عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
فلما عتت قريش على الله عز وجل، وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة، وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم، وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال فنزل قوله تعالى: أذن الذين يقاتلون بأنهم ظلموا الآية. ثم أنزل الله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ، فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم في الحرب وتابعه هذ الحي من الأنصار على الاسلام والنصرة له ولمن اتبعه، وأوى إليهم من المسلمين، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها، واللحوق بإخوانهم من الأنصار، وقال: إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها. فخرجوا أرسالا وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة، فهاجر بنو جحش فغلقت دورهم هجرة تخفق أبوابها يبابا، ليس فيها ساكن خلاء من أهلها. وكان بنو غنم بن دودان أهل . إسلام قد أو عبوا إلى المدينة هجرة نساءهم ورجالهم، ثم تتابع المهاجرون وفيهم: أبو سلمة بن عبد الأسد * عامر بن ربيعة الكعبي * عبد الله بن جحش * عبد بن جحش أبو أحمد عكاشة بن محصن * شجاع بن وهب * عقبة بن وهب * عربد بن حمير منقذ بن نباتة * سعيد بن رقيش * محرز بن نضلة * يزيد بن رقيش قيس بن خابر * عمرو بن محصن * مالك بن عمرو * صفوان بن عمرو ثقف بن عمرو * ربيعة بن أكثم * الزبير بن عبيدة * تمام بن عبيدة سخبرة بن عبيدة * محمد بن عبد الله بن جحش * عمر بن الخطاب * عياش بن أبي ربيعة زيد بن الخطاب * عمرو بن سراقة * عبد الله بن سراقة * خنيس بن حذافة إياس بن البكير * عاقل بن البكير * عامر بن البكير * خالد بن البكير
/ صفحة 267 / طلحة بن عبيد الله * حمزة بن عبد المطلب * صهيب بن سنان * زيد بن حارثة كنار بن حصين * عبيدة بن الحارث * الطفيل بن الحارث * الحصين بن الحرث مسطح بن أثاثة * سويبط بن سعد * طليب بن عمير * خباب مولى عتبة عبد الرحمن بن عوف * الزبير بن عوام * أبو سبرة بن أبي رهم * مصعب بن عمير أبو حذيفة بن عتبة * سالم مولى أبي حذيفة * عتبة بن غزوان * عثمان بن عفان أنسة مولى رسول الله * أبو كبشة مولى رسول الله. وأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة. ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه، وما كان يعلم بخروجه صلى الله عليه وسلم أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق وآل أبي بكر، أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعد مكة، حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شئ يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم ، فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج فخرج ومعه أبو بكر ثم عمدا إلى غار بثور جبل بأسفل مكة فدخلاه فأقام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ومعه صاحبه . ثم خرج بهما دليلهما عبد الله بن أرقط سلك بهما أسفل مكة ثم مضى بهما على الساحل أسفل من عسفان(1) ثم سلك بهما على أسفل أمج(2) ثم استجاز بهما حتى عارض بهما الطريق بعد أن جاز قديدا(3) ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الخرار(4) ثم سلك بهما ثنية(5) المرة، ثم سلك بهما لقفا(6)، ثم استبطن بهما مدلجة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بضم الأول ثم السكون: محل من مكة على مرحلتين. (2) بفتح الهمزة والميم: بلد من اعراض المدينة . (3) بضم الأول وفتح الدال: موضع فيه ماء بين مكة والمدينة. بها منازل خزاعة . (4) بفتح المعجمة وتشديد الراء: موضع قرب الجحفة . (5) ثنية المرة مخفف الراء. (6) يقال: لقف بالتحريك وبفتح اللام وسكون الفاء. وبكسر اللام وسكون الفاء.
/ صفحة 268 / مجاج(1) ثم سلك بهما مرجح مجاج ثم تبطن بهما مرجح(2) من ذي العضوين - الغضوين - ثم بطن ذي كشر(3) ثم أخذ بهما على الجداجد(4) ثم على الأجرد(5) ثم سلك بهما ذا سلم بن بطن أعدا مدلجة تعهن(6) ثم على العبابيد(7) ثم أجاز بهما الفاجة(8) ثم هبط بهما العرج(9) فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم يقال له: أوس بن حجر على جمل له يقال له: ابن الرداء. إلى المدينة وبعث معه غلاما له مسعود بن هنيدة، ثم خرج بهما دليلهما من العرج فسلك بهما ثنية العائر(10) عن يمين ركوبه(11) حتى هبط بهما بطن رئم(12) ثم قدم بهما قباء(13) على بني عمرو بن عوف حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل . ولما دنوا من قباء بعثوا رجلا من أهل البادية إلى أبي أمامة وأصحابه من الأنصار فثار المسلمون إلى السلاح واستقبله زهاء خمسمائة من الأنصار فوافوه وهو مع أبي بكر في ظل نخلة، ثم قالوا لهما: اركبا آمنين مطاعين. فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بقباء في دار بني عمرو بن عوف فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف بن الاثنين ويوم الثلثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده وقد يقال كما في سنن أبي داود 1 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بفتح الميم وكسره بجيمين وصححه بعض بفتح الميم ثم المعجمة وآخره مهملة . (2) بفتح الميم وسكون الراء بعدها معجمة مكسورة وآخره مهملة . (3) بفتح الكاف وسكون الشين وآخره مهملة . (4) بالمعجمتين والمهملتين بينهما ألف. من الآبار القديمة . (5) اسم جبل هناك . (6) تعهن بكسر أوله وهائه وتسكين العين وآخره نون: اسم عين ماء سمى به على ثلاثة أميال من السقيا بين مكة والمدينة، ويقال في ضبطه غير هذا . (7) ويقال: العبابيب، ويقال: العثيانة . (8) ويقال: الفاحة بالمهملة. والقاحة. مدينة على ثلاثة مراحل من المدينة . (9) بفتح العين وسكون الراء: عقبة بين مكة والمدينة . (10) قال محمد يحيى الدين المصري في حاشية سيرة ابن هشام 2: 108: لم يذكر ياقوت العائر لا بالعين المهملة ولا بالغين المعجمة. أقول: ذكره في العين المهملة 6 ص 103 وقال: جبل بالمدينة. وفي حديث الهجرة: ثنية العائر عن يمين ركوبه. ويقال: ثنية الغائر بالغين المعجمة. ا ه ملخصا. (11) بفتح الراء: ثنية صعبة عند العرج . (12) بكسر الراء المهملة موضع على أربعة برد من المدينة وقيل: ثلاثة برد . (13) بضم أوله: قرية على ميلين من المدينة.
/ صفحة 269 / ص 74: إنه أقام في قباء أربعة عشر ليلا، وحكى موسى بن عقبة اثنين وعشرين ليلة. وقال البخاري: بضع عشرة ليلة، وبقباء كانت منازل الأوس والخزرج . ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وادي رانوناء، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة . قال عبد الرحمن بن عويم: حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وتوكفنا(1) قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال، فإذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلك في أيام حارة . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وصلى الجمعة أتاه عتبان بن مالك وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف، فقالوا: يا رسول الله ! أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة - يعني ناقته - فخلوا سبيلها فانطلقت ، حتى إذا وازنت دار بني بياضة تلقاه زياد بن لبيد وفروة ابن عمرو في رجال من بني بياضة فقالوا: يا رسول الله ! هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها. فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني الحرث بن الخزرج اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة في رجال من بني الحرث بن الخزرج فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها فانطلقت، حتى إذا مرت بدار بني عدي بن النجار اعترضها سليط بن قيس، وأبو سليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي فقالوا: يا رسول الله ! هلم إلى أخوالك إلى العدد والعدة والمنعة. قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) استشعرناه وانتظرناه.
/ صفحة 270 / بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد(1) لغلامين يتيمين من بني النجار : سهل وسهيل ابني عمرو، فلما بركت ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينزل وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تحلحلت(2) ورزمت(3) ووضعت جرانها(4) فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عن المربد لمن هو ؟ فقال له معاذ بن عفراء: هو يا رسول الله ! لسهل و سهيل ابني عمرو وهما يتيمان لي، وسأرضيهما منه فاتخذه مسجدا . راجع سيرة ابن هشام 2 ص 31 - 114، تاريخ الطبري 2: 233 - 249، طبقات ابن سعد 1 ص 201 - 224، عيون الأثر 1: 152 - 159، الكامل لابن الأثير 2: 38 . 44 تاريخ ابن كثير 3: 138 - 205، تاريخ ابن الفدا ج 1: 121 - 124، الامتاع للمقريزي ص 30 - 47، السيرة الحلبية 2: 3 - 61 .
- 11 ـ عن يزيد(5) بن الأصم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: أنا أكبر أو أنت ؟ قال: لا بل أنت أكبر مني وأكرم وخير مني، وأنا أسن منك . أخرجه ابن الضحاك، وذكره أبو عمر في الاستيعاب 2: 226، والمحب الطبري في الرياض النضرة 1 ص 127، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 72 نقلا عن خليفة بن خياط، وأحمد بن حنبل، وابن عساكر ، قال الأميني: أو لا تعجب من أكذوبة تعد أكرومة ؟ متى تصح رواية يزيد بن الأصم عن النبي صلى الله عليه وآله ولم يدركه، فإن الرجل توفي سنة 101 / 3 / 4 وهو ابن ثلاث و ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بكسر الميم وفتح الباء بينهما مهملة ساكنة أصله الموضع الذي يجفف فيه التمر . (2) تحلحلت: تحركت. وقد يقال: تلحلحت. أي لزمت مكانها . (3) وعند ابن الأثير: أرزمت. أي رغبت ورجعت في رغائها. (4) الجران، ككتاب: قال السهيلي: أي عنقها. وقال غيره: الجران. ما يصيب الأرض من صدرها وباطن حلقها . (5) في الرياض: زيد. والصحيح: يزيد.
/ صفحة 271 / سبعين سنة فولادته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بدهر . ثم متى كان أبو بكر أسن من النبي وقد ولد صلى الله عليه وآله في عام الفيل، وولد أبو بكر بعد عام الفيل بثلاث سنين. وقال سعيد بن المسيب: استكمل أبو بكر بخلافته سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي وهو بسن النبي صلى الله عليه وآله ابن ثلاث وستين سنة. راجع : المعارف لابن قتيبة ص 75 فقال: إتفقوا على أن عمره ثلاث وستون سنة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسن من أبي بكر بمقدار سني خلافته. ا ه. صحيح الترمذي 2: 288 وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين سنة، سيرة ابن هشام 1 ص 205، تاريخ الطبري 2: 125 و ج 4: 47، الاستيعاب م 1: 335 وقال: لا يختلفون أن سنه انتهت إلى حين وفاته ثلاثا وستين سنة إلا ما لا يصح وأنه استوفى بخلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله سن رسول الله صلى الله عليه وآله وقال في الجزء الثاني ص 626 بعد ذكر حديث يزيد الأصم: هذا الخبر لا يعرف إلا بهذا الاسناد، وأحسبه وهما لأن جمهور أهل العلم بالأخبار والسير والآثار يقولون: إن أبا بكر استوفى بمدة خلافته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ] الكامل 1: 185 و ج 2: 176. أسد الغابة 3: 223، مرآة الجنان 1: 65، 69، مجمع الزوائد 9: 60، عيون الأثر 1: 43، الإصابة 2: 341 ، 344، السيرة الحلبية 3: 396 . نعم: هذه المسائلة وقعت بينه صلى الله عليه وآله وبين سعيد بن يربوع المخزومي كما رواها البغوي وابن مندة(1) وابن يربوع توفي سنة 54 وله 120 سنة. وقيل: وزيادة أربع . ولما كانت شيبة أبي بكر وكبر سنه هي الحجة الوحيدة على مخالفيه يوم السقيفة فأيدها المغالون في فضائله بأمثال هذه المخاريق المفتعلة، وتحريف التاريخ عن مواضعه. والله يعلم أنهم لكاذبون .
- 12 - عن شبابة عن فرات بن السائب قال: قلت لميمون بن مهران: أبو بكر الصديق أول إيمانا بالنبي صلى الله عليه وسلم أم علي بن أبي طالب ؟ قال: والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الإصابة 2: 51.
/ صفحة 272 / زمن بحيرا الراهب، واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه، وذلك كله قبل أن يولد علي بن أبي طالب . وعن ربيعة بن كعب(1) قال: كان إسلام أبي بكر شبيها بالوحي من السماء وذلك أنه كان تاجرا بالشام فرأي رؤيا فقصها على بحيرا الراهب فقال له: من أين أنت ؟ فقال : من مكة فقال: من أيها ؟ قال: من قريش. قال: فأي شئ أنت: قال: تاجر. قال : إن صدق الله رؤياك فإنه يبعث نبي من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته من بعد وفاته. فأسر ذلك أبو بكر في نفسه حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فقال: يا محمد ما الدليل على ما تدعي ؟ قال: الرؤيا التي رأيت بالشام فعانقه وقبل بين عينيه وقال : أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله . وقال الإمام النووي: كان أبو بكر أسبق الناس إسلاما، أسلم وهو ابن عشرين سنة . وقيل: خمس عشر سنة . راجع الرياض النضرة 1: 51، 54، أسد الغابة 1: 168، تاريخ ابن كثير 9: 319 ، الصواعق المحرقة ص 45، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 24، الخصايص الكبرى 1: 29 ، نزهة المجالس 2: 182 . قال الأميني: هلم معي ننظر إلى هذه المراسيل هل توجد فيها مسحة من الصدق ؟ أما رواية ابن مهران سندا : 1 - فشبابة بن سوار(2) أبو عمر والمدائني قال أحمد: تركته لم أكتب عنه للأرجاء وكان داعية، وقال ابن خراش: كان أحمد لا يرضاه وهو صدوق في الحديث وقال الساجي وابن عبد الله وابن سعد والعجلي وابن عدي: إنه كان يقول بالارجاء ، وقبل هذه كلها يظهر مما رواه أبو علي المدائني: إنه كان يبغض أهل بيت النبي صلوات الله عليهم. وضربه الله بالفالج لدعاء من دعا عليه بقوله: أللهم إن كان شبابة يبغض أهل نبيك فاضربه الساعة بالفالج. ففلج في يومه ومات. ميزان الاعتدال 1: 440 ، تهذيب التهذيب 4: 302 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في الخصايص الكبرى عن كعب. وهو الصحيح . (2) في ميزان الاعتدال: سواد.
/ صفحة 273 / 2 - فرات بن السائب الجرري. قال البخاري: منكر الحديث وقال يحيى ابن معين: ليس بشئ، منكر الحديث. وقال الدارقطني وغيره: متروك. وقال أحمد بن حنبل: قريب من محمد بن زياد الطحان في ميمون يتهم بما يتهم به ذاك. ومحمد بن زياد هو اليشكري أحد الكذابين الوضاعين كما مر في ج 5: 258 ط 2، ففرات عند إمام الحنابلة كذاب وضاع. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث. وقال الساجي: تركوه. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أبو أحمد الحاكم. ذاهب الحديث وقال ابن عدي: له أحاديث غير محفوظة وعن ميمون مناكير . [ ميزان الاعتدال 2: 325، لسان الميزان 4: 430 ] 3 - ميمون بن مهران حسبه ما مر في رواية فرات عنه، أضف إلى ذلك قول العجلي: إنه كان يحمل على علي كما في تهذيب ابن حجر 10: 391. هب إنه وثقة من وثقه، فما قيمته وقيمة حديثه بعد تحامله على علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه . ثم قد أتى ميمون في حديثه بأمرين: إسلام أبي بكر زمن بحيرا. واختلافه في زواج رسول الله صلى الله عليه وآله خديجة. أما اختلافه بينه صلى الله عليه وآله وسلم وبين خديجة فلم ينبأ عنه قط خبير. وليس من الجايز أن يكون الوسيط في قران رجل عظيم كمحمد وامرأة من بيت مجد وسؤدد ورياسة كخديجة، شاب حدث ابن اثنتين وعشرين سنة وللزوج أعمام أشراف أعاظم كالعباس وحمزة وأبي طالب وهو بينهم وفي بيتهم، وكان عمه أبو طالب كما يأتي يحبه حبا شديدا لا يحب أولاده مثله، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرجه معه حين يخرج(1) وكان هو الذي كلم خديجة حتى وكلت رسول الله صلى الله عليه وآله بتجارتها، كما في الامتاع للمقريزي ص 8 . والذي جاء في السير والتاريخ في أمر هذا القران أن خديجة بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ورغبت في زواجه لقرابته وأمانته وحسن خلقه وصدق حديثه، وعرضت نفسها عليه صلى الله عليه وآله، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأعمامه فخرج معه عمه حمزة وفي لفظ ابن الأثير: خرج معه حمزة وأبو طالب وغيرهما من عمومته. حتى دخل على خويلد بن أسد، أو على عمرو بن أسد عم خديجة فخطبها إليه فتزوجها عليه وآله الصلاة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يأتي تفصيل ذلك في الكلام عن أبي طالب عليه السلام.
/ صفحة 274 / والسلام وخطب أبو طالب عليه السلام خطبة النكاح، فقال : الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئ معد، و عنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا، وحرما آمنا ، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن برجل إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، فإن كان في المال قل ؟ فإن المال ظل زايل، و أمر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي كذا، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليل. فزوجها . راجع طبقات ابن سعد 1: 113، تاريخ الطبري 2: 127، أعلام الماوردي ص 114، الصفوة لابن الجوزي 1: 25 الكامل لابن الأثير 2: 15، تاريخ ابن كثير 2 : 294، تاريخ الخميس 1: 299، عيون الأثر 1: 49، أسد الغابة 5: 435، الروض الأنف 1: 122، تاريخ ابن خلدون 2: 172، المواهب اللدنية 1: 50، السيرة الحلبية 1: 149، 150، شرح المواهب للزرقاني 1: 200، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية 1: 114 . فأين مزعمة ابن مهران من هذا التاريخ الصحيح المتواتر ؟ وأما إسلام أبي بكر قبل ولادة علي أمير المؤمنين زمن " بحيرا " الراهب فإنه مأخوذ مما أخرجه ابن مندة(1) من طريق عبد الغني بن سعيد الثقفي عن ابن عباس : إن أبا بكر الصديق صحب النبي وهو ابن ثمان عشرة سنة والنبي ابن عشرين وهم يردون الشام في تجارة حتى إذا نزل منزلا فيه سدرة قعد في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب يقال له: بحيرا يسأله عن شيئ الخ هذه الرواية ضعفها غير واحد من الحفاظ. قال الذهبي في ميزان الاعتدال 2: 243: عبد الغني ضعفه ابن يونس. وأقر ضعفه ابن حجر في لسانه 4: 45، وقال في الإصابة 1: 177: أحد الضعفاء المتروكين . وذكره السيوطي في الخصايص الكبرى 1: 86 فقال: سند ضعيف وضعفه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أبو عبد الله محمد بن إسحاق الاصبهاني الحافظ الرجال المتوفى 355 .
/ صفحة 275 / القسطلاني في المواهب 1: 50، والحلبي في السير النبوية 1: 130 . وأفظع من هذا رواية أخرجها الحفاظ من طريق أبي نوح قراد عن يونس ابن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري عن أبي موسى قال: خرج أبو طالب إلى الشام ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب - يعني بحيرا - هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج ولا يلتفت إليهم قال: فنزل وهم يحلون رحالهم، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين، إلى أن قال . فبايعوه وأقاموا معه عنده، فقال الراهب: أنشدكم الله أيكم وليه ؟ قالوا : أبو طالب. فلم يزل يناشده حتى رده، وبعث معه أبو بكر بلالا، وزوده الراهب من الكعك والزيت . أخرجه الترمذي في صحيحه 2: 284 فقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والحاكم في المستدرك 2: 616، وأبو نعيم في الدلائل 1: 53، والبيهقي في الدلائل، والطبري في تاريخه 2: 195، وابن عساكر في تاريخه 1: 267، وابن كثير في تاريخه 2: 284، نقلا عن الحافظ أبي بكر الخرائطي والحفاظ المذكورين، وابن سيد الناس في عيون الأثر 1: 42، والقسطلاني في المواهب 1: 49 . *(رجال الرواية) * 1 - أبو نوح قراد عبد الرحمن بن غزوان، قال عباس الدوري: ليس في الدنيا أحد يحدث بهذا الحديث غير قراد أبي نوح وقد سمعه منه أحمد ويحيى لغرابته و انفراده " تاريخ ابن كثير 2: 285 " . وقال الذهبي في الميزان 2: 113: كان يحفظ، قوله مناكير، وأنكر ما له حديث عن يونس " وذكر شطرا من الحديث " فقال: ومما يدل على أنه باطل قوله: وبعث معه أبو بكر بلالا، وبلال لم يكن خلق، وأبو بكر كان صبيا . وقال في تلخيص المستدرك تعليقا على تصحيحه قلت: أظنه موضوعا فبعضه باطل وقال ابن حجر في التهذيب 6: 248: ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان
/ صفحة 276 / يخطئ يتخالج في القلب منه لروايته عن الليث قصة المماليك. وقال أحمد: هذا " يعني حديث المماليك " باطل مما وضع الناس. وقال الدارقطني: قال أبو بكر: أخطأ فيه قراد . 2 - يونس بن أبي إسحاق. ضعف أحمد حديثه عن أبيه، وقال: حديثه عن أبيه مضطرب. وقال أبو حاتم: كان صدوقا إلا أنه لا يحتج بحديثه. وقال: أبو أحمد الحاكم ربما وهم في روايته. " تهذيب التهذيب 11: 434 " . 3 - أبو إسحاق السبيعي. قال: ابن حبان: مدلس، وذكره الكرابيسي في المدلسين، وقال معن: أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق التدليس " تهذيب التهذيب 8: 66 " وقال أبو حاتم: صدوق لا يحتج به: وقال ابن خراش. في حديثه لين. وقال ابن حزم في المحلى: ضعفه يحيى وأحمد جدا، وقال أحمد : حديثه مضطرب " ميزان الاعتدال 3: 339 " . 4 - أبو بكر بن أبي موسى توفي سنة 106، ضعفه ابن سعد، وقال أحمد : لم يسمع من أبيه. تهذيب التهذيب 12 ص 41 " . 5 - أبو موسى الأشعري المتوفى سنة 42 / 50 / 51 / 53 وهو ابن 63 سنة بلا خلاف أجده وقد وقعت الواقعة بعد عام الفيل بتسع سنين أو اثني عشر عاما قبل ولادة أبي موسى الأشعري 17 / 22 / 23 / 25 عاما، فإن كان أبو موسى هو الشاهد للقصة قبل مولده فحبذا ؟ وإن كان يرويها عمن شاهدها فمن هو ؟ حتى ننظر في حاله . هذا شأن الرواية سندا، أهذه كلها تخفى على مثل الترمذي ومن بعده من الحفاظ فيحكمون فيها بالحسن ؟ أو بالصحة كما فعله ابن حجر والحلبي ؟ أنا لا أدري . نعم: الحب يعمي أو يصم . وأما متن الرواية فهو يكفي في تكذيبها إذ سفر أبي طالب عليه السلام إلى الشام و أخذه معه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان وقد مضى من عمره صلى الله عليه وآله سلم تسع سنين على ما قاله أبو جعفر الطبري والسهيلي وغيرهما، أو اثنى عشر عاما على ما قاله آخرون(1) وكان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) طبقات ابن سعد 1: 102، تاريخ الطبري 2: 195، تاريخ ابن عساكر 1: 2 ، 269، تاريخ ابن كثير 2: 285، الروض الأنف: 1: 118، امتاع المقريزي ص 8، عيون الأثر 1: 43، شرح المواهب للزرقاني 1: 196.
/ صفحة 277 / أبو بكر يوم ذاك ابن ست أو تسع سنين: فأين كان هو ؟ وماذا كان يصنع بالشام ؟ وأي اختيار كان له بين شيوخ قريش ؟ ولم تكن تنعقد نطفة بلال يوم ذاك أخذا بقول من قال : إنه توفي سنة 25 وله بضع وستون سنة(1) أو إنه ولد في تلكم السنين أخذا بقول ابن الجوزي في الصفوة 1 ص 174 من أنه مات سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة. كأن أبو بكر ولد وهو شيخ وبلال عتيقه، وكان معه من أول يومه، وكان من يوم ولد له الحل والعقد . ثم أي بيعة كانت يوم ذاك ؟ وما معنى قول أبي موسى الأشعري: فبايعوه و أقاموا معه عنده ؟ وأي إيمان وإسلام على زعم رواة هذه الأفيكة، وكان قبل البعثة بإحدى وثلاثين سنة، أو ثمانية وعشرين عاما، أو اثنين وعشرين، أو سبعة عشرة سنة على زعم النووي ؟ ولم تكن للنبي صلى الله عليه وآله يومئذ دعوة، ولا كلف أحدا بالإيمان به ، فلا يقال لمن عرف شيئا من إرهاصات النبوة إنه أسلم يوم عرف وإلا لكان " بحيرا " الراهب و " نسطور " وأمثالهما من الرهبان والكهنة أقدم إسلاما من أبي بكر، وكم هنالك أناس عرفوا أمر الرسالة قبلها وبشروا بها ثم بعد البعثة عاندوا وحسدوا، فمنهم من مات مشركا، ومنهم من أدركته الهداية بعد حين كما يأتي في كعب الأحبار بعيد هذا. و كيف أثبت ذلك اليوم إيمانا لأبي بكر وصار بذلك أقدم الناس إسلاما ولم يثبت لأبي طالب لا ذاك ولا غيره ؟ وأبو موسى لم يستثن أبا طالب من أولئك الذين بايعوا يوم ذاك نظراء أبي بكر وبلال الخيالي . قال الحافظ الدمياطي: في هذا الحديث وهمان: الأول: قوله: فبايعوه وأقاموا معه. والثاني: قوله: وبعث معه أبو بكر بلالا. ولم يكونا معه، ولم يكن بلال أسلم لا ملكه أبو بكر، بل كان أبو بكر حينئذ لم يبلغ عشر سنين، ولم يملك أبو بكر بلالا إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة وكذا ضعفه الذهبي(2) . وقال الزركشي في الاجابة ص 50: هذا من الأوهام الظاهرة لأن بلالا إنما اشتراه أبو بكر بعد مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد أن أسلم بلال وعذبه قومه ولما خرج ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب التهذيب 1: 503 . (2) حياة الحيوان للدميري 2: 275، تاريخ الخميس 1: 292.
/ صفحة 278 / النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع عمه أبي طالب كان له من العمر اثنتا عشرة سنة وشهران وأيام. ولعل بلالا لم يكن بعد ولد. ا ه . وقال ابن كثير في تاريخه 2: 285: إن قوله: وبعث أبو بكر معه بلالا إن كان عمره عليه الصلاة والسلام إذ ذاك اثنتى عشرة سنة فقد كان عمر أبي بكر إذ ذاك تسع سنين أو عشرة ، وعمر بلال أقل من ذلك، فأين كان أبو بكر إذ ذلك ؟ ثم أين كان بلال، كلاهما غريب ، أللهم إلا أن يقال: إن هذا كان ورسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرا، إما بأن يكون سفره بعد هذا أو إن كان القول بأن عمره كان إذ ذاك اثنتي عشرة سنة غير محفوظ فإنه إنما ذكره مقيدا بهذا الواقدي، وحكى السهيلي عن بعضهم أنه كان عمره على الصلاة والسلام إذ ذاك تسع سنين والله أعلم . قال الأميني: إن ابن كثير غض البصر عما في الرواية من خرافة البيعة كأن لم يكن شيئا مذكورا. ثم أتى في تصحيح بعث أبي بكر بلالا بما لا يخفى على فساده ، إذ لم يزد سفر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الشام مع أبي طالب عليه السلام على المرة الواحدة، و كون عمره صلى الله عليه وآله وسلم اثنى عشر عاما محفوظ عند ابن سعد وابن جرير وابن عساكر و ابن الجوزي، ولم ينحصر بالواقدي كما حسبه. وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الشام مرة ثانية سنة خمس وعشرين من عام الفيل مع ميسرة غلام السيدة خديجة سلام الله عليها وليس هناك أي ذكر من " بحيرا " وإنما فيه قضية " نسطور " الراهب(1) . وقال ابن سيد الناس في عيون الأثر 1: 43 مثل مقالة الدمياطي المذكورة وكذلك الحلبي في السيرة النبوية 1 ص 129، والحديث أخرجه ابن الجوزي في صفة الصفوة 1: 21، من طريق داود بن الحصين وليس فيه أثر من الوهمين ولا ذكر من أبي بكر . *(نظرة في حديث كعب) * وأما رواية كعب فإني لم أجدها في أصل من أصول الحديث، ولم أر لها سندا قط، وفي ذكر كعب وهو كعب الأحبار من رجال ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ ابن عساكر 1: 267، 272، دلائل النبوة لأبي نعيم 1: 54، الصفوة لابن الجوزي 1: 24، تاريخ ابن الفدا ج 1: 114، الاجابة للزركشي ص 50، تاريخ الخميس 1. 262.
/ صفحة 279 / سندها كفاية، وحسبنا في كعب ما أخرجه البخاري من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار فقال : إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب(1) . م - وقال ابن أبي الحديد في شرحه 1 ص 362: روى جماعة من أهل السير: أن عليا كان يقول في كعب الأحبار: إنه الكذاب وكان كعب منحرفا عن علي عليه السلام . وأخرج ابن أبي خيثمة بإسناد حسنه ابن حجر عن قتادة قال: بلغ حذيفة أن كعبا يقول: إن السماء تدور على قطب كالرحى. فقال: كذب كعب إن الله يقول: إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ](2) . على أن كعبا لو كان يصدق نفسه فيما أخبره من الإرهاصات والبشائر لما كان يبقى على دين اليهود طيلة حياة النبي صلى الله عليه وآله وما كان يأخر إسلامه إلى عهد عمر بن الخطاب ، م - ولما كان يتعلل عندما سئل عما منعه عن إسلامه في العهد النبوي بقوله: إن أبي كان كتب لي كتابا من التوراة فقال: اعمل بهذا. وختم على ساير كتبه وأخذ علي بحق الوالد علي الولد أن لا أفض الختم عنها، فلما رأيت ظهور الاسلام قلت: لعل أبي غيب عني علما ففتحتها فإذا صفة محمد وأمته فجئت الآن مسلما ](3) وكان له يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنان وثمانون عاما(4) وأثر الكذب لايح في جل ما جاء به كعب وحسبه ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه 5 ص 260 من حديث ذي قربات الذي حكم الحفاظ بعدم صحته ، وما جاء به السيوطي في الخصايص الكبرى 1: 31 من حديث إخباره عمر وعثمان: بأنهما مذكوران بالخلافة في التوراة، وفيها أن عثمان يقتل مظلوما، ومع هذه كلها لم يعلم صدور هذه البشارة منه في أيام إسلامه ولعله كان قبله فلا يقبل قوله لا يصدق في حديثه . على أن الأحلام إن صحت وصدقت فلم لم يحدث أبو بكر أحدا من الصحابة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب التهذيب 8 ص 439، الإصابة 3 ص 316 . (2) الإصابة: 3: 316 . (3) الإصابة 3: 316 . (4) راجع الإصابة، أسد الغابة، تهذيب التهذيب.
/ صفحة 280 / بما أخبره " بحيرا " من البشارة في نفسه من أنه يكون وزيرا وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يدور حديثه في دور النبي صلى الله عليه وآله على ألسنتهم، وتخبت إليه أفؤدتهم، وتزهر بمذاكرته أنديتهم ؟ أوانه حدث بها لكن الصحابة ضربوا عنها صفحا فلم تنه إلى المحدثين، ولا انتهت إلى أحد من أرباب الصحاح والمسانيد حتى انتهت النوبة إلى الغلاة في الفضائل من المتأخرين فأرسلوها إرسال المسلم تجاه الحقائق الراهنة . ولو كان أبو بكر أول من أسلم بتلكم التقاريب فأين كان هو إلى منتهى سبع سنين من البعثة التي يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها: لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين لأنا كنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا ؟(1) . وفي أولية أمير المؤمنين في الاسلام أحاديث صحيحة عنه صلى الله عليه وآله وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قدمناها في الجزء الثالث، وأسلفنا هناك ما يربو على ستين حديثا من الصحابة والتابعين في أن عليا أول الناس إسلاما وأول من صلى وآمن من ذكر. و قد مرت هناك صحيحة الطبري أن أبا بكر أسلم بعد أكثر من خمسين رجلا، ولو كان أبو بكر أول من أسلم وقد آمن به صلى الله عليه وآله قبل ولادة علي عليه السلام فأين كان هو يوم قال العباس لعبد الله بن مسعود: ما على وجه الأرض أحد يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة: محمد وعلي وخديجة ؟(تاريخ ابن عساكر 1: 318) . فلا يحق آنئذ لأي مغال في الفضائل أن يدع تلكم الصحاح عن النبي الأعظم و وصيه الأقدس والصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان، ويأخذ تجاهها برواية كعب، و إن هو إلا كعب ليس إلا، ولا يثبت الحق بالكعاب. ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك .
- 13 - أخرج ابن سعد والبزار بسند حسن عن أنس قال: كان أسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أبو بكر الصديق وسهيل بن عمرو بن بيضاء . وأخرجه أبو عمر في الاستيعاب 1 ص 576، وابن الأثير في أسد الغابة 2 ص 370 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا ص 220 - 224 ط 2.
/ صفحة 281 / وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9 ص 60 فقال: رواه البزار وإسناده حسن، و رواه ابن حجر في الإصابة 2 ص 85. وفيه: سهل بدل سهيل وهو أخوه. أو هو هو . والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 73 نقلا عن ابن سعد والبزار . قال الأميني: كنا نعتقد أن المغالاة يمكن أن تقع في النفسيات التي لا تدرك بالحواس الظاهرة كالعلم والتقوى وأمثالهما، وأما الغلو في المشهودات فلم يدع المنطق له مساغا فسرعان ما يظهر فيه كذب الغالي، ويفتضح به المائن حتى أوقفنا السير على أمثال هذه الأقاويل، فرأينا الرجل يقول بملأ فيه: إن أبا بكر أسن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله و هو يجد في معاجم الصحابة كثيرين هم أسن منه بكثير وإليك أسماء أمة منهم : 1 - أماناة بن قيس بن شيبان الكندي. أسلم وقد عاش دهرا، ويقال: أنه عاش ثلاثمائة وعشرين سنة كما في الإصابة 1: 63 . 2 - أمد بن أبد الحضرمي. أدرك هاشم بن عبد مناف وأمية بن عبد شمس و يقال: إنه كان في عهد معاوية له ثلاثمائة سنة. صب 1: 63 . 3 - أنس بن مدرك أبو سفيان الخثعمي. قتل مع علي كان سيد خثعم في الجاهلية عاش مائة وأربعا وخمسين سنة. صب 1: 73 . 4 - أوس بن حارثة الطائي والد خرام صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عاش مائتي سنة ، وأكثر هذه المدة من أيام الجاهلية. صب 1: 82 . 5 - ثور - ثوب - بن تلدة. أنشد له الكلبي : وإن امرأ قد عاش تسعين حجة * إلــــى مائتــــين كلما هو ذاهب قال: ولا أدري ما عاش بعد ما أنشد هذا لمعاوية. وقد يقال. إنه كان له يوم بدر عشرون ومائة عاما. صب 1: 205 . 6 - الجعد بن قيس المرادي. أسلم، وكان قد بلغ مائة سنة. صب 1: 235 . 7 - حسان بن ثابت الأنصاري. عاش في الجاهلية ستين وفي الاسلام ستين عاما . صب 1: 326 . 8 - حكيم بن حرام الأسدي ابن أخي خديجة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد قبل عام الفيل بثلاثة وعشرين سنة، وتوفي وهو ابن عشرين ومائة سنة. صب 1: 349 .
/ صفحة 282 / 9 - حمزة بن عبد المطلب عم النبي الأعظم ولد قبله صلى الله عليه وآله بسنتين أو بأربع صب 1: 353 . 10 - حنيفة بن جبير بن بكر التميمي. أدرك أحفاده النبي صلى الله عليه وآله ولهم صحبة وكانوا يوم ذاك ذا لحى كما في الإصابة 1: 359 . 11 - حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس العامري المتوفى سنة 54 له مائة و عشرين عاما. صب 1: 364 . 12 - حيدة بن معاوية العامري. مات وهو عم ألف رجل وامرأة وأدرك عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وآله وكان بالغا مبلغ الرجال. صب 1: 365 . 13 - خنابة بن كعب العبسي. كان له على عهد معاوية بن أبي سفيان مائة و أربعون سنة وله قوله في الإصابة 1: 463 : حويت من الغايات تسعين حجة * وخمسين حتى قيل: أنت المقزع 14 - خويلد بن مرة الهذلي أبو خراش، أدرك الاسلام شيخا كبيرا. صب 1: 465 . 15 - ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم أبو أروى الهاشمي. كان أسن من عمه العباس الآتي ذكره. صب 1: 506 . 16 - سعيد بن يربوع القرشي المخزومي المتوفى 54 وله 120 / 24 عاما. صب 2: 52 . 17 - سلمة السلمي، أقبل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم وهو شيخ كبير. 18 - سلمان أبو عبد الله الفارسي مات سنة 32 / 3 / 6 روى أبو الشيخ عن العباس بن يزيد أنه قال: أهل العلم يقولون: عاش سلمان ثلثمائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيها. صب 2: 62 . 19 - أبو سفيان القرشي الأموي. كان أسن من أبي بكر بإثني عشر عاما وعدة أشهر. صب 2: 179 . 20 - صرمة بن أنس أبو قيس الأوسي. أدرك الاسلام فأسلم وهو شيخ كبير عاش نحوا من مائة وعشرين عاما وهو القائل كما في الإصابة 2: 183 . بدا لي أني عشت تسعين حجة * وعشرا وما بعدها لي ثمانيا
/ صفحة 283 / فلم ألفها لما مضت وعدتها * يحسبها في الدهر إلا لياليا 21 - صرمة بن مالك الأنصاري، أدرك الاسلام فأسلم وهو شيخ كبير. صب 2: 183 . 22 - طارق بن المرقع الكناني، كان في حجة الوداع شيخا كبيرا. 2: 221 . 23 - الطفيل بن زيد الحارثي، هو الذي أخبر عمر بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجاهلية، وكان يوم ذاك قد أتت عليه مائة وستون سنة. صب 2: 224 . 24 - عاصم بن عدي العجلاني توفي سنة خمس وأربعين وله مائة وعشرون سنة. صب 2: 246 . 25 - العباس بن عبد المطلب عن النبي الأعظم، ولد قبل رسول الله بسنتين أو ثلاث صب 2: 271 . 26 - عبد الله بن الحارث بن أمية، أدرك الاسلام وهو شيخ كبير . صب 2: 291 . 27 - عدي بن حاتم الطائي، مات بعد الستين وبلغ مائة وثمانين كما قاله أبو حاتم السجستاني، أو مائة وعشرين كما في قول خليفة. صب 2: 468 . 28 - عدي بن وداع الدوسي، من رجال الجاهلية أدرك الاسلام فأسلم وغزا وتوفي وله ثلاثمائة سنة. صب 2: 472 . 29 - عمرو بن المسبح(1) الطائي، مات وله مائة وخمسون عاما. قال ابن قتيبة : لست أدري أقبض قبل وفاة النبي أم بعده. صب 3: 16 . 30 - فضالة بن زيد العدواني، سأله معاوية: كم أتت لك يا فضالة ؟ قال: عشرون ومائة سنة. صب 3: 214 . 31 - قباث بن أشيم، سأله عثمان بن عفان: أنت أكبر أم رسول الله ؟ فقال رسول الله أكبر مني وأنا أسن منه. صب 3: 221 . 32 - قردة بن نفاثة السلولي، أدرك الاسلام وهو شيخ كبير وعاش ومائة وخمسين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الموحدة كما في الإصابة 3: 16، وفي المعارف لابن قتيبة 136: المسيح.
/ صفحة 284 / سنة وله كما في الإصابة 3: 231 من أبيات : بان الشباب فلم أحفل به بالا * وأقبل الشيب والاسلام إقبالا 33 - لبيد بن ربيعة بن عامر الكلابي الجعفري، توفي سنة 41 وهو ابن مائة و أربعين أو مائة وسبع وخمسين سنة أو مائة وستين سنة. صب 3: 326 . 34 - اللجاج الغطفاني، وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو ابن سبعين وعاش ومائة وعشرين سنة. صب 3: 328 . 35 - المستوعز بن ربيعة بن كعب، كان من فرسان العرب في الجاهلية عاش إلى أيام معاوية وكان له 320 / 30 سنة. صب 3: 492 . 36 - معاوية بن ثور البكائي، أسلم بيد النبي وهو شيخ كبير صب 1: 156 . وفي بعض المعاجم كان ابن مائة سنة . 37 - منقذ بن عمرو الأنصاري، كان قد أتى عليه مائة وثلاثون في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله كما في أسد الغابة . 38 - النابغة الجعدي، عاش في الجاهلية مائتي سنة، ومات وهو ابن 225 / 30 . عاما وهو القائل كما في الإصابة 3: 538 : ألا زعمت بنو أســــد بــــأنـي * أبــــو ولــد كبير السن فاني ؟ فمن يك سائــــلا عني ؟ فإني * من الفتــــيان أيــــام الخــتان أتــــت مائــــة لعام ولدت فيه * وعشر بعــــد ذاك وحجــــتـان وقد أبقت صروف الدهر مني * كما أبقت من السيف اليماني وقال أبو حاتم: عاش مائتي سنة وهو القائل : قال: أمامة كم عــــمرت زمانه * وذبحت من عنز عـلى الأوثان ؟ ولقد شهدت عــــكاظ قبل محلها * فيــــها وكنــت أعــد من الفتيان والمنــــذر بــن محرق في ملكه * وشــهدت يـــوم هجائن النعمان وعمرت حتى جاء أحمد بالهدى * وقــــوارع تتــــلى مـــن القرآن ولبست في الاسلام ثوبا واسعـا * مــــن سيــــب لا حـرم ولا منان 39 - نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم النبي الطاهر. كان أسن من
/ صفحة 285 / أسلم من بني هاشم حتى من عميه حمزة والعباس المذكورين صب 3: 577 . 40 - نوفل بن معاوية بن عروة الدئلي، كان ممن عاش في الجاهلية ستين وفي الاسلام ستين سنة. صب 3: 578 . وقبل هؤلاء كلهم أبو قحافة والد الخليفة فإنه كان أبكر سنا من الخليفة لا محالة إن لم تصغره المعاجز من ابنه كما صغرت رسول الله صلى الله عليه وآله وجعله غلاما وشابا لا يعرف بين يدي أبي بكر وهو أكر منه . راجع في تراجم هؤلاء المذكورين المعارف لابن قتيبة، معجم الشعراء للمرزباني ، الاستيعاب لأبي عمر، أسد الغابة لابن الأثير، تاريخ ابن كثير، الإصابة لابن حجر، مرآة الجنان لليافعي، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي. ونحن اقتصرنا منها بذكر الإصابة مرموزا بـ(صب) روما للاختصار . هؤلاء جملة ممن وقفنا على أسمائهم ممن أربوا على أبي بكر في السن من الصحابة الأولين، وهب أنا غضضنا الطرف عن كل ذلك فهلا نسائل القوم عن وجه الفضيلة في كبر السن ؟ أو ليس في الأمم والأجيال من طعنوا في السن فبلغوا من العمر عتيا ، وفيهم الحالي بالفضائل والعاطل عنها، وإذا مدح أحدهم فإنها يمدح بمآثره لا بطول عمره، ومهما طال عمر الخليفة فإن أكثره انقضى في الجاهلية، بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم و للخليفة ثمان وثلاثون سنة وقد مر في الجزء الثالث ص 220 أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى سبع سنين ولم يصل معه غير علي أمير المؤمنين. إذن فلأبي بكر عند إسلامه خمس وأربعون عاما و توفي وهو ابن ثلاث وستين، فقد اشغل في الاسلام ثمان عشرة سنة، وهذه المدة الأخيرة هي التي يمكن أن تزدان بشئ من المناقب فهل ازدانت أو لا ؟ وفي الغابة أحسب أنه ليس للقوم غاية يعتد بها في كبر السن والاهتمام بذلك غير أنهم جعلوا الحجر الأساسي للخلافة الراشدة أشياء منها: إن أبا بكر قدم على أمير المؤمنين لأنه شيخ محنك لا ترة لأحد عنده فيبغض، وعلى هذا الأساس جعلوه تارة أكبر سنا من النبي صلى الله عليه وآله وقد عرفت حاله في صفحة 270 وأخرى أنه كان شيخا يعرف والنبي شابا لا يعرف، وأوقفناك على حقيقة الحال في ص 257. وآونة إنه أسن الصحابة ليحسموا مادة النقض بشيوخ في الصحابة كلهم أكبر من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
/ صفحة 286 / وفيهم رؤساء وأعاظم، وما عرفوا أن المستقبل الكشاف سيوقف الباحثين على أناس هم أكبر من الرجل سنا، وأوفر علما، وأبلغ حنكة، وأقدم شرفا، وأسبق إسلاما .
- 14 - أخرج الخطيب في تاريخه 14 ص 78 من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن الهذيل عن مطرح بن يزيد عن عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد(1) عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة بين يدي . فقلت: ما هذا ؟ قال بلال: فمضيت فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين ولم أر فيها أحدا أقل من الأغنياء والنساء " إلى أن قال: ": ثم خرجنا من أحد أبواب الجنة الثانية فلما كنت عند الباب أتيت بكفة فوضعت فيها ووضعت أمتي في كفة فرجحت بها، ثم أتي بأبي بكر فوضع في كفة وجئ بجميع أمتي فوضعوا في كفة فرجع أبو بكر، ثم أتي بعمر فوضع في كفة وجئ بجميع أمتي فوضعوا فرجح عمر، ثم رفع الميزان إلى السماء. وذكره الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 288 . *(رجال الرواية) * 1 - مطرح بن يزيد الكوفي قال الدوري عن ابن معين: ليس بشئ وقال أبو زرعة : ضعيف الحديث وقال أبو حاتم: ليس بالقوي ضعيف الحديث يروي أحاديث عن ابن زحر علي بن يزد فلا أدري البلاء منه أو من علي بن يزيد. وقال الآجري عن أبي داود: زعموا أن البلية من قبل علي بن يزيد: وقال النسائي: ضعيف ليس بشئ وقال ابن عدي : يجانب روايته عن ابن زحر والضعف على حديثه بين . ميزان الاعتدال 3: 174، تهذيب التهذيب 10 ص 171 . 2 - عبيد الله بن زحر الأفريقي، مجمع على ضعفه كما في الميزان. ضعفه أحمد : وقال ابن معين: ليس بشئ كل حديثه عندي ضعيف. وقال ابن المديني: منكر الحديث . وقال الحاكم: لين الحديث. وقال ابن عدي: يقع في أحاديثه ما لا يتابع عليه. وقال أبو مسهر : صاحب كل معضلة. وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كذا والصحيح: يزيد.
/ صفحة 287 / الاثبات. فإذا روى عن علي بن يزيد بن أتى بالطامات وإذا اجتمع في إسناد خبر عبد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم بن عبد الرحمن لم يكن متن ذلك الخبر إلا ما عملته أيديهم(1). قال الأميني: هذه الرواية مما اجتمع فيه هؤلاء الثلاثة فهو مما عملته أيديهم . 3 - علي بن يزيد الالهاني. قال ابن معين: علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ضعاف كلها. وقال يعقوب: واهي الحديث كثير المنكرات. وقال الجوزجاني: رأيت غير واحد من الأئمة ينكر أحاديثه التي يرويها عنه عبيد الله بن زحر. وقال أبو زرعة: ليس بالقوي وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث أحاديثه منكرة، وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف. وقال النسائي: ليس بثقة متروك الحديث. وقال الأزدي والدارقطني والبرقي : متروك. وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث. وقال الساجي: إتفق أهل العلم على ضعفه. وقال أبو نعيم: منكر الحديث. وقال ابن حجر: متهم ميزان الاعتدال 2: 240: تهذيب التهذيب 7 ص 13، 396 . 4 - القاسم بن عبد الرحمن الشامي. قال أحمد: هذه المناكير التي يرويها عنه جعفر وبشر ومطرح مناكير مما يرويها الثقات أنها من قبل القاسم. وقال الأثرم : حملها أحمد على القاسم. وقال: ما أرى هذا إلا من قبل القاسم. وقال الحراني: قال أحمد: ما أرى البلاء إلا من القاسم. وقال الغلابي منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن الصحابة المعضلات. ميزان الاعتدال 2: 34، تهذيب التهذيب 8 ص 323 . وهذا الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 59 فقال: رواه أحمد و الطبراني وفيهما: مطرح بن زياد وعلي بن يزيد الالهاني وكلاهما مجمع على ضعفه . قال الأميني: هذا شأن الرواية سندا ورجاله كما ترى، واستدل الهيثمي على ضعفه بما في متنه راجع مجمع الزوائد 9 ص 59 .
- 15 - قال النبي صلى الله عليه وسلم: عرض علي كل شيئ ليلة المعراج حتى الشمس فإني سلمت عليها وسألتها عن كسوفها فأنطقها الله تعالى وقالت: لقد جعلني الله تعالى على عجلة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب التهذيب 7 - 13.
/ صفحة 288 / تجري حيث يريد فأنظر إلى نفسي بعين العجب فنزل بي العجلة فأوقع في البحر فأرى شخصين أحدهما يقول: أحد أحد. والآخر يقول: صدق صدق. فأتوسل بهما إلى الله تعالى فينقذني من الكسوف، فأقول: يا رب من هما ؟ فيقول: الذي يقول: أحد أحد هو حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم. والذي يقول: صدق صدق هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه . " نزهة المجالس 2 ص 184 " . أنا لا أحكم في هذه الرواية إلا علماء علم الفلك سواء في ذلك القدماء منهم والمحدثون. وقد تكلمنا في صحيفة 238 عن العجلة التي حملت الشمس وبحثنا عنها بحثا ضافيا، وليت الهيئيين درسوا هذه الرواية فأخذوا عنها علما غزيرا، وعرفوا أن الكسوف يكون بغمس الشمس في البحر عقوبة على نظرها إلى نفسها بعين العجب وإن انجلائها يتم بالتوسل، ولعل المستقبل الكشاف يأتي بمن يعلم الأمة بسر خسوف القمر وتتأتى به للمجالس نزهة بعد نزهة ، وهنا أسؤلة جمة : 1 - ليس الكسوف يخص بهذه الأمة فحسب، ولا بأيام حياة أبي بكر خاصة ، فمن ذا الذي كان يقول: صدق صدق. قبل ميلاد أبي بكر ؟ ومن ذا الذي يقولها بعد وفاته ؟ وبمن كانت الشمس تتوسل قبل ذلك ؟ وبمن تتوسل به بعده ؟ . 2 - أين كان يقول أبو بكر: صدق صدق ؟ أيقولها وهو في محلة بمرأى من الناس ومسمع فيسمعها الشمس بالاعجاز ؟ أو كان يحضر على ذلك البحر الذي لم يحدد بأي ساحل فيغيب عن الناس وتطوى له المسافة بخرق العادات ؟ فلم لم يحدث عنه ذلك ولو مرة واحدة ؟ أو أنه يذهب هو ويدع قالبه المثالي بين الناس فيحسبونه هو هو ؟ أو أنه يثبت في مكانه فيرسل قالبه ذلك فتحسبه الشمس أنه هو ؟ 3 - هب أن الشمس تحمل حياة روحية فهل تحمل معها نفسا أمارة بالسوء بها تعجب بنفسها ؟ أنا لا أدري. وعلى فرض ثبوت النفس الأمارة فما بالها تدأب على المعصية وهي ترى استمرار العقوبة مع كل عصيان ؟ فهل هي تتوب بعد كل معصية ثم تعود إليها بنسيان العقاب أو غلبة الشهوة ؟ ومن المعلوم أن الكسوف لم ينقطع ليلة المعراج فهو من الكائنات المتجددة إلى انقراض العالم فكأن الشمس حينئذ كانت
/ صفحة 289 / تخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتصميمها على الاستمرار على المعصية منذ كل كسوف فمتى تتوب هذه العاصية الشاعرة ؟ أنا لا أدري. وفي ذمة الصفوري صاحب الكتاب الخروج عن عهدة هذه الأسؤلة. فهل يخرج ؟ أنا لا أدري، وهذا أيضا من الغلو في الفضائل والحب المعمي والمصم .
- 16 - عن أنس بن مالك قال. كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل إليه رجل من أصحابه وساقاه تشخبان دما فقال النبي صلى الله عليه وسلم ! ما هذا ؟ قال: يا رسول الله ! مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني. فقال صلى الله عليه وسلم: اجلس فجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان بعد ذلك بساعة إذ أقبل إليه رجل آخر من أصحابه وساقاه تشخبان دما مثل الأول فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا ؟ فقال: يا رسول الله ! إني مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني قال: فنهض النبي صلى الله عليه وسلم: وقال لأصحابه: هلموا بنا إلى هذه الكلبة نقتلها فقاموا كلهم وحمل كل واحد منهم سيفه فلما أتوها وأرادوا أن يضربوها بالسيوف وقعت الكلبة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت بلسان طلق ذلق: لا تقتلني يا رسول الله ! فإني مؤمنة بالله ورسوله فقال: ما بالك نهشت هذين الرجلين ؟ فقالت: يا رسول الله ! إني كلبة من الجن مأمورة أن أنهش من سب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا هذين ! أما سمعتما ما تقول الكلبة ؟ قالا: نعم يا رسول الله ! إنا تائبان إلى الله عز وجل(عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص 105) . قال الأميني: ما أعظم شأن هذه الكلبة وأثبتها في ميدان البسالة حتى استدعى أمرها أن يتجهز لحربها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحمل عليها أصحابه شاهرين السيوف ؟ فهل هي كلبة أو أسد ضار ؟ أو عفرنى باسل ؟ أو حشد لهام ؟ وأحسب أن الذين نهشتهما كانا من هيابة الصحابة فإن شجعانهم ما كانوا يبالون بالضراغم فضلا عن الكلاب . وأين كانت هذه الكلبة عمن كان ينال من أبي بكر غير الرجلين في ذلك العهد و بعد العهد النبوي وهلم جرا ؟ فلم تشهد لها نهشة، ولا سمع لها عواء، فليتهيأ صاحب عمدة التحقيق لتحليل هذه المسائل وذلك بعد الغض عن إسناده الموهوم .
/ صفحة 290 / ثم ما أخرس ألسنة أولئك الصحابة الحضور يوم أطلق الله لسان تلك الكلبة الطلقة الذلقة عن بث هذه الفضيلة الرابية ؟ ومثلها تتوفر الدواعي لنقلها، وما أذهل الحفاظ وأئمة الحديث وأرباب السير عن روايتها ؟ فلا يجدها الباحث في المسانيد والصحاح والفضائل ومعاجم السير وأعلام النبوة ودلائلها إلى أن بشر بها العبيدي آل الصديق بعد لأي من عمر الدهر وقذف بهذه الأكذوبة أنس بن مالك . أهكذا تكون المغالاة في الفضائل ؟.. لعلها تكون . نعم لله كلاب مفترسة وأسود ضارية سلطها الله على أعدائه بدعاء نبيه الأعظم أو أحد من أولاده الصادقين صلوات الله عليه وعليهم، منها: كلب سلطه الله على لهب بن أبي لهب بدعاء النبي الأقدس كما مر في الجزء الأول ص 261 ط 2. ومنها، كلب. أخذ برأس عتبة بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله كما مر في ج 1 ص 261 ط 2 قال الحلبي في السيرة النبوية 1 ص 310: ووقع مثل ذلك لجعفر الصادق قيل له: هذا فلان ينشد الناس هجاءكم يعني أهل البيت بالكوفة فقال لذلك القائل: هل علقت من قوله بشئ ! قال: نعم. قال : فأنشد. فأنشد : صلبــنا لكم زيدا على جذع نخلة * ولم أر مهديا على الجذع يصلب وقستــــم بعــــثمان عليا سفاهة * وعـــثـمان خير من علي وأطيب فعند ذلك رفع جعفر يديه وقال: أللهم إن كان كاذبا فسلط عليه كلبا من كلابك فخرج ذلك الرجل فافترسه الأسد. وإنما سمي الأسد كلبا لأنه يشبه الكلب في أنه إذا بال رفع رجله . قال الأميني: الشاعر المفترس هو الحكيم الأعور أحد الشعراء المنقطعين إلى بني أمية بدمشق وقصته هذه من المتسالم عليه غير أن في معجم الأدباء كما مر في الجزء الثاني ص 197 ط 2 من كتابنا هذا أن الداعي على الرجل هو عبد الله بن جعفر. وأحسبه تصحيف أبي عبد الله جعفر، فعلى كل قد وقع من أهله في محله .
- 17 - عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال علي رضي الله عنه: كنت جالسا مع رسول
/ صفحة 291 / الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا ثالث إلا الله عز وجل فقال: يا علي تريد أن أعرفك بسيد كهول أهل الجنة وأعظمهم عند الله قدرا ومنزلة يوم القيامة ؟ فقلت: أي وعيشك يا رسول الله ! قال: هذان المقبلان. قال علي: فالتفت فإذا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم ثم قطب وجهه حتى ولجا المسجد فقال أبو بكر: يا رسول الله ! لما قربنا من دار أبي حنيفة تبسمت لنا ثم قطبت وجهك فلم ذلك يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما صرتما لجانب دار أبي حنيفة عارضكما إبليس ونظر في وجوهكما ثم رفع يديه إلى السماء أسمعه وأراه وأنتما لا تسمعانه ولا تريانه وهو يدعو ويقول : أللهم إني أسألك بحق هذين الرجلين أن لا تعذبني بعذاب باغضي هذين الرجلين. قال أبو بكر: ومن هو الذي يبغضنا يا رسول الله ! وقد آمنا بك وآزرناك وأقررنا بما جئت به من عند رب العالمين ؟ قال: نعم يا أبا بكر ! قوم يظهرون في آخر الزمان يقال لهم: الرافضة يرفضون الحق، ويتأولون القرآن على غير صحته وقد ذكرهم الله عزو جل في كتابه العزيز وهو قوله: يحرفون الكلم عن مواضعه(1) فقال: يا رسول الله ! فما جزاء من يبغضنا عند الله ؟ قال يا أبا بكر ! حسبك أن إبليس لعنه الله تعالى يستجير بالله تعالى أن لا يعذبه بعذاب باغضيكما. قال: يا رسول الله ! هذا جزاء من قد أبغض فما جزاء من قد أحب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تهديا له هدية من أعمالكما. فقال: أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله أشهد الله وملائكته إني قد وهبت لهم ربع أجري - أي عملي - منذ آمنت بالله إلى أن نلقاه. فقال عمر رضي الله عنه: وأنا مثل ذلك يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضعا خطكما بذلك. قال علي كرم الله وجهه: فأخذ أبو بكر زجاجة وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب. فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم يقول عبد الله عتيق بن أبي قحافة: إني قد أشهدت الله ورسوله ومن حضر من المسلمين إني قد وهبت ربع عملي لمحبي في دار الدنيا منذ آمنت بالله إلى أن ألقاه، وبذلك وضعت خطي . قال: وأخذ عمر وكتب مثل ذلك فلما فرغ القلم من الكتابة هبط الأمين جبريل عليه السلام وقال: يا رسول الله ! الرب يقرئك السلام ويخصك بالتحية والاكرام ويقول لك : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة النساء آية: 46. وسورة المائدة آية: 13.
/ صفحة 292 / هات ما كتبه صاحباك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا هو. فأخذه جبريل وعرج به إلى السماء ثم إنه عاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين ما أخذت يا جبريل مني ؟ قال: هو عند الله تعالى وقد شهد الله فيه، وأشهد حملة العرش وأنا وميكائيل وإسرافيل وقال الله تعالى: هو عندي حتى يفي أبو بكر وعمر بما قالا يوم القيامة . عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص 105 - 107 . قال الأميني: أنا لا أحاول إطنابا في تفنيد هذه الرواية الشبيهة بأساطير القصاصين أو الروايات الخيالية، فإن كل فصل منها شاهد صدق على عدم صحتها . أنا لا أخدش في كهولة الشيخين بما مر في الجزء الخامس ص 313 ط 2 من القول المعزو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي أتحب هذه الشيخين ؟. ولا بما مر في هذا الجزء ص 241 من أن أبا بكر له شيبة في الجنة وليس لأحد لحية هناك إلا هو وإبراهيم الخليل ولا بما مر ص 241 من أن رسول الله كان يقبل شيبة أبي بكر. ولا بما مر في صفحة 257 من أن أبا بكر كان يوم هجرة النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة شيخا والنبي شابا. ولا بما مر في ص 270 من أن أبا بكر كان أكبر من النبي. ولا بما مر في ص 280 من أنه كان أسن أصحاب النبي . ولا أتكلم في عذاب باغضي أبي بكر وعمر وأنه ما الذي أربى به على عذاب من تكبر وتجبر تجاه المولى سبحانه وعانده وخالف أمره وهو من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم يغوي عباد الله ويضلهم عن سبيل الحق ؟ . ولا أناقش في أن إبليس كيف كان يصح له أن يتعوذ بالله من عذاب باغضيهما ؟ أكان يحبهما فلماذا هو ؟ أو كان يبغضهما كما يبغض كل مؤمن بالله ؟ فالدعاء لماذا ؟ وما ذا ينتج له وهو يعلم عذاب مبغضيهما وهو يبغضهما ولا يزال يغري الناس ببغضهما ؟ . ولا أمد يراعي إلى الزجاجة المكتوبة فيها تلك الهبة الموهومة لئلا تنكسر فتحرم الأمة المرحومة من تلك البضاعة الغالية . ولا أسائل رواة هذه المهزأة عن تلك الشهادات من الله إلى حملة عرشه إلى أمين وحيه إلى ميكائيل وإسرافيل. لماذا هي كلها ؟ وما الذي أحوج المولى سبحانه إلى ذلك الاهتمام البالغ في استحكام ذلك الصك ؟ وما الذي أهم ادخاره عند الله حتى يفي أبو بكر و
/ صفحة 293 / عمر بما قالا يوم القيامة ؟ ولا أقول لماذا تركت الأئمة وحفاظ الحديث هذه الفضيلة العظيمة إلى قرن العبيدي المالكي - القرن الحادي عشر - وفيها بشارة كبيرة لمحب الشيخين وإرشاد للأمة إلى ما فيه نجاتهم نجاحهم والمثوبة الجزيلة بجزاء ربعي أعمالهما ؟ ولماذا شح أولئك الحفظة على الأمة وسمع العبيدي ؟ ولكن هلم معي إلى مفاد الآية الكريمة فهي في موضعين من القرآن الكريم : 1 - من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه، ويقولون سمعنا وعصينا سورة النساء آية 46 . 2 - ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموه وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل، فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه، ونسوا حظا مما ذكروا به. سورة المائة 12، 13 . ألا تعجب من تحريف الكلم بإسناد ما ناء به اليهود وبنو إسرائيل بنص القرآن الحكيم إلى قوم لم يأتوا بعد وسيضمنهم الزمان في أخرياته ؟ حاشا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقول ذلك، ولكنها ورطات القالة، وأهواء وشهوات، حبذت الوقيعة في قوم مؤمنين إتبعوا النبي الأمين، وهدوا إلى الصراط المستقيم، وهدوا إلى الطيب من القول، وهدوا إلى صراط الحميد، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم . |