عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
لما وقع غير واحد من شعراء الغدير نظراء المترجم البرسي - في شبك النقد والاعتراض، ورموا بالغلو، وجاء غير واحد من المؤلفين(1) فشن عليهم الغارات بالقذف والسباب المقذع فيهمنا إيقاف الباحث على هذا المهم حتى لا يستهويه اللغب و الصخب، ولا يصيخ إلى النعرات الطائفية الممقوتة، وقول الزور فنقول : الغلو على ما صرح به أئمة اللغة كالجوهري والفيومي والراغب وغيرهم هو تجاوز الحد، ومنه غلا السعر يغلو غلاء، وغلا الرجل غلوا، وغلا بالجارية لحمها وعظمها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها قال الحرث بن خالد المخزومي : خمصـــانة قلق موشحها * رود الشباب غلابها عظم ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تغالوا في النساء فإنما هن سقيا الله(2) وقول عمر : لا تغالوا في مهور النساء(3) والغلو ممقوت لا محالة أينما كان وحيثما كان في أي أمر كان ، ولا سيما في الدين وعليه ينزل قوله تعالى في موضعين(4) من الذكر الحكيم: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم. ويعني في ذلك كما ذكره المفسرون(5) غلو اليهود في عيسى حتى قذفوا مريم، وغلو النصارى فيه حتى جعلوه ربا. فالافراط والتقصير كله سيئة . والحسنة بين السيئتين كما قاله مطرف بن عبد الله، وقال الشاعر : وأوف ولا تستـــــوف حقـــــك كله * وصافـــــح فــــلم يستوف قط كريم ولا تغل في شئ من الأمر واقتصد * كـــــلا طـــــرفي قصد الأمور ذميم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كابن تيمية وابن كثير، والقصيمي وموسى جار الله. ومن لف لفهم . (2) البيان والتبيين 2 ص 21 . (3) راجع الجزء السادس من الكتاب ص 96 ط 2 . (4) النساء: 171، المائدة: 77 . (5) تفسير القرطبي 6 ص 21.
/ صفحة 70 / وقال آخر : عـــــليك بأوساط الأمور فإنها * نجاة ولا تركب ذلولا ولا صعبا وقال مولانا أمير المؤمنين: إن دين الله بين المقصر والغالي فعليكم بالنمرقة الوسطى فيها يلحق المقصر، ويرجع إليها الغالي(1) غير أن من الواجب تعيين الحد الذي لا يجوز في الدين أن يتجاوزه الانسان لاستلزام الغلو الكذب تارة، والاغراء بالجهل أخرى، وبخس الحقوق الواجبة آونة، لا ما دأبت عليه أمة من الرمي بالغلو كل قائل ما لا يروقها، وتحدوها العصبية العمياء إلى التجهم أمام القول بما لا يلائم ذوقها ، ومن هذا الباب أكثر ما ترمى به الشيعة الإمامية من الغلو لاعتقادهم أو روايتهم فضائل لأئمة أهل البيت عليهم السلام، وقد طفحت بها الصحاح والمسانيد، وتدفقت بنقلها الكتب والمؤلفات، حيث لم يقم من نبزهم به لأئمة الهدى وزنا تقيمه الحقيقة ويقتضيه مقامهم الأسمى، ذلك المقام الشامخ المستنبط من الكتاب والسنة والاعتبار الصحيح والقضايا الخارجية الصادقة المتسالم عليها بين الأمة، لولا أن هناك من يتعامى أو يتصامم عن رؤية هذه وسماع هاتك، أو تقصر منته العلمية عن تحليل الفلسفة الصحيحة، أو يقصر باعه عن الإحاطة بالكائنات التاريخية، من الذين استأسرهم الهوى وتدهور بهم الجهل إلى هوة التيه والضلال، فعدوا من الغلو الفاحش القول بعلم الغيب فيهم أو إخبارهم عما في الضمير، أو تكلم الموتى معهم، أو علمهم بمنطق الطير والحيوانات، أو إحياء الله الموتى بدعائهم، أو استجابة دعواتهم في برء الأكمه والأبرص، وبل كل ذي عاهة، أو القول بالرجعة لهم، أو ظهور كرامة لهم تخرق العادة، أو الشخوص إلى زيارة قبورهم والتوسل بهم، والتبرك بتربتهم، والدعاء والصلاة عند مراقدهم، أو التلهف والتأسف على ما انتابهم من المصائب، إلى كثير من أمثال هذه من مبادئ تراها الشيعة في العترة الهادية من فضائلهم المدعومة بالبرهنة الصحيحة والحجج القوية مما أنكرته أبناء حزم وجوزي وتيمية وقيم وكثير ومن حذا حذوهم ولف لفهم . ولعل لهم العذر في ذلك بأن الذي يرتأونه في الخليفة لا يزيد على أنه رجل يقطع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ربيع الأبرار للزمخشري.
/ صفحة 71 / السارق ويقتص من القاتل، ويحفظ الثغور، ويدحر الهرج في الأوساط، ويجمع الفئ ويقسم، إلى أمثال هذه مما هو شأن الملوك والأمراء في الأمم والأجيال، وتعرب عنه خطب أبي بكر وعمر لما استخلفا(1) واستخلاف عثمان ومعاوية وابنه الطاغي، وهلم جرا، وحديث عبد الله بن عمر وحميد بن عبد الرحمن كما يأتي بيانه . وهم لا يوجبون في الخليفة قوة في النفس منبعثة عن نزاهة وقداسة وعصمة يتصرف بها صاحبها في الكائنات كيفما اقتضته المصلحة، ويبصر المغيب بعين بصيرته، أو بنور بصره الذي لا يقل عن أشعة(رنتجن) التي يبصر صاحبها الأمعاء من وراء الجلد الغليظ وتري ما في قبضة المسك بيده من ظهر اليد، وبلغت بها القوة حتى أخذت بها الصورة الشمسية من وراء سياج الصندوق الحديدي . والذي يخبت في القوى النفسية إلى مثل التنويم المغناطيسي الصناعي أو استحضار الأرواح واستخدامها للجواب عن كل مسألة يريدها الانسان مما في وراء عالم الشهود بقوة نفسه كيف يسعه إنكار رد الأرواح إلى الأجسام بإذن ربها لدعاء ولي، أو مقدرة صديق موهوبة له من بارئ كيانه ؟ وليس على الله بعزيز، هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون . وكذلك من يشهد: إن الطائرات الجوية تطوي مئات من الفراسخ في آونة قصيرة، وكان يستدعي ذلك إشغال أشهر من الزمن يوم كانوا يطوونها على الظهور ، أنى يسيغ له حجاه أن ينكر طي الأرض لمن يحمل بين جنبيه قوى مفاضة من المبدء الحق سبحانه ؟ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب(2) . ومثله: الذي يبصر المذياع وهو ينقل الأصوات من أبعد المسافات فيسمعها كأنه يتلو القرآن الكريم، أو يلقي خطابته، أو يسرد أخباره، أو يغني بأهازيجه إلى جنبه فهو لا يسعه إنكار ما يشابه ذلك في إمام حق مؤيد من عند الله، إن الله يسمع من يشاء وما أنت بسمع من في القبور(3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الجزء السادس من الكتاب ص 191 ط 2 وهذا الجزء فيما يأتي . (2) سورة النمل آية 88 . (3) سورة فاطر آية 22 .
/ صفحة 72 / ونظيره: المتكلم الذي تمثل له بالقوى الممثلة صورة من يخاطبه ويتكلم معه (في الهاتف) من صقع شاسع كأنه يراه وينظر إليه من كثب. وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض(1) . وأمثال هذه في المكتشفات الحديثة من آثار الكهرباء وغيره كثيرة ذللت فيهم المعضلات التي كانت تقصر عنها العقول السذج قبل هذا اليوم، ولعل في المستقبل الكشاف يكون ما هو أعظم وأعظم من هذه كلها، فإن العلم لم يقف على حد، ولا دلت البرهنة على وصول الكشف إلى غايته المحدودة، فمن الجائز أن يتدرج إلى الإمام كما تدرج في هذه القرون الأخيرة جلت قدرة بارئها . أنا لا أحاول جعل تلكم المعاجز وكرامات الأولياء من قبيل ما ذكرته من مجاري الناموس الطبيعي، ولو أنها لا يعدوها الاعجاز حتى لو كانت على تلك المجاري ، لأنها حدثت يوم لم تكن هذه الآثار مكتشفة، ولا عرفها أحد من الناس، حتى أنه لو فاه بها أحد لما كانوا يحفلون به إلا بالهزء والسخرية معتقدين بأنه يلهج بالمحال فصدورها من إنسان هذا ظرفه وتلك أحوال أمته، ولم يعهد أنه دخل كلية أو تخرج على يد أستاذ لا يعدوه أن تكون معجزة، لكنا نعتقد أن أولئك الأئمة بما أنهم مقيضون لإصلاح الأمة ولا يكون إلا بخضوعها لهم، وأقوى الحجج لاستلانة جماحها لذلك الخضوع هو صدور المعجزات والخوارق - لهم صلة بالمبدء الأقدس يسددهم بها من فوق عالم الطبيعة، وهو لازم اللطف الواجب على الله سبحانه من تقريب البعيد إلى ما ذكرناه من الاكتشافات الحديثة لتقريب الأذهان وتشحيذها، وإيقاف المنصف على الحقايق. وقد فصلنا القول في بعض الموضوع في الجزء الخامس 52، 65 ط 2 . فهلم معي إلى أناس يشنعون على الشيعة باثبات تلكم النسب ويقذفونهم بالغلو والكفر والشرك وهم يثبتونها لغير واحد من أولياءهم، وذكروا أضعاف ما عند الشيعة من تلكم الفضائل المرمية بالغلو في تراجم العاديين من رجالهم، ونشروها في الملأ واتخذوها تاريخا صحيحا من دون أي غمز وإنكار في السند، ومن غير مناقشة و نظرة صحيحة في المتون، كل ذلك حبا وكرامة لأولئك الرجال، وحب الشيئ يعمي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سوره الأنعام آية 75.
/ صفحة 73 / ويصم، وهذه السيرة مطردة فيهم منذ القرن الأول حتى اليوم، ولا يسع لأي باحث رمي أولئك المؤلفين الحفاظ بالضلال والشرك والغلو وخروجهم عما أجمعت عليه الأمة الإسلامية كما هم رموا الشيعة بذلك، على أن الباحث يجد فيما لفقته يد الدعاية والنشر، ونسجته أكف المخرقة والغلو في الفضائل، عجائب وغرائب أو قل: سفاسف وسفسطات، تبعد عن نطاق العقل السليم، فضلا عن أن تكون مشروعة أو غير مشروعة وإليك البيان :
ليس من العسير الشديد عرفان حدود أي فرد شئت من الصحابة، إذ التاريخ - مع ما فيه من الخبط والخلط، مع ما نسجت عليه أيدي المعرة الأثيمة، مع ما طمس صحيحه بالفتن المظلمة في أدوارها وقرونها الخالية، مع ما لعبت به الأهواء المضلة بالتحريف والاختلاق، مع ما دس فيه عباقية الإفك والافتعال، مع ما سودت صفحاته بآراء تافهة، و نظريات سخيفة، ومبادئ فاسدة، ونعرات طائفية، ومخاريق قومية، وجنايات شعوبية - فيه رمز من الحقيقة، لا يختلط للناقد البصير زبده بخاثره، وصحيحه بسقيمه، ويسع له أن يستخرج المحض بالمخض، يتخذ منه دروس الحقايق، ويعرف به حدود الرجال، ومقاييس السلف، ومقادير الأمم الغابرة ، ومن اللازم المحتوم علينا النظرة في تراجم الشخصيات البارزة من رجال الاسلام سلفا وخلفا بعين الإكبار دون عين رمصة، ولا سيما من عرف منهم بالخلافة الراشدة بين الملأ الديني ولو بالانتخاب الدستوري الذي ليس له أي قيمة وكرامة في سوق الاعتبار، وميزان العدل، ربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة(1) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم(2) ولله الأمر من قبل ومن بعد، وهو وليهم بما كانوا يعملون، وكذبوا وأتبعوا أهوائهم وكل أمر مستقر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة القصص آية 68 . (2) سورة الأحزاب آية 36.
/ صفحة 74 / فصاحب النبي الأعظم في الغار، والمهاجر الوحيد معه في الرعيل الأول من المهاجرين السابقين يهمنا إكباره وإعظامه، ويعد من الجنايات الفاحشة بخس حقه ، والتقصير في تحديد نفسياته، والخروج عن قضاء العدل فيها، والنزول على حكم العاطفة . ونحن لا نحوم حول موضوع الخلافة وإنها كيف تمت ؟ كيف صارت ؟ كيف قامت ؟ كيف دامت ؟ وإن الآراء فيها هل كانت حرة ؟ ووصايا المشرع الأعظم هل كانت متبعة ؟ أو كانت للأهواء والشهوات يوم ذاك حكومة جبارة هي تبطش وتقبض، وهي ترفع وتخفض، وهي ترتق وتفتق، وهي تنقض وتبرم، وهي تحل وتعقد . لا يهمنا البحث عن هذه كلها بعد ما سمعت أذن الدنيا حديث السقيفة مجتمع الثويلة، وقرطت بنبأ تلك الصاخة الكبرى، والتحارش العظيم بين المهاجرين والأنصار ، إذا وقعت الواقعة، ليس لوقعتها كاذبة، خافضة رافعة . ما عساني أن أقول ؟ والتاريخ بين يدي الباحث يدرسه بأن كل رجل من سواد الناس يوم ذاك كان يرى الفوز والسلامة لنفسه في عدم التحزب بأحد من تلكم الأحزاب المتكثرة، وترك الاقتحام في تلك الثورات النائرة، وكانت الخواطر تهدده بالقتل مهما أبدى الشقاق، أو التحيز إلى فئة دون فئة، بعد ما رأت عيناه فرند الصارم المسلول ، وسمعت أذناه نداء محز(1) يتوعد بالقتل كل قائل بموت رسول الله ويقول: لا أسمع رجلا يقول: مات رسول الله. إلا ضربته بسيفي. أو يقول: من قال: إنه مات. علوت رأسه بسيفي، وإنما ارتفع إلى السماء(2) . يصيح: من قال نفس المصطفى قبضت * عـــــلوت هـــــامته بالسيـف أبريها(3) بعد ما تشازرت الأمة وتلاكمت وتكالمت وقام الشيخان يعرض كل منهما البيعة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المحز: الرجل الغليظ الكلام . (2) تأريخ الطبري 3: 198، شرح ابن أبي الحديد 1: 128، تاريخ ابن كثير 5 : 242، تأريخ أبي الفدا ج 1: 156، المواهب اللدنية للقسطلاني، روضة المناظر لابن شحنة هامش الكامل 7: 164، شرح المواهب للزرقاني 8: 280، السيرة النبوية لزيني دحلان هامش الحلبية 3: 371 - 374، ذكرى حافظ للدمياطي ص 36 نقلا عن الغزالي . (3) من أبيات القصيدة العمرية لحافظ إبراهيم شاعر النيل.
/ صفحة 75 / لصاحبه قبل أخذ الرأي عن أي أحد، كأن الأمر دبر بليل، فيقول هذا لصاحبه : أبسط يدك فلا بايعك. ويقول آخر: بل أنت. وكل منهما يريد أن يفتح يد صاحبه ويبايعه، ومعهما أبو عبيدة الجراح حفار القبور بالمدينة(1) يدعو الناس إليهما(2) والوصي الأقدس والعترة الهادية وبنو هاشم ألهاهم النبي الأعظم وهو مسجى بين يديهم وقد أغلق دونه الباب أهله(3) وخلى أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين أهله فولوا إجنانه(4) و مكث ثلاثة أيام لا يدفن(5) أو من يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء أو ليلته(6) فدفنه أهله ولم يله إلا أقاربه(7) دفنوه في الليل أو في آخره(8) ولم يعلم به القوم إلا بعد سماع صريف المساحي وهم في بيوتهم من جوف الليل(9) ولم يشهد الشيخان دفنه صلى الله عليه وآله وسلم(10) . بعد ما رأى الرجل عمر بن الخطاب محتجرا يهرول بين يدي أبي بكر وقد نبر حتى أزبد شدقاه(11) . بعد ما قرعت سمعه عقيرة صحابي بدري عظيم - الحباب بن المنذر - وقد انتضى سيفه على أبي بكر ويقول: والله لا يرد علي أحد ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف ، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الجزء الخامس من هذا الكتاب ص 314، 315 ط 2 . (2) تأريخ الطبري 3: 199 . (3) سيرة ابن هشام 4: 336، الرياض النضرة 1: 163 . (4) طبقات ابن سعد ص 821 ط ليدن ج 2 من القسم الثاني ص 76 . (5) تاريخ ابن كثير 5 ص 271، تاريخ أبي الفدا ج 1: 152 . (6) طبقات ابن سعد ط ليدن ج 2 ص 58، 79، سيرة ابن هشام 4 ص 343، 344، مسند أحمد 6: 274، سنن ابن ماجة 1 ص 499، سيرة ابن سيد الناس 2 ص 340، تأريخ أبي الفداء 1: 152 وقال: الأصح دفنه ليلة الأربعاء، تاريخ ابن كثير 5 ص 171 وقال: هو المشهور عن الجمهور. وقال: والصحيح أنه دفن ليلة الأربعاء، السيرة الحلبية 3 ص 394، شرح المواهب للزرقاني 8 ص 284، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية 3 ص 380 . (7) طبقات ابن سعد ص 824، ط ليدن 2 من القسم الثاني ص 78 . (8) سنن ابن ماجة 1 ص 499، مسند أحمد 6: 274 . (9) الطبقات لابن سعد ص 824 ط ليدن 2 من القسم الثاني ص 78، مسند أحمد 6: 274 ، سيرة ابن هشام 4 ص 344، تأريخ ابن كثير 5 ص 270 . (10) أخرجه ابن أبي شيبة كما في كنز العمال 3 ص 140 . (11) طبقات ابن سعد ص 787، ط ليدن ج 2 من القسم الثاني ص 53، شرح ابن أبي الحديد 1 ص 133.
/ صفحة 76 / أنا جذيلها المحكك(1) وعذيقها المرجب، أنا أبو شبل في عرينة الأسد يعزى إلى الأسد ، فيقال عليه: إذن يقتلك الله. فيقول: بل إياك يقتل. أو: بل أراك تقتل(2) فأخذ ووطئ في بطنه، ودس في فيه التراب(3) . بعد ما شاهد ثالثا يخالف البيعة لأبي بكر وينادي: أما والله أرميكم بكل سهم في كنانتي من نبل. وأخضب منكم سناني ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، وأقاتلكم مع من معي من أهلي وعشيرتي(4) . بعد ما رأى رابعا يتذمر على البيعة، ويشب نار الحرب بقوله: إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم(5) . بعد ما نظر إلى مثل سعد بن عبادة أمير الخزرج وقد وقع في ورطة الهون ينزى عليه، وينادى عليه بغضب: اقتلوا سعدا قتله الله إنه منافق. أو: صاحب فتنة. وقد قام الرجل على رأسه ويقول: لقد هممت أن أطئك حتى تندر عضوك. أو تندر عيونك(6) . بعد ما شاهد قيس بن سعد قد أخذ بلحية عمر قائلا: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة. أو: لو خفضت منه شعرة ما رجعت وفيك جارحة(7) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الجذل بالكسر والفتح: أصل الشجرة والعود الذي ينصب للإبل الجربى لتحتك به فتستشفى به، فالقول مثل يضرب لمن يستشفى برأيه ويعتمد عليه، والتصغير للتعظيم . وكذلك عذيقها المرجب. والعذق: النخلة بحملها والترجيب أن تدعم الشجرة إذ أكثر حملها لئلا تنكسر أغصانها . (2) صحيح البخاري 10 ص 45، مسند أحمد 1 ص 56، البيان والتبيين 3 ص 181 . سيرة ابن هشام 4 ص 339 العقد الفريد 2 ص 248، الإمامة والسياسة 1 ص 9، تأريخ الطبري 3 ص 209، 210، تاريخ ابن الأثير 2 ص 136، 137، الرياض النضرة 1 ص 162، 164 ، تاريخ ابن كثير 5 ص 246 ج 7 ص 142، الصفوة 1 ص 97، تيسير الوصول 2 ص 45، شرح ابن أبي الحديد 1 ص 128 و ج 2 ص 4، السيرة الحلبية 3 ص 387، أبو بكر الصديق للأستاذ محمد رضا المصري ص 25 . (3) شرح ابن أبي الحديد 2 ص 16 . (4) الإمامة والسياسة 1 ص 11، تاريخ الطبري 3 ص 210، تاريخ ابن الأثير 2 ص 137 . شرح ابن أبي الحديد 1 ص 128، السيرة الحلبية 3 ص 387 . (5) راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا صفحة 253 ط 2 . (6) مسند أحمد 1 ص 56، العقد الفريد 2 ص 249، تاريخ الطبري 3 ص 210، سيرة ابن هشام 4 ص 339، الرياض النضرة 1: 162، 164، السيرة الحلبية 3 ص 387 . (7) تاريخ الطبري 3 ص 210، السيرة الحلبية 3 ص 387.
/ صفحة 77 / بعد ما عاين الزبير وقد اخترط سيفه ويقول: لا أغمده حتى يبايع علي فيقول عمر : عليكم الكلب، فيؤخذ سيفه من يده ويضرب به الحجر ويكسر(1) . بعد ما بصر مقدادا ذلك الرجل العظيم وهو يدافع في صدره أو نظر إلى الحباب ابن المنذر وهو يحطم أنفه، وتضرب يده. أو إلي اللائذين بدار النبوة، مأمن الأمة ، وبيت شرفها، بيت فاطمة وعلي سلام الله عليهما وقد لحقهم الارهاب والترعيد(2) وبعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب وقال لهم: إن أبوا فقاتلهم. فأقبل عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ؟ قال: نعم ، أو تدخلوا فيما دخل فيه الأمة(3) . بعد ما رأى هجوم رجال الحزب السياسي دار أهل الوحي وكشف بيت فاطمة (4) وقد علت عقيرة قائدهم بعد ما دعا بالحطب: والله لتحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة. أو لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقنها على من فيها، فيقال للرجل: إن فيها فاطمة فيقول: وإن(5) . بعد قول ابن شحنة: إن عمر جاء إلى بيت علي ليحرقه على من فيه فلقيته فاطمة فقال: ادخلوا فيما دخلت فيه الأمة " تاريخ ابن شحنة هامش الكامل 7 ص 164 " . بعد ما سمع أنة وحنة من حزينة كئيبة - بضعة المصطفى - وقد خرجت عن خدرها وهي تبكي وتنادي بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله ! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ؟(6) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الإمامة والسياسة 1 ص 11، تاريخ الطبري 3 ص 199، الرياض النضرة 1 ص 167، شرح ابن أبي الحديد 1 ص 58، 132، ج 2 ص 5، 19 . (2) تاريخ الطبري 3: 210، شرح ابن أبي الحديد 1: 58 . (3) العقد الفريد 2: 250 تاريخ أبي الفدا ج 1: 156، أعلام النساء 3: 1207 . (4) الأموال لأبي عبيد ص 131، الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 18، تاريخ الطبري 4: 52 مروج الذهب 1: 414، العقد الفريد 2: 254، تاريخ اليعقوبي 2: 105 . (5) تاريخ الطبري 3: 198، الإمامة والسياسة 1: 13، شرح ابن أبي الحديد 1: 134 . ج 2: 19 أعلام النساء 3: 1205 . (6) الإمامة والسياسة 1: 13 أعلام النساء 3: 1206. الإمام على لعبد الفتاح عبد المقصود 1: 225 .
/ صفحة 78 / بعد ما رآها وهي تصرخ وتولول ومعها نسوة من الهاشميات تنادي: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله ، " شرح ابن أبي الحديد 1 ص 134 ج 2 ص 19 " بعد ما شاهد هيكل القداسة والعظمة أمير المؤمنين يقاد إلى البيعة كما يقاد الجمل المخشوش(1) ويدفع ويساق سوقا عنيفا واجتمع الناس ينظرون ويقال له : بايع: فيقول: إن أنا لم أفعل فمه ؟ فيقال: إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك فيقول: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله(2) . بعد ما رأى صنو المصطفى عليا لاذ بقبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصيح ويبكي و يقول: يا ابن أم ! إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني(3) . بعد نداء أبي عبيدة الجراح لعلي عليه السلام يوم سيق إلى البيعة: يا بن عم إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك وأشد احتمالا واستطلالا، فسلم لأبي بكر هذا الأمر فإنك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق وحقيق في حصلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك(4) . بعد رفع الأنصار عقيرتهم في ذلك اليوم العصبصب بقولهم: لا نبايع إلا عليا. و بعد صياح بدريهم: منا أمير ومنكم أمير، وقول عمر له: إذ كان ذلك فمت إن استطعت(5) . بعد قول أبي بكر للأنصار: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، وهذا الأمر بيننا وبينكم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) العقد الفريد 2 ص 285، صبح الأعشى 1 ص 228. شرح ابن أبي الحديد 3 ص 407 . (2) الإمامة السياسة 1 ص 13، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 8 و 19، أعلام النساء 3 ص 1206 . (3) الإمامة والسياسة 1: 14 . (4) الإمامة والسياسة 1 ص 13، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 5 . (5) صحيح البخاري في مناقب أبي بكر وفي باب رجم الحبلى ج 10 ص 45، طبقات ابن سعد 2 ص 55 و ج 3 ص 129، البيان والتبيين للجاحظ 3 ص 181، سيرة ابن هشام 4 ص 339 . التمهيد للباقلاني ص 197، تاريخ الطبري 3 ص 206 و 209، مستدرك الحاكم 3 ص 67، الرياض النضرة 1 ص 162، 163، 164، تاريخ ابن كثير 5 ص 146، تيسير الوصول 2 ص 41، 45.
/ صفحة 79 / نصفان كشق الأبلمة - يعني الخوصة -(1). مــــدت لها الاوس كفاكي تناولها * فمــــدت الخـــزرج الأيدي تباريها وظــــن كــــل فريــــق أن صاحبه * أولى بها وأتى الشحناء آتيها(2) بعد قول أم مسطح بن أثاثة واقفة عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وهي تنادي : يا رسول الله ! قد كــــان بعــــدك أنـباء وهنبثة(3) * لــــو كنــت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فــــقدناك فــــقد الأرض وابلـــها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب(4) هذه كلها كانت تهدد السواد، وتروع عامة الناس وما كان لأحد في إصلاح القوم مطمع، ولا لأي من الأمة بعد ما شاهد الحل يوم ذاك حسبان حرمة ولا كرامة لنفسه يقوم بها تجاه ذلك التيار المتدفق . وكانت هناك أمة تراها سكارى - وما هي بسكارى - من حراجة الموقف تسارها هواجسها بالتربص إلى حين، حتى تضع الغائلة أوزارها، ويتضح مآل أمر دبر بليل ، ويتبين الرشد من الغي، وهواجس تجعل جماعة كالنزيعة تجهش وتحن وتقرع سن الأسف، وكم حنون لا يجديه حنينه . وما عساني أن قول في تلك الخلافة ؟ بعد ما رآها أبو بكر وعمر بن الخطاب فلتة كفلتة الجاهلية وقى الله شرها(5) . بعد ما حكم عمر بقتل من عاد إلى مثل تلك البيعة(6) . بعد قوله يوم السقيفة: من بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري في مناقب أبي بكر البيان والتبيين 1 ص 181، عيون الأخبار لابن قتيبة 2 ص 234، طبقات ابن سعد 2 ص 55، ج 3 ص 129، العقد الفريد 2 ص 158، تيسير الوصول 2 ص 452 ، السيرة الحلبية 3 ص 386، نهاية ابن الأثير 1 ص 13 فيه: كقد الأبلمة. تاج العروس 8 ص 205 . (2) من أبيات القصيدة العمرية الحافظ إبراهيم شاعر النيل . (3) الهنبثة: الأمر الشديد والاختلاط في القول . (4) طبقات ابن سعد ص 853، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 17، و ج 1 ص 132، وقد يعزى البيتان مع أبيات أخرى إلى الصديقة فاطمة سلام الله عليها . (5) التمهيد للباقلاني ص 196، شرح ابن أبي الحديد 2: 19، الغدير لنا ج 5: 370 . (6) التمهيد ص 196 شرح ابن أبي الحديد 1: 123، 124، الصواعق لابن حجر ص 21.
/ صفحة 80 / بيعة للذي بايعه تغرة أن يقتلا(1) . بعد قوله لابن عباس: لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر(2) بعد قوله: إنا والله ما فعلناه عن عداوة ولكن استصغرناه، وحسبنا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها . بعد قول ابن عباس له في جوابه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره، أفتستصغره أنت وصاحبك ؟(3) . بعد قول عمر لابن عباس: يا بن عباس ! ما أظن صاحبك إلا مظلوما. وقول ابن عباس له: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر ، (شرح ابن أبي الحديد 2 ص 18) بعد قول أبي السبطين أمير المؤمنين: أنا عبد الله وأخو رسول الله، أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، فيقول عمر: لست متروكا حتى تبايع . فيقول علي: احلب يا عمر ! حلبا لك شطره(4) . بعد قوله عليه السلام: الله الله يا معشر المهاجرين ! ألا تخرجوا سلطان محمد في العرب من داره، وقعر بيته إلى دوركم، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين فنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت ونحن أحق بهذا الأمر منكم، ما كان فينا القارئ لكتاب الله، العالم بسنن الله، المتطلع لأمر الرعية الدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحق بعدا(5) بعد قوله عليه السلام: لما مضى - المصطفى - لسبيله تنازع المسلمون الأمر بعده ، فوالله ما كان يلقى في روعى، ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذ الأمر بعد محمد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 10: 44 باب رجم الحبلى من الزنا، مسند أحمد 1: 56، سيرة ابن هشام 4: 338 نهاية ابن الأثير 3: 175، تيسير الوصول 2: 45 شرح ابن أبي الحديد 1: 128، تاريخ ابن كثير 5: 246 . (2) شرح ابن أبي الحديد 1: 134 و ج 2: 20، الغدير كتابنا هذا ج 1: 389 . (3) راجع الجزء الأول من كتابنا هذا ص 389 ط 2، كنز العمال 6 ص 391 . (4) الإمامة والسياسة 1 ص 12، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 5 . (5) الإمامة والسياسة 1 ص 12، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 5.
/ صفحة 81 / عن أهل بيته، ولا إنهم منحوه عني من بعده فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر، وإجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي ورأيت أني أحق بمقام محمد في الناس ممن تولى الأمر من بعده(1) بعد ما خرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله ! قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول علي كرم الله وجهه: أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته لم أدفنه، وأخرج أنازع سلطانه ؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم(2) . بعد قوله عليه السلام: أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهبا، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده . " ثم تمثل بقول الأعشى ": شتان ما يومي على كورها * ويــــوم حيــــان أخي جــــابر فيا عجبا يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطرا ضرعيها ، فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة، إن اشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس، وتلون واعتراض، فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله وللشورى، متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر، لكني أسففت إذا سفوا، وطرت إذا طاروا ، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره مع هن وهن، إلى أن قام ثالث القوم نافجا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الإمامة والسياسة 1 ص 12 . (2) الإمامة والسياسة 1: 12، شرح ابن أبي الحديد 1: 131، ج 2: 5 .
/ صفحة 82 / حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته. الحديث .
كلمتنا حول هذه الخطبة : هذه الخطبة تسمى بالشقشقية وقد كثر الكلام حولها فأثبتها مهرة الفن من - الفريقين ورأوها من خطب مولانا أمير المؤمنين الثابتة التي لا مغمز فيها، فلا يسمع إذن قول الجاهل بأنها من كلام الشريف الرضي، وقد رواها غير واحد في القرون الأولى قبل أن تنعقد للرضي نطفته، كما جاءت بإسناد معاصريه والمتأخرين عنه من غير طريقه و إليك أمة من أولئك : 1 الحافظ يحيي بن عبد الحميد الحماني المتوفى 228 كما في طريق الجلودي في العلل والمعاني . 2 - أبو جعفر دعبل الخزاعي المتوفى 246 رواها بإسناده عن ابن عباس كما في أمالي شيخ الطائفة ص 237، ورواها عنه أخوه أبو الحسن علي . 3 - أبو جعفر أحمد بن محمد البرقي المتوفى 274 / 80 كما في علل الشرايع . 4 - أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة المتوفى 303 كما في الفرقة الناجية للشيخ إبراهيم القطيفي، والبحار للعلامة المجلسي 8: 161 . 5 - وجدت بخط قديم عليه كتابة الوزير أبي الحسن علي بن الفرات المتوفى 312 كما في شرح ابن ميثم . 6 - أبو القاسم البلخي أحد مشايخ المعتزلة المتوفى 317 كما في شرح ابن أبي الحديد 1 ص 69 . 7 - أبو أحمد عبد العزيز الجلودي البصري المتوفى 332 كما في معاني الأخبار . 8 - أبو جعفر ابن قبة تلميذ أبي القاسم البلخي المذكور رواها في كتابه(الانصاف) كما في شرح ابن أبي الحديد 1: 69 وشرح ابن ميثم . 9 - الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى 360 كما في طريق القطب الراوندي في شرح النهج .
/ صفحة 83 / 10 - أبو جعفر ابن بابويه القمي المتوفى 381 في كتابيه: علل الشرايع ومعاني الأخبار . 11 - أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري المتوفى 382. حكى عنه شيخنا الصدوق شرح الخطبة في معاني الأخبار والعلل . *(لفت نظر) * عده السيد العلامة الشهرستاني في(ما هو نهج البلاغة) ص 22 ممن روى الشقشقية فأرخ وفاته بسنة 395، وذكره في ص 23 فقال: من أبناء القرن الثالث. لا يتم هذا ولا يصح ذاك، وقد خفي عليه أن الحسن بن عبد الله العسكري راوي الشقشقية هو أبو أحمد صاحب كتاب الزواجر وقد توفي سنة 382 وولد 293، وحسبه أبا هلال الحسن بن عبد الله العسكري صاحب كتاب " الأوائل " تلميذ أبي أحمد العسكري والتاريخ الذي ذكره تاريخ فراغه من كتابه الأوائل لا تاريخ وفاته. توجد ترجمة كلا الحسنين العسكريين فمعجم الأدباء 8: 233 - 268، وبغية الوعاة ص 221 . 12 - أبو عبد الله المفيد المتوفى 412، أستاذ الشريف الرضي رواها في كتابه (الارشاد) ص 135 . 13 - القاضي عبد الجبار المعتزلي المتوفى 415: ذكر في كتابه " المغني " تأويل بعض جمل الخطبة ومنع دلالتها على الطعن في خلافة من تقدم على أمير المؤمنين من دون أي إيعاز إلى الغمز في إسنادها . 14 - الحافظ أبو بكر ابن مردويه المتوفى 416، كما في طريق الراوندي في شرح النهج . 15 - الوزير أبو سعيد الآبي المتوفى 422 في كتابه(نثر الدرر ونزهة الأديب . 16 - الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي الأكبر توفي سنة 436 ذكر جملة منها في الشافي ص 203 فقال: مشهور: وذكر صدرها في ص 204 فقال: معروف . 17 - شيخ الطائفة الطوسي المتوفى 460 رواها في أماليه ص 327 عن السيد أبي الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار المترجم في مستدرك العلامة النوري 3 : 509 من طريق الخزاعيين. وفي تلخيص الشافي . م 18 - أبو الفضل الميداني المتوفى 518 في مجمع الأمثال ص 383 قال: و
/ صفحة 84 / لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه خطبة تعرف بالشقشقية لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال له حين قطع كلامه: يا أمير المؤمنين ! لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت فقال : هيهات يا ابن عباس ! تلك شقشقة هدرت ثم قرت ] . 19 - أبو محمد عبد الله بن أحمد البغدادي الشهير بابن الخشاب المتوفى 567 قرأها عليه أبو الخبر مصدق الواسطي النحوي، وسيوافيك بعيد هذا كلامه فيها . 20 - أبو الحسن قطب الدين الراوندي المتوفى 573 رواها في شرح نهج البلاغة من طريق الحافظين: ابن مردويه والطبراني وقال: أقول: وجدتها في موضعين تاريخهما قبل مولد الرضي بمدة، أحدهما: أنها مضمنة كتاب " الانصاف " لأبي جعفر ابن قبة تلميذ أبي القاسم الكعبي أحد شيوخ المعتزلة وكانت وفاته قبل مولد الرضي. الثاني : وجدتها بنسخة عليها خط الوزير أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات وكان وزير المقتدر بالله، وذلك قبل مولد الرضي بنيف وستين سنة، والذي يغلب على ظني أن تلك النسخة كانت كتبت قبل وجود ابن الفرات بمدة . 21 - أبو منصور الطبرسي أحد مشايخ ابن شهر آشوب المتوفى 588 في كتابه " الاحتجاج " ص 95 فقال: روى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس . 22 - أبو الخير مصدق بن شبيب الصلحي النحوي المتوفى 605 قرأها على أبي محمد ابن الخشاب وقال: لما قرأت هذه الخطبة على شيخي أبي محمد ابن الخشاب ووصلت إلى قول ابن عباس: ما أسفت على شئ قط كأسفي على هذا الكلام. قال : لو كنت حاضرا لقلت لابن عباس: وهل ترك ابن عمك في نفسه شيئا لم يقله في هذه الخطبة ؟ فإنه ما ترك لا الأولين ولا الآخرين. قال مصدق: وكانت فيه دعابة فقلت له: يا سيدي ؟ فلعلها منحولة إليه. فقال: لا والله إني أعرف أنها من كلامه كما أعرف أنك مصدق، قال فقلت: إن الناس ينسبونها إلى الشريف الرضي فقال: لا والله، ومن أين للرضي هذا الكلام وهذا الأسلوب ؟ فقد رأينا كلامه في نظمه ونثره لا يقرب من هذا الكلام ولا ينتظم في سلكه ثم قال: والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنف قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي " راجع
/ صفحة 85 / شرح ابن ميثم. وشرح ابن أبي الحديد 1: 69 " . 23 - مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير الجزري المتوفى 606، أوعز إليها في كلمة " شقشق " في النهاية ج 2: 294 فقال: ومنه حديث علي في خطبة له: تلك شقشقة هدرت ثم قرت . 24 - أبو المظفر سبط ابن الجوزي المتوفى 654 في تذكرته ص 73 من طريق شيخه أبي القاسم النفيس الأنباري بإسناده عن ابن عباس فقال: تعرف بالشقشقية ذكر بعضها صاحب نهج البلاغة وأخل بالبعض وقد أتيت بها مستوفاة ثم ذكرها مع اختلاف ألفاظها . 25 - عز الدين ابن أبي الحديد المعتزلي المتوفى 655 قال في شرح النهج 1: 69 . قلت: وقد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة. ووجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر ابن قبة أحد متكلمي الإمامية وهو الكتاب المشهور بكتاب " الانصاف " وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي رحمه الله تعالى موجودا . 26 - كمال الدين ابن ميثم البحراني المتوفى 679، حكاها عن نسخة قديمة عليها خط الوزير علي بن الفرات المتوفى 312، وعن كتاب " الانصاف " لابن قبة، وذكر كلمة ابن الخشاب المذكورة وقراءة أبي الخير إياها عليه . 27 - أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الأفريقي المصري المتوفى 711 قال في مادة(شقشق) من كتابه(لسان العرب) ج 12: 53: وفي حديث علي رضوان الله عليه في خطبة له: تلك شقشقة هدرت ثم قرت . 28 - مجد الدين الفيروز آبادي المتوفى 816 / 17 أوعز إليها في القاموس ج 3: 251 قال: والخطبة الشقشقية العلوية لقوله لابن عباس لما قال له: لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت: يا بن عباس ! هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قرت . ثم ما عساني أن أقول بعد ما يعربد شاعر النيل(1) اليوم، ويأجج النيران الخامدة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) محمد حافظ إبراهيم المتوفى سنة 1933 م 1351 ه.
/ صفحة 86 / ويجدد تلكم الجنايات المنسية(لاها الله لا تنسى مع الأبد) ويعدها ثناء على السلف ، ويرفع عقيرته بعد مضي قرون على تلكم المعرات، ويتبهج ويتبجح بقوله في القصيدة (العمرية) تحت عنوان: عمر وعلي : وقـــــــولة لعـــــــلي قـــالها عمر * أكـــــــرم بسامعها أعظم بملقيها : حــرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها ما كــان غير أبي حفص يفوه بها * أمـــــام فـــارس عدنان وحاميها ماذا أقول بعد ما تحتفل الأمة المصرية في حفلة جامعة في أوائل سنة 1918 بإنشاد هذه القصيدة العمرية التي تتضمن ما ذكر من الأبيات ؟ وتنشرها الجرائد في أرجاء العالم، ويأتي رجال مصر نظراء أحمد أمين. وأحمد الزين. وإبراهيم الأبياري(1) و علي جارم. وعلي أمين(2) وخليل مطران(3) ومصطفى الدمياطي بك(4) وغيرهم(5) ويعتنون بنشر ديوان هذا شعره، وبتقدير شاعر هذا شعوره، ويخدشون العواطف في هذه الأزمة في هذا اليوم العصبصب، ويعكرون بهذه النعرات الطائفية صوف السلام الوئام في جامعة الاسلام ويشتتون بها شمل المسلمين، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا . وتراهم يجددون طبع ديوان الشاعر وقصيدته العمرية خاصة مرة بعد أخرى ويعلق عليها شارحها الدمياطي قوله في البيت الثاني: المراد أن عليا لا يعصمه عن عمر سكنى بنت المصطفى في هذه الدار . وقال في ص 39 من الشرح: وفي رواية لابن جرير الطبري قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وبه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ضبط وصحح وشرح هؤلاء الثلاث الديوان طبعة سنة 1937 م بدار الكتب في جزئين والأبيات المذكورة توجد فيها ج 1 ص 82 . (2) هما ومعهما ثالث التزموا تصحيح الديوان في طبعة أخرى . (3) له مقدمة لديوان الحافظ في طبعة مكتبة الهلال سنة 1935 م 1353 ه والأبيات فيها ص 184 غير أن الشطر الثاني من البيت الثاني محرف: إن لم تبالغ وبنت المصطفى فيها . (4) شارح القصيدة العمرية طبع بمطبعة السعادة في مصر في 90 صفحة. توجد الأبيات فيه مشروحة ص 38 . (5) في عدة طبعات أخرى.
/ صفحة 87 / الزبير مصلتا بالسيف فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه. فإن كان زياد هذا هو الحنظلي أبو معشر الكوفي فهو موثق. والظاهر أن حافظا رحمه الله عول على هذه الرواية ه . وتراهم بالغوا في الثناء على الشاعر وقصيدته هذه كأنه جاء للأمة بعلم جم، أو رأي صالح جديد، أو أتى لعمر بفضيلة رابية تسر بها الأمة ونبيها المقدس ، فبشرى بل بشريان لنبي الأعظم بأن بضعته الصديقة لم تكن لها أي حرمة وكرامة عند من يلهج بهذا القول، ولم يكن سكناها في دار طهر الله أهلها يعصمهم منه ومن حرق الدار عليهم فزه زه بانتخاب هذا شأنه وبخ بخ ببيعة تمت بذلك الإرهاب قضت بتلك الوصمات . لا تهمنا هذه كلها وإنما يهمنا الساعة " بعد أن درسنا تاريخ حياة الخليفة الأول فوجدناه لدة غيره من الناس العاديين في نفسياته قبل إسلامه وبعده، وإنما سنمه عرش الخلافة الانتخاب فحسب " البحث في موضوعين ألا وهما: فضائله المأثورة . وملكاته النفسية . - 1 - (فضائله المأثورة) هل صح عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله فيه حديث فضيلة ؟ وهل صحيح ما رووه فيه من الثناء الكثير الحافل ؟ نحن هيهنا نقف موقف المستشف للحقيقة، ولا ننبس في القضاء ببنت شفة، غير ما ننقله عن أئمة فن الحديث المميزين بين صحيحه وسقيمه ، ثم نردفه بالاعتبار الذي يساعده . قال الفيروز آبادي في خاتمة كتابه " سفر السعادة المطبوع: خاتمة الكتاب في الإشارة إلى أبواب روي فيها أحاديث وليس منها شيئ صحيح، ولم يثبت منها عند جهابذة علماء الحديث شيئ. ثم عد أبوابا إلى أن قال : باب فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه. أشهر المشهورات من الموضوعات أن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة. وحديث: ما صب الله في صدري شيئا
/ صفحة 88 / إلا وصبه في صدر أبي بكر. وحديث: كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا اشتاق الجنة قبل شيبة أبي بكر. وحديث: أنا وأبو بكر كفرسي رهان. وحديث: إن الله لما اختار الأرواح اختار روح أبي بكر. وأمثال هذا من المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل اهـ. وعد العجلوني في كتابه كشف الخفا ص 419 - 424 مائة باب من أبواب الفقه وغيره فقال: لم يصح فيه حديث. أو: ليس فيه حديث صحيح. وما يقاربهما وقال في ص 419: فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه أشهر المشهورات من الموضوعات كحديث إن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة. إلى آخر عبارة الفيروز آبادي المذكورة . وذكر السيوطي في " اللئالي المصنوعة " ج 1 ص 186 - 302 ثلثين حديثا من أشهر فضائل أبي بكر " مما اتخذه المؤلفون في القرون الأخيرة من المتسالم عليه، و أرسلوه إرسال المسلم بلا أي سند أو أي مبالات " وزيفها وحكم فيها بالوضع وذكر رأي الحفاظ فيها . كان السيوطي يهملج وراء القوم فبهظه أن لا يستصح حتى حديثا واحدا من تلكم الثلثين فقال في ص 296 فيما عزى إليه صلى الله عليه وآله من قوله " عرج بي إلى السماء فما مررت بسماء إلا وجدت فيها مكتوبا: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق من خلفي " بعد ما حكم عليه بالوضع لمكان عبد الله بن إبراهيم الغفاري(1) الوضاع . وكان شيخه عبد الرحمن بن زيد المتفق على ضعفه ينص منه عليهما بذلك ما لفظه : قلت: الذي أستخير الله فيه الحكم على هذا الحديث بالحسن لا بالوضع ولا بالضعف لكثرة شواهده. ثم ذكر شواهد عن طرق لا يصح شئ منها، وفي كل واحد منها وضاع أو كذاب، أو من أتفق على ضعفه، أو مجهول لا يعرف يروي عن مجهول مثله، وقد عزب عنه أن الاستخارة لا تقلب خيرا، ولا يعيد السقيم صحيحا. ولا المنكر معروفا . وراحت إلى العطار تبغي شبابها * فهل يصلح العطار ما أفسد الدهر ؟ والله سبحانه لا يجازف في إسداء الخير، والشواهد المكذوبة لا تقوي الضعف مع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الجزء الخامس من هذا الكتاب ص 303 ط 2.
/ صفحة 89 / نص الحفاظ على كل واحد منها بالوضع أو الضعف، وإليك بيان طرف تلك الشواهد . 1 - طريق الخطيب البغدادي مر في الجزء الخامس ص 303، 325 ط 3 . 2 - طريق البزار في مسنده وفيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري الوضاع، وشيخه عبد الرحمن بن زيد المتفق على ضعفه كما في تهذيب التهذيب 6 ص 178، واللئالي المصنوعة 1 ص 296 . 3 - طريق ابن شاهين في السنة وهو طريق الخطيب البغدادي وحديثه، وقد حكم الذهبي وابن حجر ببطلانه كما مر في الجزء الخامس . 4 - طريق الدارقطني في الأفراد قال السيوطي في " اللئالي " 1 ص 297 بعد ذكره قال الدارقطني: تفرد به(محمد) بن فضيل عن ابن جريج لا أعلم أحدا حدث به غير هذين. وأورده المؤلف في الواهيات من طريق السري وقال: لا يصح. قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج بالسري بن عاصم . قال الأميني: السري بن عاصم راوي الحديث أحد الكذابين مرت ترجمته في الجزء الخامس ص 231 ط 2، وللدارقطني طريق آخر وفيه عمر بن إسماعيل بن مجالد أحد الكذابين(1) وبهذا الطريق ذكره السيوطي في " اللئالي 1 ص 309 فقال: لا يصح آفته عمر كذاب . 5 - طريق الديلمي في مسند الفردوس فيه بعد رجال مجاهيل عبد المنعم بن بشير أبو الخير الكذاب الوضاع الذي له مائتا حديث كذب(2) وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم المجمع على ضعفه كما مر . 6 طريق الختلي في ديباجة عن نصر بن حريش(3) عن أبي سهل مسلم الخراساني عن عبد الله بن إسماعيل عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مكتوب على ساق العرش: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، محمد رسول الله، ووزيراه أبو بكر الصديق وعمر الفاروق . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا ص 246 ط 2 : (2) راجع الجزء الخامس من الكتاب ص 241 ط 2 . (3) في اللئالي: جريش: والصحيح ما .
/ صفحة 90 / قال الدارقطني كما في تاريخ بغداد 3 ص 286: هذا إسناد ضعيف لا يثبت ، أبو سهل ونصر بن حريش ضعيفان. وقال العقيلي كما في لسان الميزان 3 ص 260 : عبد الله بن إسماعيل منكر الحديث لا يتابع على شيئ من حديثه. والحديث مع هذا مرسل والحسن البصري لا يروي عن رسول الله ولم يدركه. وللخطيب طريق بهذا اللفظ ليست فيه كلمة(ساق. ووزيراه) وفي إسناده أحمد برجاء بن عبيدة قال الخطيب في تاريخه 4 ص 158: مجهول . 7 - طريق ابن عساكر فيه عبد العزيز الكتاني لينه الذهبي كما في لسان الميزان 4 ص 33، وفيه الحارث بن زياد المحاربي قال الذهبي وغيره: ضعيف مجهول كما في اللسان 2 ص 149، وفيه من لا يعرف ولا توجد له ترجمة في المعاجم ، ولابن عساكر طريق آخر بالإسناد عن محمد بن عبد بن عامر المعروف بوضع الحديث(1) عن عصام بن يوسف ضعفه ابن سعد. وخطأه ابن حبان، وقال ابن عدي: روى أحاديث لا يتابع عليها كما في لسان الميزان 4 ص 168 . ويرشدك إلى صحة قول الفيروز آبادي والعجلوني ما أوضحناه في الجزء الخامس ص 297 - 332 ط 2 من تفنيد مائة منقبة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مختلفة لأبي بكر ولزبائنه بحكم الأئمة والحفاظ. وكذا ما زيفناه من خمس وأربعين رواية موضوعة في الخلافة في صفحة 333 - 356 ط 2 كل ذلك بقضاء من رجالات الفن نظراء . ابن عدي، الطبراني، ابن حبان، النسائي، الحاكم، الدار قطني ، العقيلي، ابن المديني، أبو عمر، الجوزقاني، المحب الطبري، الخطيب البغدادي ابن الجوزي، أبو زرعة، ابن عساكر، الفيروز آبادي، إسحاق الحنظلي ابن كثير، ابن القيم، الذهبي، ابن تيمية، ابن أبي الحديد، ابن حجر الهيثمي ، ابن حجر العسقلاني الحافظ المقدسي، السيوطي الصغاني، الملا علي القاري ، العجلوني، ابن درويش الحوت، وغيرهم . ويشهد لبطلان تلكم الروايات الجمة في فضائل الخليفة الأول خلو الصحاح الست والسنن والمسانيد القديمة عنها، فلو كان مؤلفوها يجدون على شيئ منها مسحة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا ص 259 ط 2 .
/ صفحة 91 / من الصحة بل لو كانوا واقفين عليها ولو على واحدة منها لما أجمعوا على تركها فيرويها متحروا الزوايا، ونباشة الدفاين، فيبرزوها إلى الملأ من تحت غبار الهجر، أو وراء نسج عناكب النسيان، فيرشدنا ذلك إلى أن مواليد هذه الروايات متأخر تاريخها عن عهد أرباب الصحاح وحسبها ذلك مهانة وضعة. كما أن ما في الصحاح من النزر اليسير ولائد متأخرة عن عهد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله . على أن الخليفة نفسه لو كان على ثقة من صدور شئ من تلكم الأحاديث ولو يسيرا منها من قائلها صلى الله عليه وآله لما كان يرى مثل أبي عبيدة الجراح حفار القبور أولى منه بالخلافة، ولما قدمه على نفسه، ولما ترك الاحتجاج بها يوم كانت حاجته إليه مسيسة، ويوم كان الحوار في أمر الخلافة قائما على قدم وساق، وطفق كل ذي فضل يدلي بحججه، وقد احتدم الجدال حتى كاد أن يكون جلادا، واستحر الحجاج حتى عاد لجاجا، لكن الرجل لم يكن عنده حجة ولا لزبانيته إلا أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وثاني اثنين إذ هما في الغار، وأنه أكبر القوم سنا وكان أبوه أكبر منه لا محالة وقد اختارته الجماعة وانعقدت له البيعة بعد هوس وهياج ركونا إلى أمثال هذه مما لا تثبت بها حجة، ولا يخضع لها ذو مسكة، ولا يصلح بها شأن الأمة، ولا يجمع بها شمل . ولا يتم بها الأمر . نعم: روي عن أبي بكر أنه ذكر في الحجاج له أشياء حذفتها الرواة ولم يذكروا منها إلا أنه أول من أسلم. أو: أول من صلى. عن أبي سعيد الخدري قال: قال أبو بكر: ألست أحق الناس بها ؟ ألست أول من أسلم ؟ ألست صاحب كذا ؟ ألست صاحب كذا ؟(1) وعن أبي نضرة قال: لما أبطأ الناس عن أبي بكر قال: من أحق بهذا الأمر مني ؟ ألست أول من صلى ؟ ألست ؟ ألست ؟ ألست ؟ فذكر خصالا فعلها مع النبي صلى الله عليه وسلم(2) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه الترمذي، والبزار، وابن حبان، وأبو نعيم في المعرفة، وابن مندة في غرائب شعبة، وسعيد بن منصور، وأبو داود كما في كنز العمال 3 ص 125، وذكره ابن الأثير في أسد الغابة 3: 209، وابن كثير في تأريخه 3: 27 . (2) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ط ليدن 3: 129، وخيثمة الطرابلسي في فضائل الصحابة كما في كنز العمال 3: 126.
/ صفحة 92 / ونحن لا نعرف شيئا مما حذفوه من فضائله المزعومة أو اختلقوا نسبته إليه إذ من الممكن - بل المحقق - أنه لم يقل شيئا، وإنما اصطنعوا له هذه الصورة لإيهام أنه كانت له يوم ذاك فضائل مسلمة، لكن نعطف النظرة على المذكور من تلك المناقب وهو كون الخليفة أول من أسلم. أو: أول من صلى، ولم يكن كذلك. والقول به يخالف رأي النبي الأعظم ونصوص الصحابة، وقد فصلنا القول فيه في الجزء الثالث ص 219 - 243 ط 2 وذكرنا مائة نص عن النبي الأقدس وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، وعن الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان على أن أول من أسلم وأول من صلى من ذكر هو مولانا أمير المؤمنين عليه السلام. وأوضحنا هنالك أن أبا بكر ليس أول من أسلم. أو: صلى بل في صحيحة الطبري: إنه أسلم بعد أكثر من خمسين رجلا. فراجع . ولو كانت الصحابة الأولون يعرفون شيئا من تلكم الموضوعات الجمة لما تركوا الاحتجاج به يوم ذاك يوم إخضاع الناس بدلا عن إشفاع الدعوة بالإرهاب والترعيد، و لما يقتصر عمر بن الخطاب يوم السقيفة بقوله: من له مثل هذه الثلاث: ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن. إن الله معنا . وبقوله: إن أولى الناس بأمر نبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار. أبو بكر السباق المسن . وبقوله يوم بيعة العامة: إن أبا بكر صاحب رسول الله. وثاني اثنين إذ هما في الغار(1) . ولما قال سلمان للصحابة. أصبتم ذا السن منكم ولكنكم أخطأتم أهل بيت نبيكم(2) ، ولما يكتفي عثمان بن عفان في الدعوة إلى أبي بكر بقوله: إن أبا بكر الصديق أحق الناس بها، إنه لصديق وثاني اثنين وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم(3) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سيرة ابن هشام 4: 340، الرياض النضرة 1: 162، 166، تأريخ ابن كثير 5: 247 248، شرح ابن أبي الحديد 2: 16، السيرة الحلبية 3: 388 . (2) شرح ابن أبي الحديد 1: 131، ج 2: 17 . (3) أخرج الأطرابلسي في فضائل الصحابة كما في كنز العمال 3: 140 .
/ صفحة 93 / ولما فاه المغيرة بن شعبة بمقاله لأبي بكر وعمر: تلقوا العباس فتجعلوا له في هذا الأمر نصيبا فيكون له ولعقبه فتقطعوا به من ناحية علي ويكون لكم حجة عند الناس على علي إذا مال معكم العباس . ولما دخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة على العباس ليلا، ولما قال أبو بكر له: لقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك ويكون لمن بعدك من عقبك، إذ كنت عم رسول الله(1) . ولما تم الأمر له ببيعة اثنين فحسب: عمر وأبي عبيدة. أو: ببيعة أربع: هما مع أسيد وبشر. أو بخمسة: هم مع سالم مولى أبي حذيفة كما يأتي تفصيله . ولما تخلف عن بيعته رؤس المهاجرين والأنصار: علي وابناه السبطان. والعباس وبنوه في بني هاشم. وسعد بن عبادة وولده وأسرته. والحباب بن المنذر وتابعوه. والزبير وطلحة. وسلمان. وعمار. وأبو ذر. والمقداد. وخالد بن سعيد. وسعد بن أبي وقاص . وعتبة بن أبي لهب. والبراء بن عازب. وأبي بن كعب. وأبو سفيان بن حرب. وغيرهم(2) . ولما كان مجال لقول محمد بن إسحاق: كان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكون أن عليا صاحب الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. شرح ابن أبي الحديد 2: 8 . ولما قال عتبة بن أبي لهب يوم ذاك بملأ من مدعي الفضائل : ما كنت أحسب أن الأمر منصرف * عن هاشم ثم منهم عن أبي حسن عن أول الناس إيمانا وسابقــــــة * وأعــــــلم الناس بالقرآن والسنن وآخـــــر الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عون له في الغسل والكفن من فيـــه ما فيهم ؟ لا يمترون به * وليس في القوم ما فيه من الحسن ماذا الذي ردكــــــم عنه ؟ فنعلمه * ها إن بيعـــــتكم من أول الفتن(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الإمامة والسياسة 1: 15 تأريخ اليعقوبي 2: 103، 104 شرح بن أبي الحديد 1: 132 . (2) تأريخ اليعقوبي 2: 103، الرياض النضرة 1: 167 تأريخ أبي الفدا ج 1: 156 ، روضة المناظر لابن شحنة هامش الكامل 7: 164 شرح ابن أبي الحديد 1: 134 . (3) تأريخ اليعقوبي 2: 103، رسائل الجاحظ 22، أسد الغابة 4 ص 40، تأريخ أبي الفدا ج 1 ص 164، شرح ابن أبي الحديد 3: 259، الغدير 3: 232. تعزى هذه الأبيات إلى عدة شعراء راجع المصادر المذكورة .
/ صفحة 94 / ولما قال قصي يوم ذاك : بنـــــي هـــــاشم لا تطمعــــوا الناس فيكم * ولا سيـــــما تيـــــم بـــــن مـــــرة أو عدي فمـــــا الأمـــــر إلا فيـــــكم وإلـــــيكـــــــم * وليـــــس لهـــــا إلا أبـــــو حـــــسن عـلي أبا حســـــن فاشـــــدد بهـــــا كــــف حازم * فإنك بالأمـــــر الـــــذي يـــــرتجـــــى ملي وإن امـــــرءا يرمي قـــــصـــيـــــا وراءه * عزيز الحمى والناس من غالب قصي(1) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (2) تاريخ اليعقوبي 2: 105.
/ صفحة 95 /
- 2 - يهمنا النظر إلى ملكات الخليفة وما انحنت عليه أضالعه من علوم أو نفسيات حتى نعلم أنها هل تجعل له صلة بفضيلة ؟ أو تقرب مبوأه من التأهل لهاتيك المرويات ؟ أو تعين له حدا يكون التفريط منه إجحافا به، وبخسا بحقه، وتحطيما لمقامه ؟ أو يعرف الغلو بالإفراط فيه ؟ أما هو قبل الاسلام فلا نفيض عنه قولا لأن الاسلام يجب ما قبله، فلا التفات إذن إلى ما جاء به عكرمة رضي الله تعالى عنه من قوله: كان أبو بكر رضي الله عنه يقامر أبي بن خلف وغيره من المشركين وذلك قبل أن يحرم القمار. ذكره الإمام الشعرائي في كتابه كشف الغمة ج 2: 154 . وقال الإمام أبو بكر الجصاص الرازي الحنفي المتوفى 370 في أحكام القرآن 1: 388: لا خلاف بين أهل العلم في تحريم القمار وإن المخاطرة من القمار، قال ابن عباس: إن المخاطرة قمار وإن أهل الجاهلية كانوا يخاطرون على المال والزوجة وقد كان ذلك مباحا إلى أن ورد تحريمه، وقد خاطر أبو بكر الصديق المشركين حين نزلت : آلم غلبت الروم . كما لا يلتفت إلى ما ذكره أبو بكر الاسكافي في الرد على الرسالة العثمانية للجاحظ(1) من أن أبا بكر كان قبل إسلامه مذكورا ورئيسا معروفا، يجتمع إليه كثير من أهل مكة فينشدون الأشعار، ويتذاكرون الأخبار، ويشربون الخمر، و قد سمع دلائل النبوة وحجج الرسالة، وسافر إلى البلدان، ووصلت إليه الأخبار . وأخرج الفاكهي في كتاب مكة بإسناده عن أبي القموص قال: شرب أبو بكر الخمر في الجاهلية(2) فأنشأ يقول : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) رسائل الجاحظ ص 34، شرح ابن أبي الحديد 3 ص 264 . (2) هذه الكلمة دخيلة في الرواية، وذيل الرواية يكذبها أيضا وسنوقفك على التاريخ الصحيح .
/ صفحة 96 / تحيـــــي أم بكـــــر بالســـــلام * وهل لي بعد قومك من سلام ؟ الأبيات فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يجر إزاره حتى دخل فتلقاه عمر وكان مع أبي بكر فلما نظر إلى وجهه محمرا قال: نعوذ بالله من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لا يلج لنا رأسا أبدا، فكان أول من حرمها على نفسه . وذكره الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 66 فقال: هو مما تنكره القلوب . فكأن الحكيم وجد الحديث دائرا سائرا في الألسن غير أنه رأى القلوب تنكره . وذكره ابن حجر في الإصابة 4: 22 فقال: واعتمد نفطويه على هذه الرواية فقال : شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم ورثى قتلى بدر من المشركين . وحديث أبي القموص هذا أخرجه الطبري في تفسيره 2: 203 وفي طبعة 211 عن ابن بشار(1) عن عبد الوهاب(2) عن عوف(3) عن أبي القموص زيد بن علي(4) قال: أنزل الله عز وجل في الخمر ثلاث مرات، فأول ما أنزل قال الله: يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما(5) قال: فشربها من المسلمين من شاء الله منهم على ذلك حتى شرب رجلان فدخلا في الصلاة فجعلا يهجران كلاما لا يدري عوف ما هو فأنزل الله عز وجل فيها: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون(6) فشربها من شربها منهم وجعلوا يتقونها عند الصلاة حتى شربها فيما زعم أبو القموص رجل فجعل ينوح على قتلى بدر : تحيـــــي بالسلامـــــة أم عمرو * وهل لك بعد رهطك من سلام ؟ ذرينـــــي أصطبـــــح بكرا فإني * رأيــــت الموت نقب عن هشام وود بنو المغـــــيرة لـــــو فدوه * بألـــــف مـــــن رجال أو سوام ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحافظ أبو بكر محمد بن بشار العبدي البصري. من رجال الصحاح الست . (2) ابن عبد المجيد البصري. من رجال الصحاح الست . (3) ابن أبي جميلة العبدي البصري. من رجال الصحاح الست . (4) ثقة كما في تهذيب التهذيب 3 ص 420 . (5) سورة البقرة آية: 219 . (6) سورة النساء. آية: 43.
/ صفحة 97 / كأني بالطوي طوي بدر * من الشيزى يكلل بالسنام كأني بالطوي طوي بدر * من الفتيان والحلل الكرام قال: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فزعا يجر رداءه من الفزع حتى انتهي إليه فلما عاينه الرجل فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كان بيده ليضربه قال: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله والله لا أطعمها أبدا فأنزل الله تحريمها: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس(1) إلى قوله: فهل أنتم منتهون. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنتهينا. إنتهينا(2) . وأخرج البزار عن أنس بن مالك قال: كنت ساقي القوم تينا وزبيبا خلطناهما جميعا وكان في القوم رجل يقال له: أبو بكر فلما شرب قال : أحيـــــي أم بـــــكر بالســــلام * وهل لك بعد قومك من سلام ؟ يحـــــدثنا الـــرسول بأن سحتا * وكيف حياة أصل أو هشام(3) فبينا نحن كذلك والقوم يشربون إذ دخل علينا رجل من المسلمين فقال: ما تصنعون ؟ إن الله تبارك وتعالى قد نزل تحريم الخمر. الحديث . وقال ابن حجر في فتح الباري 10: 30، والعيني في عمدة القاري 20: 84: من المستغربات ما أورده ابن مردويه في تفسيره من طريق عيسى بن طهمان(4) عن أنس أن أبا بكر وعمر كانا فيهم. وهو منكر مع نظافة سنده، وما أظنه إلا غلطا . وقد أخرج أبو نعيم في الحلية في ترجمة شعبة من حديث عائشة قالت: حرم أبو بكر الخمر على نفسه فلم يشربها في جاهلية ولا إسلام . ويحمل أن كان محفوظا أن يكون أبو بكر وعمر زارا أبا طلحة في ذلك اليوم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 0 (1) سورة المائدة. آية: 91 . (2) لا يخفى على القارئ أن الطبري حرف اسم أبي بكر وجعل مكانه: رجل. وحرف كلمة " أم بكر " في الشعر وبدلها بأم عمرو. صونا للكرامة . (3) مجمع الزوائد 5: 51 . (4) وثقه أحمد. وابن معين. وأبو حاتم. ويعقوب بن سفيان. وأبو داود. والحاكم . والدار قطني. تهذيب التهذيب 8 ص 216.
/ صفحة 98 / ولم يشربا معهم(1) ثم وجدت عند البزار من وجه آخر عن أنس قال: كنت ساقي القوم وكان في القوم رجل يقال له: أبو بكر فلما شرب قال : تحيي بالسلامة أم بكر * . . . . فدخل علينا رجل من المسلمين فقال: قد نزل تحريم الخمر. الحديث. وأبو بكر هذا يقال له: ابن شغوب فظن بعضهم أنه أبو بكر الصديق وليس كذلك ولكن قرينة ذكر عمر تدل على عدم الغلط في وصف الصديق فحصلنا تسمية عشرة. ا ه . قال الأميني: ترى ابن حجر يتلعثم في ذكر الحديث، فلا يدعه حبه للخليفة أن يقبله، ولا تخليه صحته أن يصفح عنه، فجاء يستغرب أولا ثم يستنكره مع الحكم بنظافة سنده، ويظنه غلطا تارة ويراه محفوظا أخرى، وبالأخير يأخذه صدق النبأ و صحته فيتخلص منه بالحكم بأن المذكور فيه هو أبو بكر الصديق بقرينة عمر ، فيعدهما من أحد عشر الذين كانوا يشربون الخمر في دار أبي طلحة . وابن حجر يعلم بأن ما أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث عايشة لا يقاوم هذا النبأ الثابت المروي بالطرق الصحيحة عن رجال الصحاح، ذكر أبو نعيم حديثه في الحلية . 7 ص 160 من طريق عباد بن زياد الساجي عن ابن عدي عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن أبي الرجال عن أمه عمرة عن عائشة. وقال: غريب من حديث شعبة لم نكتبه إلا من من حديث عباد بن أبي عدي. ا ه. وفيه : عباد بن زياد الساجي، يتهم بالقدر. قال موسى بن هارون: تركت حديثه، و قال ابن عدي: هو من أهل الكوفة الغالين في التشيع له أحاديث مناكير في الفضائل . " تهذيب التهذيب 5: 294 " . وفيه: شعبة عن محمد بن عبد الرحمن أبي الرجال قال الخطيب: هذا وهم شعبة لم يرو عن أبي الرجال شيئا، وكذلك من قال فيه عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة. " تهذيب التهذيب 9: 295 " وقال ابن حجر والعيني: وقع عند عبد الرزاق عن معمر بن ثابت وقتادة وغيرهما ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هنا ينتهي كلام العيني والبقية كلمة ابن حجر فحسب .
/ صفحة 99 / عن أنس: إن القوم كانوا أحد عشر رجلا(1) . نادي الخمر هذا كان عام الفتح سنة ثمان من الهجرة بالمدينة المشرفة في دار أبي طلحة زيد بن سهل وكانت السقاية لأنس كما في صحيح البخاري كتاب التفسير في سورة المائدة في آية الخمر، وفي صحيح مسلم في كتاب الأشربة باب تحريم الخمر وقال السيوطي في الدر المنثور 2: 321: أخرجه عبد بن حميد. وأبو يعلى. وابن المنذر، وأبو الشيخ. وابن مردويه عن أنس . وأخرجه أحمد في المسند 3: 181، 227 والطبري في تفسيره 7: 24 ، والبيهقي في السنن الكبرى 8: 286، 290. وابن كثير في تفسيره 2: 93، 94 . وكان عدة الحضور في ذلك النادي كما مرت عن معمر وقتادة أحد عشر رجلا ذكر منهم ابن حجر في فتح الباري 10: 30 عشرة أنفس وقال كما مر ص 98: فحصلنا تسمية عشرة وهم : 1 - أبو بكر بن أبي قحافة. وكان يوم ذاك ابن ثمان وخمسين سنة . 2 - عمر بن الخطاب. وكان يوم ذاك ابن خمس وأربعين سنة . 3 - أبو عبيدة الجراح. وكان ابن ثمان وأربعين سنة . 4 أبو طلحة زيد بن سهل صاحب النادي، وكان له أربع وأربعون سنة ، قال ابن الجوزي في الصفوة 1: 191: توفي سنة أربع وثلاثين وهو ابن سبعين سنة . 5 - سهيل بن بيضاء. توفي بعد القضية بسنة وهو كبير السن . 6 - أبي بن كعب . 7 - أبو دجانة سماك بن خرشة . 8 - أبو أيوب الأنصاري . 9 - أبو بكر بن شغوب . 10 - أنس بن مالك ساقي القوم، كان يوم ذاك ابن ثمانية عشر عاما على الأصح وفي صحيحة مسلم في الأشربة في باب تحريم الخمر، والبيهقي في السنن 8: 29 عن أنس أنه قال: إني لقائم أسقيهم وأنا أصغرهم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) فتح الباري 10 ص 30، عمدة القاري 10 ص 84.
/ صفحة 100 / وقد عزب عن ابن حجر حادي عشر القوم وهو: معاذ بن جبل. كما ورد في حديث قتادة عن أنس، أخرجه ابن جرير في تفسيره 7: 24، والهيثمي في مجمع الزوائد 5 52، والعيني في عمدة القاري 8: 589، والسيوطي في الدر المنثور 2: 321 نقلا عن ابن جرير وأبي الشيخ وابن مردويه، والنووي في شرح مسلم هامش إرشاد القسطلاني 8: 232 . وكان معاذ يوم ذاك ابن ثلاث وعشرين سنة إذ توفي سنة 18 وله 33 عاما كما ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة . وهؤلاء المذكورين من الذين كانوا يشربون الخمر بعد نزول الآيتين فيها بتأويل فيهما كما مر في الجزء السادس 251 ط 2، إلى أن نزل آية المائدة: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان: إلى قوله تعالى: فهل أنتم منتهون. وكان ذلك في عام الفتح فلما رأوا غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلموا من الآية الثلاثة التحذير والوعيد إنتهوا وقال عمر: إنتهينا إنتهينا . قال الآلوسي في تفسيره 2: 115: شربها كبار الصحابة رضي الله عنهم بعد نزولها " يعني آية الخمر في البقرة " وقالوا: إنما نشرب ما ينفعنا ولم يمتنعوا حتى نزلت آية المائدة. ا ه . وأخرج ابن أبي حاتم من حديث أنس أنه قال: كنا نشرب الخمر فأنزلت : يسألونك عن الخمر والميسر. الآية. فقلنا: نشرب منها ما ينفعنا. فأنزلت في المائدة : إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس. الآية. فقالوا: أللهم قد انتهينا(1) . وأخرج عبد بن حميد عن عطاء أنه قال: أول ما نزل في تحريم الخمر " يسألونك عن الخمر والميسر " الآية فقال بعض الناس: نشربها لمنافعها التي فيها. وقال آخرون لا خير في شيئ فيه إثم ثم نزل " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " الآية، فقال بعض الناس: نشربها ونجلس في بيوتنا. وقال آخرون: لا خير في شيئ يحول بيننا وبين الصلاة مع المسلمين. فنزلت " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر الآية " فانتهوا(2) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الدر المنثور 1: 252، تفسير الشوكاني 1: 197 . (2) تفسير الآلوسي 7 ص 17.
/ صفحة 101 / ولتعدد آيات الخمر واختلاف السلف فيها وتأويل جمع منهم آيتي البقرة النساء من تلكم الآيات وقع الخلاف في تاريخ حرمتها على أقوال : م 1 - الأخذ بما أخرجه الطبراني من طريق معاذ بن جبل من أن أول ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين بعث شرب الخمر وملاحاة الرجال(1) فتحريم الخمر كان في أوليات الهجرة إن لم تكن في أوليات البعثة، ويساعده ما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم من أن أعظم الكبائر شرب الخمر(2) ويبرمه النظر في آيات الخمر فالآية الأولى منها من سورة البقرة وهي أول سورة نزلت بالمدينة(3) والآية الثانية في سورة النساء وقد نزلت في أوائل الهجرة(4) . ولعل هذا رأي كل من رأى حرمة الخمر بآية البقرة، قالت عائشة: لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك(5) وقد نزلت سورة البقرة بعد زواج عايشة كما مر في الجزء السادس ص 197 . واختار الجصاص حرمة الخمر بآية البقرة كما أسلفنا كلامه في الجزء السادس صفحة 254 ط 2، وقال القرطبي في تفسيره 3: 60: قال قوم من أهل النظر حرمت الخمر بهذه الآية يعني التي في سورة البقرة، وقال الرازي في تفسيره 2: 229: إن هذه الآية " يعني آية البقرة " دالة على تحريم شرب الخمر. وذكر في ص 231 في وجه دلالتها عليه وجوها . 2 رأى البلاذري أنه كان سنة أربع من الهجرة كما في " الامتاع " للمقريزي ص 193، وذكر ابن إسحاق: أنه كان في وقعة بني النضير سنة أربع على الراجح(6) وقال ابن هشام في سيرته 2: 192: نزل ببني النضير وذلك في شهر ربيع الأول - سنة أربع فحاسرهم فيها ست ليال، ونزل تحريم الخمر. وذكره ابن سيد الناس في عيون الأثر 2: 48 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أوائل السيوطي ص 90 . (2) الغدير 6: 257 ط 2 . (3) تفسير القرطبي 1: 132 تفسير ابن كثيرا: 35، تفسير الخازن 1: 19 . (4) راجع ما يأتي في الجزء الثامن صفحة 11 من الطبعة الأولى . (5) تاريخ الخطيب 8: 358، الدر المنثور 1: 252 . (6) فتح الباري 10: 24، عمدة القاري 10: 82.
/ صفحة 102 / ويؤيد هذا الرأي ما أخرجه ابن مردويه عن جابر أنه قال: حرمت الخمر بعد أحد(1) وقد وقعت غزوة أحد في سنة ثلاث فبعدها تكون سنة أربع تقريبا . 3 - جزم الدمياطي على أن تحريم الخمر كان في سنة الحديبية سنة ست كما في فتح الباري 10: 24، وعمدة القاري 10: 82 . 4 - حرمتها في سنة الفتح عام ثمان من الهجرة يوم الندوة المذكورة المنعقدة في دار أبي طلحة بآية المائدة التي فيها الارهاب والتحذير، وبها كف عمر ومن كان معه في تلك الندوة عن الشرب وقال: إنتهينا، إنتهينا . وهذا القول غير مدعوم بحجة، وليس إلا لتصحيح شرب أولئك الرجال من الصحابة وجعله قبل التحريم، فترى مثل ابن حجر لا يحكم به حكما باتا بل يستظهره من حديث أحمد قال في فتح الباري 8: 274: الذي يظهر أن تحريمها كان عام الفتح سنة ثمان لما روى أحمد من طريق عبد الرحمن بن وعلة قال: سألت ابن عباس عن بيع الخمر فقال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو من دوس فلقيه بمكة عام الفتح براوية خمر يهديها إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا فلان ! أما علمت أن الله حرمها ؟ فأقبل الرجل على غلامه فقال: اذهب فبعها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا فلان ! بماذا أمرته ؟ قال: أمرته أن يبيعها. قال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها. فأمر بها فأفرغت في البطحاء . وقصارى ما في هذا الحديث أن تحريم الخمر بلغ الرجال في عام الفتح لا أنها حرمت فيه، لأن الرجل كان في منتئ عن مستوى تبليغ الأحكام، متخبطا بين أعراب البوادي، غير عارف حتى بأصول المراودة والتحابب، ويشهد لذلك إهداؤه الخمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنها على فرض عدم حرمتها ليست مما يهدى إلى مثله صلى الله عليه وآله وسلم ، لكن الرجل كان من دهماء الناس، وجرى على ما هو المطرد بن الرعرعة والساقة . |