عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
قدمنا في الجزء السادس من نفسيات الخليفة الثاني وملكاته من فقهه وعلمه وعمله وخطواته الواسعة في شتى النواحي ما يوقفك على أن كل ما نسرد هاهنا من ولائد الغلو في الفضائل، وقد التمط بحياته الروحية من أول يومه إلى أن تسنم عرش الخلافة بإدلاء من الخليفة الأول إليه حصوله على لماظة من العيش يقتاب بها. كان ردحا من الزمن يرعى الإبل في وادي ضجنان (1) يرعب ويتعب إذا عمل. ويضرب إذا قصر (2) . وآونة كان يحتطب ويحمل فوق رأسه حزمة من الحطب مع أبيه الخطاب وما منهما إلا في نمرة (3) لا يبلغ (4) رسغيه (5) . وكان مدة يقف في سوق عكاظ وبيده عصا ترع الصبيان به، وكان يوم ذاك يسمى عميرا (6) . وكان برهة من أيام إسلامه يمتهن بالبرطشة، وكان مبرطشا يلهيه عن أخذ الكتاب والسنة الصفق بالاسواق (7) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) جبل بناحية مكة. (2) الاستيعاب 2: 428، الرياض النضرة 2: 50، تاريخ أبي الفدا ج 1: 165، الخلفاء للنجار ص 113، وأوعز إلى حديثه ابن منظور في لسان العرب 17: 112، والزبيدي في تاج العروس 9: 262. (3) النمرة في القاموس: بردة من صوف تلبسها الأعراب. وفي الفائق للزمخشري: بردة تلبسها الإماء فيها تخطيط. (4) الرسغ: مفصل ما بين الساعد والكتف، والساق والقدم. (5) العقد الفريد 1: 91، شرح ابن أبي الحديد 1: 58، فائق الزمخشري 2: 28. (6) الاستيعاب هامش الإصابة 4: 291، الإصابة 4: 29، الفتوحات الإسلامية 2: 423، وفيه تحريف نلفت إليه الأنظار. (7) مر تفصيله في الجزء السادس ص 146، 287، 302 ط 1.
/ صفحة 61 / وكان دهرا يبيع الخيط والقرظة بالبقيع (1) أنا لا أدري في أي من أيامه هذه حصل على جدارة لما يخبرنا به ابن الجوزي في سيرة عمر ص 6: من إنه كانت السفارة - في الجاهلية - إلى عمر بن الخطاب إن وقعت حرب بين قريش وغيرهم بعثوه سفيرا. وزاد عليه أبو عمر في الاستيعاب قوله: وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به وبعثوه منافرا ومفاخرا(2). أو كانت قريش كلهم من هذه الطبقة الواطئة ؟ فكانوا يبعثون للسفارة والمفاخرة غلاما هذا شأنه ؟ وفيهم الصناديد والعظماء والرؤساء وذوو عارضة ورجال الكلام. أم كانوا لا يبالون بمن يرسلونه ؟ " والرسول دليل عقل المرسل " لم يكن هذا ولا ذاك ولكن الحب يعمي ويصم، وإنك تجد من نظاير هذه شيئا كثيرا، وإليك جملة منه مضافا على ما مر في الجزء الخامس مما وضعته يد الغلو في فضائله. ـ 1 ـ ورد في علمه عن ابن مسعود: لو وضع علم أحياء العرب في كفة الميزان ووضع علم عمر في كفة لرجح علم عمر، ولقد كانوا يرون إنه ذهب بتسعة أعشار العلم. وفي لفظ المحب الطبري: لو وضع علم عمر في كفة وعلم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر. مستدرك الحاكم 3: 86 الاستيعاب 2: 430، الرياض النضرة 2: 8، أعلام الموقعين لابن القيم ص 6، تاريخ الخميس 2: 268، عمدة القاري 5: 410. 2 - وقال حذيفة: كان علم الناس كلهم قد درس في حجر عمر مع علم عمر. الاستيعاب 2: 430، أعلام الموقعين ص 6. 3 - وقال مسروق: شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم ينتهي إلى ستة إلى علي. وعبد الله. وعمر. وزيد بن ثابت. وأبي الدرداء. وأبي. ثم شاممت الستة فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبد الله. أعلام الموقعين ص 6. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع ما أسلفناه في الجزء السادس ص 303 ط 2. (2) وذكر ابن عساكر ما رواه أبو عمر وابن الجوزي في تاريخه 6: 432.
/ صفحة 62 / 4 - وقال الشعبي: إذا اختلف الناس في شئ فخذوا بما قال عمر. أعلام الموقعين ص 6. 5 - وقال ابن المسيب: ما أعلم أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من عمر بن الخطاب. أعلام الموقعين ص 7. 6 - وقال بعض التابعين: دفعت إلى عمر فإذا الفقهاء عنده مثل الصبيان قد استعلى عليهم في فقهه وعلمه. أعلام الموقعين ص 7. 7 - وقال خلد الأسدي: صحبت عمر فما رأيت أحدا أفقه في دين الله ولا أعلم بكتاب الله ولا أحسن مدارسة منه. الرياض النظرة 2: 8. هاهنا لا نطيل القول وإنما نحيلك إلى الجزء السادس من هذا الكتاب من صفحة 83 - 325 ط 2 فإن هنالك ما يغني الباحث عن الاسهاب في المقام، وأنت أيها المخبت إلى هذه الأقاويل هل علمت شيئا مما قدمناه ؟ ودريت فذلكة ذلك البحث الضافي أو لا ؟ فـــإن كنت لا تدري فتلك مصيبة * وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم وأنت جد عليم بأن هذه التقولات لا تلائم مع ما حفظه التاريخ من نوادر الأثر في علم عمر، والحري هو الأخذ بما مر من أقواله نفسه في علمه ج 6 ص 328 ط 2 وبها تتضح جلية الحال، والانسان على نفسه بصيرة.
- 2 - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أمرت أن أقرأ القرآن على عمر. ذكره الحكيم الترمذي في نوادر الأصول 58. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان عمر أتقانا للرب، وأقرأنا لكتاب الله. أخرجه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 86. وذكر المحب الطبري نقلا عن علي بن حرب الطائي من طريق ابن مسعود إنه قال لزيد بن وهب: إقرأ بما أقرأكه عمر، إن عمر أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله (1) . هذه مراسيل مقطوعة عن الاسناد، وانصف الحاكم إذ سكت عن إسناد ما أخرجه أو إنه لم يقف عليه فيصححه، وسكت عنه الذهبي للعلة نفسها، وأحسب إن بطلان هذه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الرياض النضرة 2: 8.
/ صفحة 63 / الروايات في غنى عن إبطال إسنادها، فإن العناية الإلهية لو شملت الخليفة بحيث أمر نبيه صلى الله عليه وآله بقراءة القرآن عليه، لا بد وأن تشمله بالتمكن من تلقيه وضبطه و حفظه وفقهه والوقوف على مغازيه والعمل به، وأن يكون أقرأ كما في رواية الحاكم، أو أعلم وأفقه كما في رواية الطائي، إذن فما تلكم الجهود المتعبة في تعلم سورة البقرة فحسب طيلة اثنتي عشر سنة ؟ كما مر في الجزء السادس ص 196 ط 2. وهاتيك الأحكام الشاذة عن موارد من القرآن الكريم ؟ كحكمه للجنب الفاقد للماء بترك الصلاة ذهلا عن قوله تعالى في سورة النساء: 43، وفي سورة المائدة: 6. 2 - وحكمه على امرأة ولدت لستة أشهر بالرجم، ونصب عينه الآية الكريمة: حمله وفصاله ثلاثون شهرا. وقوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين. 3 - ونهيه عن المغالاة في مهور النساء، وبين يديه قوله تعالى: وآتيتم إحداهن قنطارا. 4 - وجهله بمعنى الأب وهو يتلو: متاعا لكم ولأنعامكم. 5 وحسبانه إن الحجر الأسعد لا يضر ولا ينفع جهلا بمغزى قوله تعالى: و إذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم. الآية. 6 - ونهيه عن الطيبات في الحياة الدنيا تمسكا بقوله تعالى: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ذاهلا عما قبله، غير ملتفت إلى الآية الأخرى: قل من حرم زينة الله التي أخرجت للناس. الآية. 7 - وجهله بمعاريض الكلم المتخذة من الكتاب. 8 - وأمره برجم الزانية المضطرة، وفي الذكر الحكيم: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه. 9 - وتجسسه عن صوت ارتاب به فتسلق الحائط ودخل البيت ولم يسلم غير مكترث لآيات ثلاث: لا تجسسوا. وأتوا البيوت من أبوابها. فإذا دخلتم بيوتا فسلموا. 10 - وجهله بالكلالة وبمسمع منه آية الصيف. 11 - وقوله بتعذيب الميت ببكاء الحي كأنه لم يقرأ قوله تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى.
/ صفحة 64 / 12 - وقوله الشاذ في الطلاق قصورا منه عن فهم قوله تعالى: الطلاق مرتان. 13 - ونهيه عن متعة الحج وهو يتلو قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله. الآية. 14 - وتحريمه متعة النساء ذهولا منه عن قوله تعالى: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن. الآية. تجد تفاصيل هذه الجمل في نوادر الأثر من الجزء السادس من كتابنا هذا، وهناك موارد كثيرة من القرآن، لم يهتد إليها، وتجد جملة منها في طيات أجزاء كتابنا هذا. فهل من السائغ في شريعة الحجى أن يكون الأقرأ والأعلم والأفقه بهذه المثابة من الابتعاد عن الآي الشريفة، ومراميها الكريمة، ولو كان كما زعموه فما قوله في خطبته الصحيحة الثابتة له بإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات: " من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل، و من أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ". راجع ج 6: 191 ط 2.
- 3 - 1 - عن بريدة: جرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، لما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله ! إني كنت نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا. فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت إستها ثم قعدت عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ! إني كنت جالسا وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ! ألقت الدف. وفي لفظ أحمد: إن الشيطان ليفرق منك يا عمر !. وعن جابر قال: دخل أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يضرب بالدف عنده، فقعد ولم يزجر لما رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء عمر رضي الله عنه فلما سمع رسول الله صوته كف عن ذلك، فلما خرجا قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله !
/ صفحة 65 / كان حلالا فلما دخل عمر صار حراما ؟ فقال عليه السلام: يا عائشة ! ليس كل الناس مرخا عليه. أخرج أحمد في مسنده 5: 353، والترمذي في جامعه 2: 203 فقال هذا حديث حسن صحيح غريب، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 58 من طريق بريدة وص 138 من حديث جابر، فقال في الموضع الأول: فلا يظن ذو عقل إن عمر في هذا أفضل من أبي بكر، وأبو بكر شبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع الأمرين والدرجتين، فله درجة النبوة لا يلحقه أحد، وأبو بكر له درجة الرحمة، وعمر له درجة الحق. ورواه البيهقي في سننه 10: 77، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ص 550، وابن الأثير في أسد الغابة 4: 64، والشوكاني في نيل الأوطار 8: 271. 2 ـ عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فسمعنا لغطا وصوت صبيان، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن - أي ترقص - والصبيان حولها فقال: يا عائشة ! تعالي فانظري. فجئت فوضعت لحيي على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: أما شبعت ؟ أما شبعت فجعلت أقول: لا. لأنظر منزلتي عنده، إذ طلع العمر فأرفض الناس عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأنظر شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر، قالت: فرجعت. أخرجه الترمذي في صحيحه 2 ص 294 فقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، والبغوي في مصباح السند 2: 271، والخطيب العمري التبريزي في مشكاة المصابيح ص 550، والمحب الطبري في الرياض 2: 208. 3 - أخرج أحمد في مسنده 2: 208. من حديث أبي هريرة قال: بينا الحبشة يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرابهم، دخل عمر فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم دعهم يا عمر !. وأخرج أبو داود الطيالسي في مسنده 204 من حديث عائشة قالت: كانت الحبشة يدخلون المسجد، فجعلوا يلعبون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إليهم جارية حديثة السن، فجاء عمر فنهاهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهن يا عمر !. ثم قال: هن بنات أرفدة. / صفحة 66 / 4 - روى أبو نصر الطوسي في اللمع ص 274: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيت عائشة رضي الله عنها، فوجد فيه جاريتين تغنيان وتضربان بالدف فلم ينههما عن ذلك وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين غضب: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: دعهما يا عمر ! فإن لكل قوم عيد. قال الأميني: لا حاجة لنا إلى البحث عن إسناد هذه الروايات فإن في متونها من الخزاية ما فيه غنى عن ذلك. فدع الترمذي يستحسن إسناد ما رواه ويصححه، ودع الحفاظ يملأون عياب علمهم بعيوب مثلها، ودع شاعر النيل يتبع من لا خلاق له من الحفاظ ويعد ها من فضائل عمر، ويقول تحت عنوان " مثال من هيبته ": فــــــي الجــــــاهلية والاسلام هيبته * تثــــــني الخـطوب فلا تعدو عواديها فــــــي طـــــي شدته أسرار مرحمة * للعــــــالمين ولكــــــن ليـس يفشيها وبــــــين جنبـــيه في أوفى صرامته * فــــــؤاد والــــــدة تــــرعى ذراريها أغـنــت عن الصارم المصقول درته * فكم أخافت غوي النفس عاتيها ؟5 كــــــانت لـه كعصا موسى لصاحبها * لا ينــــــزل البطـــل مجتازا بواديها أخـــــاف حتى الذراري في ملاعبها * وراع حـــــتى الغواني في ملاهيها أريت تــــــلك التــــــي لله قـــد نذرت * أنشــــــودة لــــــرسول الله تــهديها قــــــالت: نـــذرت لئن عاد النبي لنا * مــــــن غــــــزوة لعلى دفي أغنيها ويممــــت حضرة الهادي وقد ملأت * أنــــــوار طلعـته أرجاء واديها 10 واستأذنت ومشت بالدف واندفعت * تشجي بألحانها ما شاء مشجيها (1) والمــــــصطفى وأبـــو بكر بجانبه * لا ينــــــكران عــــــليها مـــا أغانيها حــــــتى إذا لاح عن بعد لها عـمر * خـــــارت قواها وكاد الخوف يرديها وخــــــبأت دفــــــها في ثوبها فرقا * منـــــه وودت لو أن الأرض تطويها قـــــد كان علم رسول الله يؤنسها * فجـاء بطش أبي حفص يخشيها 51 فــــــقال مهبط وحـــي الله مبتسما * وفــــــي ابتسامته معـــــنى يواسيها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تشجى: تثير الشعور وتشوق / صفحة 67 / : قـــد فر شيطانها لما رأى عمرا * إن الشياطين تخشى بأس مخزيها(1) لقد عزب عن المساكين إن ما تحروه من إثبات فضيلة للخليفة الثاني يجلب الفضائح إلى ساحة النبوة " تقدست عنها " فأي نبي هذا ؟ يروقه النظر إلى الراقصات والاستماع لأهازيجهن وشهود المعازف، ولا يقنعه ذلك كله حتى يطلع عليها حليلته عائشة، والناس ينظرون إليها من كثب، وهو يقول لها: شبعت ؟ شبعت ؟ وهي تقول: لا لعرفان منزلتها عنده ولا تزعه أبهة النبوة عن أن يقف مع الصبيان للتتلع على مشاهد اللهو شأن الذنابا والأوباش وأهل الخلاعة والمجون، وقد جاءت شريعته المقدسة بتحريم كل ذلك بالكتاب والسنة الشريفة، هذا قوله تعالى: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين. " سورة لقمان آية 6. وقد جاء عنه صلى الله عليه وآله، من حديث أبي أمامة: لا تبيعوا القينات، ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام، في مثل هذا أنزلت هذه الآية: " ومن الناس من يشتري " الآية. وفي لفظ الطبري والبغوي: لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن، وأثمانهن حرام وفي مثل ذلك نزلت هذه الآية. أخرجه سعيد بن منصور. أحمد. الترمذي. ابن ماجة. ابن جرير. ابن المنذر. ابن حاتم. ابن أبي شيبة. ابن ردويه. الطبراني. البيهقي، ابن أبي الدنيا. وغيرهم. راجع تفسير الطبري 21: 39، تفسير القرطبي 14: 51، نقد العلم والعلماء لابن الجوزي ص 347، تفسير ابن كثير 3: 442، تفسير الخازن 3: 36، إرشاد الساري 9: 163، الدر المنثور 5: 159، تفسير الشوكاني 4: 228، نيل الأوطار 8: 263، تفسير الآلوسي 21: 68 وأخرج ابن أبي الدنيا وابن مردويه من طريق عائشة مرفوعا: إن الله تعالى حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها، ثم قرأ: ومن الناس من يشتري لهو الحديث. الدر المنثور 5: 159، تفسير الشوكاني 4: 228، تفسير الآلوسي 21: 68. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هذه الأبيات من العمرية الشهيرة لشاعر النيل محمد حافظ إبراهيم، وقد مر الايعاز إليها في الجزء السابع ص 86، 87 ط 2.
/ صفحة 68 / وعن ابن مسعود: إنه سأل عن قوله: ومن الناس من يشتري لهو الحديث. قال: هو والله الغناء. وفي لفظ: هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات. وعن جابر في الآية قال: هو الغناء والاستماع له. ومعنى يشتري يستبدل كما في قوله تعالى: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى، أي استبدلوه منه واختاروه عليه، وقال مطرف: شراء لهو الحديث استحبابه. وقال قتادة: سماعه شراؤه. وبالغناء فسر لهو الحديث في الآية الشريفة وإنها نزلت فيه: ابن عباس، وعبد الله ابن عمر، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومكحول، وعمرو بن شعيب، وميمون ابن مهران، وقتادة، والنخعي، وعطاء، وعلي بن بذيمة، والحسن، كما أخرجه: ابن أبي شيبة، ابن أبي الدنيا، ابن جرير، ابن المنذر، الحاكم، البيهقي في شعب الإيمان، ابن أبي حاتم، ابن مردويه، الفريابي، ابن عساكر. راجع تفسير الطبري 21: 39، 40، سنن البيهقي 10: 221، 223، 225، مستدرك الحاكم 2: 411، تفسير القرطبي 14: 51، 52، 53، نقد العلم والعلماء لابن الجوزي ص 246، تفسير ابن كثير 3: 441، 442، إرشاد الساري للقسطلاني 9: 163، تفسير الخازن 3: 46، تفسير النسفي هامش الخازن 3: 460، تفسير الدر المنثور 5: 159، 160، تفسير الشوكاني 4: 228، تفسير الآلوسي 21: 67، نيل الأوطار 8: 263. 2 - ينذر الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وآله في الكتاب العزيز بقوله: وأنتم سامدون. (سورة النجم: 61) قال عكرمة عن ابن عباس أنه قال: هو الغناء بلغة حمير. يقال: سمّد لنا. أي غن لنا. ويقال للقينة: أسمدينا. أي: ألهينا بالغناء. أخرجه سعيد بن منصور، عبد بن حميد، ابن جرير، عبد الرزاق، الفريا بي، أبو عبيد، ابن أبي الدنيا، البزار، ابن المنذر، ابن أبي حاتم، البيهقي. راجع تفسير الطبري 28: 48، تفسير القرطبي 17: 122، نقد العلم والعلماء لابن الجوزي ص 246، نهاية ابن الأثير 2: 195، الفائق للزمخشري 1: 305، تفسير ابن كثير 4: 260، تفسير الخازن 4: 212، الدر المنثور 6: 132، تاج العروس 2: 381، تفسير الشوكاني 5: 115، تفسير الآلوسي 27: 72، نيل الأوطار 8: 263.
/ صفحة 69 / 3 - وفي خطاب الله العزيز قوله تعالى لإبليس: واستفزز من استطعت منهم بصوتك. (سورة الاسراء: 64) قال ابن عباس ومجاهد: إنه الغناء والمزامير واللهو. كما في تفسير الطبري 15: 81، تفسير القرطبي 10: 288، نقد العلم والعالم لابن الجوزي ص 247، تفسير ابن كثير 3: 49، تفسير الخازن 3: 178، تفسير النسفي 3 ص 178، تفسير ابن جزي الكلبي 2: 175، تفسير الشوكاني 3: 233، تفسير الآلوسي 15: 111.
قد جاء في السنة الشريفة عنه صلى الله عليه وآله: ما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذ المنكب والآخر على هذا المنكب، فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت. وفي لفظ ابن أبي الدنيا وابن مردويه: ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله تعالى إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك. راجع تفسير القرطبي 14: 43، تفسير الزمخشري 2: 411، نقد العلم والعلماء لابن الجوزي ص 248، تفسير الخازن 3: 460، تفسير النسفي هامش الخازن 3: 460، إرشاد الساري 9: 164، الدر المنثور 5: 159، تفسير الشوكاني 4: 228، تفسير الآلوسي 21: 68. 2 ـ عن عبد الرحمن بن عوف: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ومزامير الشيطان. وصوت عند مصيبة خمش وجوه، وشق جيوب، ورنة شيطان. وفي لفظ الترمذي وغيره من حديث أنس مرفوعا: صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما: صوت مزمار ورنة شيطان عند نغمة ومرح، ورنة عند مصيبة، لطم خدود، وشق جيوب. تفسير القرطبي 14: 53، نقد العلم والعلماء ص 248، الدر المنثور 5: 160، كنز العمال 7: 333، تفسير الشوكاني 4: 229 نيل الأوطار 8: 268. 3 - عن عمر بن الخطاب مرفوعا: ثمن القينة سحت، وغناء ها حرام، والنظر / صفحة 70 / إليها حرام، وثمنها من ثمن الكلب وثمن الكلب سحت. أخرجه الطبراني كما في إرشاد الساري للقسطلاني 9: 163، ونيل الأوطار للشوكاني 8: 264. 4 - عن أبي موسى الأشعري مرفوعا: من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يسمع الروحانيين. فقيل: ومن الروحانيون يا رسول الله ؟ قال: قراء أهل الجنة. أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والقرطبي في تفسيره 14: 54. 5 - مرفوعا: ليكونن في أمتي قوم يستحلون الخز والخمر والمعازف (1) أخرجه أحمد. وبن ماجة. وأبو نعيم. وأبو داود بأسانيدهم صحيحة لا مطعن فيها، وصححه جماعة آخرون من الأئمة، كما قاله بعض الحفاظ. قاله الآلوسي في تفسيره 21: 76، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10: 221 فقال: أخرجه البخاري في الصحيح. 6 - عن ابن عباس وأنس وأبي أمامة مرفوعا: ليكونن في هذه الأمة خسف و قذف ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف. أخرجه ابن أبي الدنيا. وأحمد. والطبراني، كما في الدر المنثور 2: 324، و تفسير الآلوسي 21: 76. 7 - عن عبد الله بن عمر - عمرو - قال: إن قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان. هي في التوراة: إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل، ويبطل به اللعب والزفن والمزامير والكبارات يعني البرابط والزمارات يعني الدف والطنابير. أخرجه ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في سننه 10: 222، وراجع تفسير ابن كثير 2: 96، والدر المنثور 2: 317. 8 - عن أنس وأبي أمامة مرفوعا: بعثني الله رحمة وهدى للعالمين، وبعثني بمحق المعازف والمزامير وأمر الجاهلية. كتاب العلم لابن عبد البر 1: 153، الدر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في حواشي الدمياطي: المعازف: الدفوف وغيرها مما يضرب به. ويطلق على الغناء عزف وعلى كل لعب. نيل الأوطار 8: 261.
/ صفحة 71 / المنثور 2: 323، نيل الأوطار 8: 262. 9 - عن علي مرفوعا: تمسخ طائفة من أمتي قردة، وطائفة خنازير، ويخسف بطائفة، ويرسل على طائفة الريح العقيم بأنهم شربوا الخمر، ولبسوا الحرير، واتخذوا القيان، وضربوا بالدفوف. الدر المنثور 2: 324 . 10 - عن أبي هريرة مرفوعا: يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير قالوا يا رسول الله ! أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟ قال: بلى ويصومون ويصلون ويحجون، قالوا: فما بالهم ؟ قال: إتخذوا المعازف والدفوف والقينات، وباتوا على شربهم ولهوهم، فأصبحوا قد مسخوا قردة وخنازير. وقريب من هذا الحديث من حديث عبد الرحمن بن سابط. والغازي بن ربيعة. وصالح بن خالد. وأنس بن مالك. وأبو أمامة. وعمران بن حصين. أخرجها ابن أبي الدنيا. ابن أبي شيبة. ابن عدي. الحاكم. البيهقي. أبو داود. ابن ماجة. راجع الدر المنثور: 324. 11 - عن أنس بن مالك مرفوعا: من جلس إلى قينة يسمع منها صب في أذنه الآنك (1) يوم القيامة. تفسير القرطبي 14: 53، نيل الأوطار 8: 264. 12 - عن عائشة مرفوعا: من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه. تفسير القرطبي 14: 53. 13 - أخرج الترمذي من حديث علي مرفوعا: إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء - فذكرها منها -: إذا اتخذت القينات والمعازف. وفي لفظ أبي هريرة: ظهرت القيان والمعازف. نقد العلم والعلماء لابن الجوزي ص 249، تفسير القرطبي 14: 53، نيل الأوطار 8: 263 14 - عن ابن المنكدر: بلغنا إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين عبادي الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان ؟ أحلوهم رياض المسك و أخبروهم أني قد أحللت عليهم رضواني. تفسير القرطبي 14: 53. 15 - عن ابن مسعود: إن النبي صلى الله عليه وآله سمع رجلا يتغنى من الليل فقال: لا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الآنك: الرصاص.
/ صفحة 72 / صلاة له، لا صلاة له، لا صلاة له. نيل الأوطار 8: 264. 16 - قال رسول الله عليه السلام يوم فتح مكة: إنما بعثت بكسر الدف والمزمار، فخرج الصحابة رضوان الله عليهم يأخذونها من أيدي الولدان ويكسرونها. بهجة النفوس شرح مختصر صحيح البخاري لأبي محمد ابن أبي جمرة الأزدي 2: 74. م 17 - في حديث من طريق معاوية: يا أيها الناس إن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن تسع وأنا أنهى عنهن. وعد منها: الغناء. تاريخ البخاري 4 قسم 1: 234 ].
1 - حرمه إمام الحنفية وعده وسماعه من الذنوب، وهذا مذهب مشايخ أهل الكوفة: سفيان. وحماد. وإبراهيم. والشعبي. وعكرمة. 2 - عن مالك إمام المالكية إنه نهى عن الغناء وعن استماعه وقال: إذا اشترى أحد جارية فوجدها مغنية فله أن يردها بالعيب. وهو مذهب ساير أهل المدينة إلا إبراهيم بن سعد وحده. وسئل مالك: ما ترخص فيه أهل المدينة من الغناء ؟ فقال: إنما يفعله عندنا الفساق. وسئل مالك عن الغناء ؟ فقال: قال الله تعالى: فماذا بعد الحق إلا الضلال. أفحق هو ؟ 3 - ونقل التحريم عن جمع من الحنابلة على ما حكاه شارح المقنع، وعن عبد الله بن الإمام أحمد إنه قال: سألت أبي عن الغناء. فقال: ينبت النفاق في القلب لا يعجبني ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله عندنا الفساق. 4 ـ وصرح أصحاب الشافعي العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله كالقاضي أبي الطيب وله في ذم الغناء والمنع عنه كتاب مصنف، والطبري والشيخ أبي إسحاق في التنبيه. وقال أبو الطيب الطبري: أما سماع الغناء من المرأة التي ليست بمحرم فإن أصحاب الشافعي لا يجوزوه سواء كانت حرة أو مملوكة. قال: وقال الشافعي: وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته، ثم غلظ القول فيه فقال: فهي دياثة. و إنما جعل صاحبها سفيها لأنه دعا الناس إلى الباطل ومن دعا الناس كان سفيها.
/ صفحة 73 / وقال ابن الصلاح: هذا السماع حرام بإجماع أهل الحل والعقد من المسلمين. وقال الطبري: أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه، وإنما فارق الجماعة إبراهيم ابن السعد، وعبيد الله العنبري. وسئل القاسم ابن محمد عن الغناء فقال: أنهاك عنه وأكرهه لك. فقال السائل. أحرام هو ؟ قال: انظر يا بن أخي إذا ميز الله تعالى الحق من الباطل في أيهما يجعل سبحانه الغناء ؟ وقال: لعن الله المغني والمغنى له. وقال المحاسبي في رسالة الانشاء: الغناء حرام كالميتة. وفي كتاب التقريب: إن الغناء حرام فعله وسماعه. وقال النحاس: ممنوع بالكتاب والسنة. وقال القفال لا تقبل شهادة المغني والرقاص. راجع سنن البيهقي 10: 224، نقد العلم والعلماء لابن الجوزي ص 242 246، تفسير القرطبي 14: 51، 52، 55، 56، الدر المنثور 5. 59، عمدة القاري للعيني 5: 160، تفسير الآلوسي 21: 68، 69. وفي مفتاح السعادة 1: 334: وقد قيل: التلذذ بالغناء وضرب المناهي كفر. قال الأميني: لعل القائل أخذ بما أخرجه أبو يعقوب النيسابوري من حديث أبي هريرة مرفوعا: استماع الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق، والتلذذ بها كفر. نيل الأوطار 8: 264. وعن إبراهيم بن مسعود: الغناء باطل والباطل في النار. وعنه: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل. وعنه: إذا ركب الرجل الدابة ولم يسم ردفه شيطان فقال: تغنه. فإن كان لا يحسن قال: تمنه. ومر ابن عمر رضي الله عنه بقوم محرمين وفيهم رجل يغني قال: ألا ! لا سمع الله لكم. ومر بجارية صغيرة تغني فقال: لو ترك الشيطان أحدا لترك هذه. وقال الضحاك: الغناء منفدة للمال، مسخطة للرب، مفسدة للقلب. وقال يزيد بن الوليد الناقص: يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء، و يزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وأنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر، فإن كنتم / صفحة 74 / لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا. وفيما كتب عمر بن عبد العزيز إلى سهل مولاه: بلغني عن الثقات من حملة العلم إن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بهما، ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء العشب. وقيل: الغناء جاسوس القلب، وسارق المروءة والعقل، يتغلغل في سويداء القلوب، ويطلع على سرائر الأفئدة، ويدب إلى بيت التخييل، فينشر ما غرز فيها من الهوى والشهوة والسخافة والرعونة، فبينما ترى الرجل وعليه سمت الوقار، وبهاء العقل، وبهجة الإيمان، ووقار العلم، وكلامه حكمة، وسكوته عبرة، فإذا سمع الغناء نقص عقله وحياؤه، وذهب مروءته وبهاؤه، فيستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه، ويبدي من أسراره ما كان يكتمه، وينتقل من بهاء السكوت والسكون إلى كثرة الكلام والهذيان والاهتزار كأنه جان وربما صفق بيديه، ودق الأرض برجليه، وهكذا تفعل الخمر إلى غير ذلك. راجع سنن البيهقي 1: 223، نقد العلم والعلماء لابن الجوزي ص 250، تفسير الزمخشري 2: 411، تفسير القرطبي 14: 52، إرشاد الساري 9. 164، الدر المنثور 5: 159، 160، كنز العمال 7: 333، تفسير الخازن 3: 46، تفسير الشوكاني 4: 228، نيل الأوطار 8: 264، تفسير الآلوسي 21: 67، 68. (نظرة في الأحاديث المعنونة) هذا شأن الغناء والملاهي، وتلك ما يؤثر عن نبي الاسلام صلى الله عليه وآله أفمن المعقول إذن أن تعزى إليه تلك المسامحة المزرية بعصمته، المسقطة لمحله، المسفة به إلى هوة الجهل ؟ ثم يحسب أن الذي تذمر عنهما وتجهم أمام الباطل ودحضه هو عمر فحسب دون رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ وما هذا الشيطان الذي كان يفرق من عمر وما كان يخاف رسل الله صلى الله عليه وآله ؟ أي نبي هذا ؟ وهو يسمع الملاهي، وترقص بين يديه الرقاصة الأجنبية، وتضرب بالدف وتغني، أو يوقف هو حليلة على تلك المواقف المخزية، ثم يقول: لست من دد ولا الدد مني. أو يقول: لست من دد ولا دد مني أو يقول: لست من الباطل ولا الباطل مني (1) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه البخاري في الأدب، والبيهقي والخطيب، وابن عساكر. راجع كنز العمال 7: 333، الفيض القدير 5 265 / صفحة 75 / أي عظيم هذا ؟ يرى في بيته غناء الجواري وضربهن بالدف ولا ينبس ببنت شفة غير أن عمر يغضبه ذلك ويقول: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله ؟ أليس هذا النبي هو الذي كان سمع مزمارا يضع إصبعيه على أذنيه ونأى على الطريق ؟ قال نافع: سمع عبد الله بن عمر مزمارا فوضع إصبعيه على أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئا ؟ فقلت: لا. فرفع إصبعيه من أذنيه وقال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا (1) أليس ابن عباس قال أخذا بالسنة الشريفة: الدف حرام، والمعازف حرام، والكوبة حرام، والمزمار حرام ؟. ألا تعجب من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ والحبشة تلعب في مسجده الشريف أشرف بقاع الدنيا وتزفن وتغني وهو صلى الله عليه وآله وحليلته ينظر إليها، وعمر ينهاهن، ويقول النبي صلى الله عليه وآله: دعهن يا عمر !. أصحيح ما جاء عن النبي الأقدس صلى الله عليه وآله من قوله بعدة طرق: جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراء كم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم ؟ وقوله صلى الله عليه وآله: من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا ؟. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة والترمذي وما أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة عن بريدة: إن رجلا نشد في المسجد الجمل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت ؟. وقوله صلى الله عليه وآله: سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم ليس لله فيهم حاجة ؟. أخرجه ابن حبان في صحيحه. وقوله صلى الله عليه وآله: لا تتخذوا المساجد طرقا إلا لذكر أو صلاة ؟ (1) . وما ظنك بنبي العصمة يحول المولى سبحانه بينه وبين ما يهمه من سماع المعازف والمزامير قبل بعثته تشريفا له وتعظيما لمكانته من القداسة، ويخليه واسع السرب رخي البال بعد مبعثه الشريف يسمع غناء الأجنبيات وهي تزفن ؟ أخرج الحفاظ بالإسناد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما هممت بشئ مما كان في ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سنن أبي داود 2: 304، سنن البيهقي 10: 222، تاريخ ابن عساكر 7: 206، 284. (2) جمع هذه الأحاديث وأمثالها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 1: 89 - 92.
/ صفحة 76 / الجاهلية يعملون به غير مرتين كل ذلك يحول الله تعالى بيني وبين ما أريد فإني قلت ليلة غلام من قريش كان يرعى معي بأعلى مكة: لو أبصرت إلى غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها ما يسمر الشباب ؟ فقال: ادخل. فخرجت أريد ذلك حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالدفوف والمزامير، فقلت: ما هذا ؟ قالوا: فلان بن فلان تزوج فلانة ابنة فلان، فجلست أنظر إليهم فضرب الله على أذني فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس، قال: فجئت صاحبي فقال: ما فعلت ؟ فقلت: ما صنعت شيئا، وأخبرته الخبر قال ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك فقال: أفعل فخرجت فسمعت حين جئت مكة مثل ما سمعت ودخلت مكة تلك الليلة فجلست أنظر فضرب الله على أذني فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فأخبرته الخبر، ثم ما همت بعدهما بسوء حتى أكرمني الله برسالته (1) قال الماوردي في أعلام النبوة 140: هذه أحوال عصمته قبل الرسالة، وصده عن دنس الجهالة، فاقتضى أن يكون بعد الرسالة أعظم، ومن الأدناس أسلم، وكفى بهذه الحال أن يكون من الأصفياء الخيرة إن أمهل، ومن الأتقياء البررة إن أغفل، ومن أكبر الأنبياء عند الله تعالى من أرسل مستخلص الفطرة، علي النظرة، وقد أرسله الله تعالى بعد الاستخلاص، وطهره من الأدناس، فانتفت عنه تهم الظنون، وسلم من ازدراء العيون ليكون الناس إلى إجابته أسرع، وإلى الانقياد له أطوع. ا هـ. وإلي نسائل ذلك الحكيم المتأول الذي مر كلامه ص 65 عن أنه كيف خص محمد صلى الله عليه وآله بالنبوة، وأبا بكر بالرحمة، وعمر بالحق، وحسب إنه فتح بابا مرتجا من المعضلات، أو أتي بقرني حمار، أي نبوة تفارق الحق ؟ وأي نبي هو أوضع من صاحب الحق ؟ وأي حق اقتناه عمر لنفسه وعزب عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عرفانه ؟. وهلم معي إلى طامة أخرى من الزركشي في الاجابة ص 67، الذي عد فيها من خصائص عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتبع رضاها كلعبها باللعب، ووقوفه في ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) دلائل النبوة لأبي نعيم 1: 58. أعلام النبوة للماوردي ص 140. تاريخ الطبري 2: 196. الكامل لابن الأثير 2: 14. عيون الأثر لابن سيد الناس 1: 44. تاريخ ابن كثير 2: 287. الخصائص الكبرى 1: 88، السيرة الحلبية 1: 132.
/ صفحة 77 / وجهها لتنظر إلى الحبشة يلعبون. فقال: واستنبط العلماء من ذلك أحكاما كثيرة فما أعظم بركتها. ا هـ. أو هل يريد هذا الرجل إثبات مأثرة لعائشة ؟ أو ذكر مزلة لبعلها ؟ وهل كان صلى الله عليه وآله يتبع رضاها في المشروع ؟ أو كان إتباعه أعم من ذلك ؟ " معاذ الله " وهل من المكن أن يتبع رضاها حتى في نقض ما جاء به هو من الشريعة الإلهية ؟ وأي حكم يستنبط من مثل هذا المدرك الساقط ؟ فمرحبا بالكاتب، وزه بالعلماء المستنبطين، و وكثر الله أمثال هذه البركات " لأكثرها ". ثم هل النذر يبيح المحظور ؟ وفي الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وآله: لا نذر في معصية ولا نذر فيما لا يملك ابن آدم (1) . وقوله صلى الله عليه وآله: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه(2) . وقال عقبة بن عامر: إن أخته نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة وإنه ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مرها فلتركب ولتختمر (3) . وعن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل بمكة وهو قائم في الشمس فقال: ما هذا ؟ قالوا: نذر أن يصوم ولا يستظل إلى الليل ولا يتكلم ولا يزال قائما. قال: ليتكلم وليستظل وليجلس وليتم صومه (4) . وقال صلى الله عليه وآله: لا نذر إلا فيما يبتغى به وجه الله تعالى (5) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح مسلم 2: 17، سنن أبي داود 2: 81، سنن ابن ماجة 1: 652، سنن النسائي 7: 19، 29، (2) صحيح البخاري 9: 245 246، صحيح الترمذي 1: 288، سنن ابن ماجة 1: 653 سنن أبي داود 2: 78، سنن النسائي 7: 17، سنن البيهقي 10: 75. (3) سنن ابن ماجة 1: 654، سنن النسائي 7: 20، صحيح الترمذي كما في تيسير الوصول 4: 279، سنن البيهقي 10: 80. (4) سنن ابن ماجة 1: 655، صحيح البخاري 9: 247، سنن ابن داود 2: 79، سنن البيهقي 10: 75. (5) أخرجه ابن داود كما في تيسير الوصول 4: 281، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10: 75.
/ صفحة 78 / وقال صلى الله عليه وآله: النذر نذران، فمن كان نذره في طاعة الله فذلك لله وفيه الوفاء، و من كان نذره في معصية الله فذلك للشيطان ولا وفاء فيه (1) . أو ليس من شرط انعقاد النذر على هذا الرجحان في متعلقه وكونه مما يبتغى به وجه الله ليكون مقربا إليه سبحانه زلفى، فيصح للناذر أن يقول: لله علي كذا ؟ فأي رجحان في ضرب المرأة الأجنبية الدف بين يدي الرجل الأجنبي وفي غنائها ورقصها أمامه ؟ إلا أن يقول القائل: إن تلك الجارية أو مسجد النبي الأعظم أباحا تلكم المحضورات أو الغلو في الفضائل فضائل الخليفة أباح أن تستساغ.
إن تعجب فعجب أن هذه المهازئ تشعر بكراهة عمر للغناء وقد عده العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري 5: 160 نقلا عن كتاب التمهيد لأبي عمر صاحب الاستيعاب ممن ذهب إلى إباحته في عداد عثمان. وعبد الرحمن بن عوف. وسعد بن أبي وقاص. وعبد الله بن عمر. ومعاوية. وعمرو بن العاصي. والنعمان بن بشير. و حسان بن ثابت. وقال الشوكاني في نيل الأوطار 8: 266: قد روي الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة: عمر. كما رواه ابن عبد البر وغيره، ثم عد جمعا منهم: عثمان. عبد الرحمن بن عوف. أبو عبيدة الجراح. سعد بن أبي وقاص. عبد الله ابن عمر. وروى المبرد والبيهقي في المعرفة كما في نيل الأوطار 8: 272 عن عمر: إنه إذا كان داخلا في بيته ترنم بالبيت والبيتين. واستدلال الشوكاني بهذا على إباحة الغناء في بعض المواقف يومي إلى أن المراد من الترنم: التغني. وقال ابن منظور في لسان العرب 19: 374: قد رخص عمر رضي الله عنه في غناء الأعراب. ويعرب عن جلية الحال حديث خوات بن جبير الصحابي قال: خرجنا حجاجا مع عمر فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف فقال القوم : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه النسائي كما في التيسير 4: 281.
/ صفحة 79 / غننا من شعر ضرار، فقال عمر: دعوا أبا عبد الله فليغن من بنيات فؤاده. فما زلت أغنيهم حتى كان السحر، فقال عمر: إرفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا (1) . م - وزاد ابن عساكر في تاريخه 7: 163: فقال أبو عبيدة: هلم إلى رجل أرجو أن لا يكون شرا من عمر. قال: فتنحيت أنا وأبو عبيدة فما زلنا كذلك حتى صلينا الفجر ]. وفي كنز العمال 7: 336: كلم أصحاب النبي خوات بن جبير أن يغنيهم فقال: حتى أستأذن عمر. فاستأذنه فأذن له فغنى خوات فقال عمر: أحسن خوات، أحسن خوات. وفي حديث رباح بن المعترف قال: إنه كان مع عبد الرحمن بن عوف يوما في سفر فرفع صوته رباح يغني غناء الركبان فقال له عبد الرحمن: ما هذا ؟ قال: غير ما بأس نلهو ونقصر عنا السفر. فقال عبد الرحمن: إن كنتم لا بد فاعلين فعليكم بشعر ضرار بن الخطاب، ويقال: إنه كان معهم في ذلك السفر عمر بن الخطاب وكان يغنيهم غناء النصب (2) . في تاج العروس: النصب ضرب من أغاني الأعراب. وعن عثمان بن نائل عن أبيه قال: قلنا لرباح بن المعترف: غننا بغناء أهل بلدنا فقال: مع عمر ؟ قلنا: نعم، فإن نهاك فانته. وذكر الزبير بن بكار: إن عمر مر به ورباح يغنيهم غناء الركبان (3) فقال: ما هذا ؟ قال عبد الرحمن: غير ما بأس يقصر عنا السفر، فقال: إذا كنتم فاعلين فعليكم بشعر ضرار بن الخطاب " الإصابة 1: 502 ". وعن السائب بن يزيد قال: بينا نحن مع عبد الرحمن بن عوف في طريق مكة إذ قال عبد الرحمن لرباح: غننا. فقال له عمر: إن كنت آخذا فعليك بشعر ضرار بن الخطاب " الإصابة 2: 209 " ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سنن البيهقي 10: 224، الاستيعاب 1: 170، الإصابة 1: 457، كنز العمال 7: 335. (2) سنن البيهقي 10: 224، الاستيعاب 1: 186. (3) قال ابن الأعرابي: كانت العرب تتغنى بالركباني إذا ركبت وإذا جلست في الأفنية وعلى أكثر أحوالها فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هجيراهم بالقرآن مكان التغني بالركبان. لسان العرب 19: 337، تاج العروس 10: 273.
/ صفحة 80 / م - وفي لفظ ابن عساكر في تاريخه 7: 35: فقال عمر: ما هذا ؟ فقال عبد الرحمن: ما بأس بهذا اللهو ونقصر عنا سفرنا. فقال عمر: إن كنت. إلخ ]. وعن العلاء بن زياد: إن عمر كان في مسير فتغنى فقال: هلا زجرتموني إذا لغوت " كنز العمال 7: 335 ". وعن الحارث بن عبد الله بن عباس: إنه بينا هو يسير مع عمر في طريق مكة في خلافته ومعه المهاجرون والأنصار فترنم عمر ببيت، فقال له رجل من أهل العراق ليس معه عراقي غيره: غيرك فليقلها يا أمير المؤمنين ! فاستحى عمر وضرب راحلته حتى انقطعت من الركب أخرجه الشافعي والبيهقي كما في الكنز 7: 336. هذا عمر وهذا رأيه وهذه سيرته في الغناء، فهل من المعقول أن يهابه المغنون فيجفلون عما كانوا يقترفونه، ويسمعه النبي صلى الله عليه وآله ولا يتحرج ؟ ويرى أن الشيطان يفرق من عمر، ولا يفرق منه ؟ المستعاذ بك يا الله. م - قد تروى هذه المنقبة الموهومة لعثمان فيما أخرجه أحمد في مسنده 4: 353 من طريق ابن أبي أوفى قال: استأذن أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وجارية تضرب بالدف فدخل، ثم استأذن عمر رضي الله عنه فدخل، ثم استأذن عثمان رضي الله عنه فأمسكت قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عثمان رجل حيي. وأخرجه في ص 354 بإسناد آخر بلفظ: كانت جارية تضرب بالدف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر ثم جاء عمر ثم جاء عثمان رضي الله عنهم فأمسكت فقال. الخ. و سنوقفك على حياء عثمان حتى تعرف صحة هذا الحديث أيضا ]. ثم لنتوجه إلى شاعر النيل المشبه درة عمر بعصا موسى التي كانت معجزة قاهرة لنبي معصوم أبطل بها الباطل، وأقام الحق فقال كما مر في ص 66: أغنت عن الصارم المصقول درته * فكم أخــــافت غوي النفس عاتيها كانــــت له كعصا موسى لصاحبها * لا ينــــزل البطــــل مجتازا بواديها فنسأل الرجل عن وجه الشبه بين تلك العصا وبين هذه الدرة التي قيل فيها: لعل درته لم يسلم من خفقتها إلا القلائل من كبار الصحابة، وكانت الدرة في يده على الدوام أنى سار، وكان الناس يهابونها أكثر مما تخيفهم السيوف، وكان يقول: أصبحت / صفحة 81 / أضرب الناس ليس فوقي أحد إلا رب العالمين (1) فقيل بعده: لدرة عمر أهيب من سيف الحجاج كما في محاضرة السكتواري ص 169. فما وجه الشبه بين عصا نبي معصوم وبين درة إنسان لم يسلم منها إلا القلائل من كبار الصحابة ؟ أهي تشبهها حين ضرب صاحبها النساء الباكيات على بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ صلى الله عليه وآله بيده وقال: مه يا عمر ؟ غ 6: 159 (2) ط 2. أم حين ضرب أم فروة بنت أبي قحافة حين بكت على أبيها ؟ غ 6: 161. أم حين ضرب تميم الداري لإتيانه الصلاة بعد العصر وهي سنة ؟. غ 6: 183. أم حين ضرب المنكدر وزيد الجهني وآخرين للصلاة بعد العصر ؟ غ 6: 183. أم حين ضرب في المجزرة كل من اشترى اللحم لأهله يومين متتابعين 2 غ 6: 7 26. أم حين ضرب رجلا أتى بيت المقدس وإتيانه سنة ؟ غ 6: 278. أم حين ضرب الصائمين في رجب وصومه سنة مؤكدة ؟ غ 6: 282. أم حين ضرب سائلا عن آية من القرآن لا يعرف مغزاها ؟ غ 6: 290. أم حين ضرب مسلما أصاب كتابا فيه العلم ؟ غ 6: 298. أم حين ضرب مسلما اقتنى كتابا لدانيال ؟ غ 6: 298. أم حين ضرب من كني بأبي عيسى ؟ غ 6: 308. أم حين ضرب سيد ربيعة من غير ذنب أتى به ؟. غ 6: 157. أم حين ضرب معاوية من دون أن يقترف إثما ؟ كما في تاريخ ابن كثير 8: 125. أم حين ضرب أبا هريرة لابتياعه أفراسا من ماله ؟ غ 6: 271. أم حين ضرب من صام دهرا ؟ غ 6: 322. إلى مواقف لا تحصى. فانظر إلى من تتوجه قارصة الرجل في قوله: فكم أخافت غوي النفس عاتيها. ومن الناس من يعجب قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه و هو ألد الخصام البقرة: 204 * * * ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) محاضرات الخضري 2: 15، الخلفاء للنجار ص 113، 239. (2) غ: رمز كتابنا هذا (الغدير) في جميع الأجزاء.
/ صفحة 82 / - 4 - 1 - لما فتح عمر مصر أتى أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤنة من أشهر العجم فقالوا له: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها. فقال لهم: وما ذاك ؟ فقالوا له: إنا إذا كانت ثلاث عشرة ليلة نحوا من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أباها وحملنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في النيل فقال لهم عمرو: إن هذا شئ لا يكون في الاسلام وإن الاسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى، لا يجري قليلا ولا كثير فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب إليه عمر إنك قد أصبت بالذي فعلت إن الاسلام يهدم ما قبله، وكتب إلى عمرو إني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي هذا إليك فألقها في النيل إذا وصل كتابي إليك فلما قدم كتاب عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص فإذا فيها مكتوب: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر: أما بعد: فإن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو مجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك وفي لفظ الواقدي: فإن كنت مخلوقا لا تملك ضرا ولا نفعا وأنت تجري من قبل نفسك وبأمرك فانقطع ولا حاجة لنا بك، وإن كنت تجري بحول الله وقوته فاجر كما كنت، والسلام. فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بشهر فقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج فإنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة فقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم. 2 - قال الرازي في تفسيره: وقعت الزلزلة في المدينة فضرب عمر الدرة على الأرض وقال: اسكني بإذن الله. فسكنت وما حدثت الزلزلة بالمدينة بعد ذلك. 3 - في تفسير الرازي: وقعت النار في بعض دور المدينة فكتب عمر على خرقة: يا نار اسكني بإذن الله. فألقوها في النار فانطفأت في الحال. 4 - محاضرة الأوائل للسكتواري: أول زلزلة كانت في الاسلام سنة عشرين / صفحة 83 / من الهجرة في خلافة عمر رضي الله عنه فضرب أمير المؤمنين رضي الله عنه برمحه قائلا يا أرض اسكني، ألم أعدل عليك ؟ فسكنت. فكان من جملة كرامته، فظهرت له كرامات أربعة في العناصر الأربعة: تصرف في عنصر التراب والماء في قصة رسالته إلى نيل مصر. وفي الهواء في قصة سارية الجبل. وفي النار في قصة احتراق قرية رجل حين كلفه أن يغير اسمه فأبى وكان اسمه يتعلق بالنار كالشهاب والقبس والثاقب كما ذكر في تبصرة الأدلة ودلائل النبوة. راجع فتوح الشام للواقدي 2: 44، تفسير الرازي 5: 478، سيرة عمر لابن الجوزي ص 150، الرياض النضرة 2: 12، تاريخ ابن كثير 7: 100: تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 86، محاضرة الأوائل للسكتواري ص 168، خزانة الأسرار ص 132 تاريخ القرماني هامش الكامل 1: 203، الروض الفائق ص 246، الفتوحات الإسلامية 2: 437، نور الأبصار ص 62، جوهرة الكلام للقراغولي الحنفي ص 44. قال الأميني: أما رواية النيل فراويها الوحيد هو عبد الله بن صالح المصري أحد الكذابين الوضاعين كما مر في الجزء الخامس ص 239 ط 2 قال أحمد بن حنبل: كان أول أمره متماسكا ثم فسد بآخره، وقال أحمد بن صالح: متهم ليس بشئ، وقال صالح جزرة: كان ابن معين يوثقه وهو عندي يكذب في الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن المديني: لا أروي عنه شيئا، وقال ابن حبان: كان في نفسه صدوقا إنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له فسمعت ابن خزيمة يقول: كان له جار بينه وبينه عداوة كان يضع الحديث على شيخ أبي صالح ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله و ويرميه في داره بين كتبه فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدث به، وقال ابن عدي: يقع في أسانيده ومتونه غلط ولا يتعمد. قامت القيامة على عبد الله بهذا الخبر الذي قال عن جابر مرفوعا: إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة: أبا بكر وعمر و عثمان وعليا فجعلهم خير أصحابي وأصحابي كلهم خير. ثم ذكر أقوال الحفاظ في بطلان هذا الحديث وإنه موضوع. راجع ميزان الاعتدال 2: 46. فالرواية مكذوبة اختلقتها يد الغلو في الفضائل، وإن كنا لا نناقش في إمكان / صفحة 84 / خضوع النيل لتلكم الكتابة، فيكون معجزة للاسلام لمسيس حاجة القوم إلى مثلها لحداثة عهدهم بالاسلام. وأما ما جاء به الرازي من حديث الزلزلة فلم يوجد في حوادث عهد عمر لا مسندا ولا مرسلا، ولم يذكره قط مؤرخ ضليع، ولم يخرجه الحفاظ حتى ينظر في إسناده. وقوله: وما حدثت الزلزلة بالمدينة بعد ذلك، فكر أمة مكذوبة يكذبها التاريخ، وقد وقعت الزلزلة بعد ذلك غير مرة فقد وقعت زلزلة عظيمة بالحجاز سنة 515 فتضعضع بسببها الركن اليماني وتهدم بعضه وتهدم بها شئ من مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كما ذكره ابن كثير في تاريخه 12: 188. وحدثت بالمدينة زلزلة عظيمة ليلا واستمرت أياما وكانت تزلزل كل يوم و ليلة قدر عشر نوبات وذلك سنة 654 وقصتها طويلة توجد في تاريخ ابن كثير 13: 188، 190، 191، 192. واعطف على ما قاله الرازي قول السكتواري من إنها أول زلزلة كانت في الاسلام سنة عشرين من الهجرة. فقد وقعت سنة ست من الهجرة الشريفة كما في تاريخ الخميس 1: 565 فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن الله عز وجل يستعتبكم فاعتبوه. وأما حديث قول عمر: يا سارية الجبل الجبل. فقال السيد محمد بن درويش الحوت في أسنى المطالب ص 265: هو من كلام عمر قاله على المنبر حين كشف له عن سارية وهو بنهاوند من أرض فارس، روى قصته الواحدي والبيهقي بسند ضعيف وهم في المناقب يتوسعون. ا هـ. كنا نرى السيد ابن الحوت غير منصف في حكمه على الحديث بالضعف وإنه كان حقا عليه الحكم بالوضع إلى أن أوقفنا السير على تصحيح ابن بدران (المتوفى 1346) إياه فيما علق عليه في تاريخ ابن عساكر 6 ص 46 بعد ذكر الحديث من طريق سيف بن عمر، فوجدنا ابن الحوت عندئذ إنه جاء بإحدى بنات طبق في حكمه ذلك، ما أجرأ ابن بدران على هذا التمويه والدجل ؟ أليست بين يديه أقوال أعلام قومه حول سيف بن عمر ؟ أم ليسوا أولئك الحفاظ رجال الجرح والتعديل في كل إسناد ؟ قال ابن حبان: كان سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الاثبات. وقال: قالوا: إنه كان يضع الحديث واتهم / صفحة 85 / بالزندقة. وقال الحاكم: اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط، وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها. وقال ابن عدي: عامتها منكر. قال البرقاني عن الدارقطني: متروك. وقال ابن معين: ضعيف الحديث فليس خير منه. وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي. وقال أبو داود: ليس بشئ وقال النسائي: ضعيف. وقال السيوطي: وضاع: وذكر حديثا من طريق السري بن يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف فقال: موضوع، فيه ضعفاء أشدهم سيف. راجع ميزان الاعتدال 1: 438، تهذيب التهذيب 4: 295، اللئالي المصنوعة 1: 157، 199، 429. وأما احتراق القرية بإباء الرجل عن تغيير اسمه فخرافة يأباها الشرع والعقل والمنطق، إن ما تقدم في الجزء السادس ص 308 - 315 ط 2 من آراء الخليفة الخاصة به - في الأسماء والكنى - ومن جرائها غير كنى رجال كناهم رسول الله صلى الله عليه وآله وأسماء آخرين سماهم بها هو صلى الله عليه وآله بحجة داحضة من أن رسول الله صلى الله عليه وآله مات وغفر له ونحن لا ندري ما يفعل بنا - يستدعي ألا يمتثل في أمثال ذلك لا أن يعذب الله قرية آمنة مطمأنة لعدم إمتثال صاحبها بما يقوله الخليفة دون أمر مباح، وهو من الظلم الفاحش لما احترق فيها من أبرياء وتلفت من أموال، ولو وقفت بمطلع الأكمة من تلك القرية المضطرمة لبكيت على الرضع والبهائم بكاء الثكلى، نحاشي ربنا الحكيم العدل عن مثل ذلك، ونحاشي أعلام الأمة عن قبول هذه المخاريق المخزية. قاتل الله الحب، ماذا يفعل ويفتعل ويختلق ؟. - 5 - قال الواقدي: حدثنا أبو حمزة (1) يعقوب بن مجاهد عن محمد بن إبراهيم عن أبي عمر وقال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق أمير المؤمنين ؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمير المؤمنين هو. ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 137. قال الأميني: كان أبو حزرة قاصا يقص فراقه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كذا في تاريخ ابن كثير والصحيح: حزرة. بفتح المهملتين بينهما معجمة ساكنة.
/ صفحة 86 / وعلى حليلته أم المؤمنين لإرضاء مستمعيه بافتعال منقبة لعمر ذاهلا عن أن التاريخ يكذبه ويكشف عن سوءته ولو بعد حين. أخرج الحاكم من طريق ابن شهاب قال: إن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر ابن سليمان بن أبي خيثمة لأي شئ كان يكتب من خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله في عهد أبي بكر رضي الله عنه ؟ ثم كان عمر يكتب أولا من خليفة أبي بكر، فمن أول من كتب من أمير المؤمنين ؟ فقال: حدثني الشفاء وكانت من المهاجرات الأول: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عامل العراق بأن يبعث إليه رجلين جلدين يسألهما عن العراق و أهله فبعث عامل العراق بلبيد بن ربيعة وعدي ابن حاتم فلما قدما المدينة أناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا المسجد فإذا هما بعمر وبن العاص فقالا: استأذن لنا يا عمرو ! على أمير المؤمنين، فقال عمرو: أنتما والله أصبتما اسمه، هو الأمير ونحن المؤمنون، فوثب عمرو فدخل على أمير المؤمنين. فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين !. فقال عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا بن العاص، ربي يعلم لتخرجن مما قلت. قال: إن لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم قدما فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا علي فقالا لي: استأذن لنا يا عمرو ! على أمير المؤمنين فهما والله أصابا اسمك، نحن المؤمنون وأنت أميرنا، قال: فمضى به الكتاب من يومئذ. أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه. وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: صحيح. وقال السيوطي في شرح شواهد المغني ص 57: روينا بسند صحيح إن لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم هما اللذان سميا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين حين قدما عليه من العراق. وذكر القصة في تاريخ الخلفاء ص 94. وأخرج الطبري في تاريخه 5: 22 بالإسناد عن حسان الكوفي قال: لما ولى عمر قيل: يا خليفة خليفة رسول الله، فقال عمر رضي الله عنه: هذا أمر يطول كل ما جاء خليفة قالوا: يا خليفة خليفة خليفة رسول الله، بل أنتم المؤمنون وأنا أميركم فسمي أمير المؤمنين. وقال ابن خلدون في مقدمة تاريخه ص 227: اتفق أن دعا بعض الصحابة عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين ! فاستحسنه الناس واستصوبوه ودعوه به، يقال: إن أول / صفحة 87 / من دعا بذلك عبد الله بن جحش، وقيل: عمرو بن العاصي، والمغيرة بن شعبة وقيل: بريد جاء بالفتح من بعض البعوث ودخل المدينة وهو يسأل عن عمر ويقول: أين أمير المؤمنين ؟ وسمعها أصحابه فاستحسنوه وقالوا: أصبت والله اسمه إنه والله أمير المؤمنين حقا، فدعوه بذلك وذهب لقبا له في الناس، وتوارثه الخلفاء من بعده سمة لا يشاركهم فيها أحد سواهم إلا سائر دولة بني أمية. ا هـ. فصريح هذه النقول أن عمر نفسه ما كانت له سابقة علم بهذا اللقب لا عن رسول الله صلى الله عليه وآله ولا عن غيره، ولذلك استغربه وقال: ربي يعلم لتخرجن مما قلت. ولا كان عمر بن العاصي يعلم ذلك ولذلك نسب الإصابة بالتسمية إلى الرجلين ونحت لها من عنده ما يبررها. ولا كانت عند الرجلين - اللذين صح كما مر أنهما هما اللذان سمياه - أثارة من علم بما جاء به ابن كثير وإنما هو شئ جرى على لسانهما، ثم اعطف نظرة ثانية على كلمة ابن خلدون المقررة للخلاف في أول من سماه بأمير المؤمنين ولم يذكر فيه قولا بأن الرسول صلى الله عليه وآله هو الذي سماه، وصريح رواية الطبري إن عمر هو الذي رأى هذه التسمية. نعم: إن الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين هو مولانا علي عليه السلام، أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 63 بإسناده عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس ! اسكب لي وضوءا. ثم قام فصلى ركعتين. ثم قال: يا أنس ! أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين، قال أنس: قلت: أللهم اجعله رجلا من الأنصار وكتمته إذ جاء علي فقال: من هذا يا أنس ؟ فقلت: علي، فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق علي بوجهه. قال علي: يا رسول الله ! لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل ؟ قال: وما يمنعني وأنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي وأخرج ابن مردويه من طريق ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فغدا عليه علي بن أبي طا لب كرم الله وجهه بالغداة أن لا يسبقه إليه أحد فدخل فإذا النبي صلى الله عليه وسلم في صحن البيت فإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي فقال: السلام عليك، كيف أصبح رسول الله ؟ قال: بخير يا أخا رسول الله ! فقال علي: جزاك الله عنا خيرا أهل البيت / صفحة 88 / فقال له دحية: إني لأحبك وإن لك عندي مدحة أزفها لك، أنت أمير المؤمنين، و قائد الغر المحجلين. الخ. وفيه: فأخذ رأس النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذه الهمهمة ؟ فقال علي بما جرى، فقال: يا علي لم يكن دحية ولكن كان جبرائيل سماك باسم سماك الله به. وأخرج الحافظ أبو العلا الحسن بن أحمد العطار من طريق ابن عباس في حديث: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أم سلمة ! اشهدي واسمعي هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين. الحديث مر بتمامه في الجزء السادس ص 80 ط 2. وأخرج الطبراني في معجمه من طريق عبد الله بن عليم الجهني مرفوعا: إن الله عزو جل أوحى إلي في علي ثلاثة أشياء ليلة أسرى بي إنه سيد المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين. وتعضد هذه الأحاديث وتؤكدها عدة أحاديث منها ما أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء من طريق ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله آية فيها يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها. وفي لفظ الطبراني وابن أبي حاتم: إلا وعلي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان وما ذكر عليا إلا بخير (1) . ومنها ما أخرجه الخطيب والحاكم وصححه من طريق جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وهو آخذ بيد علي يقول: هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله (2) . وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن عباس كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 115، ونور الأبصار ص 80، وأخرجه شيخ الاسلام الحموي من طريق عبد الرحمن بن سهمان في فرائد السمطين، وذكره ابن حجر في الصواعق نقلا عن الحاكم وحرفه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع حلية الأولياء 1: 64، الرياض النضرة 2: 206، كفاية الكنجي ص 54، تذكرة السبط ص 8، درر السمطين لجمال الدين الزرندي، الصواعق لابن حجر ص 76، كنز العمال 6: 291، تاريخ الخلفاء ص 115. (2) تاريخ الخطيب البغدادي 2: 377، ج: 219، مستدرك الحاكم 3: 129.
/ صفحة 89 / وجعل مكان أمير البررة: إمام البررة. حيا الله الأمانة. ومنها ما أخرجه ابن عدي في كامله من طريق علي: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: علي يعسوب (1) المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين، وفي رواية: يعسوب الظلمة، وفي رواية يعسوب الكفار. ذكره الدميري في حياة الحيوان 2: 412، وابن حجر في الصواعق ص 75، وقال الدميري: ومن هنا قيل لأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: أمير النحل. ومنها قول علي: أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكفار، وفي لفظ: المنافقين، وفي لفظ: الفجار. نهج البلاغة 2، 211، تاج العروس 1: 381. هذه هي الحقيقة الراهنة لكن القوم نحتوا تجاهها بقضاء من الغلو في الفضائل ما عرفته من رواية القصاص أبي حزرة. - 6 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 2: 46 من طريق الأسود بن سريع قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قد حمدت ربي بمحامد ومدح وإياك. فقال: إن ربك عز وجل يحب الحمد. فجعلت أنشده، فاستأذن رجل طويل أصلع فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسكت فدخل فتكلم ساعة ثم خرج فأنشدته ثم جاء فسكتني النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم ثم خرج، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فقلت: يا رسول الله ! من هذا الذي أسكتني له ؟ فقال: هذا عمر، رجل لا يحب الباطل. ومن طريق آخر عن الأسود التميمي قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أنشده فدخل رجل أقنى (2) فقال لي: أمسك. فلما خرج قال: هات. فجعلت أنشده فلم ألبث أن عاد فقال لي: أمسك. فلما خرج قال: هات. فقلت: من هذا يا نبي الله الذي إذا دخل قلت: أمسك، وإذا خرج قلت: هات ؟ قال: هذا عمر بن الخطاب وليس من الباطل في شئ. ومن طريق آخر عن الأسود قال: كنت أنشده صلى الله عليه وسلم ولا أعرف أصحابه حتى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يعسوب: الأمير. الرئيس. (2) قنى الانف وأقنى: ارتفع وسط قصبته وضاق منخراه.
/ صفحة 90 / جاء رجل بعيد ما بين المناكب أصلع ؟ فقيل: اسكت اسكت. قلت: واثكلاه من هذا الذي أسكت له عند النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل: عمر بن الخطاب، فعرفت والله بعد إنه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلمني حتى يأخذ برجلي فيسحبني إلى البقيع. قال الأميني: هل علمت رواة السوء بالذي تلوكه بين أشداقها ؟ أم درت فتعمدت ؟ أم أن حب عمر والمغالاة في فضائله أعمياهم عن تبعات هذا القول الشائن ؟ إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. يقول القائل: إن ما أراد إنشاده محامد ومدح لله ولرسوله فيجيزه رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول: إن ربك عز وجل يحب الحمد. فأي باطل في هذا حتى يبغضه عمر ؟ ولو كان باطلا ؟ لمنعه رسول الله صلى الله عليه وآله قبل عمر، وأي نبي هذا يتقي رجلا من أمته ولا يتقي الله ؟ وكيف خشي الرجل أن يسحبه عمر برجله إلى البقيع ولم يخش رسول الله صلى الله عليه وآله أن يفعل به ذلك أو يأمر فيفعل به ؟ أو أن عمر ما كان يميز بين الحق و الباطل فيحسب أن كل ما ينشد من الباطل، فيجاريه النبي صلى الله عليه وآله على مزعمة ؟ فهل علم الراوي أو المؤلف بهذه المفاسد، أولا ؟. فـــإن كان لا يدري فتلك مصيبة * وإن كان يدري فالمصيبة أعظم - 7 - أخرج البخاري في كتاب المناقب باب مناقب عمر عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر. وأخرج في الصحيح بعد حديث غار عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب أسلفنا ألفاظ هذه الرواية في الجزء الخامس 42 - 46 ط 2، ومر هناك عن القسطلاني قوله: ليس قوله " فإن يكن " للترديد للتأكيد بل كقولك: إن يكن لي صديق ففلان إذ المراد إختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء. الخ. قال الأميني: أنا لست أدري ما الغاية في حديث الملائكة مع عمر ؟ أهي محض / صفحة 91 / إيناسه باختلاف الملك إليه وتكليمه إياه ؟ أم هي إقالة عثراته، وتسديد خطاه، ورد أخطاءه، وتعليمه ما لم يعلم ؟ حتى لا يكون خليفة المسلمين خلوا عن جواب مسألة، صفرا عن حل معضلة، ولا يفتي بخلاف الشريعة المطهرة، ولا يرمي القول على عواهنه، إن كانت للمحادثة المزعومة غاية معقولة فهي هذه لا غيرها، إذن فراجع الجزء السادس وتتبع الخطى، وترو في الأخطاء، واسمع ما لا يعني، وانظر إلى التافهات، و عندنا أضعاف ما هنالك لعل بعض الأجزاء الآتية يتكفل بعضها إن شاء الله تعالى، فهل هذا الملك طيلة صدور ما في نوادر الأثر في الجزء السادس منه كان في سنة عن أداء وظيفته ؟ أو كان ما يصدر خافيا عليه ؟ أو أن الاستبداد في الرأي كان يحول بينهما ؟ أو أن الملك في حله وترحاله قد يتأخر عن الأوبة إليه ؟ فيقع ما يقع في غيبته، أو أن القصة مفتعلة لا مقيل لها في مستوى الصحة ؟ وهذه أقوى الوجوه ولعله غير خاف على البخاري نفسه لكنه... - 8 - إن الحسن والحسين دخلا على عمر بن الخطاب وهو مشغول ثم انتبه لهما فقام فقبلهما و وهب لكل واحد منهما ألفا فرجعا فأخبرا أباهما فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عمر نور الاسلام في الدنيا وسراج أهل الجنة في الجنة. فرجعا إلى عمر فحدثاه فاستدعي دواة وقرطاسا وكتب: حدثني سيدا شباب أهل الجنة عن أبيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال كذا وكذا، فأوصى أن يجعل في كفنه ففعل ذلك فأصبحوا وإذا القرطاس على القبر وفيه: صدق الحسن والحسين وصدق رسول الله. قال الأميني: بلغ هذه القصة الخيالية من الخرافة حدا ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات كما في تحذير الخواص للسيوطي صفحة 53 فقال: والعجب من هذا الذي بلغت به الوقاحة إلى أن يصنف مثل هذا وما كفاه حتى عرضه على أكابر الفقهاء فكتبوا عليه تصويب هذا التصنيف. ا هـ. قاتل الله الغلو في الفضائل فإنه شوه سمعة أكابر الفقهاء، كما سود صحيفة التاريخ، وقبح وجه التأليف. |