وهو آخذ بيدها : من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي بضعة مني، هي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني (6) وقوله صلى الله عليه وآله : فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها (7) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ بغداد للخطيب 11 ص 171. (2) الطبري، الخطيب، الدولابي. كما في كنز العمال 6 ص 153، 392، 398. (3) مسند أحمد 5 ص 26، الرياض النضرة 2 ص 194، ذخاير العقبى ص 78، مجمع الزوائد 9 ص 101، 114 وصححه ووثق رجاله. (4) أخرجه أبو الخير الحاكمي كما في الرياض النضرة 2 ص 182. (5) مستدرك الحاكم 3 ص 154 وصححه، ذخاير العقبى ص 39، تذكرة السبط 175 مقتل الخوارزمي 1 ص 52، كفاية الطالب ص 219، شرح المواهب للزرقاني 3 : 202، كنوز الدقائق للمناوي ص 30، أخبار الدول للقرماني هامش الكامل 1 ص 185، كنز العمال 7 ص 111 عن الحاكم وابن النجار، تهذيب التهذيب 12 ص 443، الإصابة 4 ص 378، الصواعق 105، الاسعاف 171 عن الطبراني، ينابيع المودة 173. (6) الفصول المهمة 150، نزهة المجالس 2 ص 228، نور الأبصار ص 45. (7) صحاح البخاري ومسلم والترمذي، مسند أحمد 4 ص 328، الخصايص للنسائي ص 35، الإصابة 4 ص 378.
/ صفحة 21 / وقوله صلى الله عليه وآله : فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني (1) وقوله صلى الله عليه وآله : فاطمة بضعة مني، يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها (2) وهل يقصر امتداح النبي عليا بقدم إسلامه ؟ ! حتى يتفلسف في سره ويكون ذلك إرضاء لابنته، على أن امتداحه بذلك لو كان لتلك المزعمة لكان يقتصر صلى الله عليه وآله على قوله لفاطمة في ذلك وكان يتأتى الغرض به، فلماذا كان يأخذ صلى الله عليه وآله بيد علي في الملأ الصحابي تارة ويقول : إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ؟ ولما ذا كان يخاطب أصحابه أخرى بقوله : أولكم واردا علي الحوض أولكم اسلاما علي بن أبي طالب ؟ ! وكيف خفي هذا السر المختلق على الصحابة الحضور والتابعين لهم بإحسان فطفقوا يمدحونه عليه السلام بهذه الأثارة كما يروى عن سلمان الفارسي. أنس بن مالك. زيد بن أرقم. عبد الله بن عباس. عبد الله بن حجل. هاشم بن عتبة. مالك الأشتر. عبد الله بن هاشم. محمد بن أبي بكر. عمرو بن الحمق. أبو عمرة عدي بن حاتم. أبو رافع. بريدة. جندب بن زهير. أم الخير بنت الحريش (3) وهل القول بقلة التفات النبي إلى علي يساعده القرآن الناطق بأنه نفس النبي الطاهر ؟ ! أو جعل مودته أجر رسالته ؟ !. أو قوله صلى الله عليه وآله في حديث الطير المشوي الصحيح المروي في الصحاح والمسانيد : أللهم أئتني بأحب خلقك إليك ليأكل معي ؟ !. أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعايشة : إن عليا أحب الرجال إلي، وأكرمهم علي، فاعرفي له حقه وأكرمي مثواه ؟ ! (4) أو قوله صلى الله عليه وآله : أحب الناس إلي من الرجال علي ؟ ! (5) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري، خصايص النسائي ص 35. (2) مسند أحمد 4 ص 323، 332، الصواعق 112. (3) سيأتي في هذا الجزء نص كلماتهم. (4) أخرجه الحافظ الخجندي كما في الرياض 2 ص 161، وذخاير العقبى 62. (5) وفي لفظ : أحب أهلي. من حديث أسامة.
/ صفحة 22 / أو قوله صلى الله عليه وآله: علي خير من أتركه بعدي ؟ ! (1) . أو قوله صلى الله عليه وآله : خير رجالكم علي بن أبي طالب، وخير نساءكم فاطمة بنت محمد ؟ ! (2) . أو قوله صلى الله عليه وآله : علي خير البشر فمن أبى فقد كفر ؟ ! (3) . أو قوله صلى الله عليه وآله : من لم يقل علي خير الناس فقد كفر ؟ (4) . أو قوله صلى الله عليه وآله : في حديث الراية المتفق عليه : لا عطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله؟ أو قوله صلى الله عليه وآله : علي مني بمنزلة الرأس (رأسي) من بدني أو جسدي ؟ (5). أو قوله صلى الله عليه وآله : علي مني بمنزلتي من ربي ؟ (6). أو قوله صلى الله عليه وآله : علي أحبهم إلي وأحبهم إلى الله (7) . أو قوله صلى الله عليه وآله لعلي : أنا منك وأنت مني. أو : أنت مني وأنا منك ؟ (8) . أو قوله صلى الله عليه وآله : علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي ؟ (9) . أو قوله صلى الله عليه وآله في حديث البعث بسورة البراءة المجمع على صحته : لا يذهب بها إلا رجل مني وأنا منه (10) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مواقف الأيجي 3 ص 276، مجمع الزوائد 9 ص 113. (2) تاريخ بغداد للخطيب 4 ص 392. (3) تاريخ الخطيب عن جابر، كنوز الحقايق هامش الجامع الصغير 2 ص 16، كنز العمال 6 ص 159. (4) تاريخ الخطيب البغدادي 3 ص 192 عن ابن مسعود، كنز العمال 6 ص 159 (5) تاريخ الخطيب 7 ص 12، الرياض النضرة 2 ص 162، الصواعق 75 م الجامع الصغير للسيوطي، شرح العزيزي 2 ص 417، فيض الغدير 4 ص 357 )، نور الأبصار 80. مصباح الظلام 2 ص 56. (6) الرياض النضرة 2 ص 163، السيرة الحلبية 3 ص 391. (7) تاريخ الخطيب 1 ص 160. (8) مسند أحمد 5 ص 204، خصايص النسائي 36 و 51. (9) مسند أحمد 5 ص 356 وأخرجه جمع من الحفاظ بإسناد صحيح يأتي. (10) خصايص النسائي 8، راجع ج 1 ص 48 من كتابنا.
/ صفحة 23 / أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : لحمك لحمي ودمك دمي والحق معك ؟ (1) . أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ما من نبي إلا وله نظير في أمته وعلي نظيري ؟ (2) . أو ما صححه الحاكم وأخرجه الطبراني عن أم سلمة قالت : كان رسول الله إذا أغضب لم يجترئ أحد أن يكلمه غير علي ؟ (3) . أو قول عايشة : والله ما رأيت أحدا أحب إلى رسول الله من علي ولا في الأرض امرأة كانت أحب إليه من امرأته ؟ (4) . أو قول بريدة وأبي : أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من النساء فاطمة ومن الرجال علي ؟ ! (5) . أو حديث جميع بن عمير ؟ قال : دخلت مع عمتي على عايشة فسألت أي الناس أحب إلى رسول الله ؟ ! قالت : فاطمة. فقيل : من الرجال ؟ قالت زوجها، إن كان ما علمت صواما قواما (6) . وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقدم الغير على علي في الالتفات إليه ؟ ! وهو أول رجل اختاره الله بعده من أهل الأرض لما اطلع عليهم كما أخبر به صلى الله عليه وآله لفاطمة بقوله : إن الله اطلع على أهل الأرض فاختار منه أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار بعلك فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصيا (7) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المحاسن والمساوي 1 ص 31، كفاية الطالب ؟ ؟ 135، مناقب الخوارزمي 76، 83، 87، فرايد السمطين في الباب 2 و 27. (2) الرياض النضرة 2 ص 164. (3) مستدرك الحاكم 3 ص 130، الصواعق 73، تاريخ الخلفاء للسيوطي 116. (4) مستدرك الحاكم 3 ص، 154 وصححه، العقد الفريد 2 ص 275، خصائص النسائي 29، الرياض النضرة 2 ص 161. (5) خصايص النسائي 29، مستدرك الحاكم 3 ص 155 صححه هو والذهبي، جامع الترمذي 2 ص 227. (6) جامع الترمذي 2 ص 227 ط هند، مستدرك الحاكم 3 ص 157، وجمع آخر (7) أخرجه الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري كما في إكمال كنز العمال 6 ص 153، و أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 ص 165 عن علي الهلالي.
/ صفحة 24 / وبقوله صلى الله عليه وآله: إن الله اختار من أهل الأرض رجلين أحدهما أبوك والآخر زوجك (1) وإني لا يسعني المجال لتحليل كلمة الرجل: وكان صهرا النبي الأمويان.... إلخ : وحسبك في مداراة عثمان الكريم حديث أنس عن رسول الله لما شهد دفن رقية ابنته العزيزة وقعد على قبرها ودمعت عيناه فقال : أيكم لم يقارف الليلة أهله ؟ ! فقال أبو طلحة : أنا. فأمره أن ينزل في قبرها. قال ابن بطال : أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرم عثمان النزول في قبرها وقد كان أحق الناس بذلك لأنه كان بعلها وفقد منها علقا لا عوض منه لأنه حين قال عليه السلام : أيكم لم يقارف الليلة أهله ؟ ! سكت عثمان ولم يقل : أنا. لأنه قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه، ولم يشغله الهم بالمصيبة وانقطاع صهره من النبي صلى الله عليه وسلن عن المقارفة فحرم بذلك ما كان حقا له وكان أولى به من أبي طلحة وغيره. وهذا بين في معنى الحديث ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد كان علم ذلك بالوحي فلم يقل له شيئا لأنه فعل فعلا حلالا غير أن المصيبة لم تبلغ منه مبلغا يشغله حتى حرم ما حرم من ذلك بتعريض غير صريح. (الروض الأنف 2 ص 107) وما عساني أن أقول في أبي العاص الذي كان على شركه إلى عام الحديبية، واسر مع المشركين مرتين، وفرق الاسلام بينه وبين زوجته زينب بنت النبي صلى الله عليه وآله ست سنين، وهاجرت مسلمة وتركته لشركه، ولم ترد قط بعد إسلامه كلمة تعرب عن صلته مع النبي ومداراته له فضلا عن مقايسته بعلي. أبي ذريته وسيد عترته. وقد اتهم الرجل نبي الاسلام بعدم العمل على سعادة ابنته الطاهرة المطهرة بنص الكتاب العزيز، ويقذف عليا بالتألم من ذلك، وكان صلى الله عليه وآله إذا أصبح أتى باب علي وفاطمة وهو يقول : يرحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. وكان لم يزل يقول : فاطمة أحب الناس إلي. ويقول : أحب الناس إلي من النساء فاطمة. ويقول : أحب أهلي إلي فاطمة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المواقف للأيجي ص 8 راجع من كتابنا ج 2 ص 318 ط 2.
/ صفحة 25 / وكان عمر يقول لفاطمة : والله ما رأيت أحدا أحب إلى رسول الله منك (1) وما أقبح الرجل في تقوله على النبي صلى الله عليه وآله بعده لعلي غير قوام بجليل الأعمال. وقد وازره وناصره وعاضده بتمام معنى الكلمة بكل حول وطول من بدء دعوته إلى آخر نفس لفظه، فصار بذلك له نفسا وأخا ووزيرا ووصيا وخليفة ووارثا ووليا بعده، وكان قائده الوحيد في حروبه ومغازيه، وهو ذلك الملقب بقائد الغر المحجلين وحيا من الله العزيز في ليلة أسرى بنبيه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (2) وأسوء من ذلك كله عد الرجل أزواج النبي عدوات علي وفاطمة وقد ذكر تنازع عايشة معهما وأم سلمة وبسط القول في ذلك بنقل حادثة موضوعة، وشكل هناك حزبين منهن : (دمقراطي) و (رستودمقراطي )، وتقول بما يمس ناموس النبي وكرامة أزواجه أمهات المؤمنين، ويمثل آل الله بكل جلافة وسلافة. ليت شعري كيف يروق المترجم عد عايشة عدوة لفاطمة وهي تقول : ما رأيت أحدا قط أفضل من فاطمة غير أبيها م - أخرجه الطبراني في الأوسط بسند صحيح على شرط الشيخين كما في شرح المواهب 3 ص 202 و ] الشرف المؤبد ص 58. وهي كانت تقبل رأس فاطمة وتقول : يا ليتني شعرة في رأسك (نزهة المجالس 2 ص 227 ). وكيف يرتضي قومه نشر هذه القارصة والقرآن أوجب على الأمة مودة العترة النبوية (1) ومن المتسالم عليه بين المسلمين إن آية الإيمان والنفاق في شرعة النبي المحبوب حب علي وبغضه كما يأتي حديثه. وقد اتفقت الأمة على ما مر في حديث الغدير من قول رسول الله صلى الله عليه وآله في علي : اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. وصح عن النبي صلى الله عليه وآله قوله : من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مستدرك الحاكم 3 ص 150 وصححه . (2) مستدرك الحاكم 3 ص 138 وصححه، الرياض النضرة 2 ص 177، شمس الأخبار 39، أسد الغابة 1 ص 69، مجمع الزوايد 9 ص 121. (1) راجع من كتابنا ج 2 ص 306 - 311 ط ثاني.
/ صفحة 26 / ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله (1) وأخبر صلى الله عليه وآله عن جبرئيل أنه أخبره بأن السعيد كل السعيد من أحب عليا في حياتي وبعد مماتي، ألا وإن الشقي كل الشقي من أبغض عليا في حياتي وبعد مماتي (2) وكيف خفي على هذا الرجل أن عزو عداء سيد العترة وسيدتها إلى زوجات النبي قذف مقذع، وسب شائن إن عرض على محكمة العدل الاسلامي وأخذ بقوله صلى الله عليه وآله في عترته : لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ الولادة (3) أو بما ورد من طريق الثقات من : أن عليا لا يبغضه أحد قط إلا وقد شارك إبليس أباه في رحم أمه (4) أو بما أخرجه الحافظ الجزري عن عبادة الصامت قال : كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإذا رأينا أحدهم لا يحب علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منا وإنه لغير رشده. ثم قال الحافظ : وهذا مشهور من قديم وإلى اليوم أنه ما يبغض عليا رضي الله عنه إلا ولد زنا. (أسنى المطالب ص 8) هذه نبذ من مخاريق كتاب (حياة محمد) وكم لها من نظير حول القرآن وتحريفه، وهناك قذف الشيعة بما هي بريئة منه، والعجب أن عادل زعيتر يحسب نفسه معذورا في بث هذه الأباطيل المضلة في المجتمع بقوله في مقدمة الكتاب : وقد كنت أود أن أعلق عليها بعض حواش لو لم أر أن ذلك يخرجني عن دائرة الترجمة أمن العدل سقاية روح الملأ الديني بهذه السموم القتالة والاعتذار بمثل هذا التافه ؟ ! أهكذا خلق الانسان جهولا ؟ !. إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة سورة النور 19 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الاستيعاب 2 ص 461، ذخاير العقبى 65، الإصابة 3 ص 103، نزهة المجالس 2 ص 207. (2) الرياض النضرة 3 ص 215، الفصول المهمة 124، مجمع الزوائد 9 ص 132، كنز العمال 6 ص 400، نزهة المجالس 2 ص 207. (3) الرياض 2 ص 189. (4) تاريخ الخطيب 3 ص 289.
/ صفحة 27 / حادث شوه صحايف التأليف : هناك فكرة غير صالحة، وإن شئت قلت : بدعة سيئة فتحت على الأمة باب التقول بمصراعيه، وعنها تتشعب شجنة الإفك في الحديث، وينبعث القول المزور : وإليها يستند كل بهرجة وسفسطة. ألا وهي : هذه الخطة الحديثة في التأليف، واتخاذ هذا الأسلوب الحديث الذي يروق بسطاء الأمة ويسمونه تحليلا، ويرونه حسنا في الكتابة. هذه الفكرة هي التي خفت بها وطأة التأليف، وطأة حزونته، وكثر بذلك المؤلفون فجاء لفيف من الناس يؤلف وكل منهم سلك وادي تضلل (1) ولا يخفق على جرته (2) ويرمي القول على عواهنه، وينشر في الملأ ما ليس للمجتمع فيه درك، فيتحكم في آراءه، ويكذب في حديثه، ويخون في نقله، ويحرف الكلم عن مواضعه، و يقذف من خالف نحلته، وينسبه إلى ما شائه هواه، ويسلقه بالبذاء، ولا يكفف عنه لغبه. هذه الفكرة هي التي جرت على الأمة شية العار، ووصمة الشنار، ورمتها بثالثة الأثافي، ومدت يد الفحشاء على التأليف، وأبدت في صفحاته وصمات سوء، فراح شرف الاسلام، وأدب الدين، وأمانة النقل، ومكانة الصدق، ضحية الميول والشهوات، ضحية الأهواء والنزعات الباطلة، ضحية الأقلام المستأجرة. هذه الفكرة هي التي شوهت وجه التأليف، وجنت بها الأقلام، وولدت في القلوب ضغاين، فجاء المفسر يأول القرآن برأيه، والمحدث يختلق حديثا يوافق ذوقه، و المتكلم يذكر فرقا مفتعلة، والفقيه يفتي بما يحبذه، والمؤرخ يضع في التاريخ ما يرتضيه، كل ذلك قولا بلا دليل، وتحكما بلا بينة، وتكلما بلا مأخذ، ودعوى بلا برهان، وتقولا بلا مصدر، وكذبا بلا مبالاة، وإفكا بلا تحاشي، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مثل يضرب لمن عمل شيئا فأخطأ فيه. (2) مثل يضرب لمن يعجز عن كتمان ما في نفسه.
/ صفحة 28 / والقارئ يجد مثال هذه كلها نصب عينيه في طي كتاب الصراع بين الاسلام و الوثنية، والوشيعة في الرد على الشيعة، وفجر الاسلام وضحاه وظهره، والجولة في ربوع الشرق الأدنى، والمحاضرات للخضري، والسنة والشيعة، والاسلام الصحيح، والعقيدة في الاسلام، وخلفاء محمد، وحياة محمد لهيكل، وفي مقدمها كتاب (حياة محمد) لإميل در منغم. فخلو تأليف الشرقي المسلم عن ذكر المصادر نساية للكتاب والسنة، وإضاعة لأصول العلم، وجناية على السلف، وتفويت لمآثر الاسلام، وعمل مخدج، وسعي أبتر، وليس من صالح الأمة، ولا من صلاح المجتمع الاسلامي، وسيأتيه يوم و هو يقرع سن نادم. وإن تأليفا هو هكذا لا يمثل في علومه ومعارفه إلا نفسية مؤلفه وأنظاره ولا يراه القارئ إلا كرواية لا تقوم إلا بقائلها. خذ إليك في موضوع واحد كتابين هما مثالان لأكثر ما ارتأينا في هذا البحث ألا وهما : 1 ـ كتاب الإمام علي تأليف الأستاذ أبي نصر عمر. 2 ـ كتاب الإمام علي تأليف الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود. فهما على وحدة الموضوع والنزعة والبيئة والدراسة والهوى السائد طالما اختلفا في الأبحاث والنظريات، فهذا الأستاذ أبو نصر أخذ آراء الخضري الأموية ومن يضاهيه فيها، وصبها في بوتقة تأليفه، فجاء في كتابه بكل شنئاء شوهاء إلتقت بها حلقة البطان. وأما الأستاذ عبد الفتاح فإنه جد وثابر على جهود جبارة، وأخذ زبدة المخض من الحقايق الناصعة، غير أنه ضيع أتعابه بإهمال المصادر، فلم يأت كتابه إلا كنظرية شخصية، ولو ازدان تأليفه بذكر هافي التعاليق وأرداف ذلك النقل الواضح بما ارتئاه من الرأي السديد لكان أبلغ في تمثيل أفكار الجامعة، والاعراب عن نظريات الملأ الديني، وإن كان ما ثابره الآن مشفوعا بشكر جزيل. (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا) سورة النساء 66. |