عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
سلسلة الموضوعات في الخلافة فحسب
أهم موضوع لعبت به أيدي الهوى، وعبثت به العواطف المضلة، هو موضوع الخلافة في السنة والحديث، وضع القوم فيها أحاديث مكذوبة على الله وعلى أمين وحيه ونبيه الطاهر صلى الله عليه وآله وسلم، وبثها في الملأ أرباب التآليف المزورة روما لطمس الحق، وتمويها على الحقيقة، وتعمية على الجاهل المسكين، عالمين بأنها آثار مفتعلة تضاد مبادئ الاسلام عند جميع فرقه، ولا توافق أيا من المذاهب الإسلامية، بل لازمها اجتماع الأمة على الخطأ - وهي لا تجتمع على الخطأ - إذ لا تخلو ممن يرى النص في علي أمير المؤمنين، ومن يقول بالانتخاب وعدم النص على أي أحد، فالأمة مجتمعة على الخطأ في رفض تلكم النصوص والصفح عنها، وإليك نماذج مما وقفنا عليه من تلكم المخازي: 1 - عن أنس بن مالك قال : جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل إلى بستان فأتى آت فدق الباب فقال : يا أنس ؟ قم فافتح له وبشره بالجنة وبشره بالخلافة من بعدي. قال : قلت يا رسول الله أعلمه ؟ قال : أعلمه. فإذا أبو بكر. قلت : أبشر بالجنة وأبشر بالخلافة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم جاء آت فدق الباب فقال. يا أنس ؟ قم فافتح له وبشره بالجنة وبشره بالخلافة من بعد أبي بكر. قلت : يا رسول الله أعلمه ! قال : أعلمه. فخرجت فإذا عمر قال قلت له : أبشر بالجنة وأبشر بالخلافة من بعد أبي بكر. ثم جاء آت فدق الباب فقال : قم يا أنس ؟ وافتح له وبشره بالجنة وبالخلافة من بعد عمر وأنه مقتول. قال : فخرجت فإذا عثمان قلت : أبشر بالجنة وبالخلافة من بعد عمر وإنك مقتول. قال : فدخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله لمه ؟ والله ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك. قال : هو ذاك يا عثمان !. من موضوعات الصقر بن عبد الرحمن أبي بهز الكذاب. حكى الخطيب البغدادي في تاريخه 9 ص 339 عن علي بن المديني أنه سئل عن هذا الحديث، فقال : كذب هذا موضوع
/ صفحة 334 / وذكره الذهبي في " ميزان الاعتدال " 1 ص 467 فقال حديث كذب. وحكى ابن حجر في " لسان الميزان " 3 ص 192 عن علي المديني أنه قال : كذب موضوع. وقال في ص 193 : لو صح هذا لما جعل عمر الخلافة في أهل الشورى وكان يعهد إلى عثمان بلا نزاع. وذكره الذهبي في ميزانه 2 ص 91 بلفظ : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا لرجل فقرع الباب فقال : يا أنس افتح وبشره بالجنة وإنه سيلي الأمر من بعدي ففتحت فإذا أبو بكر. ثم قال : وفي سنده عبد الأعلى بن أبي المساور وهو متروك ضعيف ليس بشئ. وذكر صدره في ج 1 ص 162 عن بكر بن المختار بن فلفل وقال : قال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار. وقال المقدسي في " تذكرة الموضوعات " ص 15 : افتح له و بشره بالجنة. وفيه ذكر الخلافة وترتيبها رواه بكر بن المختار الصائغ وهو كذاب. قال الأميني : وفي ترك هؤلاء الثلاثة الاحتجاج بهذه الرواية يوم فاقتهم إليها عند طلب الخلافة وقد بلغ الجدال أشده حتى كاد أن يكون جلادا دليل واضح على أنهم لم يدخلوا ذلك البستان الخيالي، ولا سمعوا تلك البشارة الموهومة، وإن الله سبحانه لم يبرء ذلك البستان ليوطد فيها أساس الفتن المدلهمة، ثم لماذا لم يروها لهم أنس يوم تزلفه إليهم وتركاضه معهم وتركها لأحد الرجلين بعده : الصقر وعبد الأعلى ؟. م - ألا تعجب من حافظين كبيرين كأبي نعيم في متقدمي القوم، والسيوطي في متأخريهم ؟ ! يروي الأول هذه الرواية بإسناده الوعر في دلائل النبوة 2 ص 201 من طريق أبي بهز الكذاب ويركن إليها، ويرويها الثاني في الخصائص الكبرى 2 : 122 ويتبهج بها ولم ينبس أحد منهما مما في إسنادها من الغمز ببنت شفة. 2 - عن عايشة قالت : كانت ليلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ضمني وإياه الفراش قلت : يا رسول الله ألست أكرم أزواجك عليك ؟ قال : بلى يا عايشة. قلت : فحدثني عن أبي بفضيلة قال : حدثني جبريل إن الله تعالى لما خلق الأرواح اختار روح أبي بكر الصديق من بين الأرواح وجعل ترابها من الجنة وماؤها من الحيوان، وجعل له قصرا في الجنة من درة بيضاء مقاصيرها فيها من الذهب والفضة البيضاء، وإن الله تعالى آلى على نفسه أن لا يسلبه حسنة ولا يسأله عن سيئة، وإني ضمنت على الله كما ضمن الله على نفسه أن لا يكون لي ضجيعا في حفرتي ولا أنيسا في وحدتي ولا خليفة على أمتي من بعدي،
/ صفحة 335 / إلا أبوك. يا عايشة ! بايع على ذلك جبريل وميكائيل، وعقدت خلافته براية بيضاء وعقد لواؤه تحت العرش قال الله للملائكة : رضيتم ما رضيت لعبدي ؟ فكفى بأبيك فخرا أن بايع له جبريل وميكائيل وملائكة السماء وطائفة من الشيطان يسكنون البحر فمن لم يقبل هذا فليس مني ولست منه. قالت عايشة : فقبلت أنفه وما بين عينيه فقال : حسبك يا عايشة فمن لست بأمه فوالله ما أنا بنبيه، فمن أراد أن يتبرأ من الله ومني فليتبرأ منك يا عايشة. قال الخطيب البغدادي في تاريخه 14 ص 36 : لا يثبت هذا الحديث ورجال إسناده كلهم ثقات ولعله شبه لهذا الشيخ القطان - أو ادخل عليه - مع إني قد رأيته من حديث محمد بن بابشاذ البصري عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق، وابن بابشاذ راوي مناكير عن الثقات. وذكر الذهبي منه جملا في " ميزان الاعتدال " 3 ص 31 وحكم بأنه موضوع. وذكر جملا في ص 246 وقال : حديث باطل كأنه المسكين - يعني هارون القطان - ادخل عليه ولا يشعر، وله إسناد آخر باطل. وقال : هذا لا يحتمله سلمة والظاهر أنه دس على ابن بابشاذ هذه فروى حديثا موضوعا راج عليه ولم يهتد. وذكر الفيروز آبادي شطرا من صدره في خاتمة " سفر السعادة "، والعجلوني في " كشف الخفاء "، وعداه من أشهر المشهورات من الموضوعات، ومن المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل، وأبطله السيوطي في لي 1 ص 150. 3 - عن عايشة قالت : أول حجر حمله النبي صلى الله عليه وسلم لبناء المسجد، ثم حمل أبو بكر حجرا آخر، ثم حمل عمر، ثم حمل عثمان حجرا آخر. فقلت : يا رسول الله ! ألا ترى إلى هؤلاء كيف يساعدونك ؟ فقال : يا عايشة هؤلاء الخلفاء من بعدي. أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 ص 97 وقال : صحيح وإنما اشتهر بإسناد واه من رواية محمد بن الفضل بن عطية فلذلك هجر. وقال الذهبي في تلخيص المستدرك : قلت : أحمد منكر الحديث وممن نقم على مسلم إخراجه في الصحيح. ويحيى وإن كان ثقة فقد ضعف. ثم لو صح هذا لكان نصا في خلافة الثلاثة ولا يصح بوجه، فإن عايشة لم تكن يومئذ دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي محجوبة صغيرة فقولها هذا يدل على بطلان الحديث. إلخ.
/ صفحة 336 / أسفي على الحاكم فإنه يخرج عن عائشة هذه الرواية ويصححها وقد أخرج عنها قبلها في " المستدرك " ج 3 ص 78 أنها قالت : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا لاستخلف أبا بكر وعمر. وصححه هو وأقره الذهبي. 4 - عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بلال أذن في الناس : إن الخليفة بعدي أبو بكر. يا بلال ناد في الناس : إن الخليفة بعد أبي بكر عمر. يا بلال ناد في الناس : إن الخليفة من بعد عمر عثمان. يا بلال امض أبى الله إلا ذلك - ثلاث مرات - أخرجه أبو نعيم في فضائل الصحابة. والخطيب في تاريخه 7 ص 429 من دون أي غمز فيه. وابن عساكر في تاريخ الشام، ورواه الذهبي بإسناد الدارقطني وعمرو بن شاهين في ميزانه 1 ص 387 فقال : هذا موضوع. وقال في سعيد بن عبد الملك أحد رجال الاسناد : قال أبو حاتم يتكلمون فيه يروي أحاديث كذب. لم لم تسمع أذن الدنيا قط نداء بلال حينما أذن في الناس بالخلافة ؟ هل خالف بلال أمر النبي صلى الله عليه وآله ولم يناد ؟ حاشاه. أو ضرب الله في آذان أمة محمد وقرا فلم يسمع أحد ذلك النداء ؟ لاها الله. بل ما أمر صلى الله عليه وآله وسلم بشئ من هذا، ولا أذن بلال ولا أسمع، لكن الهوى خلق بعد لأي من عمر الدهر أذانا سمعه من لا يؤمن به. 5 - مرفوعا : أبو بكر يلي أمتي من بعدي. ذكره الذهبي في ميزانه 3 ص 93 وقال : خبر كذب جاء به محمد بن عبد الرحمن وهو لا يعرف أو هو ابن قراد - الكذاب الوضاع المذكور ص 260. 6 - عن الزبير بن العوام قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : الخليفة بعدي أبو بكر وعمر ثم يقع الاختلاف. فقمنا إلى علي فأخبرناه فقال : صدق الزبير سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. من موضوعات عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة. ذكره الذهبي في ميزانه 1 ص 147 فقال : هذا باطل والآفة من عبد الرحمن. إن كان أمير المؤمنين عليه السلام سمع ما سمعه زبير من رسول الله صلى الله عليه وآله فما باله يدعيها لنفسه عند طلب البيعة ويخالف رسول الله صلى الله عليه وآله فيما نص عليه ؟ وكيف يكون ما شجر بينه وبين القوم من الخلاف الذي ملأ الخافقين حديثه ؟ وما بال الزبير الراوي عن رسول
/ صفحة 337 / الله صلى الله عليه وآله تخلف عن بيعة أبي بكر يوم ذاك واخترط سيفه وهو يقول : لا أغمده حتى يبايع علي ؟. 7 - مرفوعا : إن جبرائيل قال : أبو بكر وزيرك في حياتك وخليفتك بعد موتك. من موضوعات أبي هارون إسماعيل بن محمد الفلسطيني. قال الذهبي في " ميزان الاعتدال " 1 ص 114 : ذكره ابن الجوزي بإسناد مظلم وقال : أبو هارون كذاب. سبحانك اللهم ما أجرأهم على المهيمن الجبار وعلى أمين وحيه وعلى قدس صاحب الرسالة فعزوا إليه حكما نزل به الروح الأمين لأن يصدع به في الملأ من أمته ليسلكوا طريقه المهيع باتباع الخليفة من بعده لكنه صلى الله عليه وآله جعجع بتبليغه إلى أن يأتي الرجل من فلسطين فأنهاه إليه صلى الله عليه وآله ليبلغ من حوله من المهاجرين والأنصار. نعم : هكذا يكون الأكل من القفا. لا. هكذا يكون أمر دبر بليل، أو يتزلف الفلسطيني إلى صاحب السلطة الوقتية بالافتعال له. 8 - عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : قال لما عرج بي قلت : أللهم اجعل الخليفة من بعدي عليا قال : فارتجت السماوات وهتف بي الملائكة يا محمد إقرأ : وما تشاؤن إلا أن يشاء الله، وقد شاء الله أبا بكر. من موضوعات يوسف بن جعفر الخوارزمي. ذكره الذهبي في ميزانه 3 ص 329 وقال : ذكره ابن الجوزي، إن هذا من وضع يوسف. وأخرجه الجوزقاني وفي آخره : قد شاء الله أن يكون الخليفة من بعدك أبو بكر الصديق. ثم قال : موضوع وضعه يوسف بن جعفر - لي 1 ص 156 - وفي لفظ : إن الله يفعل ما يشاء الخليفة بعدك أبو بكر. 9 - عن علي [ أمير المؤمنين ] مرفوعا : يا علي سألت الله ثلاثا أن يقدمك فأبي علي إلا أن يقدم أبا بكر. أخرجه الخطيب في تاريخه 11 ص 213 بسند تافه ساكتا عن الغمز فيه جريا على عادته. وذكره الذهبي في " ميزان الاعتدال " 2 ص 222 من طريق الخطيب عن أبي حجيفة وقال : خبر باطل لعل آفته علي بن الحسين الكلبي. وزيفه ابن حجر في " الفتاوى الحديثية " ص 126. وعده السيوطي في " الجامع الكبير " كما في ترتيبه 6 ص 139 من فضائل أبي بكر نقلا عن الديلمي، وذكره محب الدين الطبري في الرياض 1 : 150 باللفظ المذكور و
/ صفحة 338 / لفظ : نازلت الله فيك ثلاثا فأبى أن يقدم إلا أبا بكر ثم قال : غريب. قال الأميني : إني مسائل مفتعل هذا الرواية وأعضاده من حفاظ الحديث - الأمناء على ودايع العلم والدين - بعد الفراغ عن أن أمر الخلافة لا يستقر في أحد إلا بتعين المولى سبحانه ومشيئته. والله يفعل ما يشاء. وما تشاؤن إلا أن يشاء الله. وقد شاء أبا بكر، أين يكون محل دعاء النبي صلى الله عليه وآله في أن يجعلها في علي عليه السلام من قبل أن يعلم مستقره عند الله تعالى ؟ فكان من واجبه أن يسئله عن محله عنده لا أن يطلب منه طلبة ترتج لها السماوات والملائكة وما ذلك إلا لكونه منكرا من الطلب. نجل نبينا عن الاسفاف إلى هذه الضعة. وكيف خفي عليه صلى الله عليه وآله من يستأهل الخلافة من أمته ويختار لها من يأبى الله والسماوات ومن فيها والمؤمنون (1) له ذلك ؟ نعوذ بالله من السفاسف. ثم ما بال النبي الأعظم يتأخر علمه بذلك عن علم الملائكة والسماوات والحاجة له ولأمته، وخطاب التبليغ متوجه إليه، والتكليف بالخضوع متوجه إلى أمته ؟ و لم يكن جميع الملائكة والسماوات حملة الوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله حتى يتقدم علمهم على علمه (2) وما الذي دعاه صلى الله عليه وآله إلى ذلك التأكيد وتكرار المسألة مرة بعد أخرى وقد أبى الله أن يجيبها وشاء خلاف تلك الدعوة ؟. إلى أسؤله هامة تأتي وهي مشكلات لا أحسب أن يجد كل من يعتمد على هذه الرواية إلى حلها سبيلا. اف تف لمؤلف يذكر مثل هذه الأفيكة ويراها لطيفة (3) ولآخر يراها غريبا ويقول : يعتضد بالأحاديث الصحيحة (4) أللهم إليك المشتكى. 10 - أخرج الخطيب في تاريخه 14 ص 24 بإسناده عن إبراهيم بن هاني عن هارون المستملي المتوفى 247 عن يعلى (5) بن الأشدق عن عبد الله بن جراد قال : أتي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كما يأتي في حديث آخر. (2) هذا على سبيل المماشاة والجدل وإن لنا في علمه صلى الله عليه وآله بالوحي خطة أخرى مع الاعتراف بنزول جبريل في كل واقعة للأذن في التبليغ ولتثبيت قلوب الأمة. (3) راجع نزهة المجالس 2 ص 186. (4) راجع الرياض النضرة 1 ص 150. (5) في تاريخ الخطيب : علي. والصحيح ما ذكرناه.
/ صفحة 339 / رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرس فركبه وقال : يركب هذا الفرس من يكون الخليفة من بعدي. فركبه أبو بكر الصديق. قال الأميني : كأن الخطيب أدهشه فرس الخلافة - ذاهلا عن أنه لم يخلق بعد - فسكت عما في سند الرواية من الغمز الفاحش الذي لا يخفى على مثل الخطيب فارس الجرح والتعديل، وإليك مجمل القول في رجاله : 1 - إبراهيم بن هاني، قال ابن عدي : مجهول يأتي بالبواطيل. 2 - هارون المستملي، قال له أبو نعيم : يا هارون أطلب لنفسك صناعة غير الحديث فكأنك بالحديث قد صار على مزبلة. 3 - يعلى بن الأشدق : أحد الكذابين كما مر في سلسلتهم. 4 - عبد الله بن جراد عم يعلى، قال الذهبي في ميزانه : مجهول لا يصح خبره لأنه من رواية يعلى بن أشدق الكذاب عنه، وقال أبو حاتم : لا يعرف ولا يصح خبره. وقال ابن حجر في " الإصابة " 2 ص 288 : يعلى بن أشدق أحد الضعفاء، وعبد الله بن جراد واه ذاهب الحديث ولم يثبت حديثه. وذكر السيوطي الرواية في الموضوعات - لي 1 ص 156 - وأردفه بقوله : موضوع، ابن جراد ليس بشئ. ثم نقل كلمات الحفاظ في تضعيف ابن جراد وتزييفه. 11 - عن جابر مرفوعا : أبو بكر وزيري والقائم في أمتي من بعدي. وعمر حبيبي ينطق على لساني. وعثمان مني. وعلي أخي وصاحب لوائي. وفي كنز العمال 6 ص 160 عن أنس : أبو بكر وزيري يقوم مقامي. وعمر ينطق بلساني. وأنا من عثمان وعثمان مني. من موضوعات كادح بن رحمة الكذاب، أخرجه ابن السمان في " الموافقة " كما في " الرياض النضرة " ج 1 ص 28. وذكره الذهبي في ميزانه من طريق كادح وقال : قال ابن عدي عامة أحاديثه غير محفوظة ولا يتابع في أسانيده ولا في متونه. وقال الحاكم وأبو نعيم روى عن مسعر والثوري أحاديث موضوعة. [ لسان الميزان 4 : 481 ]. 12 - أخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إئتني بدواة وكنت أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا. ثم قال : يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. كنز 6 ص 139.
/ صفحة 340 / 13 - عن عائشة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه : ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فأني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل : أنا أولى و يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. أخرجه مسلم وأحمد وغيره من طرق عنها وفي بعضها : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه : ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد. ثم قال : دعيه معاذ الله أنه يختلف المؤمنون في أبي بكر. وفي لفظ عن عبد الله بن أحمد : أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر. " الصواعق " لابن حجر ص 13. شرح " مشارق الأنوار " 2 ص 258. 14 - عن عائشة مرفوعا : لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه [ أراد به عبد الرحمن ] وأعهد [ أي أوصي أبا بكر بالخلافة بعدي ] أن يقول القائلون [ أي كراهة أن يقول قائل : أنا أحق منه بالخلافة ] أو يتمنى المتمنون [ أي أو يتمنى أحد أن يكون الخليفة غيره ] ثم قلت : يأبى الله ويدفع المؤمنون [ يعني تركت الايصاء اعتمادا على أن الله تعالى يأبى عن كون غيره خليفة وأن يدفع المؤمنون غيره ] أو : يدفع الله ويأبى المؤمنون. أخرجه الصغاني في " مشارق الأنوار " عن البخاري. وفي هامشه : لم نجده في صحيح البخاري فليراجع. وشرحه ابن الملك بما جعلناه بين القوسين في شرحه 2 ص 90. وذكره ابن حزم في الفصل 4 ص 108 فقال : فهذا نص جلي على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الأمة بعده. هذه صورة ممسوخة من حديث الكتف والدواة المروي بأسانيد جمة في الصحاح والمسانيد وفي مقدمها الصحيحان حولوه إلى هذه الصورة لما رأوا الصورة الصحيحة من الحديث لا تتم بصالحهم، لكنها الرزية كل الرزية كما قاله ابن عباس في الصحيح، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منع في وقته عن كتابه ما رامه من الايصاء بما لا تضل الأمة بعده وكثر هناك اللغط، ورمي صلى الله عليه وآله بما لا يرصف به، أو قال قائلهم : إن الرجل ليهجر. أو : إن الرجل غلبه الوجع. وبعد وفاته صلى الله عليه وآله قلبوا ذلك التاريخ الصحيح إلى هذا المفتعل وراء أمر دبر بليل. قال ابن أبي الحديد في شرح " نهج البلاغة " 3 ص 17 : وضعوه في مقابلة الحديث
/ صفحة 341 / المروي عنه في مرضه : ائتوني بدواة وبياض أكتب لكم ما لا تضلون بعده أبدا فاختلفوا عنده وقال قوم منهم : لقد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله. قال الأميني : لا تخلو هذه الاستعاذة (1) إما أن تكون في حيز الأخبار عن عدم الاختلاف أو في مقام النهي عنه. وعلى الأول يلزم منه الكذب لوقوع الاختلاف - و أي اختلاف - بالضرورة من أمير المؤمنين وبني هاشم ومن التف بهم من صدور الصحابة ومن سيد الخزرج سعد بن عبادة وبقية الأنصار، وإن أخضعت الظروف والأحوال أولئك المتخلفين عن البيعة للخلافة المنتخبة بعد برهة، فقد كان في القلوب ما فيها إلى آخر أعمارهم، وفي قلوب شيعتهم وأتباعهم إلى يوم لقاء الله، وكان لأمير المؤمنين عليه السلام وآله و شيعته في كل فجوة من الوقت وفرصة من الزمن نبرات وتنهدات ينبأ فيها عن الحق المغتصب والخليفة المهتضم. وعلى الثاني يلزم تفسيق أمة كبيرة من أعيان الصحابة لمخالفتهم نهي النبي صلى الله عليه وآله بما شجر بينهم وبين القوم من الخلاف المستعاذ منه بالله في أمر الخلافة، وهذا لا يلتأم مع حكمهم بعدالة الصحابة أجمعين إلا أن يخصوها بغير أمير المؤمنين ومن انضوى إليه، و كل هذه يأدي إلى بطلان الرواية. وهلم معي إلى أم المؤمنين الراوية لها نساؤلها عن أنها لم لم تنبس يوم التنازع عما روته ببنت شفة، فتجابه من ينازع أباها بنص الرسول الأمين وأخرت البيان عن وقت الحاجة ؟ ولعلها تجيب بأنها لم تسمع قط من بعلها الكريم شيئا مما الصق بها، لكن رواة السوء بعد وفاتها لم ترع لها كرامة فصعدت وصوبت، وشاهد هذا الجواب ما سيوافيك عنها بطريق صحيح ما ينافي الاستخلاف. 15 - عن عايشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أئمة الخلافة من بعدي أبو بكر وعمر. الحديث. ذكره الذهبي في ميزانه 2 ص 227 وقال : خبر باطل، المتهم بوضعه علي - بن صلح الأنماطي - فإن الرواة ثقاة سواه. قال الأميني : من المأسوف عليه أن الدهشة بالقلاقل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أنست ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في قوله صلى الله عليه وآله : معاذ الله أن يختلف المؤمنون.
/ صفحة 342 / عايشة هذه الرواية يوم كان يستفيد بها أبوها ويسلم من مغبة الاختيار في أمر الخلافة بالإسناد إلى النص الصريح. أو خشيت حين ذلك إن فاهت أن يقال : حلبت حلبا لها شطرها، فأرجئتها إلى أن سبق السيف العذل، والصحيح : أنها أرجئت روايتها إلى أن لفظت نفسها الأخير، وسيوافيك عنها خلاف هذه الرواية من طريق صحيح. 16 - عن عبد الله بن عمر مرفوعا : يكون بعدي اثنا عشر خليفة أبو بكر الصديق لا يلبث بعدي إلا قليلا. وصاحب رحا دارة العرب يعيش حميدا ويقتل شهيدا عمر. و أنت يا عثمان سيسألك الناس أن تخلع قميصا كساك الله عز وجل إياه، والذي نفسي بيده لئن خلعته لا تدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط. أخرجه البيهقي كما في تاريخ ابن كثير 6 ص 206 بإسناده وفيه عبد الله بن صالح الكذاب، وربيعة بن سيف قال البخاري : عنده مناكير. وذكره الذهبي في " ميزان الاعتدال " 2 ص 48 من طريق يحيى بن معين وقال : أنا أتعجب من يحيى مع جلالته ونقده كيف يروي مثل هذا الباطل ويسكت عنه ؟ وربيعة صاحب مناكير وعجائب. 17 - عن ابن عباس في قوله تعالى : وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا. قال : أسر إلى حفصة : أن أبا بكر ولي الأمر من بعده، وإن عمر واليه من بعد أبي بكر، فأخبرت بذلك عائشة. رواه البلاذري في تاريخه. وفي " نزهة المجالس " 2 ص 192 : قال ابن عباس رضي الله عنهما، والله إن إمارة أبي بكر وعمر لفي كتاب الله وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا قال لحفصة : أبوك وأبو عائشة أولياء الناس بعدي فإياك أن تخبري به أحدا. وأخرج الذهبي عن عايشة : وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا. قالت : أسر إليها : أن أبا بكر خليفتي من بعدي. عده الذهبي في " ميزان الاعتدال " 1 ص 294 من أباطيل خالد بن إسماعيل المخزومي الكذاب. 18 - عن ابن عباس قال : لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح جاء العباس إلى علي فقال : قم بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارا إلى رسول الله فسألاه عن ذلك فقال : يا عباس ! يا عم رسول الله ! إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فاسمعوا له تفلحوا وأطيعوا ترشدوا، قال العباس : فأطاعوه والله فرشدوا.
/ صفحة 343 / وفي لفظ آخر : يا عم ! إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فأطيعوه بعدي تهتدوا واقتدوا به ترشدوا. قال ابن عباس : ففعلوا فرشدوا. أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 11 ص 294 - من دون أي غمز في سنده و متنه - من طريق عمر بن إبراهيم بن خالد الكذاب، غير أن السيوطي حكى عنه " في " اللئالي " 1 ص 152 إردافه بقوله : عمر كذاب. وهذا لا يوجد في المطبوع من تاريخ بغداد فكأن يد الطبع الأمينة حرفته خدمة للمبده، وعمر هو ابن إبراهيم القرشي الكردي الكذاب الوضاع. وقال الذهبي في ميزانه 2 ص 249 : هذا الحديث ليس بصحيح. قال الأميني : أسفي إن كان العباس قد سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا النص الصريح، وكان ابنه يجد خلافة الشيخين في الكتاب العزيز، ويخبر به الناس مشفعا بالحلف بالله، و أمر بالطاعة والاقتداء بهما فلماذا خالف ذلك كله ؟ ولماذا تخلف عن بيعة أبي بكر ؟ (1) وما الذي حداه إلى أن يأتي أمير المؤمنين عليه السلام يوم توفي النبي صلى الله عليه وآله في ضحاة فيقول له : إذهب إلى رسول الله فسله فيمن يكون هذا الأمر ؟ فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا أمر به فأوصى بنا. ويقول علي عليه السلام : والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس أبدا، والله لا أسألها رسول الله أبدا. فتوفي رسول الله حين اشتد الضحى من ذلك اليوم (2 ). وفي لفظ آخر : فانطلق بنا إليه فنسأله من يستخلف ؟ فإن استخلف منا فذاك وإلا فأوصى بنا فحفظنا من بعده. الحديث. وما دعاه إلى أن يقول لعلي لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله : أبسط يدك أبايعك فيقال عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله ويبايعك أهل بيتك، فإن هذا الأمر إذا كان لم يقل (3) فيقول علي كرم الله وجهه : ومن يطلب هذا الأمر غيرنا ؟(4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) العقد الفريد 2 ص 250. الرياض النضرة 1 ص 167، السيرة الحلبية 3 ص 385. (2) الطبقات الكبرى لابن سعد ص 766، تاريخ الطبري 3 ص 194، سيرة ابن هشام 4 ص 333، الإمامة والسياسة 1 ص 5، سنن البيهقي 8 ص 149 نقلا عن صحيح البخاري، تاريخ ابن كثير 5 ص 251. (3) من الاقالة لا من القول. (4) الإمامة والسياسة 1 ص 5.
/ صفحة 344 / وفي لفظ ابن سعد في طبقاته : قال علي : يا عم ! وهل هذا الأمر إلا إليك ؟ وهل من أحد ينازعكم في هذا الأمر ؟ وما باله يلاقي أبا بكر فيسأله هل أوصاك رسول الله بشئ ؟ فيقول : لا. أو يلاقي عمر ويسأل مثل ذلك فيسمع : لا. ثم بعد أخذ الاعتراف من الرجلين على عدم الاستخلاف يقول لعلي : أبسط يدك أبايعك ويبايعك أهل بيتك (1 ). أو يقول : يا علي ! قم حتى أبايعك ومن حضر فإن هذا الأمر إذا كان لم يرد مثله والأمر في أيدينا، فقال علي : وأحد يطمع فيه غيرنا ؟ قال العباس : أظن والله سيكون (2) وما حداه إلى كلامه لعلي يوم استخلف عثمان ؟ : إني ما قدمتك قط إلا تأخرت، قلت لك : هذا الموت بين في وجه رسول الله فتعال نسأله عن هذا الأمر فقلت : أتخوف أن لا يكون فينا فلا نستخلف أبدا. ثم مات وأنت المنظور إليه فقلت : تعال أبايعك فلا يختلف عليك فأبيت. ثم مات عمر فقلت لك : قد أطلق الله يديك فليس لأحد عليك تبعة فلا تدخل في الشورى عسى ذلك أن يكون خيرا (3 ).
صورة أخرى قال العباس : لم أدفعك في شئ إلا رجعت إلي متأخرا بما أكره، أشرت عليك عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر فأبيت، وأشرت عليك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعاجل الأمر فأبيت، وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى أن لا تدخل معهم فأبيت، فاحفظ عني واحدة كلما عرض عليك القوم فأمسك إلى أن يولوك واحذر هذا الرهط فإنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم لنا فيه غيرنا. العقد الفريد 2 ص 257. 19 - عن أبي هريرة قال : بينما جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ مر أبو بكر فقال : هذا أبو بكر. قال : أتعرفه يا جبريل ؟ قال : نعم إنه لفي السماء أشهر منه في الأرض، فإن الملائكة لتسميه حليم قريش، وإنه وزيرك في حياتك وخليفتك بعد موتك. أخرجه ابن حبان من طريق إسماعيل بن محمد بن يوسف وقال : إسماعيل يسرق الحديث لا يجوز الاحتجاج به. وقال ابن طاهر : كذاب. ورواه أبو العباس اليشكري ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الإمامة والسياسة 1 ص 6. (2) الطبقات الكبرى لابن سعد ص 667. (3) أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 ص 23.
/ صفحة 345 / في فوائده اليشكريات كما في " اللئالي " 1 ص 152 من طريق أحمد بن الحسن بن أبان المصري وهو ذلك الكذاب الدجال الوضاع. 20 - أخرج ابن عساكر عن أبي بكرة قال : أتيت عمر رضي الله عنه وبين يديه قوم يأكلون فرمى ببصره في مؤخر القوم إلى رجل فقال : ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب قال : خليفة النبي صلى الله عليه وسلم صديقه. ذكره السيوطي في " الخصايص الكبرى " 1 ص 30 عند إثبات ذكر أبي بكر في كتب الأمم السابقة. هذه الرواية لم نقف لها على إسناد وحسبها من الوهن إرسالها فيما نجد، ولم نعرف الكتابي الذي كان في مؤخر القوم حتى ينظر في مبلغه من الدين والثقة، وبعد فرض ثبوتها فهي إنما تدل على ما يحاوله عمر بعد أن يخصم المجادل في ثبوت هذا الاستخلاف وهذا اللقب من النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، وعدم مشاركة غيره له فيهما، والأول محل نظر عند من لا يرى أبا بكر أول الخلفاء، وتلقيب الناس له بهما لا ينهض لإثبات تطبيق ما في الكتب السالفة عليه فإنه يدور مدار الواقع لا تلقيب الناس. وأما الثاني : فقد ثبت م - في الصحيح المتواتر قوله صلى الله عليه وآله : إني مخلف فيكم خليفتين. وليس أبو بكر أحدهما، وصح قوله لعلي عليه السلام : أنت أخي ووصي وخليفتي من بعدي (1) فعلي عليه السلام خليفة أخيه النبي الأقدس من يومه الأول وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ] كما مر أن مولانا أمير المؤمنين لقبه رسول الله صلى الله عليه وآله بالصديق. وهو صديق هذه الأمة. وهو أحد الصديقين الثلاثة. وهو الصديق الأكبر. راجع الجزء الثاني من هذا الكتاب 312 - 314 وتجد هنالك بسند صحيح رجاله ثقات عند الحفاظ تكذيب أمير المؤمنين كل من يدعي هذا اللقب غيره، إذن فلا شاهد في الرواية على أن المراد بالصديق والخليفة من حاولوه. 21 - قال محمد بن الزبير أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أسأله عن أشياء فجئته فقلت له : اشفني فيما اختلف فيه الناس هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ؟ فاستوى الحسن قاعدا فقال : أو في شك هو ؟ لا أبا لك، أي والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلفه، ولهو كان أعلم بالله وأتقى له وأشد له مخافة من أن يموت عليها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الجزء الثاني من كتابنا هذا 278 - 286.
/ صفحة 346 / لو لم يؤمره. أخرجه ابن قتيبة في " الإمامة والسياسة " ص 4 وفي آخره : وهو كان أعلم بالله تعالى وأتقى لله تعالى من أن يتوثب عليهم لو لم يأمره. وذكره ابن حجر في الصواعق ص 15. انظر إلى هذا المتقشف المتزهد الجامد كيف يحلف كذبا بالله تعالى على ما لا تعترف به الأمة جمعاء حتى نفس أبي بكر وعمر وسيوافيك الصحاح الناصة من طريق القوم على عدم الاستخلاف من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أمير المؤمنين علي وأبي بكر وعمر وعايشة، م - وسيوافيك في هذا الجزء والجزء السابع ما جاء في الصحيح الثابت من قول أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه : وددت أني كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هذا الأمر ؟ فلا ينازعه أحد، ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ؟ ] فقول الرجل داء فيما اختلف فيه الناس لا شفاء كما حسبه السائل. 22 - أخرج ابن حبان عن سفينة لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد (1) وضع في البناء حجرا وقال لأبي بكر : ضع حجرك إلى جنب حجري. ثم قال لعمر : ضع حجرك إلى جنب حجر أبي بكر. ثم قال لعثمان : ضع حجرك إلى جنب حجر عمر. ثم قال : هؤلاء الخلفاء بعدي. ذكره ابن حجر في " الصواعق " ص 14 وقال : قال أبو زرعة : إسناده لا بأس به، و قد أخرجه الحاكم في المستدرك " (2) وصححه البيهقي في الدلائل، وذكره ابن كثير في " البداية والنهاية " 6 : 204. ليت ابن حجر ذكر سند الرواية ولم يرسله حتى تأتى للقارئ وقوفه على بطلانه وبطلان الحكم بصحته، وقد أخرجوه من طريق نعيم من حماد المذكور في سلسلة الكذابين وحسبه منقصة ومغمزة. ثم ليت مصحح هذه الرواية كان يعرف أن صحة هذا النص على الخلافة تضعضع حجر مبدءه الأساسي، وتبطل ما ذهب إليه هو وقومه من الخلافة الانتخابية، وتضاد ما صححوه عن أبي بكر وعمر وعلي وعائشة و و و - كما يأتي - من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يستخلف. وقد أبطله الذهبي بما ذكر عند ما أخرجه الحاكم من ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في تاريخ ابن كثير 6 : 204 : مسجد المدينة. (2) أخرجه في الجزء الثالث ص 13 ولفظ ذيله : هؤلاء ولاة الأمر بعدي.
/ صفحة 347 / طريق عائشة كما مر في ص 335. 23 - عن عبد الله بن عمر مرفوعا : إقتدوا باللذين من بعدي : أبو بكر وعمر. أخرجه العقيلي من طريق مالك وقال : هذا حديث منكر لا أصل له. وأخرجه الدارقطني من رواية أحمد الخليلي الضميري بسنده ثم قال : لا يثبت والعمري - يعني محمد بن عبد الله حفيد عمر بن الخطاب راوي الحديث - ضعيف. وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به، وقال الدارقطني : العمري يحدث عن مالك بأباطيل. لم 5 ص 237. 24 - روى الحسن بن صالح القيسراني عن إسحاق بن محمد الأنصاري أنه قال : سألت يموت بن المزرع بن يموت فقلت : يا أستاذ ! كيف لم يستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا واستخلف أبا بكر ؟ فقال : سألت الجاحظ عن هذا فقال : سألت إبراهيم النظام عن هذا فقال : قال الله عز وجل وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم. الآية. وكان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه بعد الوحي كما يحدث الرجل الرجل فقال : يا جبريل من هؤلاء الذين يستخلفهم الله في الأرض ؟ فقال جبريل : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ولم يكن بقي من عمر أبي بكر إلا سنتين فلو استخلف عليا لم يلحق أبو بكر وعمر وعثمان من الخلاف شيئا ولكن الله رتبهم لعلمه بما بقي من أعمارهم حتى تم ما وعدوهم الله تبارك وتعالى به. أخرجه ابن عساكر في تاريخه 4 ص 186. وليت شعر شاعر أنه إن كان جبرئيل فسر الآية الكريمة بما فسر، ووعاه النبي الأعظم، وبلغ الأمة به لتوفر الدواعي للبيان ليعرف كل أحد رشده وهداه، وكانت الحاجة ماسة بالمبادرة إلى ذلك، فكيف خفي ذلك على الأمة جمعاء ؟ لا سيما على أمير المؤمنين وأبي بكر وعمر وابن عباس حبر الأمة وعايشة، فلا احتج به أحد ولا أسند إليه عند الحوار في أمر الخلافة، وما مقيل هذه الجلبة والضوضاء في تعيين الخليفة ؟ هل المعين له النص أو إجماع الأمة ؟ ولم يقل بالأول إلا الشيعة، وأما الذين خلقت هذه الرواية لهم فلا يقيمون للنص وزنا ولا يدعون وجوده في كتاب أو سنة ويقول عمر : إن لم استخلف فلم يستخلف من هو خير مني. وإن كان الأمر كما يرتأيه - النظام - فما حال المتخلفين عن البيعة عندئذ ؟ هل هم
/ صفحة 348 / محكومون بالعدالة كما يعتقدها أهل السنة في الصحابة أجمع ؟ أو إنه يستثني منهم قتلة عثمان كما عند ابن حزم ؟ فهل يستصحب فيهم هذا الحكم ؟ أو.......... وفيهم من نزل بعصمتهم الكتاب الكريم ؟ وفيهم وجوه الصحابة وأعيانها. أو إنهم متأولون مجتهدون قبال هذا النص الصريح ؟ وكم له من نظير في الصحابة. هذا مع غض الطرف عما جاء في بعض رجال هذا السند من القذائف والطامات وفي مقدمهم النظام قال ابن قتيبة : كان شاطرا من الشطار مشهورا بالفسق. وقال الذهبي : متهم بالزندقة - لم 1 ص 67 - وبعده تلميذه الجاحظ مر في سلسلة الكذابين ص 248، وبعده هلم جر ؟. 25 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - حفيد عمرو بن العاص - قال : لما اشتبكت الحرب يوم خيبر قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : هذه الحرب قد اشتبكت فأخبرنا بأكرم أصحابك عليك ؟ فإن يكن أمر عرفناه وإن تكن الأخرى أتيناه فقال : أبو بكر وزيري يقوم في الناس مقامي من بعدي. وعمر ينطق بالحق على لساني، وأنا من عثمان وعثمان مني. وعلي أخي وصاحبي يوم القيامة. ذكره الذهبي من طريق العقيلي وقال : المتهم بوضع هذا الشيخ الجاهل - يعني سليمان بن شعيب بن الليث المصري -. وأخرجه الخطيب في تاريخه 13 ص 161 بلفظ : لما اشتبكت الحرب يوم حنين دخل جندب بن عبد الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن هذه الحرب قد اشتبكت ولسنا ندري ما يكون، أفلا تخبرنا بأخير أصحابك وأحبهم إليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي ياهيه لله أبوك أنت القائد لها بأزمتها، هذا أبو بكر الصديق يقوم في الناس من بعدي. وهذا عمر بن الخطاب حبيبي ينطق بالحق على لساني. وهذا عثمان بن عفان هو مني وأنا منه. وهذا علي بن أبي طالب أخي وصاحبي حتى تقوم القيامة. رجال سنده : 1 - علي بن حماد بن السكن. قال الدار قطني : متروك الحديث. 2 - مجاعة بن ثابت. كذاب. راجع سلسلة الكذابين. 3 - ابن لهيعة. قال يحيى : ليس بالقوي. وقال مسلم : تركه وكيع ويحيى القطان وابن مهدي.
/ صفحة 349 / 4 - عمرو بن شعيب. قال أبو داود : عمرو عن أبيه عن جده ليس بحجة. ولعل الخطيب سكت عن إبطال مثل هذه الرواية ثقة بأن بطلانها سندا ومتنا لا يخفى على أي أحد. 26 - عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عثمان إنك ستلي الخلافة من بعدي، وسيريدك المنافقون على خلعها فلا تخلعها، وصم ذلك اليوم تفطر عندي. ذكره الذهبي في ميزانه 1 ص 300 من طريق خالد بن محمد أبي الرحال البصري الأنصاري وقال : عنده عجائب، وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به. وفي لم 6 : 794 قال أبو حاتم : ليس بالقوي. 27 - عن أبي هريرة في حديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا حفصة ألا أبشرك ؟ قالت : بلى. قال : يلي الأمر من بعدي أبو بكر ثم أبوك اكتمي علي. فخرجت حتى دخلت على عائشة فقالت لها : ألا أبشرك يا ابنة أبي بكر ؟ قالت : بماذا ؟ فذكرت لها وقالت : قد استكتمني فاكتميه فأنزل الله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك. الآيات. أخرجه الماوردي في " أعلام النبوة " ص 81 مرسلا. وأخرجه العقيلي من طريق موسى بن جعفر الأنصاري فقال : مجهول بالنقل لا يتابع على حديثه ولا يصح. وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة موسى وقال : لا يعرف وخبره ساقط. ثم قال بعد ذكر الحديث : قلت هذا باطل. " لم 6 ص 113 ". ومتن الحديث أفسد من سنده لأن الولاية المذكورة إن كانت شرعية فإن من واجبه صلى الله عليه وآله وسلم إفشاءها ليعرف الناس طريق الحق وصاحب الولاية المفترض طاعته فيسعدوا بذلك لاكتمانها فيبقوا حيارى لا يدرون عمن يأخذون معالم دينهم فيتشبثون في تشخيصه بالطحلب من خيرة مبتورة، وإجماع مخدج. وإن كانت غير مشروعة فكان من واجبه صلى الله عليه وآله نهيهما عن ارتكابها، أو أمر حفصة بأن تنهي إليهما أمره صلى الله عليه وآله إياهما بالتجنب عن ورطة الهلكة - لا الستر والأمر بالكتمان - حتى لا يقعا فيها من حيث لا يشعران، بل كان من حق المقام أن يعرف الملأ الديني بذلك ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
/ صفحة 350 / وعليه فإن صح الحديث فليس هو إلا إخبارا منه صلى الله عليه وآله بقضية خارجية، و إن كان وقوعها قهرا، ولا ينافيه لفظ البشرى لكونه إخبارا بما تهش إليه نفس حفصة من تقلد أبيها زعامة الأمة، فجرى الكلام مجرى رغباتها ولذلك لم تبد به حفصة عند مسيس حاجة الأمة إلى نص مثله - إن كان الحديث نصا - عند محتدم الحوار بينها، وإنما أمرها بالكتمان كان لمصالح لا تخفى على الباحث. 28 - عن جعفر بن محمد [ الإمام الصادق ] عن أبيه عن جده قال : توفيت فاطمة ليلا فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة فقال أبو بكر لعلي : تقدم فصل. قال : لا والله لا تقدمت وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم أبو بكر فصلى أربعا. عده الذهبي من مصائب أتى بها عبد الله بن محمد القدامي المصيصي عن مالك. و قال ابن عدي : عامة حديثه غير محفوظة. وقال ابن حبان : يقلب الأخبار لعله قلب على مالك أكثر من مائة وخمسين حديثا. وقال الحاكم والنقاش : روي عن مالك أحاديث موضوعة. وقال السمعاني في " الأنساب " : كان يقلب الأخبار لا يحتج به " م 2 ص 70، لم 3 ص 334 ". هذه الأكذوبة على الإمام الطاهر الصادق تخالف ما في التاريخ الصحيح عن عائشة قالت : دفنت فاطمة بنت رسول الله ليلا دفنها علي ولم يشعر بها أبو بكر رضي الله عنه حتى دفنت وصلى عليها علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ك 3 ص 163، صححه الحاكم وأقره الذهبي. وقال الحلبي في السيرة النبوية 3 ص 360 : قال الواقدي : ثبت عندنا أن عليا كرم الله وجهه دفنها ليلا وصلى عليها ومعه العباس والفضل ولم يعلموا بها أحدا. 29 - عن أنس بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما قدمت أبا بكر وعمر ولكن الله قدمهما ومن بهما علي فأطيعوهما واقتدوا بذكرهما، ومن أرادهما بسوء فإنما يريدني والاسلام. أخرجه ابن النجار كما في " كنز العمال " 6 ص 144. كيف خفي على معظم الأصحاب ورجالات بيت الوحي وفي مقدمهم سيدهم أمير المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم الشيخين على علي عليه السلام وغيره في الخلافة مهما قدمهما الله تعالى ؟ فتخلفوا عن بيعة من قدمه الله ورسوله وما أطاعوه وما قدموه. ولماذا حيل بينه صلى الله عليه وآله وبين ما رام أن يكتبه يوم الخميس قبل وفاته بخمسة أيام
/ صفحة 351 / في متولي الخلافة بعد ما كان نص عليه قبل ذلك اليوم ؟ وما كان يكتب إلا من قدمه الله تعالى ونص عليه صلى الله عليه وآله قبل. ولماذا لم يكن يوم السقيفة ذكر عند أي أحد من ذلك التقديم المفتعل على الله و على رسوله ؟ وما بال أبي بكر كان يقدم أبا عبيدة الجراح يوم ذلك وكان يحث الناس على بيعته وبيعة عمر كما ورد في الصحيح ؟ ! فكأن في أذن الأمة وقرا من سماع ذلك التقديم حتى أن أذن أنس لم تسمع به قط. 30 - عن ابن عمر وأبي هريرة قالا : ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعرابي قلائص إلى أجل فقال : أرأيت إن أتى عليك أمر الله ؟ قال : أبو بكر يقضي ديني وينجز موعدي. قال : فإن قبض ؟ قال عمر يحذوه ويقوم مقامه لا تأخذه في الله لومة لائم. قال : فإن أتى على عمر أجله ؟ قال : فإن استطعت أن تموت فمت. من موضوعات خالد بن عمرو القرشي على الليث ذكره الذهبي في ميزانه 1 ص 298 وحكى عن ابن عدي أنه قال بعد ذكر هذا الحديث وأحاديث أخرى : عندي أنه - خالد بن عمرو - وضع هذه الأحاديث، فإن نسخة الليث عن يزيد بن أبي حبيب عندي ما فيها من هذا شئ. وذكره ابن درويش الحوت البيروتي في " أسنى المطالب " ص 249 بلفظ : قدم رجل من أهل البادية بإبل فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لقي الرجل عليا فقال : ما أقدمك ؟ فأخبره أنه قدم بإبل وباعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي : هل نقدك ؟ فقال : لا، لكن بعتها بتأخير. قال : ارجع إليه فقل له : إن حدث بك حادث فمن يقضي عنك ؟ (1) فقال : أبو بكر. قال : فإن حدث بأبي بكر ؟ فقال : عمر. فقال : فإن مات عمر فمن يقضي ؟ فقال : ويحك إن مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت. قال ابن درويش : فيه الفضل بن المختار ضعيف جدا وإنه واه لا يعول عليه، وفي م ج 4 ص 449 قال أبو حاتم : أحاديثه منكرة يحدث بالأباطيل. وقال الأزدي : منكر الحديث جدا. وقال ابن عدي : عامة أحاديثه منكرة، عامتها لا يتابع عليها. 31 - عن أنس مرفوعا : أبو بكر وزيري وخليفتي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هنا سقط معلوم لا يخفى.
/ صفحة 352 / أخرجه الذهبي في " الميزان " 1 ص 41 من طريق أحمد بن جعفر بن الفضل وقال : مشهور بالوضع ليس بشئ. 32 - عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا : قال لرجل : إنطلق فقل لأبي بكر : أنت خليفتي فصل بالناس. أخرجه العقيلي من طريق الفضل بن جبير عن خلف عن علقمة بن مرثد عن أبيه فقال : الفضل لا يتابع على حديثه. ولا يعرف لمرثد - والد علقمة - رواية. لم 4 ص 438. 33 - عن ابن عباس : قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله شيئا فقال لها : تعودين فقالت : يا رسول الله ! إن عدت فلم أجدك تعرض بالموت ؟ فقال : إن جئت فلم تجديني فأتي أبا بكر فإنه الخليفة من بعدي. أخرجه ابن عساكر وعده ابن حجر في " الصواعق " ص 11 من النصوص الدالة على خلافة أبي بكر. ما عساني أن أقول في مؤلف يحذف إسناد مثل هذه الأفيكة ويذكرها إرسال المسلم ويسند إليها وبين يديه أحاديث ابن عباس الجمة الهاتفة بالخلافة المنصوصة عليها لأمير المؤمنين علي عليه السلام ؟ أليس من حديثه ما صححه الحفاظ وأخرجوه بأسانيد رجالها ثقات وقد أسلفناه في الجزء الأول ص 51 وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ؟. أليس من حديثه حديث العشيرة المنصوص على صحته وقد مر في الجزء الثاني. ص 278 - 287 وفيه قوله صلى الله عليه وآله : إن هذا - يعني عليا - أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ؟ وقوله لعلي : فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي ؟ ألم يكن ابن عباس في مقدم المتخلفين عن بيعة أبي بكر ؟ ألم يكن هو مناظر عمر الوحيد حول الخلافة ؟ كما مر حديثه في ج 1 ص 389 ألم ؟ ألم ؟ ألم ؟ 34 - عن عبد الله بن عمر : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : تكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة : أبو بكر الصديق أصبتم اسمه. عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه. عثمان بن عفان ذو النورين قتل مظلوما أوتي كفلين من الرحمة ملك الأرض المقدسة (1 ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في المقام سقط كما لا يخفى.
/ صفحة 353 / معاوية. وابنه. ثم يكون السفاح. ومنصور. وجابر. والأمين. وسلام. وأمير العصب، لا يرى مثله، ولا يدرى مثله. الحديث. أخرجه نعيم بن حماد في " الفتن " كما في " كنز العمال " 6 ص 67، أرسلوا الحديث ورفعوه خوفا من أن يقف الباحث على ما في إسناده غير أن نعيم بن حماد بمفرده يكفي في المصيبة ويستغنى به عن عرفان بقية رجاله، وقد مر في سلسلة الكذابين أنه كان يضع الحديث في تقوية السنة. على أن متن الحديث غير قاصر بالشهادة على وضعه، فإن خليفة يأتي التبشير به كابني آكلة الأكباد حقيق أن يكون الأبناء به مختلقا مكذوبا لم تسر به الأمة قط إلا أن يكون المبشر بهما وبمن بعدهما من أمثالهما غير عالم بمعنى الخليفة ولا عارف بالمغزى من تقييضه. ثم أي خلافة هذه ينقطع أمدها منذ عهد يزيد بن معاوية إلى السفاح من سنة 64 إلى 132 فتترك الأمة طيلة تلك المدة سدى ؟ !. وأي خطر للمنصور الظالم الغاشم حتى ينص النبي صلى الله عليه وآله على خلافته على المسلمين ؟ ومن هم : جابر وسالم وأمير العصب ؟ وما محلهم من الخلافة الدينية ؟ ثم ما بال عمر بن عبد العزيز ألين بني أمية أريكة، وأطيبهم عنصرا، وأصلحهم عملا، لم يعوض به عن يزيد الخنا ؟ وما الذي كسى صاحب القرود والفهود والعود و الخمور ثوب الخلافة الإسلامية ولم يكسه عمر بن عبد العزيز ؟ ولا معاوية بن يزيد الذي تقمصها أربعين يوما ثم انسل عنه انسلالا ؟ وقد نص على خلافة الأول منهما وعدله وكونه من الخلفاء الراشدين غير واحد من الأئمة كما في تاريخ ابن كثير 6 ص 198، هذه كلها شواهد على أن واضع الحديث مفتر مائن جاهل بشؤون الخلافة، غير عارف بالخلفاء، وأجهل منه مؤلف يذكره ويجعله بين يدي القارئ ويعده منقبة للخلفاء. 35 - قال أبو بكر في الغار : يا رسول الله ! قد عرفت منزلتك من الله تعالى بالنبوة و الرسالة فأنا بأي شئ ؟ فقال : أنا رسول الله، وأنت صديقي وجناحي ومؤنسي وأنيسي، وأنت خليفتي من بعدي، تقوم في الناس مقامي، وأنت ضجيعي، وإن الله قد غفر لك ولمحبيك إلى يوم القيامة.
/ صفحة 354 / ذكره الصفوري في " نزهة المجالس " 2 ص 184 نقلا عن " عيون المجالس " بهذه الصورة المرسلة، وصحة إنكار أبي بكر وعمر استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم كما يأتي بعيد هذا تكذب هذه الأفيكة. 36 - عن أنس قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره فوضع يمينه على كتفي أبي بكر ويساره على كتفي عمر وقال : أنتما وزيراي في الدنيا و أنتما وزيراي في الآخرة، وهكذا تنشق الأرض عني وعنكما، وهكذا أزور أنا و أنتما رب العالمين. نزهة المجالس 2 ص 191. أسفي على نسيان أبي بكر وعمر ذلك النص - المفتعل - وإنكارهما الوزارة المنصوصة يوم التحاور دونها. 37 - مرفوعا قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : لا يتأمرن عليكما بعدي أحد. ذكره الصفوري في " نزهة المجالس " 2 ص 192 مرسلا فقال : فهذا صريح في الخلافة لهما بعده صلى الله عليه وسلم وذكره الشبلنجي في " نور الأبصار " 55 عن بسطام بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله، ولم يكن عند أبي بكر وعمر علم من هذه الأفيكة ولو كان لبان، أو : لما بان منهما إنكار استخلافه صلى الله عليه وآله وسلم. 38 - عن أنس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أمرني أن أتخذ أبا بكر والدا. وعمر مشيرا. وعثمان سيدا. وأنت يا علي صهرا. أنتم أربعة قد أخذ الله لكم الميثاق في أم الكتاب لا يحبكم إلا مؤمن تقي، ولا يبغضكم إلا منافق شقي، أنتم خلفاء نبوتي، وعقد ذمتي، وحجتي على أمتي. أخرجه ابن عساكر في تاريخه 4 ص 286، و ج 7 : 286 والخطيب البغدادي في تاريخه 9 ص 345 وقال : هذا الحديث منكر جدا لا أعلم من رواه بهذا الاسناد إلا ضرار بن سهل وعنه الغباغبي وهما جميعا مجهولان. وذكره الذهبي في " ميزان الاعتدال " 1 ص 472 فقال : خبر باطل ولا يدرى من ذا الحيوان - ضرار بن سهل - وقال ابن بدران في تاريخ ابن عساكر 7 : 286 : لفظه يدل على عدم تمكنه. م 39 - عن زيد بن الجلاس الكندي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخليفة بعده ؟ فقال : أبو بكر.
/ صفحة 355 / أخرجه أبو عمر في " الاستيعاب " في ترجمة زيد فقال : إسناده ليس بالقوي ]. 40 - عن علي - أمير المؤمنين - رضي الله عنه قال : لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسر إلي أن أبا بكر سيتولى بعده ثم عمر ثم عثمان ثم أنا. 41 - عن علي - أمير المؤمنين - قال : إن الله فتح هذه الخلافة على يدي أبي بكر وثناه عمر وثلثه عثمان وختمها بي بخاتمة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. 42 - عن علي - أمير المؤمنين - قال : ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا حتى عهد إلي أن أبا بكر يلي الأمر بعده ثم عمر ثم عثمان ثم إلي فلا يجتمع علي. هذه الروايات الثلث أخرجها محب الدين الطبري في " الرياض النضرة " 1 ص 33 مرسلة غير مسندة فقال : قلت : وهذا الحديث تبعد صحته لتخلف علي عن بيعة أبي بكر ستة أشهر، ونسبته إلى نسيان الحديث في مثل هذه المدة بعيد، ثم توقفه في أمر عثمان على التحكيم مما يؤيد ذلك، ولو كان عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك لبادر ولم يتوقف. 43 - أخرج الديلمي عن أمير المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبرئيل فقلت : من يهاجر معي ؟ قال : أبو بكر وهو يلي أمر أمتك من بعدك، وهو أفضل أمتك من بعدك، كنز العمال 6 ص 139. 44 - قال علي رضي الله عنه : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أعز الناس علي، وأكرمهم عندي، وأحبهم إلي، وآكدهم عندي حالا : أصحابي الذين آمنوا بي وصدقوني، وأعز أصحابي إلي وخيرهم عندي، وأكرمهم على الله، وأفضلهم في الدنيا والآخرة : أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فإن الناس كذبوني وصدقني، وكفروا بي وآمن بي، وأوحشوني وآنسني، وتركوني وصحبني، وأنفوا مني وزوجني، وزهدوا في ورغب في، وآثرني على نفسه وأهله وماله، فالله تعالى يجازيه عني يوم القيامة، فمن أحبني فليحبه، ومن أراد كرامتي فليكرمه، ومن أراد القرب إلى الله تعالى فليسمع وليطع فهو الخليفة بعدي على أمتي. ذكره الصفوري في " نزهة المجالس " 2 ص 173 نقلا عن " روض الأفكار " وحكاه الجرداني في " مصباح الظلام " 2 ص 24. من موضوعات المتأخرين مرسلا لم يوجد في أصل، ولم ير في مسند، وكل
/ صفحة 356 / شطر من جمله تكذبه صحاح مسندة في الكتب والمسانيد. 45 - عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال : إن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب، وإن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير، ثم قام أبو بكر فخطب الناس. إلى أن قال : قال علي رضي الله عنه والزبير : ما غضبنا إلا لأنا قد أخرنا عن المشاورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لصاحب الغار وثاني اثنين، وإنا لنعلم بشرفه وكبره ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي. أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 ص 66. هذه الروايات كلها باطلة لما ستقف عليه من صحاح وحسان - عند القوم - عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام من النص على عدم استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم وجود عهد منه عنده، وفي تضاعيف الحديث والسيرة شواهد على بطلانها لا تحصى، وما شجر بينه عليه السلام وبين القوم في بدء أمر الخلافة وتأخره المجمع عليه من البيعة برهة طويلة يبطل كل هذه الهلجات، وقد سمع العالم هتاف خطبته الشقشقية وسارت بها الركبان، وتداولتها الكتب وكم لها من نظير، م - وما أكثر الوضاعون من الكذب على سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام، وحقا كان يرى ابن سيرين : إن عامة ما يروى عن علي الكذب (1) .
ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق [ الرعد 37 ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 5 : 272 .
هذه مأثورات القوم في حجرهم الأساسي الذي عليه ابتنوا ما علوه من هيكل الإفك وما شادوه وأشادوا بذكره من بنية الزور، وقد عرفت شهادة الأعلام بأنها أساطير موضوعة لا مقيل لها من الصحة، ويساعد ذلك الاعتبار لأن البرهنة الوحيدة عند القوم في باب الخلافة هو الإجماع والانتخاب فحسب، ولم تجد منهم أي شاذ يعتمد على النص فيها، وتراهم بسطوا القول حول إبطال النص وتصحيح الاختيار وأحكامه، وقد يعزى لديهم إنكار النص إلى أمة من الشيعة فضلا عن جمهورهم، قال الباقلاني في " التمهيد " ص 165 : وعلمنا بأن جمهور الأمة والسواد الأعظم منها ينكر ذلك - النص - ويجحده و يبرأ من الدائن به، ورأينا أكثر القائلين بفضل علي عليه السلام من الزيدية ومعتزلة البغداديين وغيرهم ينكر النص عليه ويجحده مع تفضيله عليا على غيره. وقال الخضري في " المحاضرات " ص 46 : الأصل في انتخاب الخليفة رضا الأمة فمن ذلك يستمد قوته، هكذا رأى المسلمون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد انتخبوا أبا بكر الصديق إختيارا منهم لا استنادا إلى نصر أو أمر من صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم، وبعد أن انتخبوه بايعوه ومعنى ذلك عاهدوه على السمع والطاعة فيما فيه رضا الله سبحانه، كما أنه عاهدهم على العمل فيهم بأحكام الدين من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا التعاهد المتبادل بين الخليفة والأمة هو معنى البيعة تشبيها له بفعل البائع والمشتري فإنهما كانا يتصافحان بالأيدي عند إجراء عقد البيع. فمن هذه البيعة تكون قوة الخليفة الحقيقية وكانوا يرون الوفاء بها من ألزم ما يوجبه الدين وتحتمه الشريعة. وقد سن أبو بكر رضي الله عنه طريقة أخرى في انتخاب الخليفة وهي أن يختار هو من يخلفه ويعاهده الجمهور على السمع والطاعة، وقد وافق الجمهور الاسلامي على هذه الطريقة، ورأى أن هذا مما تجب الطاعة فيه وذلك العمل هو ولاية العهد. ا ه. فمن هنا يتجلى أن تاريخ ولادة هذه المرويات بعد انعقاد البيعة واستقرار الخلافة
/ صفحة 358 / لمن تقمصها، ولذلك لم ينبس أحد منهم يوم السقيفة ولا بعده بشئ من ذلك على ما احتدم هنالك من الحوار والتنازع والحجاج، وليس ببدع أن لا يعرفها أحد قبل ولادتها، وإنما العجب من أن البحاثة وعلماء الكلام من بعد ذلك التاريخ - إلا الشذاذ منهم - لم يأبهوا بها في إثبات أصل الخلافة وإن لم يألوا جهدا في التصعيد والتصويب جهد مقدرتهم، وما ذلك إلا لأنهم لم يعرفوا تلكم المواليد المزورة، نعم يوجد من المؤلفين من يذكرها في مقام سرد الفضايل تمويها على الحق. وهناك أحاديث جمة صحيحة - عند القوم - تضادها وتكذبها مثل ما صح عن أبي بكر أنه قال في مرضه الذي توفي فيه : وددت إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هذا الأمر ؟ فلا ينازعه أحد، ووددت إني كنت سألت هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ؟ (1) : فلو كان أبو بكر سمع النص على خلافته من رسول الله كما هو صريح بعض تلكم المنقولات لما كان مجال لتمنيه هذا إلا أن يكون قد غلبه الوجع أو أنه كان هجرا من القول كما احتملوه في حديث الكتف والدواة. 2 - وما أخرجه مالك عن عائشة قالت : لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه دعا عمر فقال : إني مستخلفك على أصحاب رسول الله يا عمر ! وكتب إلى أمراء الأجناد : وليت عليكم عمر ولم آل نفسي ولا المسلمين إلا خيرا (2). فإن كان هناك نص على خلافة عمر فما معنى نسبة أبي بكر الاستخلاف والتولية إلى نفسه ؟ 3 - وما رواه عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت يوما على أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في علته التي مات فيها، فقلت له : أراك بارئا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما إني على ذلك لشديد الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين ! أشد علي من وجعي، إني وليت أموركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 4 ص 53. العقد الفريد 2 ص 254. يأتي الكلام حول هذا الحديث وصحته في الجزء السابع. (2) تيسير الوصول للحافظ ابن الدبيع 2 ص 48.
/ صفحة 359 / دونه. إلى أن قال : فقلت خفض عليك يا خليفة رسول الله ! صلى الله عليه وسلم فإن هذا يهيضك (1) إلى ما بك فوالله ما زلت صالحا مصلحا، لا تأسى على شيئ فاتك من أمر الدنيا، ولقد تخليت بالأمر وحدك فما رأيت إلا خيرا (2 ). تورم أنف الصحابة إما لاعترافهم بعدم النص وإن الخيرة قد عدتهم من غير ما أولوية في المختار - بالفتح - أو : لاعتقادهم وجود النص لكنه لم يعمل به بل أعملت الأثرة والمحاباة فنقموا بأنها قد عدتهم. وإما لاعتقادهم إن الأمر لا يكون إلا باختيار الأمة فغاضهم التخلف عنه. وإما لاعتقادهم وجود النص على علي أمير المؤمنين عليه السلام خاصة فغضبوا له و أسخطهم أن يتقدم عليه غيره. وإما لأنهم رأوا أن الناس لا يعتمدون على النص، ولا يجزي الانتخاب على أصوله، وأن الانتخاب الأول كان فلتة بنص من عمر، والاختيار الشخصي ما كان معهودا، فإذا كان السائد وقتئذ الفوضوية فلكل أحد يرى لنفسه حنكة التقدم أن يطمع في الأمر كما قال عبد الرحمن بن عوف في حديث أخرجه البلاذري في " الأنساب " 5 : 20 : يا قوم ! أراكم تتشاحون عليها وتؤخرون إبرام هذا الأمر، أفكلكم رحمكم الله يرجو أن يكون خليفة ؟. 4 - وما أخرجه ابن قتيبة في حديث يأتي كملا من قول أبي بكر : إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا وللمؤمنين وليا فمن الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له الله ما عنده فخلى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متفقين لا مختلفين فاختاروني عليهم واليا ولأمورهم راعيا. الإمامة والسياسة 1 : 15. 5 - وما صح عن عمر أنه قال : ثلاث لإن يكون رسول الله بينهن أحب إلي من حمر النعم : الخلافة. الكلالة. الربا. وفي لفظ : أحب إلي من الدنيا وما فيها ". 6 - وما جاء عن عمر صحيحا من قوله : لإن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث أحب إلي من حمر النعم : ومن الخليفة بعده. الحديث (3) . 7 - وما صح عن عمر أنه قال : إن الله تعالى يحفظ دينه وإني إن لا أستخلف ؟ فإن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هاض العظم : كسره بعد الحبور. (2) تاريخ الطبري 4 ص 52، العقد الفريد 2 ص 254، تهذيب الكامل 1 ص 6، إعجاز القرآن ص 116. (3) تأتي مصادر هذا الحديث وما قبله في الجزء السادس في نوادر الأثر.
/ صفحة 360 / رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف ؟ فإن أبا بكر رضي الله عنه قد استخلف. قال - عبد الله بن عمر - : فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله وأبا بكر فعلمت أنه لا يعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وأنه غير مستخلف (1). 8 - وما صح من أن عمر لما طعن قيل له : لو استخلفت ؟ فقال : أتحمل أمركم حيا وميتا ؟ إن أستخلف ؟ فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر. وإن أترك ؟ فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عبد الله فعلمت أنه غير مستخلف (2). 9 - وما أخرجه مالك من خطبة عمر : أيها الناس ! إني لا أعلمكم من نفسي شيئا تجهلونه أنا عمر ولم أحرص على أمركم ولكن المتوفى أوحى إلي بذلك والله ألهمه ذلك، وليس أجعل أمانتي إلى أحد ليس لها بأهل ولكن اجعلها من تكون رغبته في التوقير للمسلمين، أولئك هم أحق بهم ممن سواهم، تيسير الوصول 2 ص 48. فشتان بين هذه الخطبة وبين تلك المفتعلات فإن عمر يرى خلافته وحيا من أبي بكر لا وحيا من الله جاء به جبريل إلى النبي الأعظم، وصدع به صلى الله عليه وآله في الملأ الديني، وأذن به بلال كما كان نص بعضها. 10 - وما أخرجه الطبري في تاريخه ج 5 ص 33 : إن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له : يا أمير المؤمنين ! لو استخلفت ؟ قال من أستخلف ؟ لو كان أبو عبيدة ابن الجراح حيا استخلفته. فإن سألني ربي قلت : سمعت نبيك يقول : إنه أمين هذه الأمة، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته فإن سألني ربي قلت : سمعت نبيك يقول : إن سالما شديد الحب لله. فقال له رجل : أدلك عليه عبد الله بن عمر فقال : قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا ويحك كيف أستخلف رجلا عجز عن طلاق امرأته ؟ لا إرب لنا في أموركم ما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي، إن كان خيرا فقد أصبنا منه، وإن كان شرا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه الخمسة من مؤلفي الصحاح الست غير النسائي، تيسير الوصول 2 : 50، و أخرجه أحمد في مسنده 1 ص 47، والخطيب في تاريخه 1 ص 258، ورواه جمع كثير من الحفاظ و أئمة الحديث. (2) أخرجه الشيخان البخاري ومسلم وهذا لفظهما، وأبو داود والترمذي مختصرا، وأحمد في مسنده ج 1 ص 43، 46، والبيهقي في سننه 8 ص 148، وتجده في تيسير الوصول 2 : 49، تاريخ ابن كثير 5 ص 50.
/ صفحة 361 / فشرعنا إلى عمر، بحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد ويسئل عن أمر أمة محمد، لقد جهدت نفسي وحرمت أهلي، وإن نجوت كفافا لا وزر ولا أجر إني لسعيد، وانظر فإن استخلفت ؟ فقد استخلف من هو خير مني، وإن أترك ؟ فقد ترك من هو خير مني، ولن يضيع الله دينه. فخرجوا ثم راحوا فقالوا : يا أمير المؤمنين ! لو عهدت عهدا ؟ فقال : قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأولي رجلا أمركم هو أحراكم أن يحملكم على الحق - وأشار إلى علي - ورهقتني غشية فرأيت رجلا دخل جنة قد غرسها فجعل يقطف كل غضة ويانعة فيضمه إليه ويصيره تحته، فعلمت أن الله غالب أمره، ومتوف عمر، فما أريد أن أتحملها حيا وميتا، عليكم هؤلاء الرهط. الحديث. وذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد 2 : 256. ليتني أدري وقومي كيف تطلب الصحابة من عمر الاستخلاف وتصفح عن تلكم النصوص الجمة ؟ وكيف يخالفها عمر ويرى أبا عبيدة وسالما أهلا للخلافة ويتمنى حياتهما ؟ ثم يجعلها شورى ؟ ثم كيف يرى الحديثين في فضل الرجلين حجة لاستخلافهما ولم ير ما ورد في الكتاب والسنة من ألوف المناقب في علي عليه السلام عذرا عند ربه إن سئل عن استخلافه ؟ وكيف لم يجد من نطق القرآن بعصمته، ونزلت فيه آية التطهير، وعده الكتاب نفس النبي الأقدس أهلا للاستخلاف ؟ وما باله لم يستخلف عبد الله بن عمر لجهله بمسألة واحدة ؟ وكان أكثر علما من أبيه، ولم يكن عمر يرى الخليفة إلا خازنا وقاسما غير مفتقر إلى أي علم كما صح عنه في خطبة له من قوله : أيها الناس ! من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب. ومن أراد أن يسأل عن الفرائض ؟ فليأت زيد بن ثابت. ومن أراد أن يسأل عن الفقه ؟ فليأت معاذ بن جبل. ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله جعلني خازنا وقاسما (1). 11 - وما عن ابن عمر إنه قال لعمر : إن الناس يتحدثون إنك غير مستخلف ولو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثم جاء وترك رعيته رأيت أن قد فرط، ورعية الناس أشد من رعية الإبل والغنم، ماذا تقول لله عز وجل إذا لقيته ولم تستخلف على عباده ؟ قال : فأصابه كآبة ثم نكس رأسه طويلا ثم رفع رأسه وقال : إن الله تعالى حافظ الدين وأي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يأتي الكلام حول هذه الخطبة وصحتها في الجزء السادس.
/ صفحة 362 / ذلك أفعل فقد سن لي. إن لم استخلف ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف ؟ فقد استخلف أبو بكر. قال عبد الله : فعرفت إنه غير مستخلف. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 ص 44، وابن السمان في " الموافقة " كما في " الرياض النضرة " 2 ص 74، م - وأخرجه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم وغيره عن عبد الرزاق، والبخاري من وجه آخر عن معمر كما في " سنن البيهقي 8 : 149، وفي لفظة : قلت له : إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك : زعموا أنك غير مستخلف وقد علمت أنه لو كان لك راعي غنم فجاءك وقد ترك رعايته رأيت أن قد ضيع فرعاية الناس أشد. قال : فوافقه قولي فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال : إن الله يحفظ دينه وإن لا أستخلف ؟ فإن رسول الله لم يستخلف وإن استخلف ؟ فإن أبا بكر قد استخلف. الحديث. وبهذا اللفظ ذكره ابن الجوزي في سيرة عمر ص 190 ]. 12 - وما أخرجه أبو زرعة في كتاب " العلل " عن ابن عمر قال : لما طعن عمر قلت : يا أمير المؤمنين لو اجتهدت بنفسك وأمرت عليهم رجلا ؟ قال : اقعدوني. قال عبد الله فتمنيت لو أن بيني وبينه عرض المدينة فرقا منه حين قال : أقعدوني. ثم قال : والذي نفسي بيده لأردنها إلى الذي دفعها إلي أول مرة. الرياض النضرة 2 : 74. 13 - وما روى ابن قتيبة في " الإمامة والسياسة " ص 22 من أن عمر لما أحس بالموت قال لابنه عبد الله : اذهب إلى عائشة واقرئها مني السلام واستأذنها أن أقبر في بيتها مع رسول الله ومع أبي بكر فأتاها عبد الله فأعلمها فقالت : نعم وكرامة، ثم قالت : يا بني أبلغ عمر سلامي وقل له : لا تدع أمة محمد بلا راع، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا، فإني أخشى عليهم الفتنة. فأتى عبد الله فأعلمه فقال : ومن تأمرني أن أستخلف لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح باقيا، استخلفته ووليته فإذا قدمت على ربي فسألني وقال لي : من وليت على أمة محمد ؟ قلت : أي رب ! سمعت عبدك ونبيك يقول : لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح. ولو أدركت معاذ بن جبل استخلفته ؟ فإذا قدمت على ربي فسألني : من وليت على أمة محمد ؟ قلت : أي رب ! سمعت عبدك ونبيك يقول : إن معاذ بن جبل يأتي بين يدي العلماء يوم القيامة، ولو أدركت خالد بن وليد ؟ لوليته فإذا قدمت على ربي فسألني : من وليت على أمة محمد ؟ قلت :
/ صفحة 363 / أي رب ! سمعت عبدك ونبيك يقول : خالد بن وليد سيف من سيوف الله سله على المشركين. ولكني سأستخلف النفر الذي توفي رسول الله وهو عنهم راض. الحديث. وذكر في أعلام النساء 2 : 876. قال الأميني : ليت عمر بن الخطاب كان على ذكر مما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله في علي أمير المؤمنين ولو حديثا واحدا مما أخرجه عنه الحفاظ فكان يستخلفه ويراه عذرا عند ربه حينما سأله عمن ولاه أمة محمد، ولعله كان يكفيه ذكر ما أجمعت الأمة الإسلامية عليه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : إني مخلف فيكم الثقلين - أو تارك فيكم خليفتين - إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا على الحوض. وعلي سيد العترة. م - أليس عمر هو راوي ما جاء في الصحاح والمسانيد من طريقه في علي عليه السلام من قوله صلى الله عليه وآله : علي مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ؟. وقوله صلى الله عليه وآله يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ؟. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ؟. وقوله صلى الله عليه وآله : ما اكتسب مكتسب مثل فضل علي، يهدي صاحبه إلى الهدى، ويرد عن الردى ؟. وقوله صلى الله عليه وآله : لو أن السماوات السبع والأرضين السبع وضعت في كفة ووضع إيمان علي في كفة لرجح إيمان علي ؟ (1) . ألم تكن آي المباهلة والتطهير والولاية إلى أمثالها الكثير الطيب النازل في الثناء على سيد العترة تساوي عند عمر تلكم الموضوعات المختلقة في أولئك الذين تمنى حياتهم ؟ ! والخطب الفظيع أن عمر كان يرى مثل سالم بن معقل - أحد الموالي مولى بني حذيفة وكان من عجم الفرس - أهلا للخلافة وصاحبها الوحيد، ويتمنى حياته لما طعن بقوله : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هذه الأحاديث جاءت كلها من طريق عمر بن الخطاب كما يأتي تفصيله.
/ صفحة 364 / لو كان سالم حيا ما جعلتها شورى. (1) هلا عزيز على رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا يعادل صنوه أمير المؤمنين حتى الموالي والعبيد من أمته بعد تلكم النصوص الواردة فيه كتابا وسنة ؟ ألم يكن عمر نفسه محتجا يوم السقيفة على الأنصار بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الأئمة من قريش ؟ فلماذا نسيه ؟ وكيف يرى لمولى بني حذيفة قسطا من الخلافة ؟ ألم يكن عمر هو الذي ألح على أبي بكر في خالد بن الوليد أن يعزله ويرجمه و يقتله ؟ لما قتل مالك بن نويرة، ونزى على حليلته، وقتل أصحابه المسلمين، وفرق شمله، وأباد قومه، ونهب أمواله، أنسي قوله لأبي بكر : إن في سيف خالد رهقا ؟ أم قوله فيه : عدو الله عدا على امرئ مسلم فقتله ثم نزا على امرأته ؟ أم قوله لخالد : قتلت امرءا مسلما ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنك بأحجارك ؟. نعم : السياسة الشاذة عن مناهج الصلاح تتحف صاحبها كل حين لسانا ومنطقا يختصان به، وهذه الخواطر والآراء والأماني واللهجة الملهوجة هي نتاج السياسة المحضة تضاد نداء كتاب الله ونداء الصادع الكريم، وهي التي جرت الشقاء والشقاق على أمة محمد صلى الله عليه وآله حتى اليوم ]. 14 - وما أخرجه البلاذري في " أنساب الأشراف " 5 : 16 عن ابن عباس قال. قال عمر : لا أدري ما أصنع بأمة محمد - وذلك قبل أن يطعن - فقلت : ولم تهتم وأنت تجد من تستخلفه عليهم ؟ قال : أصاحبكم يعني عليا ؟ قلت : نعم هو أهل لها في قرابته برسول الله وصهره وسابقته وبلائه. فقال عمر : إن فيه بطالة وفكاهة. قلت : فأين أنت عن طلحة ؟ قال : فأين الزهو والنخوة ؟ قلت : عبد الرحمن بن عوف ؟ قال : هو رجل صالح على ضعف. قلت : فسعد ؟ قال : ذاك صاحب مقنت وقتال لا يقوم بقرية لو حمل أمرها. قلت : فالزبير ؟ قال : لقيس مؤمن الرضى كافر الغضب شحيح، إن هذا الأمر لا يصلح إلا لقوي في غير عنف، رفيق في غير ضعف، جواد في غير سرف، قلت : فأين أنت عن عثمان ؟ قال : لو وليها لحمل بني أبي معيط على رقاب الناس ولو فعلها لقتلوه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) طبقات ابن سعد 3 : 248، التمهيد للباقلاني 204، الاستيعاب 2 : 561، طرح التثريب 1 : 49.
/ صفحة 365 / 15 - وما صح عن علي أمير المؤمنين من أنه خطب يوم الجمل فقال : أما بعد : فإن هذه الأمارة لم يعهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها عهدا يتبع أثره، ولكن رأيناها تلقاء أنفسنا، استخلف أبو بكر فأقام واستقام، ثم استخلف عمر فأقام واستقام، ثم ضرب الدهر بجرانه، أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 ص 104، وابن كثير في تاريخه 5 ص 250، وابن حجر في " الصواعق " نقلا عن أحمد. 16 - وما صح عن أبي وائل قال : قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : ألا تستخلف علينا ؟ قال : ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم. أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 ص 79 وصححه هو والذهبي، وأخرجه البيهقي في سننه 8 : 149، وابن كثير في تاريخه 5 : 251 وقال : إسناد جيد، وذكره ابن حجر في " الصواعق " ص 27 عن البزار وقال : رجاله رجال الصحيح. 17 - وما أخرجه أحمد عن عبد الله بن سبع في حديث قالوا لعلي : إن كنت علمت ذلك - يعني القتل - ؟ فاستخلف إذا. قال : لا، أكلكم إلى ما وكلكم رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وأخرجه البيهقي بلفظ : أترككم كما ترككم رسول الله. يه 6 ص 219. وبهذا اللفظ ذكره ابن حجر في " الصواعق " ص 27 وقال : أخرجه جمع كالبزار بسند حسن، والإمام أحمد وغيرهما بسند قوي كما قال ؟ الذهبي. 18 - وما صح عن عائشة قالت : لو كان رسول الله مستخلفا لاستخلف أبا بكر وعمر. أخرجه مسلم في صحيحه كما في " الرياض " 1 : 26، والحاكم في " المستدرك " 3 : 78. 19 - وما ورد في احتجاج أم سلمة على عائشة من قولها : كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر له وكان علي يتعاهد نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخصفهما ويتعاهد أثوابه فيغسلها فنقبت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظل شجرة وجاء أبوك و معه عمر فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب ودخلا يحادثانه فيما أرادا ثم قالا : يا رسول الله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا ؟ فقال لهما : أما إني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الرياض النضرة 1 ص 159، و ج 2 ص 245.
/ صفحة 366 / بن عمران. فسكتا ثم خرجا فلما خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت له وكنت أجرأ عليه منا : من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم ؟ فقال : خاصف النعل. فنزلنا فلم نر أحدا إلا عليا فقلت : يا رسول الله : ما أرى إلا عليا. فقال : هو ذاك. فقالت عائشة : نعم أذكر ذلك. أعلام النساء 2 ص 789. 20 - وما روي من خطبة لعايشة خطبتها بالبصرة : أيها الناس ! والله ما بلغ ذنب عثمان أن يستحل دمه، ولقد قتل مظلوما، غضبنا لكم من السوط والعصا ولا نغضب لعثمان من القتل ؟ وإن من الرأي أن تنظروا إلى قتلة عثمان فيقتلوا به، ثم يرد هذا الأمر شورى على ما جعله عمر بن الخطاب. فمن قائل يقول : صدقت. وآخر يقول : كذبت. فلم يبرح الناس يقولون ذلك حتى ضرب بعضهم وجوه بعض - قال الأميني : كضرب. هذه الأحاديث بعضها وجوه بعض - أعلام النساء 2 ص 796. 21 - وما عن حذيفة رضي الله عنه قال : قالوا : يا رسول الله ! لو استخلفت علينا ؟ قال : إن أستخلف عليكم خليفة فتعصوه ينزل بكم العذاب. قالوا : لو استخلفت علينا أبا بكر ؟ قال إن أستخلفه عليكم ؟ جدوه قويا في أمر الله ضعيفا في جسده. قالوا : لو استخلفت علينا عمر ؟ قال : إن أستخلفه عليكم تجدوه قويا أمينا لا تأخذه في الله لومة لائم. قالوا : لو استخلفت علينا عليا ؟ قال : إنكم لا تفعلوا وإن تفعلوا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم. أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 ص 70، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 1 ص 64 وليس فيه استخلاف أبي بكر وعمر ومنه يظهر تحريف يد الأمانة الحديث. م 22 - وما روي عن ابن عباس قال : قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! استخلف علينا بعدك رجلا نعرفه وننهى إليه أمرنا، فإنا لا ندري ما يكون بعدك. فقال : إن استعملت عليكم رجلا فأمركم بطاعة الله فعصيتموه كان معصيته معصيتي ومعصيتي معصية الله عز وجل، وإن أمركم بمعصية الله فأطعتموه كانت لكم الحجة علي يوم القيامة، ولكن أكلكم إلى الله عز وجل. أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 13 : 160 ]. 23 - ثم إن صحت تلكم النصوص وكانت الخلافة عهدا من الله سبحانه وجاء به جبريل وارتجت دونه السماوات، وهتفت به الملائكة، وصدع به النبي الكريم، وأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر فما المبرر له مما صح عنه في صحيح البخاري
/ صفحة 367 / في باب فضل أبي بكر من قوله يوم السقيفة مخاطبا الحضور : فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة الجراح ؟ وفي تاريخ الطبري 3 ص 209 : قال أبو بكر : هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا. وفي ص 201، ومسند أحمد 1 ص 56 : إني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فأيهما شئتم : عمر أو أبا عبيدة. وفي الإمامة والسياسة 1 ص 7 : إنما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر وكلاهما قد رضيت لكم ولهذا الأمر وكلاهما له أهل. وفي ص 10 قال : إني ناصح لكم في أحد الرجلين : أبي عبيدة بن الجراح أو عمر، فبايعوا من شئتم منهما. قال الأميني : بخ بخ. حسب النبي الأعظم مجدا وشرفا، والاسلام عزا و منعة، والمسلمين فخرا وكرامة استخلاف مثل أبي عبيدة الجراح ولم يكن إلا حفارا مكيا يحفر القبور بالمدينة، وكان فيها حفاران (1) ليس إلا وهما : أبو عبيدة وأبو طلحة. فما أسعد حظ هذه الأمة أن يكون في حفاري قبورها من يشغل منصة النبي صلى الله عليه وآله بعده، ويسد ذلك الفراغ، ويكون هو مرجع العالم في أمر الدين والدنيا، وأي وازع أبا عبيدة من أن يكون خليفة لائتمانه ؟ بعدما كاد معاوية بن أبي سفيان أن يكون نبيا و يبعث لائتمانه وعلمه كما مر في ص 308. غير أني لست أدري ما كانت الحالة يوم ذاك في السماوات عند إيهاب أبي بكر الخلافة الإسلامية لأبي عبيدة ؟ ! وهي كانت ترتج والملائكة تهتف والله يأبى إلا أبا بكر مهما سئلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام وقد أنزله منزلة نفسه نصا من الله العزيز. نعم : كان حقا على السماوات أن يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا. 24 - وما الذي جوز لأبي بكر قوله لعمر بعد قوله له : - أبسط يدك يا أبا بكر فلأبايعك - : بل أنت يا عمر فأنت أقوى لها مني ؟ وكان كل واحد منهما يريد صاحبه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الطبقات الكبرى لابن سعد ص 815 - 819، سيرة ابن هشام 4 : 343، تاريخ الطبري 3 : 204. الامتاع للمقريزي ص 548، تاريخ ابن كثير 5 : 266، 268، السيرة الحلبية 3 : 393.
/ صفحة 368 / يفتح يده يضرب عليها، ففتح عمر يد أبي بكر وقال : إن لك قوتي مع قوتك (1 ). 25 - وكيف كان يرى أبو بكر الأمر للمهاجرين ويجعل للأنصار الوزارة ويقول : منا الأمراء ومنكم الوزراء ؟ تاريخ الطبري 3 : 199، 208، الرياض : 1622، 163. 26 - وما الذي سوغ لأبي بكر قوله : إني وليت هذا الأمر وأنا له كاره، والله لوددت أن بعضكم كفانيه ؟ صفة الصفوة 1 : 99. كيف كان يكره أمرا جعله الله له، وجاء به جبريل، وأخبر به النبي الطاهر ؟ ثم كيف كان يود أن يكفيه غيره ؟ وقد حيل بين النبي وبين أمله مهما سأله الله لعلي، ولم يجعل الله لمشيئة نبيه في الأمر قيمة، وأبى إلا أبا بكر. 27 - وما المسوغ لأبي بكر في استقالته الخلافة من الناس وقوله مرة بعد أخرى : أقيلوني أقيلوني لست بخيركم (2) ؟ وقوله : لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي (3) فكيف كان يرى للناس في إقالته اختيارا، ولرده ما شاء الله وعهده لنبيه مساغا ؟. 28 - وما كان وجه احتجابه عن الناس ثلاثا يشرف عليهم كل يوم يقول : أقلتكم بيعتي فبايعوا من شئتم ؟ (4) أو يخير الناس سبعة أيام ؟ كيف كان يرى لنفسه خيارا في حل عقد بيعته عن رقاب الناس وإقالتهم وقد أبى الله والمؤمنون إلا إياه ؟ ثم كيف يكل أمر الأمة إلى مشيئتها وقد ردت مشيئة النبي صلى الله عليه وآله في ذلك ؟ ووقع في السماوات ما وقع يوم أعرب صلى الله عليه وآله عن أمنيته. 29 - وما كان عذره في قوله من خطبة له : أيها الناس ؟ هذا علي بن أبي طالب لا بيعة لي في عنقه وهو بالخيار من أمره، ألا وأنتم بالخيار جميعا في بيعتكم، فإن رأيتم لها غيري فأنا أول من يبايعكم ؟ السيرة الحلبية 3 : 389. لعل الحرية في الرأي حول البيعة حدثت بعد ما وقع دونها ما وقع في السماوات والأرض. م - بعد ما هرول عمر بين يدي أبي بكر ونبر حتى أزبد شدقاه. بعد ما قيل لحباب بن المنذر البدوي مخالف تلك البيعة : إذن يقتلك الله. بعد ما حطم أنف الحباب وضرب ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 3 : 199، السيرة الحلبية 3 : 386، الصواعق ص 7. (2) الصواعق المحرقة ص 30. (3) الإمامة والسياسة 1 ص 14. (4) الإمامة والسياسة 1 ص 16، الرياض النضرة 1 ص 175.
/ صفحة 369 / يده. بعد ما نودي على سعد أمير الخزرج : اقتلوه قتله الله إنه منافق. بعد ما أخذ قيس بن سعد لحية عمر قائلا : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة. بعد ما قال الزبير وقد سل سيفه : لا أغمده حتى يبايع علي. بعد ما قال عمر : عليكم الكلب - يعني الزبير - فأخذ السيف من يده وضرب به على الحجر. بعد ما دافعوا مقدادا في صدره. بعد التهاجم على دار النبوة، وكشف بيت فاطمة، وإخراج من كان فيه للبيعة عنوة. بعد ما أقبل عمر بقبس من نار إلى دار فاطمة. بعد ما قال عمر : لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقنها على من فيها. بعد ما خرجت بضعة المصطفى عن خدرها وهي تبكي و تنادي بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة بعد ما قادوا عليا عليه السلام إلى البيعة كما يقاد الجمل المخشوش. بعد ما قيل له : بايع وإلا تقتل. بعد ما لاذ بقبر أخيه المصطفى صلى الله عليه وآله باكيا قائلا : يا بن أم إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني. بعد، بعد، إلى مائة بعد (1) ]. ولعل تلك الشدة في إباءة الله وملائكته والمؤمنين خلافة أي أحد إلا أبا بكر كانت مكذوبة على الله وعلى رسوله والمؤمنين، أو كانت صحيحة غير أنها مقيدة بإرادة أبي بكر نفسه ومشيئته. لاها الله كانت مكذوبة ليس إلا. 30 - وما المجوز لعمر قوله لأبي عبيدة الجراح لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله : أبسط يدك فلأبايعك فأنت أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبو عبيدة لعمر : ما رأيت لك فهة (2) مثلها منذ أسلمت، أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين ؟ مسند أحمد 1 ص 35، طبقات ابن سعد 3 ص 128، نهاية ابن الأثير 3 ص 247، صفة الصفوة 1 : 97، السيرة الحلبية 3 : 386، الصواعق 7. فما الذي دعاه إلى ذلك الخلاف الفاحش على تلكم النصوص ؟ وما كان ذلك الاستبداد بالرأي تجاه النص المؤكد من الله العزيز ؟ نعم : وكم له من نظير. 31 - وكيف كان عمر يرى الأمر شورى بين المسلمين ويقول : من بايع أميرا من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا بيعة للذي بايعه تغرة أن يقتلا ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تأتي مصادر هذه الجمل كلها في الجزء السابع. (2) الفهة : العى، الغفلة، والسقطة.
/ صفحة 370 / مسند أحمد 1 : 56، تاريخ ابن كثير 5 : 246. م 32 - وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب الفرايض 2 ص 3، وأحمد في مسنده ج 1 ص 48 عن عمر أنه قام خطيبا فقال : إني رأيت رؤيا كأن ديكا نقرني نقرتين، ولا أرى ذلك إلا لحضور أجلي وإن ناسا يأمرونني أن أستخلف وإن الله عز وجل لم يكن ليضيع خلافته ودينه ولا الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى في هؤلاء الرهط الستة. الحديث. وأخرجه البيهقي في سننه 8 ص 150 فقال : أخرجه مسلم في الصحيح من حديث ابن أبي عروبة وغيره. وحكاه عن مسلم الحافظ ابن الديبع في تيسير الوصول 2 : 49 ]. 33 - وما الذي أباح لعمر أو لغيره من الصحابة قولهم في خلافة أبي بكر : إنها كانت فلتة وقى الله شرها (1 ). أو : فلتة كفلتات الجاهلية (2) فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ؟ (3 ). كيف تسمى تلك الخلافة فلتة بعد ؟ لكم البشارات والانباءات المتواصلة طيلة حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وبعد إعلامه أصحابه بها مرة بعد أخرى إلى أن لفظ نفسه الأخير ؟ و كان صلى الله عليه وآله وسلم - بنص من تلكم الروايات - لم ير فيها حاجة إلى وصية بكتاب، ولم يترقب فيها خلاف أي أحد على أبي بكر، وكيف يرى فيها الشر والحالة هذه ؟ والصحابة كلهم عدول، وأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، وأبى الله أن يختلف عليه كما مر حديثه. م 34 - وما الذي سوغ لعمر عرضه على عبد الرحمن بن عوف أن يستخلفه و يجعله ولي عهده، فقال عبد الرحمن : أتشير علي بذلك إذا استشرتك ؟ فقال : لا والله. فقال عبد الرحمن : إذا لا أرضى أن أكون خليفة بعدك. الفتوحات الإسلامية 2 ص 427 ]. 35 - وما بال الأنصار بأسرها قد تخلفت عن البيعة (4) واجتمعت على خلاف ما في ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري في باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت في الجزء الأخير، ج 10 ص 44، مسند أحمد 1 ص 55، تاريخ الطبري 3 : 200، أنساب البلاذري 5 ص 15، سيرة ابن هشام 4 ص 338، تيسير الوصول 2 ص 42، 44، كامل ابن الأثير 2 : 135، نهاية ابن الأثير 3 : 238 الرياض النضرة 1 : 161، تاريخ ابن كثير 5 : 246، السيرة الحلبية 3 : 388، 392، الصواعق المحرقة 5 و 8 وقال : سند صحيح، تمام المتون للصفدي ص 137، تاج العروس 1 ص 568. (2) تاريخ الطبري 3 : 210. (3) الصواعق المحرقة ص 21. (4) مسند أحمد 1 ص 55.
/ صفحة 371 / تلكم النصوص، وأبت بيعة أبي بكر وقالت : لا نبايع إلا عليا ؟ أو قالت : منا أمير ومنكم أمير (1) وكيف تقاعس عنها طلحة والزبير والمقداد وسلمان وعمار وأبو ذر وخالد بن سعيد ورجال من المهاجرين ؟ (2) وأبوا إلا عليا واجتمعوا في داره عليه السلام وأخرجتهم يد السياسة الوقتية إلى البيعة عنوة ونودي عليهم : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ؟ وما شأن الصحابي العظيم سعد بن عبادة يأنف من بيعة أبي بكر ويقول : أيم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي ؟ وكان لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم. تاريخ الطبري 3 : 198، 200، 207، 210. وما عذر العباس عم النبي الطاهر وبني هاشم في تخلفهم عن تلك البيعة والصفح عن تلكم العهود المؤكدة ؟. 36 - وقبل هذه كلها إباية علي أمير المؤمنين تلك البيعة الانتخابية وحجاجه المفحم على أهلها، قال ابن قتيبة : ثم إن عليا كرم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله، أخو رسول الله. فقيل له : بايع أبا بكر. فقال : أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم وتأخذوه منا أهل البيت غصبا، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم ! فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة، فإذا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيا وميتا فأنصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلا فبووا بالظلم وأنتم تعلمون. فقال له عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع، فقال له علي : إحلب حلبا لك شطره، وشد له اليوم يمدده عليك غدا. ثم قال : والله يا عمر ! لا أقبل قولك ولا أبايعه. فقال أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك - فقال أبو عبيدة بن الجراح كرم الله وجهه : يا ابن عم ! إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم و معرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك، وأشد احتمالا واستطلالا، فسلم لأبي بكر هذا الأمر، فإنك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق و حقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مسند أحمد 1 ص 405، طبقات ابن سعد 2 ص 128. (2) الرياض النضرة 1 ص 167.
/ صفحة 372 / فقال علي كرم الله وجهه : الله الله يا معشر المهاجرين ! ألا تخرجوا سلطان محمد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين ! لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت ونحن أحق بهذا الأمر منكم، ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المتطلع لأمر الرعية، الدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحق بعدا. قال بشير بن سعد الأنصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك. قال : وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة. فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول علي كرم الله وجهه : أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه ؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم. وقال : إن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له : يا أبا حفص ! إن فيها فاطمة. قال : وإن. فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال : حلفت أن لا أخرج ولا ثوبي أضع على عاتقي حتى أجمع القرآن، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوء محضرا منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقا. فأتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : إذهب فادع لي عليا. فذهب إلى علي فقال : ما حاجتك ؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله. فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله. فرجع فأبلغ الرسالة قال : فبكى أبو بكر طويلا فقال عمر الثانية : أن لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة فقال أبو بكر رضي الله عنه
/ صفحة 373 / لقنفذ : عد إليه فقل له : أمير المؤمنين يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال : سبحان الله ؟ لقد ادعى ما ليس له. فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة فبكى أبو بكر طويلا ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ؟ ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة. فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تتصدع وأكبادهم تتفطر، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليا فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له : بايع. فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك. قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله. قال عمر : أما عبد الله فنعم وأما أخو رسوله فلا (1) وأبو بكر ساكت لا يتكلم فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح ويبكي وينادي : يا بن أم ! إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني الإمامة والسياسة 1 ص 12 - 14. 37 - وما الذي سوغ لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة أن يجعلوا للعباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإيعاز من مغيرة بن شعبة نصيبا في الأمر يكون له ولعقبه من بعده ؟ قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة " ج 1 : 15 : فأتى المغيرة بن شعبة فقال : أترى يا أبا بكر أن تلقوا العباس فتجعلوا له في هذا الأمر نصيبا يكون له ولعقبه وتكون لكما الحجة على علي وبني هاشم إذا كان العباس معكم ؟ قال : فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة حتى دخلوا على العباس رضي الله عنه، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ثم قال : إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا وللمؤمنين وليا فمن الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له الله ما عنده فخلي على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متفقين لا مختلفين فاختاروني عليهم واليا ولأمورهم راعيا، وما أخاف بحمد الله وهنا ولا حيرة ولا جبنا، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم، عليه توكلت وإليه أنيب، وما زال يبلغني عن طاعن يطعن بخلاف ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أسلفنا في الجزء الثالث ص 112 - 125 خمسين حديثا في المواخاة بين رسول الله و أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما ومنها ما هو المتواتر الصحيح الثابت، أخرجه الحفاظ عن جمع من الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب، وحديث المواخاة من المتسالم عليه عند الأمة الإسلامية، وعمر أحد رواته كما جاء بطريق صحيح، غير أن السياسة الوقتية سوغت لعمر إنكارها يوم ذاك.
/ صفحة 374 / ما اجتمعت عليه عامة المسلمين ويتخذونكم لحافا، فاحذروا أن تكونوا جهد المنيع فإما دخلتم فيما دخل فيه العامة، أو دفعتموهم عما مالوا إليه، وقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك ولعقبك من بعدك إذ كنت عم رسول الله، وإن كان الناس قد رؤا مكانك ومكان أصحابك فعدلوا الأمر عنكم، على رسلكم بني عبد المطلب ! فإن رسول الله منا ومنكم. ثم قال عمر : أي والله وأخرى : إنا لم نأتكم حاجة منا إليكم، ولكنا كرهنا أن يكون الطعن منكم فيما اجتمع عليه العامة، فتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا. فتكلم العباس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله بعث محمدا كما زعمت نبيا و للمؤمنين وليا فمن الله بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له ما عنده فخلى الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحق لا مائلين عنه بزيغ الهوى، فإن كنت برسول الله طلبت ؟ فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت ؟ فنحن منهم متقدمون فيهم، وإن كان هذا الأمر إنما يجب لك بالمؤمنين ؟ فما وجب إذ كنا كارهين، فأما ما بذلت لنا فإن يكن حقا لك ؟ فلا حاجة لنا فيه، وإن يكن حقا للمؤمنين ؟ فليس لك أن تحكم عليهم، وإن كان حقنا ؟ لم نرض عنك فيه ببعض دون بعض. وأما قولك : إن رسول الله منا ومنكم فإنه قد كان من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها. 38 - وما عذر من استشكل على أبي بكر في استخلافه عمرا على الصحابة ؟ قالت عايشة رضي الله عنها لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا : يا خليفة رسول الله ! ماذا تقول لربك غدا إذا قدمت عليه وقد استخلفت علينا ابن الخطاب ؟ قالت : فأجلسناه فقال : أبالله ترهبوني ؟ أقول : استخلفت عليهم خيرهم. سنن البيهقي 8 ص 149 ]. 39 - وما الذي أقعد عليا أمير المؤمنين عن بيعة عثمان يوم الشورى بعد ما بايعه عبد الرحمن بن عوف وزملائه وكان علي قائما فقعد، فقال له عبد الرحمن : بايع و إلا ضربت عنقك، ولم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره، فيقال : إن عليا خرج مغضبا فلحقه أصحاب الشورى وقالوا : بايع وإلا جاهدناك. فأقبل معهم حتى بايع عثمان. الأنساب للبلاذري 5 : 22.
/ صفحة 375 / قال الطبري في تاريخه 5 : 41. جعل الناس يبايعونه وتلكا علي فقال عبد الرحمن : ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما. فرجع علي يشق الناس حتى بايع وهو يقول : خدعة وأيما خدعة. وفي الإمامة والسياسة 1 ص 25 قال عبد الرحمن : لا تجعل يا علي سبيلا إلى نفسك فإنه السيف لا غيره. وفي صحيح البخاري 1 : 208 : لا يجعلن على نفسك سبيلا. قال الأميني : كان قتل المتخلف عن البيعة في ذلك الموقف وصية من عمر بن الخطاب كما أخرجه الطبري في تاريخه 5 ص 35 قال وقال - عمر - لصهيب : صل بالناس ثلاثة أيام وأدخل عليا وعثمان والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف وطلحة - إن قدم - (1) وأحضر عبد الله بن عمر ولا شئ له من الأمر وقم على رؤسهم فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه. أو : اضرب رأسه بالسيف. وإن اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رؤسهما، فإن رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس. وذكره البلاذري في " الأنساب " 5 ص 16، 18، وابن قتيبة في " الإمامة والسياسة " 1 ص 23. وابن عبد ربه في " العقد الفريد " 2 : 257. أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون [ النجم 59 ] ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كان غائبا في ماله بالسراة.
ليست هذه الروايات إلا جلبة وصخبا تجاه الحقيقة الراهنة، ووجاه الخلافة الحقة الثابتة بالنصوص الصريحة الصحيحة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد صدع بها النبي الأمين وحيا من الله العزيز من يوم بدء الدعوة إلى آخر نفس لفظه. إن هي إلا اللغط والشغب دون أمر ليس لخلق الله فيه أي خيرة، وقد نص النبي الأعظم في بدء دعوته على أن الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء وذلك يوم عرض نفسه صلى الله عليه وآله على بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله فقال له قائلهم : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال : إن الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء (1) إن هي إلا سلسة بلاء وحلقة شقاء تجر الأمة إلى الضلال، وتسف بها إلى حضيض التعاسة، وتديمها في الجهل المبير، ومهاوي الدمار. إن هي إلا ولائد النزعات الباطلة، والأهواء المضلة، لا مقيل لها في مستوى الحق والصدق، ولا قيمة لها في سوق الاعتبار. إن هي إلا نسيجة يد الإفك والزور، حبكها التزحزح عن قانون العدل، والتنحي عن شرعة الحق، والبعد عن حكم الأمانة. إن هي إلا صبغة الهث والدجل شوهت بها صفحات التاريخ، لا يرتضيها أي ديني من رجالات المذاهب، ولا يعول عليها المثقف النابه، ولا يتخذها السالك إلى الله سبيلا، ولا يجد الباحث عن الحق فيها أمنيته. إن هي إلا نبرات فيها نترات لفقتها المطامع في لماظة العيش، ونجفة الحياة، وزخارف الدنيا القاضية على سعادة البشر. إن هي إلا قبسات الفتن المضلة، وجذوات مقابس العاطفة والهوى، تفتن الجاهل المسكين، وتحيده عن رشده، وتجعله في بهيتة من أمر دينه، فتحترق بها أصول سعادته في الحياة الدنيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سيرة ابن هشام 2 : 33، الروض الأنف 1 : 264، السيرة الحلبية 2 : 3، السيرة النبوية لزيني دحلان 1 : 302،
/ صفحة 377 / إن هي إلا مدرسات الأمة فاحش التقول. وسيئ الإفك والافتعال، تعلمها الحياد عن مناهج الصدق والأمانة، وتحثها على الكذب على الله وعلى قدس صاحب الرسالة وعلى أمناؤه وثقات أمته. هل يجد الباحث سبيلا لنجاته عن هذه الورطات المدلهمة ؟ وهل يرجى له الفوز من تلكم السلاسل وقد صفدته من حيث لا يشعر ؟ أي مصدر وثيق يحق أن يثق به الرجل ؟ وعلى أي كتاب أو على أي سنة حري بأن يحيل أمره ؟ أليست الكتب مشحونة بتلكم الأكاذيب المفتعلة المنصوصة على وضعها ؟ أليست تلكم المئات من ألوف الأحاديث المكذوبة مبثوثة في طيات التآليف والصحف ؟ ما حيلة الرجل وهو يرى المؤلفين بين من يذكرها مرسلا إياها إرسال المسلم، وبين من يخرجها بالإسناد ويردفها بما يموه على الحق مما يعرب عن قوتها ؟ أو يرويها غير مشفع بما فيها من الغميزة متنا أو إسنادا ؟ كل ذلك في مقام سرد الفضائل، أو إثبات الدعاوي الفارغة في المذاهب. ثم ما حيلته ؟ وهو يشاهد وراء أولئك الأوضاح من المؤلفين أفاك القرن الرابع عشر - القصيمي - رافعا عقيرته بقوله : ليس في رجال الحديث من أهل السنة من هو متهم بالوضع والكذابة. راجع ص 208. فما ذنب الجاهل المسكين والحالة هذه في عدم عرفان الحق ؟ وما الذي يعرفه صحيح السنة من سقيمها ؟ وأي يد تنجيه من عادية التقول والتزوير ؟ وهل من مصلح يحمل بين جنبيه عاطفة دينية صادقة ينقذه عن ورطات القالة وغمرات الدجل ؟. نعم : كتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة، وفصلنا لكل شئ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون، وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم، بغيا بينهم، إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون، فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها و اتبع هواه فتردى، والسلام على من اتبع الهدى.
قال الحافظ جلال الدين السيوطي في " تحذير الخواص " ص 21 : فائدة لا أعلم
/ صفحة 378 / شيئا من الكبائر قال أحد من أهل السنة بتكفير مرتكبه إلا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الشيخ أبا محمد الجويني (1) من أصحابنا وهو والد إمام الحرمين (2) قال : إن من تعمد الكذب عليه صلى الله عليه وسلم يكفر كفرا يخرجه عن الملة. وتبعه على ذلك طائفة منهم : الإمام ناصر الدين ابن المنير من أئمة المالكية، وهذا يدل على أنه أكبر الكبائر لأنه لا شيئ من الكبائر يقتضي الكفر عند أحد من أهل السنة. إنتهى.
حكم الحفاظ لتلكم الموضوعات المبهرجة
يتبين حكم مخرجي تلكم الروايات المكذوبة على نبي العظمة في الكتب و المعاجم من أئمة الحديث وحفاظه، ومن رجال السير والتاريخ خلفا وسلفا مما أخرجه الخطيب وصححه ابن الجوزي من قول رسول الله صلى الله عليه وآله : من روى مني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين. (3) والله يقول : ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين، وإنه لتذكرة للمتقين، وإنا لنعلم أن منكم مكذبين (4) أفترى أولئك الحفاظ والمؤرخين عالمين بحقيقة تلكم الأكاذيب المفتعلة ؟ قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل، ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا، أولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين (5) أم تراهم جاهلين بها ؟ وما لهم بذلك من علم فكذبوا صما و عميانا، ويحسبون أنهم على شئ، ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون، فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إمام الشافعية عبد الله بن يوسف المتوفى 438 كان إماما في الفقه والأصول والأدب والعربية. وجوين قرية من نواحي نيسابور. (2) أبو المعالي عبد الملك بن الشيخ أبي محمد المتوفى 478. (3) تاريخ بغداد 4 ص 161، المنتظم 8 ص 268. (4) سورة الحاقة : 44، 45، 46، 47، 48، 49. (5) سورة هود : 18. |