عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
القرن السادس -49- القاضي الجليس المتوفى 561 1 دعاه لو شـــــك البـــــين داع فـأسمعا * وأودع جـــــسمي سقـــــمه حين ودعا ولـــــم يـــبق في قلبي لصبري موضعا * وقـــــد سار طوع النأي والبعد موضعا أجـــــن إذا مـــــا الليـــــل جـــــن كـآبة * وأبدي إذا ما الصــــبح أزمـــــع أدمعا ومـــــا انقــــدت طوعا للهوى قبل هذه * وقـــــد كنـــــت الـوى عنه لينا وأخدعا إلى أن يقول: تصـاممت عن داعي الصبابة والصبي * ولبـــــيت داعـــــي آل أحـــــمد إذ دعا عشـــــوت بأفـكاري إلى ضوء علمهم * فـــــصادفت منــــه منهج الحق مهيعا عـــــلقت بهــم فليلح في ذاك من لحى * تـــــوليتهم فليـــــنع ذلـــــك مـــــن نعا تسرعـــــت فـــــي مدحـي لهم متبرعا * وأقلعـــــت عـــــن تــــركي له متورعا هـــــم الصـــــائمون القــائمون لربهم * هـــــم الخـــــايفوه خشـــــية وتخـشعا هم القاطعـــــوا اللـــــيل البهـيم تهجدا * هـــــم العـــــامروه سجـــــدا فيه ركعا هم الطيبوا الأخيار والخير في الورى * يروقـــــون مرئى أو يشوقون مسمعا بهم تقبـــــل الأعـــــمال مـن كل عامل * بهـــــم ترفــــع الطاعات ممن تطوعا بأسمائهم يسقى الأنام ويهطـل الغــــــ * ــــمام وكـــــم كـــــرب بهــم قد تقشعا هـــــم القـــــائلون الفاعــــلون تـبرعا * هـــــم العـــــالمون العـاملون تورعا أبـــــوهم وصي المصـطفى حاز علمه * وأودعـــــه مـــــن قبل ما كان أودعا أقـــــام عمــــود الشرع بعد اعوجاجه * وســـــاند ركـــــن الــدين أن يتصدعا
/ صفحة 385 / وواســـــاه بالنـــــفس النفـيسة دونهم * ولـــــم يخـــش أن يلقى عداه فيجزعا وســـــماه مـــــولاهم وقــــد قام معلنا * ليـــــتلوه فـــــي كـــــل فــضل ويشفعا فـــــمن كشـف الغماء عن وجه أحمد * وقـــــد كـــــربت أقــرانه أن يقطعا ؟! ومـــن هز بـاب الحصن في يوم خيبر * فزلزل أرض المشركين وزعزعا ؟ ! وفـــــي يـــــوم بـــــدر من أحن قليبها * جســــوما بها تدمي وهاما مقطعا ؟ ! وكـــــم حـــــاسد أغــراه بالحقد فضله * وذلك فضـــــل مثـــــله ليـــــس يدعـا لـــــوى غـــــدره يــــوم (الغدير) بحقه * وأعـــــقبه يـــــوم (البعـــــير) واتـبعا وحـــــاربه القــــرآن عنه فما ارعوى * وعـــــاتبه الاســـــلام فيــه فما وعى إذا رام أن يخـــــفى مناقـــــبه جـــــلت * وإن رام أن يطـــــفى سنــاه تشعشعا متـــى هم أن يطوي شذى المسك كاتم * أبى عـــــرفه المعـــروف إلا تضوعا ومنها: أيا أمــة لـــــم ترع للدين حـــــرمـــــة * ولـــــم تبــق في قوس الضلالة منزعا بأي كتـــــاب أم بـــــأيـــــة حـــــجـــــة * نقضتم بهـــــا ما سنــــه الله أجمعـا ؟! غـــــصبتم ولـــــي الحـق مهجة نفسه * وكـــــان لكـــــم غـصب الإمامة مقنعا وألجـــــمتم آل النـــــبي سيـــــوفكـــــم * تـــــفرى مــن السادات سوقا وأذرعا وحللتـــــم فـــــي كـــــربلاء دمـــاءهم * فأضحـــــت بهـــــا هيم الأسنة شرعا وحـــــرمتم مـــــاء الفـــــرات عــليهم * فأصبـــــح محـــــظورا لـــديهم ممنـّعا القصيدة 56 بيتا 2 وله في رثاء الإمام السبط الشهيد عليه السلام قوله: إن خــانها الدمع الغزير * فمن الـــدماء لها نصير دعـــــها تســح ولا تشح * فـــــرزءها رزء كبـــير ما غـــصب فاطمة تراث * (محمد) خـــــطب يسيـر كــــلا ولا ظلم الوصي و * حـــــقه الحــق الشهير نطـق النبي بفضله وهـو * المبـــــشر والنـــــذيــر
/ صفحة 386 / جـــــحدوه عـــــقد ولاية قد غـــــر جـــاحده الغرور غـــــدروا بـــــه حــــسدا له وبنصه شهد (الغدير) حـــــظروا عـــــليه ما حباه بفخـــــره وهم حضور يا أمة رعـــــت السهـــــا وإمــــامها القمر المنير إن ضل بالعجل اليهـــــود فـــــقد أضلكم البعـــــير لهفي لقتـــــلى الطـف إذ خذل المصاحب والعشير وافـــــاهم في كربلا يـــــوم عـــــبوس قمـــــطرير دلفـــــت لهـــــم عــصب الضلال كأنما دعي النفير عجــبا لهم لم يلقهم من دونهـــــم قـــــدر مبـــــير أيمار فوق الأرض فيض دم الحسين ولا تمور؟! أتــــرى الجبال درت ولم تقذفهم منها صخور ؟ ! أم كيـــف إذ منعوه ورد الماء لم تغر البحور ؟ ! حرم الـــــزلال عـــــليه لمـــــا حللت لهم الخمور القصيدة 36 بيتا 3 وله من قصيدة تناهز 29 بيتا مطلعها: كم قد عصيت مقال الناصح الناهي * ولـــــذت منـــــكم بحــــبل واهن واه ويقول فيها: حبـــــي لآل رســــول الله يعـصمني * من كل إثم وهم ذخري وهم جاهي يا شيعــــة الحق قولي بالوفاء لهم * وفـــــاخري بهم من شئت أو باهي إذا عـــــلقت بحــــبل من أبي حسن * فـــــقد عـــــلقت بحـــــبل في يد الله حـــــمى الإلــــه به الاسلام فهو به * يـــــزهي عـــــلى كل دين قبله زاه بعـــــل البـــــتول ومـــــا كنا لتهدينا * أئمـــــة مـــــن نبــــي الله لولا هي نصـــــ النبي عليه في (الغدير) فما * زواه إلا ظـــــنيـــــن ديـــــنــــه واه
/ صفحة 387 / * (الشاعر) * : أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين بن الحباب (1) الأغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس. من مقدمي شعراء مصر وكتابهم، ومن ندماء الملك الصالح طلايع بن رزيك [ الذي مرت ترجمته ص 344 ] وأحسب أن تلقيبه بالجليس كان لمجالسته إياه متواصلا، وهو ممن أغرق نزعا في موالاة العترة الطاهرة كما ينم عنه شعره، ولمعاصره الفقيه عمارة اليمني [ الآتي ذكره ] شعر يمدحه، منه قصيدة في كتابه (النكت العصرية) ص 158 قالها سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، أولها: هـــــي سلـــوة حلت عقود وفائها * مذ شف ثوب الصبر عن برحائها ومنها: لم أسأل الركبان عن أسمائها * كــــفلا بها لولا هوى أسمائها وسألت أيامي صديقا صادقــــا * فوجــدت ما أرجوه جل رجائها ومنها: ولقد هجرت إلى (الجليس) مهاجرا * عـــــصبا يضيـــم الدهر جار فنائها مستنجدا لأبي المعالـــــي هــمـــــة * تغـــدو المعالي وهي بعض عطائها لمـــــا مدحت عـــــلاه أيقـنت العدى * أن الـــــزمان أجــــار من عدوائها واغـــــد سعـــــدي الأوامـــــر أبلج * يلقـــــى سقيـــــمات المنى بشفائها ومنها: نذرت مصافحة الغمام أناملي * فوفـــــت غــمائم كفه بوفائها وقال كما في نكته العصرية ص 252 وقد حدث للقاضي الجليس مرض أخره عن حضور مجلس الملك الصالح طلايع بن رزيك: وحق المعـــالي يا أباهـــا وصنوها * يميـــــن امـــرئ عاداته القسم البر لقد قـــــصرت عما بلغت من العلى * وأحرزته أبـــــناء دهـــــرك والدهر متـى كنت يا صدر الزمان بموضع * فرتبتك العليا وموضعـــــك الصـــدر ولما حضرنا مجلس الأنس لم يكن * عـلى وجهـه إذ غبت إنس ولا بشـر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في معجم الأدباء ج 3 ص 157: الخباب.
/ صفحة 388 / فقـــــدناك فقـــدان النفوس حياتها * ولم يك فقد الأرض أعوزها القطر وأظــــــلم جو الفضل إذ غاب بدره * وفي الليلـــــة الظلماء يفتقد البدر ترجمه العماد في (الخريدة) وأثنى عليه بالفضل المشهور، وابن كثير في تاريخه 12 ص 251، وابن شاكر في (فوات الوفيات) ج 1 ص 278 فقال: تولى ديوان الانشاء للفائز مع الموفق بن الخلال ومن شعره: ومن عجبي إن الصوارم والقنا * تحـيض بأيدي القوم وهي ذكور وأعجب من ذا أنها في أكفـــهم * تأجــــج نـــــارا والأكف بحـــور وله في طبيب: وأصـــــل بـليتي من قد غزاني * مـــــن السقم الملح بعسكرين طبـــــيـــــب طبـــه كغراب بين * يفـــــرق بـــــين عافيتي وبيني أتى الحمى وقد شاخت وباخت * فعــــاد لهـــا الشباب بنسختين ودبـــــرها بتدبير لـطـــــيـــــف * حـــــكاه عـــن سنين أو حنين وكـــــانت نـــــوبة فـي كل يوم * فـــــصيرها بحـــــذق نـــوبتين وله في طبيب أيضا: يا وارثا عـــــن أب وجـد * فــــضيلة الطب والسداد وحـــــاملا رد كـــل نفس * همت عن الجسم بالبعاد أقــسم لو قد طببت دهرا * لعـــــاد كـــــونا بلا فساد وله: حيـــــا بتـــــفاحة مخــــضبة * مـــــن شفـــني حبه وتيمني فقلت: ما إن رأيت مشبهها * فأحــمر مــن خجـلة فكذبني وله: رب بيض سللن باللحظ بيضا * مرهفـــــات جفـــونهن جفون وخـــــدود للدمـــع فيها خدود * وعــيون قد فاض فيها عيون وقال أيضا: ألمــت بنا والليل يزهي بلمة * دجوجية لم يكتهل بعد فوداها
/ صفحة 389 / فأشرق ضوء الصبح وهو جبـــينـــــها * وفـــاحــــــت أزاهير الربا وهي رياها إذا ما اجتنت من وجهها العين روضة * أسالـــت خلال الروض بالدمع أمواها وإني لأستسقي السحـــــاب لــــــربعها * وإن لـــــم تـــــكن إلا ضلوعي مأواها إذا استعـــــرت نار الأسى بين أضلعي * نضحـــــت على حر الحشا برد ذكراها ومـــــا بي أن يصلـــــى الفــؤاد بحرها * ويضـــــرم لــولا أن في القلب سكناها كان القاضي الجليس كبير الأنف وكان الخطيب أبو القاسم هبة الله بن البدر المعروف بابن الصياد مولعا بأنفه وهجائه وذكر أنفه في أكثر من ألف مقطوع فانتصر له أبو الفتح ابن قادوس [ المترجم في هذا الجزء ص 338 ] فقال: يا من يعيب أنوفنا الشـ * ــم التـــي ليــــست تعاب الأنـــــف خلقـــــة ربـنا * وقــــرونك الشم اكتساب وله شعر في رثاء والده وقد غرق في البحر بريح عاصف. ا ه. والمترجم هو الذي قرظ أبا محمد بن الزبير الحسن بن علي المصري المتوفى سنة 561 عند الملك الصالح حتى قدمه، فلما مات شمت به ابن الزبير ولبس في جنازته ثيابا مذهبة، فنقص عند الناس بهذا السبب واستقبحوا فعله، ولم يعش بعد الجليس إلا شهرا واحدا (1). كان الملك الصالح طلايع لا يزال يحضر في ليالي الجمع جلساؤه وبعض أمراءه لسماع قرائة صحيح مسلم والبخاري وأمثالهما من كتب الحديث وكان الذي يقرأ رجلا أبخر فلعهدي وقد حضر المجلس مع الأمير علي بن الزبير والقاضي الجليس أبي محمد وقد أمال وجهه إلى القاضي ابن الزبير وقال له: وأبخر قلت: لا تجلس بجنبي فقال ابن الزبير: إذا قابلت بالليل البخاري فقال القاضي الجليس: فقلت وقد سألت بلا احتشام * لأنك دائمــــا من فيك خاري أنشد بعض جلساء الملك الصالح بمجلسه بيتا من الأوزان التي يسميها المصريون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) معجم الادباء 3 ص 157.
/ صفحة 390 / [ الزكالش ] ويسميها العراقيون [ كان وكان ]. النـــــار بـين ضلوعي * ونا غريق في دموعي كني فتـــــيلة قـــــنديل * أمــوت غريق وحريق وكان عنده القاضي الجليس والقاضي ابن الزبير فنظما معناه بديها فقال الجليس: هل عاذر إن رمت خلع عذاري * في شـــــم سالفة ولثم عذار ؟! تتألف الأضداد فيـــــه ولــم تزل * فـــــي ســــالف الأيام ذات نفار ولـه من الزفرات لفح صواعق * ولـــــه من العـــبرات لج بحار كذبالـــــة القـــــنـديل قدر هلكها * مــــا بين ماء في الزجاج ونار وقال ابن الزبير: كـــأني وقد سالت سيول مدامعــــي * فـــأذكت حريقا في الحشا والترائب ذبالـــــة قنـــــديل تـــقـــــوم بمـائها * وتشعل فيها النار من كل جانب(1) كتب أبو المعالي إلى القاضي الرشيد المصري (2) قوله: ثروة المكـــــرمات بعــــدك فقر * ومحـــــل العـــــلى ببعـــدك قفر بـــــــك تجلى إذا حللت الدياجي * وتمـــــر الأيـــــام حـــــيــث تمر أذنـــــب الدهر في مسيرك ذنبا * ليــس منه سوى إيابك عذر(3) حكي أنه استأذن هو والقاضي الرشيد ذات يوم على أحد الوزراء فلم يأذن لهما واعتذر عن المواجهة ووجدا عنده غلظة من الحجاب، ثم عاوداه مرة أخرى واستأذنا عليه فقيل لهما: إنه نائم. فخرجا من عنده فقال القاضي الرشيد: توقـــع لأيـــــام اللئـــام زوالها * فعـــــما قليل سوف تنكر حالها فلو كنت تدعو الله في كل حالة * لتبقى عــليهم ما أمنت انتقالها وقال القاضي الجليس: لئـــــن أنكــــرتم منا ازدحاما * ليجتـنـبـنكم هـــــذا الـــــزحـام وإن نمتم عن الحاجات عمدا * فعــيـــــن الدهـر عنكم لا تنام ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بدايع ج 1 ص 176 و 237. (2) أبو الحسين أحمد بن علي الغساني المقتول 563. (3) تاريخه ابن خلكان ج 1 ص 54.
/ صفحة 391 / فلم يكن بعد أيام حتى نكب الوزير نكبة عظيمة [ مرآة الجنان 3 ص 302 ] قال الصفدي في (نكت الهميان )، كان الموفق بن الخلال خال القاضي الجليس فحصل لابن الخلال نكبة وحصل القاضي بسبب خاله ابن الخلال صداع فكتب القاضي إلى القاضي الرشيد. تسمع مقـــالي يا بن الزبير * فــأنت خـــليق بـــأن تسمعه نــكبـــــنا بــــذي نسب شابك * قليل الجدى في زمان الدعه إذا نالـــــه الخــــير لم نرجه * وإن صفعـــــوه صفعـنا معه توفي القاضي الجليس سنة 561 وقد أناف على السبعين كما في فوات الوفيات ). م - ذكر سيدنا العلامة السيد أحمد العطار البغدادي في الجزء الأول من كتابه (الرائق) جملة من شعر شاعرنا الجليس منها قصيدة يرثي بها أهل البيت الطاهرين ويمدح الملك الصالح بن رزيك ويذكر مواقفه المشكورة في خدمة آل الله أولها: لــــولا مجانبة الملوك الشاني * ما تم شاني في الغرام بشأني [ 50 بيتا ] وقصيدة في رثاء العترة الطاهرة تناهز 66 بيتا مطلعها: أ رأيت جرأة طيف هذا الزاير * ما هاب عاديه الغيور الزاير وافى وشملته الظلام ولم يكن * ليـــزور إلا فـــي ظلام ساتر فكأنه إنســــان عــيــن لم يلح * مذ قط إلا في ســـواد الناظر ما حكم أجفاني كحكم جفونها * شتـــان بين سواهر وسواحر وقصيدة يمدح بها الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ويذكر الملك الصالح ويثني عليه تبلغ 72 بيتا مستهلها: على كل خير من وصالك مانع * وفي كل لحظ من جمالك شافع وقصيدة 72 بيتا يدعم بها إمرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ويرثي الإمام السبط عليه السلام ويذكر الملك الصالح ابن رزيك ويطريه أولها: ألا هل لدمعي في الغمام رسيل ؟ ! * وهـــل لي إلى برد الغليل سبيل ؟ ! وذكر له قصيدة لامية تبلغ 51 بيتا في المديح والرثاء لأهل البيت الطاهر صلى الله عليهم وسلم ]. |
|